الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورات العربية في ميزان الشريعة

عماد صلاح الدين

2011 / 12 / 26
مواضيع وابحاث سياسية



في سياق البحث الفقهي والفكري في الإسلام؛ في العقيدة والشريعة، والمقصود بالشريعة هنا هي الشريعة الإسلامية الرسالية العالمية التي جاءت على يد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مصداقا لقوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الآية 107/الأنبياء، فان المفكر الإسلامي والفقيه الشرعي الموضوعي، لا يعثر من قريب أو بعيد على المسمى الشكلي والمؤدى الاصطلاحي لكلمة الثورة أو جمعها الثورات.
هذا بالمطلق لا نجده في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية الشريفة، المصدرين الأساسيين للتشريع الإسلامي بنسخته الخاتمة؛ إذا إن العقيدة واحدة منذ ادم عليه السلام وحتى قيام الساعة.
مسألة الاستقامة والانضباط البشري الحق المنسجم والقريب في نسبية التماهي مع الحالة السُنوية للكون بأسره من الذرة فأدناها إلى المجرة فاعلاها، لا شك انه يحكمها جميعا منهج قويم يقوم على الوسطية لا إفراط فيه ولا تفريط. واضح ذلك في الصورة الهيكلية العامة له؛ بائن في العناصر المكونة لنموذج الحياة السليم في غير صعيد من صعد تنظيم مجالات العيش الدنيوي، وفي صعيد المبتغى الأساس للعيش في سعادة أبدية في دار الحيوان كذلك قال تعالى: ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين) الآية 77 القصص.
إذن، والحالة هذه بمنطق ما سلف، فان تحقيق النموذج الإنساني الفذ والمبدع، لابد له من العودة إلى النصوص التشريعية في القرآن الكريم والسنة النبوية، وأدوات التشريع الأخرى من قياس واجتهاد وإجماع لعلماء الأمة وفقهائها.
وهذا كله في خاتمة قيام المنهج الأصوب لرشد الإنسانية إلى سبل الفلاح، يطلق عليه في فكر الإسلام الدعوة إلى الله تعالى عقيدة وشريعة؛ لغاية تحقيق العودة الطبيعية للإنسان إلى منطلق خلقه وتكوينه القائم أساسا على الفطرة السليمة الموحدة لله عز وجل مصداقا لقوله تعالى: ( إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ ... عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا...) الآيتان8،7 الإسراء.

من جديد، هنالك منهج يقوم على الدعوة الاعتقادية، كما هي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، في دعوته عشيرته وأهله الأقربين في مكة (وأنذر عشيرتك الأقربين) الآية 214 الشعراء، ثم رحلة الدعوة إلى المدينة المنورة التي استمرت في المجمل ثلاثة عشر عاما عقيدية، وعشرة أعوام تشريعية تنظيمية، فكانت المرحلة مرحلتين؛ مكية ومدنية. إلى أن جاء فتح مكة الأعظم والأكرم، الذي توج البنية الأساس لدولة الإسلام الأولى في تاريخها الوليد(إنا فتحنا لك فتحا مبينا) الآية 1 الفتح.
بهذا فان في الإسلام للتدليل على الصلاح والفلاح وتحقيق الحرية للإنسان، والسموق والتقدم في مناحي الحياة جميعا، مفردة الدعوة الجامعة والمنهج القويم الذي لا يحيد عن الحق المبين كما في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}! (آية 159 سورة الأنعام) وقوله: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ(30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ(31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)! (آية 30-32 سورة الروم). وهي هنا مسألة تقوم على الحسنى في الدعوة، والتدرجية في إصلاح أحوال الناس ومعاشهم، والفوز في النهاية بالسعادة الأبدية يوم القيامة {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}. آية 125من سورة النحل.
إن الإسلام الفقهي والتشريعي يطلق بالمجمل دون تشخيص حالة ثورية بعينها عبر الأمصار والإعصار، على حالة الثورات بالمعنى الإنساني والتاريخي مصطلح أو مفهوم الفتنة أو الفوضى؛ فالكلمة من حيث الاستخدام اللفظي لخدمة المضمون منشؤها أوروبي، استجابة لحالات الثورات التي زخرت بها أوروبا الغربية والشرقية وأمريكا الشمالية في عقود القرون السابعة عشرة والثامنة عشرة والتاسعة عشرة؛ في فرنسا (الثورة الفرنسية) وفي أمريكا ( الحروب الأهلية في شقي الولايات المتحدة الأمريكية) وكذا الأمر بالنسبة لثورة الروس أيام الإمبراطورية الروسية في فاتحة القرن العشرين المنصرم ( الثورة البلشفية).
ما سلف، لا يعني من وجهة نظر إسلامية أن الثورات حالات سلبية من حيث الغاية ودواعي التحرك بها، بل هي تقع في نظر الإسلام من زاوية الدائرة الإنسانية على أنها مساع طيبة لأجل تنسم بعض من أجواء وممارسات حياة الحرية؛ فالحرية أساس الإبداع، والتاريخ والطبيعة تكره الفراغ كما يقول الفيلسوف والمفكر اليوناني القديم أرسطو طاليس قبل آلاف السنين من الميلاد المجيد.
لكن النظرة الأعمق من الإسلام الحق( في قلب الدائرة الإسلامية) لهذه الثورات بالمعنى الإنساني، انه يخالطها كثير من الفتن، والتعارك والتقاتل، ثم الانقلاب بعد عقود ليست بطويلة، من قبل نظم هذه الثورات إلى حالة من السوء ربما تفوق الحالة الكائنة لما قبل قيم الثورة ونجاحها وإقامة كيانها السياسي والمجتمعي الناظم لها. باختصار، وبالإضافة إلى ما سبق، فان الثورات ذوات الرؤى الإنسانية في العادة تأتي كردات فعل بسبب وقع الظلم والاضطهاد، وهي ينقصها بكل تأكيد المعين العقدي(الإيديولوجي) الصحيح، الذي يؤمن لها استمرارية دفق الالتزام لأجل عطاء إنساني متنوع مبدع تكون خلاله وشمائله الحرية والعدل والاستقامة لفترات من حياة الزمان ربما تستمر قرون.
وعلى أي حال، فان التدافع الإنساني عبر التاريخ مطلوب، قال الله تعالى :{ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ }الآية 251 من سورة البقرة.
.
بل إن هناك رأيا في الفكر الإسلامي مستقى من الكتاب والسنة وجملة الفقه الإسلامي وتجربة الدعوة الإسلامية، يقول: إن الله عز وجل يهيئ عبر الادهار ميزان القوى بين الأمم ( ميزان القوى الاستراتيجي في العلاقات الدولية، حسب المفهوم العصري)؛ لكي ينتصر الحق على الباطل، ويكتب النجاح للدعوات الصادقة والمشرقة سواء على مستوى الدين أو الإنسانية التي لم تتلق نموذج التغيير والإصلاح الإلهي بعد.
ووفقا لما سبق فان الدعوة الإسلامية الخاتمة ما كان لها أن تنجح، لولا تلك الحروب والتدافعات التي حصلت بين إمبراطوريتي روما وفارس وحلفائهما قبل مئتي عام من مجيء الدعوة الإسلامية. على رغم أنها مؤيدة بالوحي السماوي؛ لان البشر تحكمهم واقعيات الملموس والمحسوس أكثر بما لا يقاس من السبح والشطح في عالم الورائيات والخيالات.
وان المتابع لما يجري في المنطقة العربية في تونس ومصر وليبيا والبحرين واليمن وسوريا؛ في دفتي العالم العربي بمشرقه ومغربه، ليستشعر ويستشف حثيثا أن وراء الأكمة ما وراءها؛ من ناحية تهيئة وتأهيل الحالة الإستراتيجية المستقبلية للمنطقة العربية لتكون من جديد النموذج الحق للإسلام.
لان الناس ما قبل هذه الثورات، كانوا إلى حد ما مخدوعين بدعوات شرقية وغربية وحتى -ومن أسف -بمذهبية، خذ على ذلك مثالا: حالة النفاق المكشوف للمشروع المذهبي الشيعي المتمثل بإيران وحزب الله في الجنوب اللبناني؛ فهذا المشروع امتدح في البداية ثورة تونس ومصر وتاليا ثورة الليبيين، ثم رأيناه يرتكس وينكص إلى بعيد من موقفه المبدئي الأولي ليميز أخيرا بين مجرم ومجرم في إشارة لوقوفه إلى جانب النظام السوري ألبعثي.
فلعل هذه الثورات، وما يلحق بها من تدافعات في المنطقة العربية الإسلامية على شكل حروب بين أطراف بعينها تشمل إيران وحزب الله وإسرائيل وربما الوجود الأمريكي والغربي في منطقة الخليج تحديدا، يقود إلى إهلاك هذه المشاريع الاحلالية الاحتلالية الأمريكية والغربية والصهيونية والمذهبية الشيعية الإيرانية، ليخرج من بين كل هذا الركام الإسلام النموذج الذي يُراد لنوره وعدله أن يشمل البشرية جميعا على وجه هذه المعمورة.
وفي النتيجة: فان هاتيك الثورات رغم ما يعتريها من فتن ومناحرات وهرج ومرج... الخ، إلا أنها وفقا لكل ما سبق تعد وسيلة دفع إنسانية طيبة من ناحيتين: الأولى، هي وضع حد - ولو مؤقتا - لكل الطغاة والظلمة والمستبدين. الثانية، أنها تعتبر مقدمة موطّئة لأجل الإصلاح والعودة بالأمور إلى طبيعتها النسقية المفطورة في الإنسان، وان كانت تقع في الدائرة الإنسانية، رغم أفضلية النسق الإسلامي في دائرته الأعمق المطلوبة، والله أعلم.
كاتب فلسطيني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ


.. الحوثيون يعلنون استهداف -سفينة إسرائيلية- في بحر العرب| #الظ




.. قصف إسرائيلي يستهدف بلدات الخيام وعيتا الشعب وكفرشوبا وشبعا