الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعادة الرؤية العربية.. جدلية الداخل والخارج في ضوء صفقة الاسير الاسرائيلي شاليط

فرات محسن الفراتي

2011 / 12 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


لا اعتقد ان هنالك ازمة سياسية معاصرة، ضلت محوراً للشد والجذب كما الحال بين الصراع العربي – الاسرائيلي.. ذلك الملف المعلق دوماً، العرب وبعيداً عن منطق الحلول العقلانية التزموا بتراثهم الشعري كألية للخطاب تجاه هذا الملف.. شعارات وقصائد وامنيات مليئة بالتحريض واقصاء الاخر والحث على الكراهية والدعوة للعنف.. وربما ان العزلة الثقافية الجبرية وتسيد المؤسسة الدينية في العالم العربي ساهم بزيادة الضبابية لواقع الازمة وجذر العنف والاقصاء كوسيلة للحل، الا ان ثورة الاتصالات المعاصرة وخاصة الالكترونية منها كسرت العديد من القيود المفروضة على العقلية العربية.. وسهلت من الانفتاح على الاخر.. موفرة للعديدين اعادة قراءة او قراءة جديدة للمشكلات المحيطة والمشكلات مع الاخر المشوه داخل الاطر النمطية القديمة.
اول مصاديق الانفتاح في اعادة قراءة الصراع العربي – الاسرائيلي هي التأكد بأن الطرفان ليسوا شركاء فقط بالمشترك الانساني العام بكونهم بشر، بل تجمعهم العديد من العوامل المشتركة الانثروبولوجية والثقافية والتراثية.. وخاصة في نصوص الدين والتاريخ.. كما ان الانفتاح الفكري والايمان بمطلقية المفهوم الانساني يؤمن بحل لا يقصي احد على حساب احد.. اي ليس طرد الاسرائيليين كلهم او طرد الفلسطينين كلهم بل البحث عن سبل للتعايش ضمن اطر للسلام في منطقة لم تستقر منذ عقود.
العرب كحكومات وعبر مبادراتهم التي ازدادت ربما بمرحلة المتغيرات العالمية مطلع القرن الجديد تزامنا مع توقف عاجز لخارطة الطريق قدموا افكارا رسمية وعبر الجامعة العربية بأن يعترفوا بأسرائيل مقابل اعتراف اسرائيلي بدولة فلسطينية، وهذا الطرح العقلاني يبتعد عن شعارات الانهاء والتحرير والابادة التي يتراقص بها العديد عبر المحطات الفضائية والاعلام المكتوب.
القراءة العقلانية تستوجب تفهم الاخر عدو كان ام صديق.. يذكر احد الصحفيين العرب انه زار الرئيس اليوغسلافي السابق تيتو فسأله سؤال عام ربما رغبة بالاستفزاز قائلا (سيادة الرئيس ما هي اخر اخبار العالم الشيوعي؟) تيتو التفت بهدوء وقال (اذهب للفاتيكان) وبهذا الجواب رسالة واضحة بأن من تختلف معه يعرفك بدقة ويتابع اخبارك.. وهذا المنطق لم يعرفه الفكر العربي التقليدي الذي عامل دوما عدوه بالتغيب ومنع قرأة كتبه وافكاره بل حتى حججه التي يفترض ان تعرف كي يحاجج بها.. ولم يزرع سوى ثقافات الكراهية والتعبئة للصدام والقتال والعنف.. مستخدما النصر والدين كعبارات لا تجد مبرراً.
عملية تبادل الاسرى بعد الحروب والمراحل العنفية لا ينظر لها كملف انساني فقط بل ينظر لها ايضاً علامات للتقارب وامكانيات لآنهاء الخلافات وتجذير السلام، ولسنوات طويلة تعامل العرب مع تبادل الاسرى مع اسرائيل بعبارات النصر والتهليل غير ملتفتين للابعاد الاخرى لعملية تبادل الاسرى.. وربما المتغيير الهام في سلسلة عمليات تبادل الاسرى العربية – الاسرائيلية كان بصفقة شاليط الاخيرة.. والتي يفترض ان تدرس وتحلل بجدية نحو واقعية التعامل مع الملفات السياسية بالمنطقة والابتعاد عن الاحلام والشعارات الجوفاء والعداءات غير العقلانية.
اليس ابدال شخص واحد (اسير) مقابل (1027) شخص (اسرى) ايضاً، شيء يحتاج للتدقيق.. ربما يجد البعض انه مهارة تفاوضية تسجل لحماس واخريين يرون انها حنكة سياسية بأعادة الاسرى.. ولكن لما لا نوغل بالواقعية ونقول اليس ما جرى درساً بالانسانية قدمته اسرائيل للعرب.. عندما اشعرتهم بقيمة مواطنيها لديها.. وبالمقابل تعيش الشعوب العربية على هامش الانتماء وفي اصعب ازمات المواطنة المعاصرة.. حتى بات المواطن العربي في العديد من المناسبات مجرد رقم حسابي.
وحتى لا تتشعب الفكرة لنسلط الضوء على الكيفية التي تعاملت بها اسرائيل مع مواطنيها (شاليط انموذجاً) كتجربة من الضروري الانتباه لها والتعلم منها في تنمية الموطنة العربية من جهة ولمعرفة رؤية اسرائيل لمواطنيها نحو تفهم كامل لآسرائيل بكونها طرفاً في الازمة التاريخية.. ومعرفتها بدقة تدعم من امكانية الحلول للصراعات وبطريقة تقدم السلام وتراعي حقوق الفلسطينين والاسرائيلين وحقهم كشعوب في العيش ضمن بلدان وبلا عنف.. وبالتالي انهاء صراع دموي استمر لعقود.
تعود قصة اسر شاليط الى 25 حزيران من العام 2006، حين قامت مجموعة مقاتلين من حماس (سبعة اشخاص) بعملية استفزازية داخل حدود اسرائيل.. من خلال استخدامهم نفق تحت الارض بين حدود اسرائيل وقطاع غزة.. المتسللين هاجموا دورية اسرائيلية قرب معبر كيرم شالوم وقتلوا ضابط وجندي واسرو ثالث (الجندي جلعاد شاليط) واصابوا خمسة جنود اخريين بجروح، بعملية وصفها (نبيل ابو ردينة) الناطق بأسم الرئاسة الفلسطينية بأنها (أعادت الأمور إلى نقطة الصفر) بالاشارة لآيقافها لعملية المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية، الرقيب اول شاليط ابن التسعة عشر عاماً حينها اقتيد الى مكان مجهول في قطاع غزة.. ولم يتأكد من بقاءه على قد الحياة الا بعد مرور سنة على اختطافه اي في حزيران 2007 حينما نشرت حركة حماس رسالة صوتية مسجلة بصوت شاليط كانت العلامة الاولى على بقاءه حياً.. وعلى الرغم من المناشدات الاسرائيلية والدولية للسماح لممثلي الصليب الاحمر الدولي بزيارة شاليط الا ان ذلك لم يحصل طيلة مدة اعتقاله (خمسة سنوات واربع اشهر)، وفي تشرين الاول 2009 جرت صفقة بين حماس واسرائيل افرجت من خلالها اسرائيل عن (20) معتقلة فلسطينية مقابل (شريط فيديو يظهر فيه شاليط)، لنتوقف هنا.. اسرائيل سلمت 20 معتقلة فقط من اجل شريط فيديو يتحدث فيه اسيرها! كم له قيمة هذا الاسير في بلده، في ايار من العام 2011 توجه رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو مخاطباً المجتمع الدولي بضرورة الضغط لمطالبة حماس بأطلاق سراح الاسير شاليط.. وخلال الايام القليلة قبل انهاء صفقة اطلاق سراح شاليط في تشرين الاول 2011 جرت في العاصمة المصرية القاهرة وبوساطة المانية مفاوضات مباشرة بين الاسرائيليين والفلسطينين اسفرت عن اتفاق ينص على اطلاق سراح (شاليط) مقابل اطلاق سراح (1027) اسير فلسطيني ثلثهم من المحكومين بالاحكام المؤبدة كما ذكر ناطق بأسم حماس، الصفقة الكبيرة كانت تفرض وقعها على الرأي العام الاسرائيلي المتسأل عن امكاني عودة سجناء ادينو بتهم الارهاب والقتل ضد اسرائيليين.. لممارسة نشاطاتهم المعادية بعد تحريرهم مما يهدد امن اسرائيل ومواطنيها.. الحكومة الاسرائيلية كانت وضعت شرطين بتسليم الاسرى هما ابقاء قادة حماس المتهمين بجرائم ارهابية بالحبس، وان يتم إبعاد الغالبية العظمى من السجناء الفلسطينيين المفرج عنهم إلى الخارج أو إبقائهم خارج مناطق محاذية لآسرائيل لحرمانهم من قدرة الاعتداء.
نتنياهو عرض الصفقة على مجلس الوزراء الاسرائيلي مبيناً انه وضع استعادة شاليط كأحدى اولويات عمل حكومته عند تسنمه للمنصب وقال في كلمته امام مجلس الوزراء الاسرائيلي (إن شعب إسرائيل لهو شعب مميز كون أبنائه يتكافلون بعضهم البعض، كما كان علماؤنا قد قالوا في الماضي إن كل من أنقذ نفساً من إسرائيل كأنه أنقذ العالم بأسره).. واردف في مورد اخر من خطابه.. (سبق لي أن خرجت بصفة جندي وقائد مرات عديدة بتكليف من جيش الدفاع للقيام بمهام خطيرة. وكنت أعلم دوماً أنه في حال سقوطي أو سقوط زملائي في الأسر فإن حكومة إسرائيل ستعمل كل ما في وسعها لإعادتنا إلى البلاد. وهذا ما فعلته الآن بصفتي رئيساً لحكومة إسرائيل. إنني أؤمن باعتباري زعيماً يوفد كل يوم العسكريين لحماية المدنيين الإسرائيليين – بأن التكافل ليس مجرد شعار بل إنه من اساسيات وجودنا هنا).. واختتم نتنياهو خطابه الذي طمن فيه المواطنين الاسرائيلين واعتذر عن من فقدوا احبائهم بأيدي من سيفرج عنهم دون اكتمال مدة عقواباتهم مؤكدا تحمله مسؤلية امن مواطنيه عبر قوله (إنني شخصياً شأني شأن باقي الوزراء ملتزم التزاماً شديداً بالسعي لاستعادة شاليط إلا أنني بالمقابل ملتزم التزاماً عميقاً بحماية أمن المواطنين الإسرائيليين. إنني أتحمل هذه المسؤولية المزدوجة بصفتي رئيساً للحكومة).
وهنا لنتوقف مرة اخرى ونتأمل هذه المقتطفات من خطاب نتنياهو.. ان الالتزام الذي يقدمه تجاه مواطنيه لضاهرة تستحق الاشادة وتلك الثقة بين المواطن وحكومته التي تأكلت في معظم الدول العربية هو مؤشر اخر يجب الاهتمام به في دراسة النظام الاسرائيلي.. اما الاشارة الى التكافل الشعبي الاسرائيلي فهو لنقطة تحتاج الى التفاتة جادة في ضوء التجاذبات والاشكاليات داخل العديد من الدول العربية بين مواطني البلد الواحد بسبب التمييز الحكومي او اختلاف الديني او الطائفي وربما بسبب التباين الاقتصادي، ليست اسرائيل بلدا مثاليا كبلدان اوربا الغربية ولكنها بالمحصلة تقع بمنطقة الشرق الاوسط وضمن محيط عربي اشكالاته البنيوية خاصة في مجال الازمة بين الشعب والحكومة لا يمكن التغاضي عنها.
وبعد مصادقته مجلس الوزراء الاسرائيلي على الصفقة.. جرى اطلاق سراح شاليط بشكل روتيني من خلال تسليم حماس الاسير عبر معبر رفح للمصريين الذين سلموه لآسرائيل لينقل بطائرة مورحية وليستقبله في بلده رئيس الوزراء نتياهو ووزير الدفاع باراك واب شاليط ثم لينقل الى بيته وعائلته.. كما جرى تسليم الاسرى الفلسطينين عبر دفعات.. وفي مؤتمر صحفي عقد بالقاهرة لقيادة حماس سأل صحفي مصري خالد مشعل زعيم حماس عن طبيعة الفدية التي تعطي بعداً انسانيا لآسرائيل بأفتدائها واحداً بأكثر من الف، فأجاب مشعل ان الفلسطينين افتدوا الاسرى بالشهداء والصمود امام الحصار.
ترى هل المواطن العربي يمتلك نفس ما يمتلكه المواطن الاسرائيلي من رباط تفاعلي مع حكومته.. ان احداث العنف في المنطقة وربيع الثورات العربية في زاوية من زواياه قدم لنا المواطنون العرب ارقاما مجردة.. نستمع اليها عبر نشرات الاخبار بألاعداد.. قتل كذا وجرح كذا واصطدم كذا.. القوات الحكومية تقتل من المعارضين والعكس يحدث.. وفي مفارقة عربية استعاضت بعض الحكومات العربية بقواتها الامنية لتستبدلها بميدين شعبين ليتبادلوا القتل مع اقرانهم المواطنين.. المواطنة العربية بأزمة والتكامل والتفاعل بين المواطن وحكومته لدى العرب بأزمة.. لما لا نعترف ان تجار الدين والسياسة يقولبون الواقع عبر شعارات براقة مبتعدين عن ازماتهم الداخلية.
ربما لن يكون هنالك عالم عربي من غير اسرائيل.. فحينها من سيكون العدو والعرب تعودوا بحياتهم وجود العدو.. وحينها من ستكون الشماعة التي تعلق عليها كل معاركهم ومشكلاتهم ودمائهم الخاصة.. بعيدا عن عالم الشعارات، ان الواقع الانساني وروحية المواطنة وقانونيتها بأزمة حقيقية.. واسرائيل ذلك البلد الصغير الواقع بين محيط يعاديه نجح في بث هذه الروحية وخلق هذا التكافل.. وتعزيز قيم الانتماء والوطنية معتبرا قيمة مواطنيه هي العليا.. العرب هنا مطالبون ان يستفيدوا من الدرس ويعتبروا منه ويتوجهوا لملفاتهم الداخلية لمواطنيهم.. الحكومات العربية مطالبة بأن تعطي ملفاتها الخارجية اجازة وتلتفت للداخل.
اذا كان شاليط الاسرائيلي اسيراً لدى عدوه.. فالمواطنين العرب اسرى داخل بلدانهم بالمشكلاات والازمات.. بالتالي فالاهتمام بهم ومتابعتهم وتحريرهم من اسرهم الافتراضي او النفسي او المادي او الانتمائي سيجعلكم تخلقون تلك الرابطة.. ذالك النوع من الاواصر الذي اكتشفنا بصفقة شاليط انه موجود بين المواطن والحكومة الاسرائيلية.. في حين ان اكثر المتفائلين لن يجرأ على ان يصف العلاقة بين المواطنين العرب وحكامهم بالايجابية وان بنسبية معينة.
العرب بحاجة لتجديد رؤيتهم لواقعهم ثم لمحيطهم.. فما مخزون بالذاكرة الجمعية ملفات لن تعمل على انظمة العالم المعاصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تحرك تصريحات بايدن جمود مفاوضات الهدنة في غزة؟| #غرفة_الأ


.. ممثلة كندية تتضامن مع غزة خلال تسلمها جائزة




.. كيف سترد حماس على بيان الوسطاء الذي يدعوها وإسرائيل لقبول ال


.. غزيون يستخدمون مخلفات جيش الاحتلال العسكرية بعد انقطاع الغاز




.. صحيفة الغارديان: خطاب بايدن كان مصمما للضغط على إسرائيل