الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصمت الأبيض

مرح البقاعي

2011 / 12 / 26
مواضيع وابحاث سياسية



حين التقيتُ وزيرة الخارجية الأميركية السيدة هيلاري كلينتون، إلى جانب مجموعة من الناشطين السوريين في مكتبها في الثاني من آب 2011، وكان لقاء مغلقاً مع فريق عملها لم تحضره الصحافة، لفتني في حوارها معنا الذي دام لمدة ساعة وخمس دقائق، أنها قالت بوضوح "نحن لا نريد (أمركة) Americanize الحراك السياسي السوري". قرأت على الفور، في إشارتها تلك، رغبة مستترة ما وراء المصطلح مفادها النأي بالنفس عن هذا المدّ الثوري الذي يجتاح منطقة الشرق الأوسط، والتعامل معه حسب المصالح المحدّدة الأميركية، كل حالة على حدى، تماماً كما شهدناه من المواقف المتناقضة للدبلوماسية الكلنتونية تجاه الحراك الثوري عينه، وحسب الترتيب الزمني لاندلاع الثورات الشعبية في إيران ثم ليبيا ثم سوريا. قلت في نفسي حينها: (ونحن لن نطالبكم بما لستم قادرين أو راغبين في تقديمه للثورة السورية موازاةً بما امتنعتم عن تقديمه للحركة الخضراء في إيران، في حين اقتضت الحاجة أن تتوغلوا في لعبة سياسة القوة الذكية Smart Power في ليبيا حتى العثور على القذافي في حفرة أيضاً على غرار حفرة صدام حسين)!

ارتكزت مرجعية السياسة الخارجية لإدارة باراك أوباما الديمقراطية حيال دول المحور الساخن: سوريا، لبنان، اسرائيل، إلى منعطف استثنائي في الأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة انتقل من اعتماد مرجعية "الأرض مقابل السلام" في التعاطي مع مشروع المفاوضات المعلّقة بين سوريا واسرائيل، إلى صيغة أكثر تعقيداً و إلحاحاً تتضمن علاقة سوريا مع الثالوث المضاد: إيران، حزب الله، المنظمات الفلسطينية الراديكاليّة. وجاءت هذه المرجعية على النقيض مما اعتمدته إدارة جورج دبليو بوش، حيث تراجعت في عهده أهميّة المكوّن الاسرائيلي للعلاقات بين دمشق و واشنطن مقارنةً بالمكوّنات السياسية الإقليمية الأخرى في العراق ولبنان. وبناء عليه، اعتمدت سياسة بوش حيال سوريا سياسة القوة الناعمة Soft Power، و التي مفادها مراقبة الحالة السورية بدقّة وعن قرب دون الدخول في مواجهات مباشرة مع دمشق، هذا إلى جانب إبقاء كلّ الاحتمالات مفتوحة على التعامل مع نظام الأسد وشبكة أحلافه الإقليمية التي انحدرت من أروقة السياسة العليا لدول الجوار إلى أقبية الميليشيات المسلحة.

وصل باراك حسين أوباما إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض مستنداً إلى عاملٍ أساس، ألا وهو الرغبة الجامحة للشعب الأميركي في تغيير وجهة السياسة الأميركية إلى نقيض ما آلت إليه السياسات البوشية، ولا سيما في العراق، حيث تكمن العقدة النفسية الأصعب في الذاكرة الأميركية المعاصرة ما بعد العقدة الفييتناميّة. وضمن هذا السياق تحوّلت السياسة الخارجية لإدارة أوباما من صفتها "الناعمة" إلى "الذكيّة". والسياسة الذكية ليست بالجديدة على الذهنية الأميركية، بل تعود إلى عهد منظّرين روّاد من أمثال كارل فون كلوزويتز ولورنس العرب الذين دعوا إلى سياسة خليطة تعتمد على استعمال القوة العسكرية محمّلة بأيديولوجيات داعمة. وقد تجلّت هذه السياسة واضحة في النهج الأميركي في ليبيا عبر مساعدة الثوار، عسكرياً ولوجستياً، في إسقاط القذافي بمنظومة استبداده الأربعينيّ.

أما في الحالة السورية، وربيعها العسير ، فالمقاربة الأميركية تختلف تماماً عن تلك المتّبعة في الحالة الليبية. فقد كان أوباما شيّد صرح حملته الانتخابية الاستثنائية على بسط اليد بالمصافحة وإقامة الحوار مع العالم الإسلامي وفي مقدمته إيران. ومن الجليّ للمراقب أن "غض البصر" الذي تمارسه الإدارة الأميركية الحاليّة عن التمدّد الإيراني في المنطقة، ناهيك عن تجاهلها لقمع قوات الباسيج الوحشي للحركة الخضراء التحرّرية، إنما يصبّ في خانة رغبة أوباماـ التي لم تعد تُخفى على أحد في الشروع بحوار مع إيران للضغط على حليفتها سوريا ومن ورائها حزب الله والمنظمات الفلسطينية المسلّحة وعلى رأسها حماس، من أجل العودة إلى المفاوضات مع اسرائيل، وتحقيق اختراق له على مستوى السلام العربي الاسرائيلي من جهة، وعلى مستوى العراق إثر الخروج الأميركي الشامل في نهاية ديسمبر وكذا لبنان وجبهته الداخلية الهشة من جهةٍ أخرى، ليشكّل تفاهمٌ باطنيٌ على هذا المستوى بين الولايات المتحدة وإيران نصراً سياسياً لأوباما على أبواب الانتخابات الرئاسية 2012 ولاسيما أمام خصم جمهوري عتيّ هو نيوت غنغرتش الذي سارع أمس وأعلن في تصريح هو الأقوى تجاه رأس النظام السوري قائلاً: "الأسد عدونا، وهو حاكم مستبدّ وحليف لإيران، وبذهابه سيكون المستقبل أفضل"!

اقتضت الحاجة الانتخابية لأول رئيس أسود في التاريخ الأميركي أن يُدخِل بيته الأبيض في حالة من صمت سقيم من سياسة خارجية بلا ملامح، ولاسيما فيما تعلّق بمواقفه تجاه قضايا الشرق الأوسط الساخنة التي أربكتها المفاجأة باندلاع ثورات الربيع العربي في غير بلد، وذلك بهدف الانتقال بسلاسة إلى فترة رئاسية ثانية تمتد حتى 2016 دون تشويشِ مترتّبات مواقف صلبة وحدّية عقد العزم أن يتجنبها.

وعلى طريقة "فلاش باك" يكمن فصل المقال بالعودة إلى مشهد أزمة الرهائن الدبلوماسيين الأميركيين في طهران عام 1979، فقد تعامل الرئيس جيمي كارتر مع الأزمة بلغة استعطاف مبالغ فيه حين خاطب الخميني مباشرة، في رسالة خطية خاصة منه، ملتمساً حل مشكلة الرهائن من "رجل يؤمن بالله"، هذا ناهيكم عن لهجة مبعوثه للأمم المتحدة، أندرو يونغ، الذي توسّل لآية الله الخميني أن يظهر "شهامة ورحمة" مطلقاً عليه صفة "قديس القرن العشرين"، الأمر الذي دفع بالرئيس الجمهوري رونالد ريغان حال فوزه على منافسه الديمقراطي كارتر في انتخابات الرئاسة للعام 1980 أن يخاطب الخميني قائلا: "لو كنتُ في موقعك لسعيت إلى التوصّل لحل مع كارتر فهو رجل لطيف، وأنا على ثقة من أن موقفي حينما أصل إلى البيت الأبيض حيال هذه القضية لن يعجبك"! أما ردّ الفعل الإيراني فجاء مباشراً بإطلاق سراح الرهائن الأميركيين بعد دقائق من أداء الرئيس ريغان للقسم كرئيس للولايات المتحدة إثر خسارة منافسه كارتر بسبب موقفه المائع من تلك القضية المحورية في العلاقات الأميركية الإيرانية.

تحدّث رئيسُ سوريا بشار حافظ الأسد للإعلامية الأميركية باربارا والترز قائلاً: "لا يقتلُ شعبَه إلا رئيسٌ مجنون"!
فمتى ومَن يُطلق سراح 23.000.000 أسير سوري من قبضة ديكاتور (عاقل)؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال