الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأجيل الصدام

نصارعبدالله

2011 / 12 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الكتاب والمفكرون الذين كانوا، ولا يزالون يعبرون عن أسفهم لأن مصر(أو بالأحرى المجلس العسكرى ) لم تسلك نفس المسلك الذى سلكته تونس بعد الثورة ، ولم تبدأ بالبداية الصحيحة التى كان يتوجب عليها أن تبدأ بها وهى فى رأيهم: الدستور أولا، ولو أنها بدأت بها لكان هذا كفيلا فى رأيهم بأن يجنبها الكثير من المنزلقات التى ازلقت إليها بالفعل ، أولئك الكتاب والمفكرون الذين يقولون بهذا الرأى (الذى أثبت نجاحه بالفعل فى التجربة التونسية) يغفلون فى واقع الأمر عن حقيقة هامة تتمثل فى واحد من أهم الفوارق الجوهرية بين التجربة المصرية والتونسية إن لم يكن أهمها على الإطلاق، هذا الفارق يتمثل فى أن الروح الفئوية والطائفية ليست مخيمة على المجتمع التونسى بنفس القدر الذى تخيم به على المجتمع المصرى وأن هناك قدرا من التوافق على الثوابت المشركة التى يراد لها أن تحكم المجتمع التونسى بجميع أطيافه السياسية على نحو لا يتوافر مثيله فى مصر، بحيث تكون صياغة الدستور مناسبة للتعبير عن ذلك الوفاق وليس مناسبة للصدام بين أغلبية ترى أنها ـ بحكم أنها أغلبية ـ فمن حقها أن تصوغ حاضر الوطن ومستقبله بالكامل، دون أى نظر أو اعتبار لمطالب الأقلية، وبين أقلية ترى أن من حكم الأغلبية أن تدير الحاضر ، لكنها ليس من حقها أن تصادر على المستقبل وأن تجعله رهينا باللحظة الحاضرة ...الكتاب والمفكرون الذين يرون بأنه كان يتوجب علينا أن نبدأ بطريقة: "الدستور أولا" يغفلون عن أن صياغة الدستور فى مصر هو على الأرجح مناسبة للشقاق أكثر مما هو مناسبة للوفاق، وعندما لجأ المجلس العسكرى إلى الصيغة التى اعتمدها وهى تعديلات دستورية محدودة يستفتى المواطنين عليها ثم انتخابات لمجلس الشعب والشورى ثم اختيار أعضاء المجلسين للجنة تأسيسية تقوم بإعداد مشروع الدستور، عندما لجأ المجلس العسكرى إلى هذه الصيغة فإنه ( غالبا دون أن يقصد)، قد قام بتأجيل الصدام، ذلك أننا إذا افترضنا جدلا أن المجلس قد لجأ إلى أسلوب: "الدستورأولا" ( وهو ما أستبعد أنه قد خطر بباله )، لو افترضنا هذا فإنه لا سبيل له إلى ذلك إلا عن طريق هيئة تأسيسية: إما أن يعين أعضاءها بنفسه أو أن يدعو المواطنين إلى انتخابهم ، فإذا لجأ إلى أسلوب التعيين فإن من المؤكد فيما أتصور أنه كان سيواجه بمظاهرات عارمة من أنصار الذين لم يتم اختيارهم فى تلك الهيئة، وهذا هو الصدام الأول الذى كانت ستشهده مصر على الأرجح، وأعنى به الصدام بين المجلس العسكرى وبين الذين لم يتم تمثيلهم فى الهيئة التأسيسة ، أما إذا وجه الدعوة لانتخاب الهيئة التأسيسة فإن نتيجة الإنتخابات كانت سوف تسفر غالبا عن فوز التيارات الإسلامية بأغلبية كبيرة تغرى أصحابها بمحاولة الإنفراد بوضع الدستور مما يدفع بالأقلية للخروج إلى الشارع مرة أخرى مطالبة بعدم مصادرة حقها فى صنع المستقبل خاصة أنها هى القوى التى مثلت بادىء ذى بدء طلائع الثورة ، فإذا لم تلتفت الأغلبية إلى هذا المطلب العادل والمشروع فإن الصدام بين الأقلية والأغلبية واقع لا محالة، وهنا فإن القوات المسلحة سوف تجد أن من واجبها أن تتدخل لإنقاذ الوطن من الكارثة المحدقة، ...ومع هذا يبقى أن نقول إن المؤسسة العسكرية عندما اختارت الأسلوب الذى اختارته فعلا وهو ترميم دستور 1971 والعمل بإعلان دستورى مؤقت لحين وضع الدستور الدائم..فإن هذا ـ فيما أتصور ـ لم يكن منطلقا من رغبتها فى تأجيل الصدام بين الأغلبية والأقلية الذى سوف يصاحب على الأرجح عملية صياغة الدستور، ولكنه كان على الأرجح راجعا إلى تأجيل صدام آخر هو ذلك الصدام المتعلق بوضعها هى ودورها فى مجتمع ما بعد الثورة، وهل سوف تكون مؤسسة خاضعة تماما لرئيس أعلى يختاره الشعب، أم أنها سوف تكون مؤسسة ذات وضع متميز بما يتناسب مع جسامة مهامها.
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مغامرات وأسرار.. بيكي تكشف أبرز التحديات التي تواجه البنات ا


.. استطلاعات: الولايات الأميركية المتأرجحة تبدي تغيرًا لصالح با




.. ناريندرا مودي يتولى رئاسة وزراء الهند للمرة الثالثة


.. لأول مرة.. مقاتلة أوكرانية تقصف العمق الروسي وتدمير مقاتلة ا




.. قتلى وجرحى من جراء استهداف الجيش الإسرائيلي مبنى سكنيًّا وسط