الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل قيادة نوعية للحركات الاحتجاجية بالمغرب

وديع السرغيني

2011 / 12 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


هي شهور بدل الشهر الواحد، انتهى شهر العسل بين مكونات يسارية لم تفصح بعد عن طبيعة يساريتها، التي تجيز التحالف مع جميع من "يعادي" النظام، وبين حزب أو جماعة كما يحلو له أن يسمٌي نفسه، يدٌعي الملاحظون والمتتبعون بأنه أقوى حزب سياسي في المغرب، جماعة "العدل والإحسان" التي لا تخفي ظلاميتها وعداءها لليسار الحداثي العلماني و"الحقوقي"، فما بالك بموقفها من اليسار الماركسي الثوري الذي خلـٌفت في صفوفه الجرحى والعاهات المستديمة والشهداء.
والحديث عن حركة 20 فبراير الشعبية والجماهيرية، التي أعلنت "الجماعة" عن انسحابها منها بقرار.. حيث كان للبيان الرسمي الصادر عن دائرتها السياسية بعد منتصف الليل من يوم الأحد 18 دجنبر، بعد القيل والقال عن وضع الجماعة داخل الحركة التي تخلـٌفت أكثر من مرة عن وقفات ومسيرات الحركة بالعديد من المدن والقرى المغربية.
وكان لمقاطعة الجماعة لأغلب الوقفات والمسيرات التي نظمتها الحركة نهاية الأسبوع الفارط، تأثيره البالغ على مجريات عملية التحضير لأنشطة هذا الأسبوع، وكثرت التحليلات والتصريحات لفهم ما جرى، أي لفهم علاقة انسحاب "الجماعة" من الحركة بالمتغيرات السياسية المحلية والإقليمية في المنطقة.. وبغض النظر عن نقاش الأسباب والمبررات التي فتحت الباب للتأويلات وللعديد من الاجتهادات الخيالية والهتشكوكية، اتجه جميع المعنيين بأمر وواقع ومستقبل الحركة العشرينية، إلى القبول بالأمر الواقع للتعامل مع خلاصته بجدية، ألا وهي الثغرة العددية التي ستتركها حشود "الجماعة" بادية على جسم الحركة وأنشطتها المستقبلية.. الشيء الذي دفع ببعض مكونات الحركة الدخول في سلسلة من التحديات، تحاول منذ الآن البحث عن آليات قمينة بملأ الفراغ الذي سيخلفه انسحاب "الجماعة" الغير مأسوف عليه.
تحدي ذاتي إرادوي، وبما هو رد فعل لا نرى منه جدوى، إن لم يكن قفزة في الهواء، لا أقل ولا أكثر.. إذا لم يتم التقييم لهذه التجربة الغنية وإذا لم يتم الوقوف على أخطاءها وثغراتها وانزلاقاتها، قبل الانطلاق من جديد في مسلسل الثورة والاحتجاج الذي لا تحده السقوف ولا تحصره الأسوار.. صحيح أن حضور "الجماعة" في قلب الحركة وعلى رأسها، أثر بشكل سلبي على حضور اليسار وعلى العلاقات بين مكوناته، لكن انسحاب طرف من الأطراف، كيفما كانت قوته وحضوره الميدانيين، لن يعالج في شيء ضعف اليسار المزمن وأخطاءه القاتلة، التي من بينها إضافة لأخطاء كثيرة أخرى، ارتماءه في أحضان وحسابات الجماعة، بدون شروط.. فالكل يتذكر المآل الذي عرفته تجربة الحركة المناهضة للغلاء، وتجربة جمعية المعطلين، وتجربة جمعية أطاك، وتجربة الحركة الطلابية..الخ التي فشلت جميعها في حشد القواعد والمناصرين بعيدا عن إقحام "الجماعة وأخواتها" في هذه الحركات.
وحول حيثيات هذا الانسحاب، لم تكن مبرراته المعروضة، مقنعة لأي كان، أي بمن فيهم العديد من أعضاء "الجماعة" القياديين، في التنظيم وفي الحركة.. وقد أبدى الجميع بعد عملية الانسحاب هذه استغرابه نحو العملية ومبرراتها، بأن أجمعت جميع مكونات اليسار الداعم لحركة العشرين، عن كون ما قدمته الدائرة السياسية من مبررات ليس سوى ضحك على الذقون، ودر الرماد في الأعين لحجب الرؤيا عن الخلفيات الحقيقية لموقف الانسحاب، باعتباره انسحاب سياسي ناتج عن قراءة سياسية للوضع، وليست المشكلة في سقف الحركة ـ الملكية البرلمانية ـ أو في محاولات الهيمنة أو التوجيه الإيديولوجي اليساري وما ينتج عنه من خلافات مع التوجهات الظلامية بوجهيها الخرافي والسلفي الأصولي.. فما ذكٌرت به الجماعة وقدمته كمبرر لانسحابها، كان قائما منذ ولادة الحركة العشرينية وانطلاقها كفاعل احتجاجي قوي في الساحة المغربية.
فالخلافات العميقة والعصية عن الحل بين التقدمي والرجعي، وبين الحداثي والظلامي، وبين المناهض للاستغلال والمدافع عن الرأسمالية والاستغلال.. ليست وليدة اللحظة، وإذا انسدت الآفاق بالنسبة لحركة العشرين أو بالنسبة لأدوار الجماعة داخل هذه الحركة فآفاق النضال اليساري لم تغلق ولن تغلق أبدا باعتبارها آفاق تقدمية دائمة الانفتاح والاتساع والرحابة لما فيه الخير للمحرومين والمضطهدين والمستغـَلين.. والبشرية جمعاء.. فلكل تقديره وتعريفه للأفق ولآفاق الحركة، بالنظر للاختلاف والتناقض حسب زوايا النظر الطبقية، وبالنظر كذلك لمناهج التحليل، وللمصالح المعلنة وغير المعلنة لكل طرف من أطراف ومكونات الحركة.
ما يهمنا الآن كيسار اشتراكي هو إعادة فتح النقاش حول واقع ومستقبل الحركة الاحتجاجية بالمغرب، ولم يكن هدفنا عبر هذا المقال البسيط والمركز تسليط الضوء على هذا الانسحاب، الذي لا بد وأن ينقشع عنه التعتيم الذي يلفه الآن، في المستقبل وفي أقرب الآجال، خاصة بعد أن تبيٌنت إمكانية استحواذ القوى الظلامية على كراسي السلطة الفارغة، بدون مجهود يذكر.. إن لم تكن الاتصالات المكوكية بين هذه القوى وسفارات الدول الإمبريالية وبالأخص الولايات المتحدة، هو المجهود الوحيد الذي يُبذل الآن بتعقل ورزانة، خدمة لهذا الاتجاه وهذه الأهداف.. حقائق لن يكذبها أحد، خاصة بعد تجربة تونس ومصر، حيث أجمع شباب الثورة عن غياب "الإخوان" و"النهضة" وجميع مكونات الحركة السلفية عن أية مشاركة أو إعداد للثورة.. وكذلك الشأن بالنسبة للمغرب حيث فاز حزب "العدالة والتنمية" الظلامي، بالأغلبية في الانتخابات التشريعية، وعـُيٌن أمينه العام رئيسا للحكومة، بعد مواجهة شرسة من لدن الحزب لجميع الاحتجاجات الجارية في المغرب، والتي طالبت بقوة بتغيير حقيقي وجذري للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالمغرب.
وبعيدا عن البكاء والنحيب عن الإمكانيات العددية التي كان "للجماعة" الفضل في حشدها وراءها وليس وراء الحركة كما خـُيٌل للبعض، بعيدا كذلك عن أي انزواء في الركن كرد فعل على هذه "الخيانة" التي كانت معروفة ومحسوبة ومخطط لها منذ البداية، بل ومُسَلـٌم بها حتى من طرف العديد من المشاركين المرغمين والمنبهرين بالحشود.. نود الاستمرار في نقاشاتنا الإستشرافية، بعيدا عن هذه التقديرات الغبية، وعن حسابات الأعداد والحشود والجماهيرية الهشة والمهزوزة التي تحضر بحضور المشعوذين وتغيب بأوامر منهم، بالرغم وضدا على واقعها المزري، وعلى ظروف عيشها المأساوية وضخامة ملفاتها المطلبية الملحٌة والمؤجلة.
فالنقاش الذي يفرض نفسه الآن، هو نقاش حول ضرورة الاستمرارية والصمود والكفاحية، على أرضية المطالب الشعبية والديمقراطية، العادلة والمشروعة، وبآفاق رحبة ومفتوحة.. وفق تصور يبوء قوى اليسار التقدمي المناهض للاستبداد والاستغلال، مواقعه الطبيعية التي ستمكنه من إعادة الاعتبار لمواقف اليسار، وقيم اليسار، ومشروع اليسار.. دون الجري وراء الشعارات الغامضة والمواقف العرجاء والأهداف المبهمة، التي شكلت الحركات الفضفاضة الهلامية مرتعا لانتشارها وسيادتها.
فمن المعروف أن اليسار قد تشكل تاريخيا، وانطلاقا من التجربة الثورية الفرنسية، عبر معاداته للرأسمالية وللمخططات السياسية والاقتصادية البرجوازية التي استهدفت حينها وبشكل جلي، طموحات الطبقة العاملة والشغيلة وسائر الفقراء والكادحين في المدن والأرياف.. من أجل الحرية والديمقراطية والمساواة وتحسين الأوضاع الاجتماعية، في اتجاه القضاء على الاستغلال وبناء الاشتراكية.
وحين تغيب الطموحات عن برامج ومواقف وشعارات أية هيئة أو تيار أو حركة، فلن نسميها يسارا، رغم ادعاءها لذلك، لأنها لن تستحقه.. وحين يضع المرء يده في أيدي المدافعين عن التخلف والظلامية والاستغلال والاستبداد.. المناهضين للحداثة والتنوير والعلمانية وحرية المرأة وحرية المعتقد.. فلن يستحق صفة اليساري أو التقدمي أو الديمقراطي حتى، بالرغم من صراخه وزعيقه، وبالرغم من تقديمه لجميع التبريرات البراغماتية التي قدٌمها البعض، حتى لا ننعت أحدا بالوصولية والانتهازية والسباحة في بحر الذرائعية العميق، حيث سادت وتسود النظريات التي تطلب منٌا، وقتما ارتأت هي ذلك، تغليب التناقض الرئيسي عن التناقضات مع القوى الظلامية، التي أصبحت بقدرة قادر، في نظر العديد من معتنقي هذه النظريات، تناقضات ثانوية وفقط.. تناقضات لا علاقة لها بالتحليل العلمي وبالالتزامات السياسية الطبقية، التي لا بد من إشهارها لجميع المنتسبين للحركة ولقواعدها وللجماهير المدعمة لها.
فالمطلوب خلال هذه المرحلة، حسب رأينا وقناعتنا اليسارية الاشتراكية، ووفق المعطيات السياسية الجديدة التي تعرفها الساحة المغربية المفتوحة على جميع التطورات والاحتمالات، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الأزمة العامة التي تعيشها الرأسمالية بمواقع القرار وقلاعه الرئيسية، السياسية والاقتصادية والعسكرية.. أن يتجنب اليسار وقوى اليسار الاشتراكي الحقيقية والمبدئية، ردود الأفعال والتجريبية المقيتة والقاتلة، لأننا لسنا بصدد وأمام مهمة خلق الحراك الاجتماعي ومختلف تمظهرات الصراع الطبقي، ولسنا أمام مهمة استئصال حركات سياسية موجودة في قلب المجتمع، لسنا كذلك أمام مهمة التأسيس للحركة الاحتجاجية الموجودة موضوعيا رغم أنفنا، تحالفنا أم لم نتحالف، استمرٌينا أم لم نستمر.. لسنا في الأخير أمام مهمة إعادة إنشاء حركة 20 فبراير..الخ نحن الآن أمام مهمة تقويم ممارستنا الميدانية وخطنا النضالي، والتقويم لا يكون ارتجاليا واعتباطيا ولا ردة فعل أمام كل معطى جديد، بسيط كان أو معقد.. التقويم يجب أن يكون بعد جلسة أو جلسات تقييمية تشارك فيها جميع مكونات الحركة اليسارية، المبدئية والميدانية، بغرض تقديم الحصيلة والبحث في الأخطاء والثغرات والمثبطات المعطلة لمسيرتنا النضالية والتحررية.. يجب تجديد البرامج والشعارات والأرضيات.. بناء على هذا التقييم وبما يخدم مصالح الكادحين والمحرومين والمهمشين، والطبقة العاملة وعموم الشغيلة وفقراء المدن والأرياف..الخ الذين أبانوا عن استعدادهم للنضال بدون هوادة أو تراجع، وعن استعدادهم للتضحية والاستشهاد من أجل مغرب الحرية والكرامة والديمقراطية، مغرب بدون استبداد وبدون حـﯕرة وبدون استغلال.

وديع السرغيني
21 دجنبر 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يهدد بإيقاف شحنات الأسلحة إلى إسرائيل ما تبعات هذه الخ


.. أسو تتحدى فهد في معرفة كلمة -غايتو- ????




.. مقتل أكثر من 100 شخص.. برازيليون تحت صدمة قوة الفيضانات


.. -لعنة الهجرة-.. مهاجرون عائدون إلى كوت ديفوار بين الخيبة وال




.. تحديات بعد صدور نتائج الانتخابات الرئاسية في تشاد.. هل تتجدد