الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات البلدية خطوة أولى نحو دمقرطة المجتمع الفلسطيني

احمد مجدلاني

2004 / 12 / 29
القضية الفلسطينية


بعد تغييب دام حوالي ثمانية وعشرون عاما عادة الحياة للهارسة الديمقراطية تدب من جيد في عروق هيئات الحكم المحلي ، حيث شهدت آخر انتخابات لها في عهد الاحتلال عام 1976 ، وكانت تلك التجربة بكل ما حملته من معاني تحد للاحتلال واجراءته، كما إنها كانت من جهة أخرى تصويتا على خيار سياسي للشعب الفلسطيني بان منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد له ، أمام محاولات الالتفاف على هذه الشرعية الوليدة التي ظهرت آنذاك .
الانتخابات المحلية الآن وان جاءت متأخرة عدة سنوات عن أجراءها وخاصة إن قانون انتخابات الهيئات المحلية من أول القوانين التي اقرها المجلس التشريعي وصادق عليه الرئيس الراحل ياسر عرفات نهاية عام 1996 ، فإن هذا التأخير بصرف النظر عن ظروفه وملابساته العديدة وهي ليست الآن مثار نقاشنا، إلا أن البداية وان كانت في 26 هيئة محلية في الضفة الغربية من اصل 36 هيئة تشكل بمجملها المرحلة الأولى من الانتخابات ، فإن هذه الفاتحة الجيدة وما حفلت به العملية الانتخابية من حيث الإعداد المهني الجيد للجنة الانتخابات العليا والإدارة الصحيحة إلى حد كبير للعملية الانتخابية وبصرف النظر عن الملابسات هنا وهناك أو الثغرات التي عبرت عنها الهيئات الأهلية المستقلة لمراقبة الانتخابات، فإنه رغم كل ذلك ينبغي الإشارة إلى بعض القضايا الهامة ليس كاستنتاجات وإنما كقراءة أولية ينبغي التدقيق بها لاحقا .
- طغيان الطابع العائلي والعشائري على العملية الانتخابية ترشيحا وانتخابا ، واضطرار معظم القوى السياسية إلى الاختباء أو التلطي وراء العشائر والحمايل لإخفاء عوراتها وبالتالي فإنه من المستغرب أن نرى ونسمع الصراخ والضجيج من بعض القوى التي تطالب أن تعلن لجنة الانتخابات عن انتماءات الفائزين السياسية في حين الجميع يعلم أن الترشيح كان ذا طابع فردي وليس باسم قوى أو كتل انتخابية ولم يسجل أحدا من القوى كتلة حزبية في أي من المواقع المتنافس عليها .
- النسبة العالية من المشاركة الجماهيرية في الانتخابات سواء من خلال وجود عشرات المرشحين للتنافس على مقاعد دوائر صغيرة ، أو في المشاركة في التصويت والتي وصلت في بعض البلدات إلى 96% في حين وصلت نسبة المشاركة العامة إلى 81% .
- تميز العملية الانتخابية بقدر كبير من الشفافية والحرية رغم بعض العراقيل التي وضعتها قوات الاحتلال في بعض البلديات إلا أن السمة الغالبة هي عدم وجود طعون تذكر بنزاهة العملية الانتخابية أو ديمقراطيتها ، أو تمتع الجميع بنفس الحقوق .
- أنهت هذه الانتخابات صيغة التعيين التي طبعت المجالس المعينة بصبغة اللون السياسي الواحد وأفسحت المجال أمام تعددية حقيقة نابعة من خيارات الناس ، ورغم أن التصويت كان بأغلبه للشخص وما يمثل في بلدته بصرف النظر عن برنامجه السياسي وانتمائه أيضا ، فإن مشاركة حماس والأطراف الأخرى من المعارضة قد أعطى مؤشرات قوية عن موازيين القوى على الأرض .
- رغم فوز حركة فتح أو المحسوبين عليها بأغلبية المقاعد فإن فوز حماس يعكس تلك المؤشرات ، ويشير من جهة أخرى إلى ضعف وتشتت التيار العماني اليساري الديمقراطي الذي عجز وكعادته على خوض هذه الانتخابات موحدا ليكون رقما ما في المعادلة الجديدة .
- الأمر الايجابي الذي يمكن أن يشكل مرادفا لإخفاق التيار الديمقراطي العلماني هو النسبة العالية الني فازت بها المرأة والتي وصلت إلى حدود 17% وهي نسبة تقارب ما كانت تطالب به القوى الديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي ، وهذه النسبة العالية قد تفتح الآفاق لترسيم هذا المطلب في قانون الانتخابات التشريعية القادمة .
- إن هذه النتائج وان كانت بحاجة إلى قراءة معمقة وتحليل للمؤشرات التي تدلل عليها الآن ما ينبغي التأكيد عليه أن مجرد البداية في العملية الانتخابية هو مكسب بحد ذاته وينبغي أن تتواصل هذه العملية لتكريس مبدأ الديمقراطية والتعددية عبر صناديق الاقتراع ، وان محاولات تصدير الخوف التي كان يروج لها بعض المتخصصين ، من إن إجراء الانتخابات البلدية ستقود حتما إلى حرب أهلية على غرار ما جرى في الجزائر ، إن هذه التجربة والتي سوف تتواصل في غزة الشهر القادم وفي كافة المراحل اللاحقة تشكل الرد الواقعي والملموس على هذه الادعاءات.

لقد أوصلت الانتخابات رسالة في غاية الأهمية إلى كل المهتمين بالشأن الداخلي الفلسطيني وهؤلاء المهتمين كثر من قوى إقليمية ودولية إن الشعب الفلسطيني عبر بهذه التجربة البسيطة عن وعي عميق حضاري وإنساني وانه قادر رغم ظروف القهر والاحتلال على إدارة نفسه وقادر على اتخاذ خياراته لوحده ، وهو ما يؤهله فعلا لان يمسك زمام المبادرة نحو ممارسة حقه بتقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة .
كما إن هذه التجربة على تواضعها ومحدوديتها أشارت بوضوح شديد أيضا انه لا تستطيع أية قوة سياسية مهما توفرت لها الإمكانيات أن تهيمن لوحدها وتستفرد بصنع القرار بدون مشاركة حقيقية وجدية من قبل القوى الأخرى .
إن هذه العملية رغم محدوديتها وبساطتها طرحت السؤال الصعب الذي يتهرب منه الكثيرين في المجلس التشريعي إلى أهمية وضرورة إنجاز قانون الانتخابات المتفق عليه بين اللجنة الخاصة المشكلة من المجلس التشريعي وبين القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي والذي من الممكن أن يفتح الطريق أمام تحديد موعد لاجراءها ويشكل مدخلا ملائما لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وتجديده على أسس ديمقراطية تقوم على أساس مبدأ المشاركة عبر صندوق الاقتراع وليس عبر نظام الكوتا والحصص والمكرمات والهبات المقدمة من هذا الطرف أو ذاك .


رام الله
28.12.2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا يحدث عند معبر رفح الآن؟


.. غزة اليوم (7 مايو 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غزة




.. غزة: تركيا في بحث عن دور أكبر خلال وما بعد الحرب؟


.. الانتخابات الرئاسية في تشاد: عهد جديد أم تمديد لحكم عائلة دي




.. كيف ستبدو معركة رفح.. وهل تختلف عن المعارك السابقة؟