الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدعوة السعودية لوحدة الخليج محاولة للاختباء خلف جدار العاصفة

هاني الروسان
(Hani Alroussen)

2011 / 12 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


قد لا تكون لدعوة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز قادة دول مجلس التعاون الخليجي للانتقال بمجلسهم من طابعة التعاوني الى الطابع الاتحادي اية دلائل خارج مسار التطور الطبيعي لاعادة انتشار القوة في منطقة الاقليم الخليجي وتوزيعها والتغير المستمر لمكونات امنه، لو جاءت فقط في ظل متغيرات ذلك المسار، ولكن ان تأتي في اطار هذه المتغيرات، بالاضافة -وهو الاهم- في اطار رؤية جديدة ان على المستوى السياسي او الاقتصادي لدور دول مجلس التعاون الخليجي نحو محيط عربي يولد على ايقاع ازمة دولة مستعصية، هو ما يلفت الانتباه ويثير التساؤل حول ما اذا كان الملك عبد الله بهذه الرؤية وهذا الدور سيمكّن دول الخليج من الاختباء خلف جدران العاصفة ؟؟؟.
صحيح ان فكرة قيام مجلس التعاون الخليجي اساسها الهاجس الامني الذي خلقته الثورة الايرانية، او بشكل اصح وظيفتها الاقليمية التي اعلن عنها الخميني في حينها، والطموح القومي لقيادة الرئيس صدام حسين، وصحيح ان الدعوة السعودية للاتحاد الان تأتي في ظل استمرار الهاجس الامني الذي قد يكون نطاقه قد اتسع قليلا مع الانسحاب الامريكي من العراق، بيد ان كل ذلك لا يكفي لتفسير دوافع الدعوة للاتحاد اولا ولدور اقليمي جديد لهذا الاتحاد ثانيا.
والحقيقة ان التفسير الواقعي للدعوة السعودية، هو ما جاء مواربة وتعميميا بكلمة الملك عبد الله بن عبد العزيز التي القاها في افتتاح اعمال القمة الـ32 لقادة دول مجلس التعاون وشدد خلالها على انها تأتي في ظل تحديات رأى انها تستدعي من قادة المجلس اليقظة وفي زمن يفرض عليهم وحدة الصف والكلمة لانهم كما يصف ذلك مستهدفون في امنهم واستقرارهم، كما ان اعتبار الخليج جزء من الامتين العربية والاسلامية يستدعي مساعدة الاشقاء في كل ما من شأنه تحقيق آمالهم، وحقن دمائهم وتجنيبهم تداعيات الأحداث والصراعات، ومخاطر التدخلات .
ففي هذا القول ما يحدد الفهم السعودي، او على الاقل الرغبة السعودية في ان تكون الازمة التي تعصف بدولة ما بعد استقلال البلدان العربية، هي ازمة هيكلية لا فلسفية، يقتضي علاجها التوقف عند حدود اجراء اصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية هنا وهناك سواء على المستوى الداخلي لكل دولة او على المستوى الاقليمي باحد معانيه الضيقة او الواسعة.
ولو لم يكن الفهم السعودي يدور في مثل هذا الافق الضيق، لما جازف الملك عبدالله بن عبد العزيز بالدعوة الى تجميع عوامل ازمة دولة ما بعد الاستقلال في كيان واحد، ومعها يقوم بتوحيد عوامل التغيير والثورة من حيث يدري او لا يدري، اذ ان ازمة الدولة هي ازمة فلسفية اساسها طبيعة النظم السياسية وموقع السلطة فيها ودورها نحو مجتمعها .
فطبيعة السلطة في دولة ما بعد استقلال الدول العربية لم تنتج لنا الا طغاة من قبيل الحكّام الذين تحدث عنهم برتراند راسل، قائلا ان هؤلاء الحكام ومنذ أقدم العصور، اعتقدوا أنّ سعادتهم لا يمكن أن تتحقق الا بوسائل تستلزم فرض البؤس على الآخرين، وان من أهمّ مقوّمات هذه السعادة عند هؤلاء الطغاة، جعل الآخرين عبيداً لهم، و استغلالهم، و إذلالهم، و السطو على ممتلكاتهم و اغتصاب نسائهم.
وفلسفة سلطة الدولة العربية هذه لم تخرج عن كلاسيكيات مفهوم السلطة الذي يمركزها في جهاز الدولة، بل انها وكخصوصية عربية ربما او هي خصوصية حكام دولة ما بعد الاستقلال انه جرى الانحراف بهذا المفهوم الى ما هو ادنى من ذلك بكثير، اذ تمت مركزة السلطة بايدي عصابات قليلة العدد لا تجمعهم اي رابطة سوى رابطة النهم للسرقة، واستخدام اعنف وسائل القهر لتحقيق ذلك.
ولذا فان اي من السلط العربية القائمة لا تستطيع ان تصدق انه لا يمكن الحديث عن السلطة كما يقول ميشل فوكو باعتبارها ذلك الجهاز الذي يعتلي قمة هرم المجتمع والذي يدعى الدولة أو السلطة السياسية العليا بل يجب أن نتحدث عن السلطة باعتبارها شبكة علاقة القوة الموزعة في كل جسد المجتمع والمنبثقة عن كل مؤسساته وخلاياه، وانه بتجريد الانساق الاجتماعية من سلطاتها هذه انما نجرد المجتمع من قوة دفعه الذاتية للاستمرار بالتطور وبالتالي الدخول به نحو ازمة عامة، يستحيل تقويمها باصلاحات جزئية خاصة من قبل نفس السلطة المنحرفة.
هذا الانحراف بمفهوم السلطة هو ما يؤدي بالسلطة القائمة الى الفهم المجتزأ او الرغبوي لاسباب اندلاع الثورات العربية هو ما يجعل الانظمة العربية القائمة تتشابه في رؤيتها لاسباب الازمة واخيرا لطرق حلها اذ لم تخرج كلها حتى الان عن وسائل الالتفاف على الاسباب الحقيقية عبر عمليات ترقيع لا زالت تجد صدا ورفضا شعبيا واسعا سواء في الدول التي اسقطت نظم هذه الدول او التي هي بصدد ذلك او تلك التي ُتعد للانخراط بعملية التغيير.
وقد تبدى مثل هذا الفهم لاسباب الازمة في السلوك السعودي مبكرا حيث اتخذت موقفا عدائيا نحو الثورتين التونسية والمصرية، وعارضت اسقاط النظامين في تونس ومصر، بل انها استضافت الرئيس بن علي وعبرت عن استعدادها لاستضافة حسني مبارك، اما بشأن الوضع البحريني فانها دفعت للتدخل المباشر للحيلولة دون سقوط النظام، وفي اليمن فعلت الشيء نفسه اذ لا زالت توفر غطاء سياسيا وامنيا لنظام علي عبد الله صالح الذي فقد شرعية استمرار نظامه قبل نحو عام، وهذا على عكس ما فعلته ازاء الثورتين الليبية والسورية حيث فضلت التواري عن المشهد، والعمل من خلف الستار.
بيد ان الثابت في السلوك السعودي بصورة خاصة، والخليجي بصورة عامة هو محاولة ملاقاة ازمة الدولة في منتصف الطريق، وعلى ثلاثة محاور اولها خلق خط دفاع اول يتمثل في حماية الدول الملكية في الاردن والمغرب للايحاء بعدم تماثل ازمة دولة ما بعد الاستقلال بين ما هو ملكي وما هو جمهوري بالاستفادة من بعض ملامح عدم التشابه الشكلي في ازمة الدولة وسلوك السلطة فيهما، وثانيها محور الخطر الخارجي والذي عادة ما يقصد به الدور الايراني في منطقة الخليج اما ثالثها وهوالاستفادة مما قد يوفره المحوران الاول والثاني من وقت للقيام ببعض الاصلاحات الداخلية شكلية الطابع والمقصد.
ولعل ما اتاه الاميران مقرن بن عبدالعزيز الرئيس الحالي لجهاز الاستخبارات السعودية، وتركي الفيصل، الرئيس السابق لنفس الجهاز، في يوم واحد ولفت انتباه بعض الكتاب السعوديين، يعبر بقوة عن مدى القلق الذي ينتاب السعودية حيال عدد من التحديات السياسية والأمنية التي تجابهها دول الخليج العربي اثر تصاعد مستويات الحراك الشعبي في اكثر من بلد عربي.
فعلى الرغم من تركيز الامير مقرن في حديثه عن التطورات التي «أدت إلى خلخلة موازين القوى» في الخليج العربي، جاء حول تحسب دول مجلس التعاون واستعدادها لمواجهة إمكان تحول منطقة الخليج إلى منطقة نووية لمواجهة مساعي ايران لامتلاك برنامج نووي غامض الا انه اكد أن هذه التطورات الإقليمية، وما سيترتب عليها من تغيرات تستدعي استجابة داخلية قبل أي شيء آخر، وقال إن الربيع العربي اجتاح عدداً من الدول العربية في ظاهرة تلفت الانتباه، ما يشير إلى أهمية الإصلاحات وكيفية إدارتها من حيث التوقيت والمراحل التي يجب أن تجتازها، وهو ما يلقي بالمسؤولية على الشعوب والحكومات على حد سواء، حتى لا تتحول دعاوى الإصلاح إلى فوضى تضر بالشعوب قبل أن تضر الحكومات .
وهو نفس الكلام الدي صدر عن الأمير تركي الفيصل وطالب فيه بمراجعة خططنا التنموية ليكون مواطننا محورها... وعلينا مراجعة خياراتنا الاقتصادية وإن تحسين مؤسساتنا السياسية والثقافية لتستجيب لمتطلبات التحولات الاجتماعية والثقافية في مجتمعاتنا ولم يعد ذلك خياراً لنا، إنما هو فرض علينا، وأن مفهوم المواطنة بمعانيها كافة أس للعلاقة التي تربط المواطن والدولة .
هذا الادراك لجدية التحديات التي تواجهها دول الخليج، لم يستطع النفاذ الى العمق وبقي طافيا على السطح اذ لم يخرج عن سياق صناعة ازمة الدولة الذي تسبب به المفهوم الضيق للسلطة، حيث ينيط بنفس السلطة مهمة اصلاح نفسها ومعها الدولة، دون ادراك الى انها أي سلطة دولة ما بعد الاستقلال هي جزء من الازمة وليست جزء من الحل.
وهو نفس المنهج الذي توخاه الملك عبد الله بن عبد العزيز، ونسج على منواله قادة مجلس التعاون الذين تبنوا دعوته في ختام اعمال دورة مجلسهم الـ32 بمراكمة اسباب اندلاع ثورة التغييرمن خلال الاستعداد للانتقال بمجلس التعاون الى الصيغة الوحدوية، اعتقادا بان هذه الوحدة او محاولتها ستكون بمثابة الجدار الذي سيخفي ازمة دولة حلها من خارج ادوات سلطتها، حيث كما يقول توماس فريدمان نقلا من الروس انه أسهل أن تحول حوض سمك إلى حساء سمك من أن تحول حساء سمك إلى حوض سمك ، فقد تغيرت معادلة القوة في الدولة لكن القادة لن يدركوا ذلك ابدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -