الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحظ الآخر وأنا

أحمد أوحني

2011 / 12 / 27
سيرة ذاتية


قالوا لي إنني بكيت كثيراً عند ولادتي ، أبلمت طويلاً فأجبتهم :
" كيف لا يبكي من ولد في أيام الصيف السَّموم ، على حصير الدوم ولُـفَّ في خرقة صوف خشنة ؟ ". آنذاك كان القماش القطني الناعم قليلاً . قيل لي أيضاً إن أمي وضعتني لوحدها في غياب أبي إلى السوق الأسبوعي ، وإخوتي لقضاء المآرب الخاصة بالأسرة كالرعي والعمل بالحقول ، حتى أن الحبل السري قطعته البيئسة بسكين حديدية صدئة . أحاول في كل مرة أن أضع سيناريوهاً للحدث وما أجده إلا كولادة حمَـل أو عجل أو جحش أو ما شابه .

وعند عودة والدي من السوق ، أفرحه المولود الذكر الجديد كثيراً ، زيادة على الآخرين لتطول اللائحة ، كأنه بذلك يُعدّ عُدة من الجيش للإغارة أوالدخول في حرب مع أهل البلد . ومع توالي السنون ، شببنا وكبرنا جميعنا على تغذية ما يمكن القول عنها هو إنها حافظت فقط على أرواحنا من الموت . خبز أسود وشاي أصفر في كل الوجبات وقليل من الزيت في بعضها ، أما أكل اللحم والخضر فكان ضرباً من شبه المستحيل . أتذكر أنني ، عندما أمرض ، أبقي طريح الفراش ، عفواً طريح الحصير ، لأيام أئـن وأتوجع من الداء والحُمى . قد يحن علي أهل الدار في بعض الأحيان ويقومون باستدعاء إمام المسجد لقراءة القرءان وكتابة تميمة أو تعويذة مقابل دجاجة أو بعض البيض مقتنعاً أنه لن يشفيني مهما كتب أو تعوَّذ . في أحد الأيام أعاد الإمام أمر إصابتي إلى مس جني من نوع خاص ، تكلم وأرج كثيراً وهو كاذب لأنني ادعيت المرض للتغيب عن المدرسة مخافة عقاب معلمنا آنذاك .

لا أزال أتذكر النوم الجماعي لأفراد الأسرة ، تحت غطاء واحد محيوك من الصوف ، كأنها مقبرة جماعية . شدة رائحة الأستاه والتبول تقلب الفضاء ونستيقظ في الصباح منتفخي العيون . سُلت منا طفولتنا من طرف الكبار وصار لزاماً علينا العمل الشاق مبكراً لنتقدم ونسبق أعمارنا قبل أن تحين .
الآن وقد عمَّـرني الله إلى هذا الوقت ، أدركت جيداً كيف كُتب لي أن أصير إنساناً نحساً ، فمنذ طفولتي الأولى أسمع عن التمني بالحظ السعيد ، كان أحد أساتذتنا يكتب دائماً على السبورة في نهاية الامتحان الكتابي داخل الفصل : حظ سعيد للجميع ، كأن هذه العبارة ستجلب النقط والعلامات المرتفعة . سألته يوماً عن معنى هذه الكلمة ، فأجابني إنه شيء من قبيل النصيب والرزق والبخت . أيقنت أن كتابتها زائدة مثلي تماماً .

هذا الحظ السعيد صادفته مرة واحدة في حياتي . وأنا لا أزال طفلاً صغيراً ، عثرت جانب الطريق على قطعة نقدية بيضاء من مائة فرنك وسلبها مني أحد الأطفال الصعاليك ، كان يكبرني سناً وكان يحمل أكواماً كبيرة من اللحم في جسده .
الحظ الذي أعرفه ولا يفارقني طوال حياتي من نوع آخر . هو مقترن بسوء الطالع ، لايأتي أبداً بنفع حتى أنني لم أعد أنتظر الأشياء الجميلة . محياً كله عبارة عن شريط مليء بالأزمات المختلفة والمتوالية توالي الأيام . لا تكاد تنتهي واحدة حتى تبدأ بعدها أخرى . سبق لي أن بعثت برسائل مستعجلة إلى الله أشكوه فيها الحالة وأناجيه علَّه يلتفت إلي ويرفع عني هذه الضوائق . ولكن ، إلى حد الساعة ، يبدو أنه لا يسمعني ، أو لم تصله رسائلي ، أو هو منشغل بأمر غيري ، وهو من لا تأخذه غفلة ولا سِنـة .
أحمـد أوحنـي – مراسل وكاتب صحافي - أفورار - المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في جباليا ورفح بينما ينسحب من


.. نتنياهو: القضاء على حماس ضروري لصعود حكم فلسطيني بديل




.. الفلسطينيون يحيون ذكرى النكبة بمسيرات حاشدة في المدن الفلسطي


.. شبكات | بالفيديو.. تكتيكات القسام الجديدة في العمليات المركب




.. شبكات | جزائري يحتجز جاره لـ 28 عاما في زريبة أغنام ويثير صد