الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتى يكون النقد بناء

عبدالله الدمياطى

2011 / 12 / 29
مواضيع وابحاث سياسية



من الممكن القول أن ممارسة النقد تعد أهم قواعد الإصلاح في اى مجتمع ما، وبالتالي يصبح النقد المؤسس للإقلاع السليم لمواكبة الركب الحضاري العالمي فالنقد وسيلة فعالة لتقويم النهج وتصحيح المسار ومن يرفض النقد فهو يرفض التقدم إلى الأمام .
وليس من شك أن الخوف من النقد إنما هو نتاج عوامل ذاتية داخل الإنسان نفسه فالإنسان بطبعه يرتاح للثناء والإطراء وينفر من النقد وتعداد الأخطاء، كما أن كراهية النقد هو نتاج البيئة المحيطة بالأفراد، ويوجد الكثير من الأشخاص يزرعون الخوف من ممارسة النقد في قلوب الناس ويحولان دون تقبله ولهم كل الحق لان يوجد الكثير من النقاد يبتعدون عن الدقة الموضوعية في صوغ النقد وعرضه ويعتمدون على التجريح بالكلمات العنيفة، والعبارات القاسية، وترا الناقد يستعلي على من ينتقده، وهنا تحضر الذاتية ويغيب عن النقد كثير من الموضوعية. لان من أهم معايير النقد أن يبتعد عن وصف الفرد أو الفاعل ويهتم بوصف الفعل يقول الإمام علي بن أبي طالب لأصحابه: (ولكن لو وصفتم أفعالهم وذكرتم حالهم لكان أصوب في القول وأبلغ في العذر)
إن الناظر اليوم يرى كثير من الناس يضيق ذرعاً بالنقد الذي يوجه اليهم من قبل الآخرين في أشكاله وصوره المختلفة ويعتبرون ذلك نوعاً من الاعتداء على شخصيتهم، في حين ينبغي على المرء منا أن يكون موضوعياً في تقبله نقد الآخرين له فيتقبل منهم النقد الموضوعي البناء الذي يهدف إلى البناء لا الهدم بينما من حقه أن يرفض أي امتهان أو انتقاص لشخصه وهو النقد الهدام الذي يهدف إلى تجريح الآخرين دون مراعاة لموضوعية النقد وسماته العلمية والخلقية التي ينبغي أن يتصف بها وإذا عدنا إلى المعايير، فأول ما يبرز هنا هو عنوان الإصلاح لأن النقد البناء لا يمكن إلا أن يكون إصلاحيّاً يقوم ما انحرف أو اعوج، ويصحح ما وقع فيه الخطأ، وبسيادة النقد الموضوعي البناء في شتى جوانب الحياة تصلح المجتمعات وتتطور سبل ووسائل الحياة بأشكالها وصورها المختلفة، وترقى تعاملات الناس إلى الأفضل، فحياتنا مليئة بالسلبيات التي تركنا التصدي لها وتركناها لأصحاب النقد الهدام الذين يتسمون بالأنانية وحب الذات للتشكيك في قدرات الأجرين من المبدعين والمتميزين والعمل على تجريحهم دون مراعاة لأي قواعد أو أنظمة للنقد.
إن النقد المطلوب لإصلاح الفرد و الجماعة هو النقد الذي يعطي شعورا إيجابيا يمكن من خلاله معرفة مواطن القوة والضعف بصدق وموضوعية
أن النقد كمفهوم هو في مصطلحنا الإسلامي وثقافتنا الشرعية هو الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي جعله الله عز وجل رسالة الأمة، ومناط فلاحها (وَلْتَكُن مِنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ همُ الْمُفْلِحُونَ)
لكن ما نراه ألان هو ليس النقد الموضوعي البناء الذي يؤدى إلى الإصلاح وإنما نقد هدام جلب إلينا عن طريق موجات الاستغراب والتغريب الذي دخل إلى ثقافتنا بسبب ظروف الهزيمة والانحطاط أنها وسيلة للهدم وليس للبناء.
ولابد من الاتفاق على أن استيراد المفاهيم والمصطلحات من ثقافات أجنبية، واقتباس القيم من مجتمعات وموروثات غربية، عملية فاشلة لأن هذه المفاهيم ستظل نوعًا من الترف والثقافة النخبوية وتكون محصورة دائما في فئة واحدة ولا تكون لها علاقة بالقطاع الأكبر من الناس وتظل عرضة للتشويه والصور النمطية والممارسات السلبية.
إن القيم الثقافية والاجتماعية والسياسية هي تعبير عن هوية المجتمع وذاتيته، لا يمكن أن تنبع من جوهر معتقداته الدينية وعمق موروثة الثقافي، كما لا يمكن أن تصبح جزءًا من فكره وسلوكه إلا من خلال ممارسته العملية، وألا فستظل طافية على السطح دون جذور عميقة، معرضة دومًا للتشويه والعبث
وكتاب الله والأحاديث الشريفة تحثنا على الجهر بالحق أي النقد المرتبط بمرجعية الوحي والنبوة الملتزم بمقاصد الشريعة ومنهجها وآدابها المنطلق من خلوص النية وابتغاء وجه الله والدار الآخرة، مهمة الأمة.
وقد أقسم الله عز وجل بالنفس اللوامة، تكريمًا للنفس الناقدة التي تزن أعمالها وتعترف بتقصيرها وأخطائها وتقيم على الدوام وتقوم سلوكها.
ولقد عاب الله على بني إسرائيل اختفاء التناهي عن المنكر بينهم، ولعنهم سبحانه ذلك في قول الحق عز وجل:(لُعِنَ الذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُنكَرٍ فَعَلُوه ليئس مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)
كما ندد الله عز وجل بخلوّ مجتمعات سابقة من إنكار الفساد وجعل ذلك سببًا لهلاكهم في قوله سبحانه (فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيةٍ يَنهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلا قَلِيلاً مِمَّن أَنجَيْنَا مِنهمْ وَاتَّبَعَ الذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ)
إن مفهوم نقد الذات الايجابي يعتبر من العوامل الأساسية للحياة الناجحة ولتحقيق التوافق السليم للفرد فمفهموم الفرد عن ذاته يحدد بدرجة كبيرة سلوكه وتفكيره و كذلك إدراكه لنفسه وإدراك الآخرين له في مواقف الحياة المتعددة.
وأخيرا فالنقد ليس تشفياً ولا تصفية حساب لكنه طريق إلى الفهم والإصلاح والتدارك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر.. طريقة أشهى ا?كلات يوم الجمعة من كبسة ومندي وبريا


.. المغرب.. تطبيق -المعقول- للزواج يثير جدلا واسعا




.. حزب الله ينفي تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بالقضاء على نصف


.. بودكاست بداية الحكاية: قصة التوقيت الصيفي وحب الحشرات




.. وزارة الدفاع الأميركية تعلن بدء تشييد رصيف بحري قبالة قطاع غ