الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جحا وساميلا (3) : قصة قصيرة

رياض خليل

2011 / 12 / 29
الادب والفن


المنام ، واليقظة ، والحوار حول زهير
استيقظ الصباح ، ولم يستيقظ جحا .. ولا ساميلا . ومايزالا كما كانا لحظة استولى عليهما النوم ، بوضعيتهما ذاتها ، وكان جحا يحلم :
كان يقود " تراكتورا" : ( جرارا ) زراعيا ، وسط حقل واسع جدا ، وكان يحاول أن يوقف الجرار ، فيكبس بأسفل قدمه على المكبح ، ولكن المكبح لايستجيب ، ويكبس بقوة أكبر بلا جدوى ، ويبذل جهدا مضاعفا سدى ، فيستغرب ويخاف ، ويتعرق وجهه ويتكلم بصوت عال : " أيها الجرار اللعين .. قف قف ، عليك أن تتوقف "
ويستمر الجرار مندفعا ، لا يأبه لأوامر صاحبه .. سائقه جحا ، ولا ينفك محركه " موتوره " عن الزعيق المزعج ، ويقوم جحا بمحاولة : " لماذا لا أطفئ المحرك ؟ وأرتاح من نهيقك المزعج ، حماري لاينهق دائما وبشكل متواصل مثلك ، وإلا فسيتعب وينهار ، حماري أحسن منك ، إنه يفهم علي ، يفهمني ، أما أنت ...! أنت حمار من حديد ، وعنيد أكثر من حماري ، الفرق بينكما كبير .. شاسع ، حماري لايعصي أوامري ، ولو حرن ، أضحك عليه بسهولة ويسر ، أضحك على لحيته بالعصا والجزرة ، فيركض ويركض وراء الجزرة فلا يطالها ، ويستمر هكذا مادام جائعا ، إلى أن لايقوى على الاستمرار بسبب التعب والإنهاك ، أما أنت .. أيها التراكتور اللعين ، أيها الحمار الحديدي الدخيل العميل ، أنت أعند من حماري ، ولو جعت أو عطشت لكوب من المازوت الأصفر أو الأحمر ، فتحرن ولاتتحرك إن لم أسقك أو أطعمك ، تحرن أيها العنيد اللئيم ، ولاتطيع أوامري ، ولا أتمكن من خداعك ، والضحك على ذقنك بباقة برسيم أو فصة ، ولا باستخدام العصا والجزرة ، ولا تفهم علي بأي لغة ، سوى لغتك اللعينة القاسية .. التي تشبه لغة رئيس المخفر أو الخفير الذي يتجاهل كلامي وتوسلاتي ورجاءاتي له بأن يطلق سراحي أو سراح ساميلا ، أو سراح حماري الذكي الخبير الذي ضحك على رئيس المخفر ، وكسب وده وثقته وصداقته ، بدليل أن رئيس المخفر البخيل جدا ، والنصاب جدا ، والمرتشي ، رئيس المخفر هذا ، تصوروا ، شاركه بطعامه ومائدته ، لقد قدم له الخبز والبصل الأخضر والخيار والبندورة
لقد تأكدت من إخلاص حماري لي ، عندما باح لي بسر مساعي رئيس المخفر لتجنيد حماري ضدي ! تخيلوا .. رئيس المخفر يحاول أن يقنع حماري بأن يتجسس علي ، ويقدم بي تقريرا ، ياعيب الشوم عليك يارئيس المخفر .. مالك أمان ، لا تؤتمن ، خسيس ، مالك أصل ولا فصل ، تبيع أباك بفجلة أو بصلة ، غبي .. تافه .. شيطان ، لايهمك في هذه الدنيا غير الدجاج ، وملء الجيبة بالأموال ، النهم شيمتك ، والأذى طبعك يارئيس المخفر ، ترى كم تدفع ليبقوك في منصبك الرفيع جدا ؟ يلعن هالعيشة الزفت ، مالي حظ ، حاولت أن أكون خفيرا ، ولم أفلح ، لأنني فقير ، ولاأملك مبلغ " البرطيل " ( الرشوة ) المطلوب لقبولي في سلك الدرك ، ماعلينا ، المهم أن حماري تظاهر أنه قبل العرض ، عرض أن يعمل مخبرا عند رئيس المخفر ، لينقل أخباري وأخبار ساميلا أولا بأول ، ولماذا ؟ لا أدري ...
ويحاول جحا أن يسكت محرك التراكتور ، يدير المفتاح ، ولايفلح ، يكبس على المكبح ، ولايفلح ، وفكر أن يرمي نفسه من فوق التراكتور مرارا ، ولكنه كان أجبن من أن يفعل . واستمر يفكر :
كيف سأتخلص من جعير المحرك الملعون ، إنه أقبح من جعير زهير ، الذي لا يكف عن الثرثرة الفارغة التي تبعث على النعاس والنوم ، ترى ماهو الأمر الخطير ؟ ماهو الخبر الخطير الذي جئتني من أجل أن تخبرني به يازهير يا ابن أبو زهير المجنون الغبي ؟
ويتفاجأ جحا بتراكتوره وقد وصل إلى حافة هاوية صخرية سحيقة ، وأدرك أنها النهاية ، لأنه بلا مكابح ، وقبل أن يفكر في القفز عن ظهر التراكتور ، كان هذا الأخير قد هوى نحو الوادي السحيق ، هو وسائقه جحا ... وراح جحا يصرخ ، وارتطم بالأرض ، وهو يصرخ من الألم الذي أصابه جراء الاصطدام بالأرض ، وصحا من نومه على صراخه وصراخ ساميلا ، ليكتشف أنه سقط عن الكرسي الذي نام جالسا عليه على أرضية الحجرة ، ولعن زهير وزوجته ، التي احتجت : " لماذا تلعنني ؟ ماذنبي ؟ "
واستعاد جحا أنفاسه وتماسكه ، وراح يدير رأسه وعينيه يمينا وشمالا ، لتقلده زوجته ساميلا ، وتتساءل وهي تتثاءب : أين زهير ؟ ألم يكن جالسا هناك ؟ ألم ينم ؟ ويعلق جحا :
- ابن الهيك وهيك .. كيف غادر ؟ هل هرب ؟
- ولماذا يهرب ؟
- كان يجب عليّ أن أسأله هذا السؤال قبل أن يهرب ،
- طول عمرك مغفّل .. وعقلك معطّل .. كيف تركته يهرب ؟
- أنا ؟ أنا تركته يهرب ؟ أتتهمينني ياساميلا الهبلة ؟ لو لم يكن مذنبا لما هرب
- أنت السبب ، لم تسأله لماذا يهرب قبل أن يهرب ، أشك أنك متواطئ معه
- أنا ؟ أتواطأ معه على ماذا؟
- ما أدراني ؟ قلبي يخبرني أنك شريكه ، وأنكما تنويان أن تعملا عملة لا أدري ماهي ؟
- ياساميلا .. لاتخونينني .. ألم تري كيف غلبنا النعاس .. وهو يجعر كمحرك التراكتور ؟!
- تراكتور؟ ! ها .. ها .. ماقصة التراكتور ؟ هل تستطيع أن تبرئ نفسك بعد ذلك ؟
- ياساميلا .. أنه تشبيه ؟ أنا ماجبت سيرة التراكتور
- قلبي يقول لي أنك تكذب ..
- بلا هذه السيرة ، المهم هل عرفت ماهو الأمر الخطير الذي أخبرنا به زهير ؟
- زهير ؟ آ .. تذكرت ..
- أنا لم أتذكر ؟
- هل عرفت أنت ؟
- لا .. لم ولن ولا ...
- جحا جنّ ..
- ساميلا .. لقد نوّمنا زهير بحديثه من دون أن نتوصل لمعرفة الأمر الخطير الذي يهمنا معرفته .. كان حديثه يشبه نهيق حمار متواصل ، أو نهيق محرك التراكتور الذي كنت أقوده ، وهويت إلى الوادي ، والحمد لله أنني سليم معافى ، لم أصب بأذى بعد تلك السقطة المميتة
- عمّ تتكلم ياجحا ؟
- عن رئيس المخفر ومؤامراته ضدي ، وعن إخلاص حماري وذكائه
- جحا جنّ .. جحا جنّ
- ياساميلا .. أخفضي صوتك .. كنت أرى مناما ..
- هل رأيتها ؟
- من هي ؟
- المرأة التي تخونني معها ....
- أنا ؟ ياقليلة العقل ... من أين تخطر ببالك مثل هذه الأوهام ؟
- لاتستشرف علي ، عامل حالك عفيف ، ملاك ، درويش ، مغفل
- أنا ؟ أنا مغفل ؟ أتشتمينني يامغفلة ؟ لعن الله جارتك ، وجارة جارتك ، هم يعلمونك ،
- ماذا يعلمونني ؟
- هنّ يحسدنك على زواجك بي ، أنا جحا .. جحا الذي كل البنات تتمناه زوجا ..
- أتصدق ؟ فعلا أنا مغفلة ، أتعرف لماذا ؟ ... لأني أستمع لتخريفك
- ساميلا .. نسينا أن نشرب القهوة .. أخذنا الحديث عن الغبي زهير
- ترى كيف غادر ؟ ومتى ؟ ولماذا؟ وكيف ؟ وماذا كان يريد أن يخبرنا ؟
- حسنا ، بعد أن نشرب القهورة ، أذهب وأبحث عنه
- لابد من أن نعرف ماذا كان يريد أن يخبرنا به ، الأمر خطير .. خطير جدا
- أعرف أنه خطير .. خطير جدا
- كمشتك ، لقد أوقعت نفسك ، ولن يسمي عليك أحد
- ماذا؟ أرجوك ساميلا
- أنت تقول : إنك تعرف أن الأمر خطير .. خطير جدا . كيف عرفت إن لم تكن شريكه ، أكيد أنتما تخبئان عني شيئا خطيرا .. خطيرا جدا ..ولكن لماذا ؟ لماذا؟ ، هل أصبحت أنا الغريبة عنك ، وزهير بيت سرك ؟ ياحيف عليك ياجحا ، ما كان هذا هو العشم بك
- طولي بالك ، كل شيء في وقته حلو ، سأذهب وأبحث عنه ، وأنكشه من تحت الأرض ، وأكشف سره ، ثم أخبرك
- دعني أساعدك ؟
- كيف ؟
- سأبحث عنه أنا أيضا
- أين ؟
- عند جاراتي وجارات جاراتي ، وجارات جارات جاراتي ....
- يامغفلة .. زهير رجل ، صدقيني رجل ، بماذا أحلف لك حتى تصدقين أنه رجل
- لايهم .. ثم ماذا تقصد بقولك : إنه رجل ؟
- أقصد إنه رجل
- أعرف ، ولكن
- زهير لايمكن أي يكون عند جاراتك ، إذ ماذا يفعل رجل عند امرأة ؟
- ومع ذلك سأسأل عنه ، وربما إحداهن تعرفه ، أو تمت له بصلة قربى ، أو ربما تعرف زوجته ؟ أو ...
- زوجته؟ وكيف عرفت أنه متزوج ؟
- لاأعرف ، قد يكون عازبا . . أو لاأدري ...
وينهق الحمار مطولا ، وتصغي ساميلا وجحا له ، ويبتسمان ، وهما يهزان رأسيهما ، وكأنما فهما المغزى والمقصود من نهيق الحمار المربوط خارج الحجرة ، بدليل أن ساميلا ترجمت نهيقه لجحا شامتة :
" أتسمع ؟ أتفهم ؟ هاهو حمارك يشتمك لأنك غبي ومغفل وثقيل الدم "
جحا : " معه حق ، يريد أن يتناول فطوره ، يريد بعض الشعير ، إنه لايحب أن نتأخر عليه بالفطور ، مع أنه مشهور بأنه صبور ، "
ومضت ساميلا لتعد القهوة ، ومضى جحا ليجلب الشعير للحمار .... قبل أن يمضيا للبحث عن زهير ، لمعرفة الأمر الخطير .. الخطير جدا ، الذي كان يود أن يخبرهما به قبل أن يسرقهما النوم تلك الليلة .........








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنا صدم الفنان عباس ا?بو الحسن سيدتين بسيارته في الشيخ زايد


.. إيران تجري تحقيقا في تحطم المروحية.. وتركيا تتحدث عن رواية ج




.. ضبط الفنان عباس أبو الحسن بعد اصطدام سيارته بسيدتين في الشيخ


.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 20 مايو 2024




.. عوام في بحر الكلام -الأغاني المظلومة في مسيرة الشاعر إسماعيل