الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


69 عام ..عمر الدكتاتور القاتل

علي بداي

2011 / 12 / 28
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


في سبعينيات القرن الماضي ، كنت في بداية الدراسة الثانوية وكنت أحد الزوار الدائمين لمعرض بغداد الدولي وكانت أجنحة الدول والشركات تتفنن في إستقطاب الزوار بتوزيع الهدايا والمجلات المصورة، فكان الجناح الياباني يوزع مجلة اليابان اليوم وهي مجلة ملونة رائعة تعرض صور الحياة اليابانية ومظاهر التقدم وينحرف الجناح السوفياتي قليلاً عن مهمة الترويج التجاري ليوزع كتباً آيديولوجية وموتمرات الحزب الشيوعي السوفياتي وخطابات بريجينيف التي كان المحرر يحاول نقل أجواءها للقاري فيضع كلمة ( تصفيق) بعد كل فقرة و(تصفيق عاصف) بين فقرة وبين فقرة وأخرى ثم لينتهي الى ( تصفيق عاصف متواصل) بعد إنتهاء الخطاب . أما الجناح الكوري الشمالي فكان يحرص على توزيع كتب كفاح "كيم إيل سونغ" ومنها كتاب فاخر بورق صقيل بعنوان " كيم إيل سونغ الزعيم العظيم للأربعين مليون نسمة للشعب الكوري" .. كانت برودة وصرامة مفردات تمجيد الفرد وتقديسه تتسلل من بين الكلمات وتشد السطور ببعضها لتشكل كتلاً صماء، متجمدة، ميتة تحاول عبثاً أن تلامس مشاعر القارئ فتوصل له رسالة إجبارية هي أن "كيم إيل سونغ الزعيم العظيم للأربعين مليون نسمة للشعب الكوري هو كل شئ "... وأن كوريا كلها لاتساوي شيئاً بدونه .. كم حاولت أن أكمل خمسة صفحات من هذا الكتاب الضخم ؟ كم حاولت أن أتعرف من خلاله على حياة الكوريين كما عرفتني مجلة اليابان اليوم على حياة اليابانيين؟ لقد منعتني اللغة الحديدية الثقيلة التي كانت تطرق أذني من إستيعاب الأفكار التي أراد المؤلف الآيديولوجي تسويقها، ثم حاولت أن أقاوم رغبتي في رمي الكتاب في المزبلة بحجة تأجيل قراءته الى وقت لاحق، لكني لم أتمكن لامن قراءته ولا رميه في المزبلة لأن ورقه الصقيل والجهد المصروف على إخراجه كان يمنعني فبقي في المكتبة كجثة محنطة .. تماماً مثل جثة "كيم يونغ إيل" التي وضعت في التابوت الزجاجي جثة هامدة خالية من الحياة ومن أية فائدة.
لم أفاجأ بعد ذلك بسنين حين رأيت هستيريا النحيب بعد إعلان موت "كيم إيل سونغ" ولا حين مات إبنه "كيم يونغ إيل"، فكيم يونغ إيل هو في الحقيقة "كيم إيل سونغ" بل هو كوريا كلها فكتلة الأربعين مليون نسمة من الشعب الكوري الصماء التي ربما تكون تضاعفت الآن، قد أعدت ضمن نظام مسخ لايرحم على أن ترى نفسها في القائد الذي يجب أن لايموت ، وحين يتحتم أن يموت يتوجب على وجه السرعة أن يعلن الناس عن حلول الكارثة فيعلو الصراخ والعويل ويعلن الحداد ويُعوض الميّت بآخر من ذات الفصيلة أي كيم الأصغر..والأصغر الى يوم يبعثون..إنه نظام عبودية وتقديس الشخص الذي لايمكن أن يبرر ، فحتى لو كان آل سونغ خلال سني حكمهم قد حلّوا مشاكل السكن والضمان الصحي والعمل بل حتى لو بنوا جنة الله على الأرض فهذا كله لايبرر سمفونية الصراخ والعويل والنحيب التي لامثيل لها والتي ماإنفك الشعب الكوري يعزفها جماعياً منذ إسبوع . السياسي ليس كالعالم أو المخترع الذي يوظف كل قدراته للإتيان بجديد يخدم الأرض ومن عليها ، إذ مهما كان إنجاز الإنسان السياسي تبقى السياسة والقيادة السياسية مسألة نسبية لاتفترض أن يكون الناجح بها أسمى من غيره، ولا أكثر إخلاصاً ولا أكثر صدقاً ولا أكثر فائدة، إن لم نقل أن معظم القادة السياسيين الناجحين قد حصل على لقب " القائد" بعد أن خاض بنجاح في مستنقعات من دم الضحايا ، وعبر سلسلة تجارب ناجحة من المؤامرات ، والدسائس، والدوس على كل مايعترض طريقه بإتجاه القيادة من أجساد وقيم ..
الدكتاتوريون متشابهون ، كل منهم لايكتفي بسني الإستبداد التي قضاها حاكماً أوحداً بل يحرص على إعداد خليفته من بين أبناءه بوقت مبكر وبحجج شتى، "صدام حسين" و" معمرالقذافي" و"علي عبد الله صالح" و"كيم إيل سونغ" و"كيم يونغ إيل" و "حافظ أسد" و " حسني مبارك" والقائمة قد لاتنتهي..
لكن إبني الصبي فاجأني بإكتشاف غريب : الدكتاتوريون ينتهون بعمر واحد أيضاً "69 عام!".. إنظر مات "صدام حسين" و كان بعمر69 تماماً كعمر "حافظ أسد" 69 عام ، ثم سقط " معمرالقذافي" وكان عمره 69 وتنحى "علي عبد الله صالح" وكان عمره 69 ثم نفق "كيم يونغ إيل" وكان عمره 69 وسينتهي "عمر البشير" بعد ثلاث سنوات حين سيبلغ 69 من العمر..قلت له بدهشة: حقاً هو تشابه غريب لكنه لايسري على الجميع ، فها هو "حسني مبارك" قد جاوز الثمانين و"زين العابدين بن علي" كذلك ، لكن الصبي كان مستعدا ً للرد على إعتراضي: القانون يسري على الدكتاتورين من فئة الدكتاتورين القتلة وليس فئة الدكتاتوريين اللصوص!









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد سقوط الأسد... ما مصير الوجود العسكري الروسي في سوريا؟ |


.. اعتقل في عهد حافظ الأسد .. لبناني يعود إلى بلاده بعد قضاء 33




.. دول أوروبية عديدة تعلق طلبات اللجوء للسوريين بعد سقوط الأسد


.. آلاف المفقودين الفلسطينيين ما زالت جثثهم تحت الركام في قطاع




.. رئيس الحكومة الانتقالية: حان الوقت لينعم السوريون بـ -الاستق