الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في أفق رأي عام ديموقراطي مغربي وازن

محمد الهجابي

2011 / 12 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


هل يجوز أن نستسخلص من عملية الانتخابات التشريعية المغربية ليوم 25 نونبر 2011، ومن حركة الشارع المغربي، أن إمكانية تبلور رأي عام هي إمكانية واردة في قادم الاستحقاقات، وفي باقي القضايا الاجتماعية والوطنية الكبرى؟
الذي حملني على طرح هذا السؤال هو وجود حيثيات تدفع إلى ذلك. أذكر منها التالي:
1) إنّ اعتبار أنّ نسبة المشاركة في التصويت بلغت 45% هي نسبة تؤشر، بالرغم ممّا قد يثار حولها من كلام، على أنّ نسبة كبيرة من المغاربة لم تلج مخادع التصويت.
لا شك أنّ جزءاً مهماً من غير المصوتين (المقاطعون)، وكذا ممن صوّت بأوراق ملغاة، بلور قناعة مؤداها أنّه لا فائدة من المشاركة والتصويت الإيجابي ما لم يعرف المشهد السياسي فرزاً كافياً بين الفاعلين فيه، وتغييراً في جسم الأحزاب المكونة له، وشروطاً متقدمة في العملية الديموقراطية.
احتفظ هذا الجزء بصوته لأنّه أراد أن يبلغ رسالته إلى الدولة والقوى السياسية على هذا النحو، وليس على نحو آخر.
هذا الجزء من المغاربة ليس مشكلاً، بالضرورة، من مكونات الجسم الذي يخرج إلى الشارع نهاية كلّ أسبوع بقصد التظاهر.
2) لكن قد يشاطر قسم منه قدراً من شعارات حركة 20 فبراير. على اعتبار أنّ هذه الحركة نفسها لا تمثل، بالضرورة، مناضلي المكونات الحزبية والسياسية التي تساندها وتدعمها فقط، ولا تضم إلى صفوفها عاطفي هذه المكونات الحزبية فحسب، وإنّما هناك جزءاً لا يستهان به من المتظاهرين ممّن خرج إلى الشارع بغرض إعلان تذمره، ولقناعته أنّ الضغط، بالاعتماد على الحشود الجماهيرية بالشارع العام، في سياق الحراك الشعبي العربي، وبتصاد معه، هو السبيل نحو إسماع صوته، وانتزاع حقوقه.
ومن نافل القول إنّ الشارع المغربي صار عنصر ضغط وازن في ما يجري من تبدلات، مهما يكن حجمها وسعتها، في المشهد السياسي بالبلاد.
3) إنّ الأصوات التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية، والتي أهلته لكي يتصدر سلم الأحزاب السياسية المغربية هي أصوات رخصت لهذا الحزب فرصة تطبيق وعوده، ولا سيما على صعيد محاربة الفساد بكل مظاهره الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ولعلّ هذا القسم من الكتلة الناخبة الذي فضل التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية سبق له أن جرّب باقي الأحزاب السياسية (وبهذا المعنى فهو يعاقبها!)، ومن هناك نمّى فكرة الرهان على منح صوته لهذا الحزب، في سياق تجريبه، وفي إطار اختبار مدى أجرأته للوعوده الخاصة التي قطعها على نفسه بتحسين شروط العيش، وتحجيم تسلط الفساد على مقدرات البلاد المختلفة.
وإذن، ليس لولاء مسبق لحزب العدالة والتنمية صوّت هذا القسم من الكتلة الناخبة، مثلما ليس لولاء مسبق صوّت قسم آخر من هذه الكتلة لصالح باقي الأحزاب الحائزة على مقاعد وفيرة في هذا البرلمان.
هذا الحزام الواسع من المصوتين المتعدد الألوان، مع غلبة للون حزب العدالة والتنمية عليه، ما يزال يراهن على إمكانية أن تغير أحزاب البلاد من سلوكياتها وتتدارك أغلاطها وانحرافاتها.
ويمكن القول، تأسيساً على هذه الحيثيات، أنّ رأياً عاماً مغربياً هو في طريقه إلى التبلور.
لن أنعت هذه الإمكانية ب«رأي عام ديموقراطي» بقدر ما أرى أنّها إمكانية هي، ربما، أقرب إلى «رأي عام وطني» منها إلى صيغة ديموقراطية في التفكير والسلوك والحاجيات.
وفي نظري، فإنّ وجود «رأي عام ديموقراطي» هو وجود لم يتأسس بعد بما فيه الكفاية. إنّه، بالأحكم، وجود بالقوة. والأمر سيان، ارتبط بالشارع في راهن حاله أو ارتبط بقسط المصوتين من الكتلة الناخبة.
اكتمال تبلور «رأي عام ديموقراطي» عملية تحتاج إلى وقتٍ. ولا شك أنّ هناك أنوية تؤشر على هذا الإمكانية في قادم الأيام، لكنها تبقى، مع ذلك، رهينة بالتزام الدولة ب«الحياد الإيجابي» في التعامل مع الحقل السياسي، وفي صلبه الحريات الجماعية والفردية والعدالة، وبالتزام الأحزاب السياسية بالتباري الديموقراطي والنزيه، وبنمو «وعي ديموقراطي» لدى كتلة وازنة من الناخبين بخاصة، تفهم أنّ صوتها الانتخابي، بما في ذلك استثمار ما يتيحه الدستور والقانون من عناصر الضغط، أضحى قادراً على قلب الموازين.
إنّ المنشود في مقبل الاستحقاقات هو أن يكون تدخل الكتلة الناخبة في " اللعبة الديموقراطية" تدخلاً يتعامل مع البرامج السياسية للأحزاب بالأولى، وليس مع الشعارات والأشخاص. مثلما أنّ المطلوب، في الآتي من الاستحقاقات، هو أن يكون تدخل هذه الكتلة الناخبة قائماً على عنصري العقاب والجزاء، أي معاقبة الحزب أو الأحزاب المتنفذة والحاكمة في حالة مخالفة الوعود البرنامجية المقطوعة، أو الانتصار للحزب أو الأحزاب المعارضة في حالة وجود بدائل برنامجة مقنعة ومؤهلة لخوض تجربة تداول الحكم.
إنّ التداول على السلطة التنفيذية مركزياً ومحلياً هو أحد الآليات لتحريك "المستنقع السياسي الراكد". كما أنّ لجوء الكتلة الناخبة الواسعة إلى اعتماد مسطرة الجزاء والعقاب في التعامل مع الممثلين السياسيين داخل الحكومة، وباقي المؤسسات التشريعية والمحلية، خارج كتلة الولاء الحزبي، هو مدخل نحو تبلور «رأي عام ديموقراطي» يروم تلبية مطالبه الاجتماعية والاقتصادية، والدفاع عن قضايا البلاد الكبرى وتوجهاتها الرئيسة والاستراتيجية في الآن ذاته.
وعلى تنوّع مكونات هذه الأنوية والاتجاهات القائمة في جسم هذا الرأي العام المغربي السائر نحو التشكل، فإنّ الحاصل هو أنّ إمكانية بلورة رأي عام في إطار من الاستقرار المؤسساتي على قاعدة الديموقراطية هي إمكانية واردة.
إنّ من آثر الخروج إلى الشارع من المغاربة لا ولاء حزبي له إلا من رغبته في إسماع صوته جهاراً، ومن فضل مقاطعة الانتخابات منهم حتى يرى ما جدّ في الحياة السياسية، ومن صوت منهم لصالح حزب العدالة والتنمية، وباقي القوى السياسية المتنفذة، إنّ هذه التوجهات الثلاث الأساس من المغاربة لا تمثل، بالضرورة، "شعب اليمين" أو "شعب اليسار"، بقدر ما تمثل كتلة مهمة من المغاربة توزّعتها قناعاتها الراهنة حيال الجاري من الانشغالات السياسية والاجتماعية، ولكنها قد تتقاطع لتشكل، في محطات معينة، رأياً عاماً وازناً له ثقله في الشارع، وله حسابه في صناديق الاقتراع. على أنّ هذه الإمكانبة قابلة للنكوص في حالة ما إذا أصرت الأحزاب السياسية على إفساد الحياة السياسية، وإذا ما تراجعت الدولة إلى دولة التسلّط والمركزة والتحكّم.

*روائي وكاتب من المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟