الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس لازالت مستعمرة

يوسف بلحاج رحومة

2011 / 12 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


تونس لازالت مستعمرة
يبدو العنوان استفزازيّا وثقيلا علي مسامع التونسيين، لكنه حقيقة وواقع عشناه و لا زلنا نعيشه، فالاستعمار المباشر (العسكري و الإداري) حذفه الغرب من قواميسه منذ عشرات السنين واستبدل باستعمار جديد (اقتصادي وثقافي وسياسي ودبلوماسي). إن الاستعمار عن بعد حقيقة يعرفها أغلب التونسيين وإحساس دفين في القلوب تعوّد عليه كلّ مواطن. و هناك قناعة خفيّة عند الكثير من التونسيين أنّ التخلص من هذا الاستعمار أمر مستحيل نظرا لعدم تكافئ موازين القوي بين العملاق الغربي وتونس في جميع المجالات ولأن الدخول في صراع مباشر مع القوي الغربية سيدخل البلاد في عزلة ويرجعها خطوات كبيرة إلي الوراء.
و الإشكال الحقيقي الذي يجب طرحه و توضيحه هو :
هل يمكن التخلص من هذا الاستعمار؟ كيف ذلك؟ و ماهي المعيقات؟
التخلّص من هذا الاستعمار ممكن و لكنّه ليس بالسهولة التي يتصوّرها البعض، إذ يتطلب سياسة و دراسة و إرادة قياديّة و شعبيّة حكيمة وكذلك عملا وطنيا فيه مثابرة و إصرار.

في البداية يجب أن ننظر قريبا ونصلح الأرضية الوطنية بإنشاء نظام سياسي ديمقراطي و شعبي تكون فيه السلطة للشعب حتي لا نترك مجالا يتحرك فيه عملاء الإمبريالية والمخططات الاستعمارية ونتجنّب القرارات والمخططات الّتي تطرح في دهاليز السياسة المظلمة، لأن الشفافية مرادفة للصدق والنزاهة والثقة، والعمل في الخفاء منذر بالالتفاف على مطالب الشعب والعودة للاستبداد والتبعيّة. أما علي المستوي الحضاري و الثقافي فيجب توضيح و تثبيت معني الهويّة الّتي يجب أن تكون تونسيّة بالأساس شاملة ومحتوية في معانيها علي جذور الدين واللغة والتاريخ المشترك مع الدول العربية والإسلامية، لأن المستعمر يسعى لتحطيم كرامة الشعوب وتدمير تراثها الحضاري والثقافي وفرض ثقافة الاستعمار على أنها الثّقافة الوحيدة القادرة على نقل البلاد المستعمرة إلى مرحلة الحضارة. بعد ذلك تأتي مرحلة تحرير العقول والتوعية الشاملة بانتهاج الإعلام المبسّط الّذي يتّجه نحو المواطن ليخاطبه بلغة شعبيّة مفهومة بعيدا عن العبارات النّخبويّة والمعقّدة، فبذلك يشعر التونسيون باشتراكهم في نفس الأهداف والمصير.
هذا وإن تقسيم الساحة السياسية اليوم إلى أطراف إسلامية وأخرى حداثية أو علمانية أدخل البلاد في صراعات إيديولوجية عقيمة وجوفاء. إن ذلك التقسيم المتعمد من شأنه أن يحيد بمسار الثورة ويجعل الرأي العام ينسى الغايات التي من أجلها قامت الثورة ويفقد القدرة على مجابهة القوى الاستعمارية المتغلغلة في بعض العقول وفي السياسة والاقتصاد. كان على القوى الثورية، أن لا تنخرط في جدل إيديولوجي سابق لأوانه، وإنما أن تعمل على كشف الأطراف الداعمة للثورة والأطراف التي تعمل على إجهاض الثورة حتى يتكاتف التونسيون لمواجهة العدو الحقيقي.

أمّا علي مستوي القيادة السياسية، يعتبر الدخول في مواجهة مباشرة مع القوي الغربيّة غطرسة و طريقا لعزل البلاد وإرجاعها خطوات إلي الوراء، مثل ما نراه في عديد الدّول الّتي لم تدرك الطريق المناسب لمواجهة العملاق الغربي بطريقة صحيحة.
إذا يجب أن يكون هناك ارتباط بين دوائر الثقافة و الأكاديميا و البحوث من جهة ودوائر صناعة القرار من جهة ثانية، لأن التفوّق يمكن أن يكون بقوّة الفكر والمعرفة. و الانتصار علي الآخر يكون بالتفوّق المعرفي أساسا. و لعلّ إنشاء مراكز للدراسات و البحوث الإستراتيجيّة تقودها نخبة من الأكفّاء الوطنيّين والشرفاء أمر ضروري لمجابهة الوضع، إضافة إلي إنشاء جهاز استخبار فاعل و سرّي يكون مرتبطا و متناغما مع دوائر صناعة القرار، هذا إضافة إلي وجوب انتهاج سياسة فيها دهاء و حنكة و مرونة، خاصّة السياسة الخارجيّة بحيث توضع مصلحة الوطن في المقام الأوّل بعيدا عن أطماع البرجوازيّة الانتهازية. إذا يجب تجنيد الكفاءات و النخب التونسيّة من الوطنيين الشرفاء لأن التونسي الّذي يحبّ وطنه أثبت تفوّقه وجدارته في جميع الميادين داخل تونس وخارجها.
و أخيرا تجب الإشارة إلي أن الإرادة الشعبيّة هي وحدها كفيلة بإخراج تونس من هذه التبعيّة الاستعمارية.
يوسف بلحاج رحومة










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي... ابن لمغربي حارب مع الجيش الفرنسي وبقي في فيتنام


.. مجلة لكسبريس : -الجيش الفرنسي و سيناريوهات الحرب المحتملة-




.. قتيل في غارات إسرائيلية استهدفت بلدة في قضاء صيدا جنوبي لبنا


.. سرايا القدس قصفنا بقذائف الهاون جنود وآليات الاحتلال المتوغل




.. حركة حماس ترد على تصريحات عباس بشأن -توفير الذرائع لإسرائيل-