الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية الدين والسياسة في تونس

سعيد نوح

2011 / 12 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


مؤخرا صارت مصطلحات كالعلمانية والليبرالية تثير جدلا واسعا في الشارع العربي ، وخاصة في وقت يستغل فيه البعض جهل العامة من الناس بهذه المصطلحات ، وقد انطلقت تلك النظرة السلبية من فكرة خاطئة مفادها أن الليبرالية والعلمانية تعاديان الدين، وذلك على الرغم من الحضور اللافت للدين فى الحياة العامة ودوره فى السياسة فى الكثير من الدول والمجتمعات التى تطبق الليبرالية والعلمانية .
وعلى الرغم من كل الانتقادات التي توجه لهذين المفهومين و الإشارة أن كليهما يرفضان الدين ويحاربان دوره إلا أن بعض المفكرين حاولوا إيجاد صيغ توفيقية تستبدل التساؤل عن كيفية الفصل بين الدين والدولة بسؤال آخر هو كيف ينبغى تنظيم العلاقة بين الدين والسياسة، مع ضمان الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
وقد طرحت العلاقة بين الدين والسياسة بشكل مباشر في كتاب : " إشكالية الدين والسياسة في تونس .. أزمة مشروع التحديث وظهور حركة النهضة " للباحث المغربى أبو اللوز عبد الحكيم . صدر الكتاب عن دار " رؤية " بالقاهرة. في المقدمة يطرح أبو اللوز عبد الكريم أن العلاقة بين الدين والسياسة لم تطرح كإشكالية على الوعي الإنساني سوى في حقب محدودة من تاريخ المجتمعات أي في فترات التناقض والتفاوت بين قيم الدين وقيم المجتمع ، وحتى هذه الحالة لا يمكن أن يحدث إلا في ظرفيات تاريخية مخصوصة ؛غذا كان الدين مفروضا بالغزو ، أو غذا كان المجتمع قد تجاوز الفكرة الدينية القديمة وطور نظاما دينيا جديدا ، وقبل أن يعةد الدين ليطور بدوره نظاما جديدا يتوافق مع قيم المجتمع ، عن طريق عمليات التجديد وإعادة البناء التي تعرفها مقولاته حسبما طرح برهان غليون في " نقد السياسة " .
يحتوي الكتاب على بابين: الأول بعنوان : " الجبهات التوافيقية" ، ويضم فصلين الأول بعنوان : " التوافق على مستوى المجال الدينى " ، والثانى بعنوان : " التوافق على مستوى المجال السياسى " أما الباب الثانى فهو بعنوان :" المركبات التوفيقية " ويضم فصلين هما " مظاهر النزعة التوفيقية عند الغنوشى " و" آثار التوفيقية على الفكر الإسلامي" . وإشكالية العلاقة بين الدين والسياسة لم تطرح كإشكالية على الوعى الإنسانى سوى فى حقب محدودة من تاريخ المجتمعات، أى فى فترات التناقض والتفاوت بين قيم الدين وقيم المجتمع، وحتى هذه الحالة لا يمكن أن يحدث إلا فى ظرفيات تاريخية مخصوصة إذا كان الدين مفروضا بالغزو أو إذا كان المجتمع قد تجاوز الفكرة الدينية القديمة وطور نظاما دينيا جديدا.
و راشد الغنوشي فصل بين العقيدة الدينية والعمل السياسي والأهم من ذلك أنه فصل بين عقيدة النهضة التي تمثل مرجعيتها الدينية والفقهية والفكرية وبين شروط الممارسة السياسية في مجتمع متفتح لا مكان فيه لتحويل العقيدة إلى سياسة والسياسة إلى عقيدة.
و يُعد هذا الكتاب أول كتاب يصدر فى مصر عن الحركة الإسلامية فى تونس؛ محللا وراصدا ومؤرخا؛ و يتناول بشكل تفصيلى أزمة مشروع التحديث فى تونس وحركة النهضة الإسلامية، ويرصد بدايات الإسلام السياسى فى تونس الحديثة، مع ظهور راشد الغنوشى المولود عام 1941 وتوجهه نحو مصر للتعلم ثم سفره إلى باريس للحصول على الدكتوراه فى الفلسفة، ويبدأ الباحث كتابه بالإشارة إلى أن المجتمعات القديمة عرفت علاقة متميزة بين الدين والسياسة وفى ظل غياب اطر دولتية أعتبرت هذه العلاقة شرطا أساسيا لبناء النظام الاجتماعى فى هذه المجتمعات حيث أسست لعلاقات التعاون والتضامن وخلقت إطارات للتواصل المعنوى والمادى كشرط لازم لقيام حياة اجتماعية.
ويرى الباحث أن حركة النهضة التونسية سجلت عام 1984 قطيعة مع المرجعية الإخوانية ومفاهيم الثورة الإيرانية لتصل إلى حالة من التكيف مع الخصوصيات المحلية. وفيما بعد شهدت علاقات الحركة بالسلطة نوعا من التوافق مع قدوم زين العابدين بن على الحكم وإعلانه الرغبة فى اجراء اصلاحات سياسية وحاولت الحركة العمل بشكل قانونى، إلا أن السلطة رفضت بعد قليل الاعتراف بالنهضة كحزب سياسي بدعوى أن زعماءه ما زالوا تحت طائلة القانون وسادت حالة من القطيعة بين الحركة الإسلامية والنظام الحاكم طوال السنوات العشرين الماضية.
ويتناول الكاتب الملامح الأساسية لخطاب راشد الغنوشى محللا ومدققا، حيث نجد الرجل يتحدث عن توسيع الدوائر القومية؛ معتبرا الدائرة الأولى هى دائرة الإسلام وهى دائرة عقائدية، وحضارية ، ونضالية؛ وفى ذلك يقرر أن المجتمع الإسلامى مجتمع تعددى اعترف بحق المواطنة للمسلم واليهودى والمسيحى ولم يستثن عنصرا من العناصر المكونة للمجتمع من حق المواطنة.
أما الدائرة الثانية فهى دائرة العروبة وفيها يُقرر أنه لا ينبغى أن يتصور أحد أن هناك عداء بين الإسلام والقومية، وأن القومية العربية رباط أساسى يساهم فى تقوية الكيانات السياسية. ويشير الباحث إلى أن فكر راشد الغنوشى محاولات عديدة للتوفيق بين القيم الديمقراطية والإسلام، لذا نجده يطبق نظرية المقاصد فى الحديث عن الديمقراطية فى الإسلام ويقارن فى ذلك بين فكرة الإجماع فى الفقه وفكرة الأغلبية فى السياسة .
ويحدد الباحث ملامح المشروع السياسى للحركة الإسلامية بأنه يتفق مع الديمقراطية ويطالب بالحرية والعدل ويقبل بالتعددية. الجدير بالذكر أن الفصل الاول من دستور تونس لعام 1959 ينص على ان "تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الاسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها". ويؤكد الكثيرون أن العلمانية ليست ضد الدين وإنما فصل الدين عن الدولة أو فصل الدين عن السياسة". والمشكلة التي تواجه تونس في تلك اللحظة الراهنة والمفصلية من تاريخها أن الدولة هي التي تهمين على الدين، وويرى البعض أن تونس لن تخرج من هذا المأزق إلا إذا تمّ إنهاء هيمنة الدولة على الدين أو هيمنة الدين على الدولة وهذا يتماشى مع الديموقراطية ودولة القانون واحترام الحريات والمساواة للجميع وبين الجميع". و هناك أرضية تسمح للجميع بالاستمرار في تجاور وتعدد . ومن يتابع نشاط حركة الاتجاه الإسلامي يرى أن المرجعية الدينية والفكرية التي استندت إليها في تلك الفترة انتهت بهم إلى حالة من الاغتراب عن الثقافة السياسية الوطنية وزجت بهم في خطاب معياري قيمي . واليوم وبعد أكثر من ثلاثين عاما على تأسيس الحركة وما رافقها من تجارب هل تستطيع الحركة تبني أفكارا أكثر واقعية وبراغماتية بعيدا عن الإسقاطات المستوردة من حقبات مختلفة من التاريخ الإسلامي.
الكتاب : إشكالية الدين والسياسة في تونس
دار النشر : رؤية للنشر والتوزيع
سنة النشر : 2011
عدد الصفحات 440








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا قررت مصر الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا في هذا التوقيت؟ |


.. بيسان ومحمود.. أجوبة صريحة في فقرة نعم أم لا ??????




.. دول أوروبية ستعترف بالدولة الفلسطينية في 21 مايو/أيار


.. -مطبخ مريم-.. مطعم مجاني ومفتوح للجميع في العاصمة اللبنانية




.. فيديو مرعب يظهر لحظة اجتياح فيضانات مدمرة شمال أفغانستان