الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدواء ... ودواء من الشرق

أحمد أوحني

2011 / 12 / 26
الادب والفن



في الآونة الأخيرة يظل صديقي شارداً لمعظم الوقت . يضع يده على خده ويغرق في بحر من الأفكار اللامنتهية تأخذه إلى وجهة غير معلومة . قلت له غير ما مرة إنها عادة سيئة وتوحي بالفشل واليأس والاستسلام ، يتراجع عنها ولكن سرعان ما يعود إليها من جديد . سمعته يتكلم لوحده فظننته يغني ليرفه عن نفسه حتى تأكدت من أمره . من يا تـرى يخاطب وماذا تـراه يقول لمخاطبه الافتراضي ؟ من لا يعرفه يظن أنه أحمق ، ولكنني يقن على أنه يمر بحالة مرضية أوضائقة خانقة ما ، إما مالية أو عاطفية أو متصلة بعائلته الكبيرة أوالصغيرة . وددت من باب الفضول أولاً أن أعرف هذا الشيء الذي جعله يعيش هذه الحالة الكئيبة ، ثم إنني رغبت في الوقوف إلى جانبه ومساعدته كصديق لتجاوز أزمته .

ترددت كثيراً قبل أن أسأله ، ولكن بعد أن أصبح يثير شفقتي عليه وملاحظات الآخرين ، خاصة عندما علمت أنه لم يعد ينام إلا قليلاً ، وأن شهيته للأكل أصبحت غائبة تماماً ، زد على ذلك بعض العصبية التي تنتابه من حين لآخر وتصرفاته التي تغيرت وساءت ، وما كانت تلك عادته من قبل . أعرفه منذ سنوات ، رجل طيب الخلق والناس في محيطه يشكرون له خصاله الحميدة .
قلت له ونحن راجلان خارج البلدة كعادتنا أيام العطل :
- " ما هو هذا الشيء الذي يستحق أن تتعذب من أجله إلى هذا الحد ؟ اعلم يا صديقي أن لا شيء ينبغي أن تشقى لأجله ويحولك إلى ما أنت فيه الآن من هـمّ وغـمّ وسلال وهزال ".
- " هل تشكو من مرض ما ؟ هل تحتاج إلى عون مالي ؟ أهو الأمر متعلق بشؤون الأسرة ؟ "
- " إنني أراك تدنو من الموت من العجف ، أودّ مساعدتك حتى تخرج من هذا المَضِيق وتعود كما كنت في سابق الأيام " .

سكت كثيراً وبالغ حتى جعلني أندم على استفساراتي التي حسبتها ثقيلة عليه ، وبدأت في لوم نفسي لهذا التدخل في حياة شخص وهذا التطاول على سرائره التي لا يريد ربما أن يحجوها للغير . أخيراً ، جلس على جذع شجرة وطلب مني الجلوس إلى جانبه . زفـر بعمق ، وما كاد يحدثني حتى دفـق دمعه مثل طفل يفعل من أجل أمه .

تذكر كيف عاش يتيماً منذ طفولته الأولى رغم وجود والديه آنذاك ،
وكيف اغتصبت منه طفولته في وقت مبكر ،
وكيف كان يعامله أقرانه ، ذكوراً وإناثاً ، حيث وفد على حيهم من البادية ولم يكن يحسن الحديث مثلهم ،
وكيف كان رجال الحي يلقبونه على مسمعه ب : الغريب أو " البرَّاني" ،
وكيف اتخذته نساء الحي سخرياً لأحمالهن ، وكان يفعل ذلك مقابل ريال أبيض أو قطعة حلوى أو بدون مقابل ،
وكيف صفعته ذات مرة امرأة لأنه فقد في الطريق قطعة نقدية من خمسين فرنكاً ،
وكيف كانت تجبره زوجة أحد الأغنياء على حمل محفظة ابنتها الجميلة والأنيقة من وإلى المدرسة ،
وكيف كان مُلزماً على غسل ملابسه في الساقية أيام الجُمع والآحاد منذ ربيعه التاسع ،
وكيف كان يتسلل منتصف الليالي أو قبيل الفجر إلى أشجار الزيتون ويسرق كمية يلفها في سترته ويبيعها في الصباح الموالي مقابل عشرين فرنكاً أو أقل ،
وكيف قضى إحدى الليالي في مقبرة هرباً من العقاب لفعل لا يستحق هذا الهلع في نفس طفل صغير ، يقول إن الخوف فارقه إلى الأبد منذ تلك الليلة ،
وكيف بات ليله بدون وجبة عشاء مرات عديدة ،
وكيف ... وكيف ... وكيف ...

كل هذا وأشياء أخرى عندما تطفو الآن على سطح أفكاره ، يتألم ويودّ لو كان بإمكانه إعادة حياته من جديد ، لعله يسلك سبلاً أخرى قد تكون أحسن لتصنع منه رجلاً أفضل منه .
اليوم وقد أخذ المشيب منه ، يتذكر هذه الأدواء المؤلمة التي لا تزال تلازمه في كل وقت . قال لي وهو يبتسم :
" لقد وجدت لنفسي وصفة سحرية عجيبة ستشفيني عما قريب " .
قلت له : " هكذا أتمنى أن تكون ، ولكن ماذا تكون هذه الوصفة ؟ " .
أجاب في استحياء : " دواء شاف يوجد في جوف قلب فتاة شرقية " .
------------------------------------------
• كل ما وافق وطابق الواقع ، فهو من نسج الخيال وسبيل الصدفة .
أحمـد أوحنـي – مراسل وكاتب صحافي - أفـورار - المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤلف فيلم السرب : تحضير الفيلم استغرق وقت طويل.. عمر عبد ال


.. لماذا قاطع طلاب خطاب الممثل جيري ساينفيلد؟ • فرانس 24 / FRAN




.. عادل إمام: أحب التمثيل جدا وعمرى ما اشتغلت بدراستى فى الهندس


.. حلقة TheStage عن -مختار المخاتير- الممثل ايلي صنيفر الجمعة 8




.. الزعيم عادل إمام: لا يجب أن ينفصل الممثل عن مشاكل المجتمع و