الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في انتظارِ السّيّدة، أو قِفَا نحكِ

نعيم الخطيب

2011 / 12 / 27
الادب والفن


نصٌّ لا يصلحُ للمسرح

[ظلامٌ تامّ. يتصاعدُ في الخلفيّةِ تدريجيًّا صوتُ أطفالٍ يغنّون: (تحلّقوا حولَ الزهرة.. جيبٌ مَليءٌ بالباقات.. رمادًا، رمادًا.. نسقطُ جميعًا على الأرض). يصاحبُ الأغنيةَ تزايدٌ تدريجيٌّ في الإضاءة. تهزُ قهقهةُ الأطفالِ أركانَ المسرحِ، حينَ يسقطون. تتوقفُ الأغنيةُ فجأةً.
الإضاءةُ داخليّةٌ وخافتة. الوقتُ مساءً، الواحدةُ بعدَ منتصفِ اللّيل تحديدًا. المكانُ، صالةٌ في شقّةٍ سكنيّة. أريكةٌ في وسطِ المسرحِ، مائلةٌ إلى اليمينِ قليلاً كي تعطيَ إحساسًا ببعدٍ ثالث. ثريّا غيرُ مضاءةٍ تتدلّى من السقفِ، فوقَ طاولةِ القهوةِ، أمامَ الأريكة. المطبخُ إلى يمينِ المسرح الأعلى، يفصلُه عن الصّالةِ نافذةٌ ومنضدةٌ رخاميّة. الممرُّ المؤدي إلى غرفِ النّومِ، محاذٍ للمطبخِ، إلى يمينِ المسرحِ السفليّ.
الرّجل جالسٌ إلى يمين الأريكة، تاركًا مكانًا لشخصٍ آخرَ، يشاهدُ تلفازًا وهميًّا في اتّجاه الجمهور، يلبسُ معطفاً شتويًّا، كالحَ اللّونِ، ومهترئَ الأكمام، ولكنَّ هذه معلومةٌ زائدةٌ ـ لا تهمُّ المشاهدينَ ولا المخرج ـ حالُها كحالِ بقيّةِ التعليماتِ المسرحيّةِ في هذا النّصّ.
تقتربُ السّيّدةُ ذاتُ الرداءِ الأسودِ من يسارِ المسرحِ الأعلى، تسيرُ في اتّجاهِه بتؤدةٍ وخيلاء. لا يلتفتُ إليها حتّى تصيرُ قبالتَه تماماً، كي لا يقعَ في خدعةٍ قديمةٍ لا تنطلى على ممثّلٍ مبتدئ. ينظرُ إليها سريعًا، ثم يعودُ إلى مشاهدةِ التّلفاز. تجلسُ إلى يسارِه، فيضعُ ساقَه اليسرى على اليمنى]

السّيّدة : ما لكَ مُسْهِمًا؟ أهي امرأةٌ أخرى؟
الرّجل : [مشغولاً بجهازِ التّحكم، يجيبُها متمتمًا] ليسَ تمامًا! الحقُّ أنَّكِ أنتِ المرأةُ الأخرى. ما الّذي أتى بكِ الآن؟
السّيّدة : [بخِفَّة] ربّما استدعاني نصُّك.
الرّجل : ومنذ متى تأتين مدعوّةً؟
السّيّدة : لا تُنْكِر، تكتبُ جيّدًا عندما تستحضرُني.
الرّجل : ربّما بمجملِ خسائِرك، أفقدُ بعضًا من تكلّفي.
السّيّدة : [بغنج] وربّما تكتسبُ بعضًا من الزّهو...
الرّجل : [مقاطعًا] لا تزالينَ عاهرة.
السّيّدة : [غيرُ مبالية] أتقولُها الآنَ ثائرًا أم مُثارًا؟ يبدو أنَّني أصبتُ عصباً... صرتَ سريعَ الغضب.
الرّجل : منذ أن فقأتِ عينيَ الثّالثة.
[صمت]

السّيّدة : [تجولُ ببصرِها] يعجبُني ما فعلتَه بالمكان. مسرحٌ منزليّ! يبدو أنَّ أحدَهم كانَ يدلّلُ نفسَه في غيابِي.
الرّجل : [ساخرًا] عليَّ أن أشعرَ بالامتنانِ لكلِّ الأشياءِ الّتي سلبتنيها. تعرفينني لستُ مغرمًا بالتّغيير.
السّيّدة : ولكنَّ أحدًا لم يسلبك روحَ الدُّعابةِ، وهذا المعطف.
الرّجل : أنتِ فقط لا تعرفين الحزن.
[صمت]

السّيّدة : [بدلالٍ متصنَّع] ألن تدعوني إلى الطّعام؟
الرّجل : [ما زال يشاهدُ التّلفاز] هاكِ المطبخ، تستطيعينَ أن تلتهميه كعادتِك.
[تقفُ السّيّدة، وتمشي في اتّجاهِ الممرِّ الدّاخلي]
السّيّدة : [يأتي صوتُها من الدّاخل] وغرفةُ نومٍ جديدةٌ أيضًا!
الرّجل : [ساخرًا، وجاهدًا لرفعِ صوتِه قليلاً] نعم، هل نسيتِ أنَّكِ اشتعلتِ في السّريرِ آخرَ مرّةٍ كنتِ هنا؟
[تعودُ السّيّدة، وتقفُ بمحاذاةِ المطبخ]
السّيّدة : لو أنّني أستطيعُ الابتسام.
الرّجل : [متهكّمًا] لو أنّكِ.
[تعودُ السّيّدة إلى مكانِها على الأريكة. صمت]

السّيّدة : ألا تخافُ أن ترانا زوجتُك؟
الرّجل : لا عليكِ! تعلمُ بأمرِنا. أكادُ أجزمُ أنَّ الأمرَ يروقُ لها.
السّيّدة : [باستغرابٍ واضح] يا سلام!
الرّجل : تعتقدُ أنَّ المصائبَ تُجَمِّعُنا دائمًا.

[تنقطعُ الكهرباءُ فجأةً، يعمُّ ظلامٌ تامّ. صمتٌ. تعودُ الإضاءةُ إلى سابقِ عهدِها. على الأريكةِ بجوارِ الرجلِ، تجلسُ زوجتُه. لا وجودَ للسّيّدةِ ذاتِ الرّداءِ الأسود]

الزّوجة : أهي المرأةُ الأخرى؟
الرّجل : نعم، إنَّها الحرب. تزورُني ألفَ مرّةٍ في هذا الموعدِ كلَّ عام.
الزّوجة : ما الّذي أستطيعُ فعلَه، كي أخفيَ عنك هذا المعطفَ البالي؟

[على شريطِ الأخبار، على شاشةِ التّلفازِ الّتي لا يراها أحد ، كانت السّيّدةُ ذاتُ الرّداءِ الأسودِ تقومُ بأشياءَ أخرى، تتلّمظُ، وتقلّبُ كفَّ عذراءَ، تقرأُ طالعَها. الشّريطُ الإخباريُّ يدورُ، يدورُ، يدور. العذراءُ لم يكن ينقصُها سوى بيتٍ كي تخرجَ منه عروسًا، وأبٍ كي يخرجَها بالضّرورة، وأخٍ كي يقومَ بمهمةِ الأبِ احتياطًا، وفرحٍ في قلبِ أمِّها، واسمٍ لحبيبِها، وإصبعٍ من أجلِ خاتمِها.
في الخلفيّةِ يتصاعدُ تدريجيًّا صوتُ الأطفالِ مرّةً أخرى: (تحلّقوا حولَ الزهرة.. جيبٌ مَليءٌ بالباقات.. رمادًا، رمادًا.. نسقطُ جميعًا على الأرض). يصاحبُ الأغنيةَ خفوتٌ تدريجيٌّ في الإضاءة. تهزُ قهقهةُ الأطفالِ أركانَ المسرحِ، حينَ يسقطون. الشّريطُ الإخباريُّ يدورُ، يدورُ، يدور. تتوقفُ الأغنيةُ فجأةً. يعمُّ ظلامٌ تامّ]

. . .
[جزءٌ من حوارٍ، محذوفٌ من مشهدِ الخاتمة]
الزّوجة : هذه الأغنيةُ .. كم هي حزينة!
الرّجل : استمعي إليهم. إنَّهم يبدون في غايةِ السّعادة.
الزّوجة : الزّهرةُ ـ علامةٌ حمراءُ، أوّلُ العلامات. الباقاتُ، زهورٌ وأعشابٌ طبيّةٌ. والعُطاسُ علامةٌ آخرى للإصابة. ورمادُ الجثثِ المحترقة. يا إلهي، سيسقطون جميعًا. إنَّه الطّاعون!
الرّجل : ولكنَّهم في غايةِ السّعادة.

27 تشرين الثاني 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة