الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمريكا هربت من الموضع الدفاعي

احمد صحن
كاتب وباحث

(Ahmed Sahan)

2011 / 12 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


في عام 2003 دخلت أمريكا بقواتها العراق بذريعة تحريره من نظام دكتاتوري والبحث عن أسلحة الدمار الشامل والتي لم تجد أي منها، الا انها تمكنت من إزالة النظام السابق، وبعد تسعة أعوام من ارتكابها ألاف الأخطاء بحق هذا البلد الذي ذُبح بالحصار الأمريكي قبل أن تجهز عليه قواتها، خاضت أمريكا العديد من المعارك في العراق وبعد أن جعلت منه أرضا بديلة للحرب حتى أصبح كقطب مغناطيس يلتقط الإرهابيين كما تلتقط برادة الحديد، وموضعا دفاعيا يتصدى لهجمات الإرهاب وما تعده القوى المتخاصمة ضد الغرب الجديد والقديم، دفعت أمريكا كثير من الخسائر البشرية والمادية، وسجل الشعب العراقي أرقام خيالية في خسائره البشرية والمادية، لتنتهي قصة الاحتلال الأمريكي "العسكري" بترك موضعها الدفاعي، اذ هربت من حيث دخلت.
ثمة علامات استفهام كبيرة وكثيرة تتعلق بالانسحاب الأمريكي، فالوضع في العراق لا يزال معقد ويثير القلق لمواطنيه واغلب الدول المهتمة بشأنه، وتأتي تلك المخاوف من شكل العراق السياسي الحالي حيث لم تكتمل ملامحه بعد، في ضل عملية سياسية لم تبلغ من النضج لدرجة تمكنها من الصمود حتى أيام قليلة أمام الغياب الأمريكي الكامل. أن أمريكا انهزمت من العراق وتركته يئن من عوق وعاهات لم تنجح كل المحاولات لشفائه وتركت مصيره في وضع تشهده المنطقة في غاية التعقيد، تاركة خلفها عراق مشلول الحركة بحكومة واهنة وهزيلة تعصف بها النزاعات السياسية وفساد إداري ينخر بجسده حل في المرتبة الخامسة في العالم . امام هذا المشهد المخيف تربع الرئيس اوباما وجلس على أنقاض اسمها العراق ويقول بكل استخفاف: " ان العراق في الطريق الصحيح" بالطبع لا احد يعرف على أي معيار يرتكز مثل هكذا قول، فما ان دخل اخر جندي امريكي الكويت حتى تداعت ركائز المنجز الامريكي الزائف في العراق.
في ظني ان معطيات الصراع الايراني الامريكي مهدت لهذا الانسحاب، وان كل ملامح الهزيمة الامريكية واضحة. وان الواقع السياسي على الارض العراقية واهمها الحضور الايراني القوي؛ الذي كان السبب الرئيس في دفع امريكا الى ترك موضعها الدفاعي وتهرب.. نعم العراق على الطريق الصحيحة التي ادت الى الهروب الامريكي منه، اذ ان انسحابها على ما يبدو يحمل وجوها وتوصيفات كثيرة لكن ليس من ضمنها النصر لانه ـ أي الانسحاب ـ لم يخضع الى اية معايير ايجابية على الارض العراقية، بل حكمته استدراكات السياسة الامريكية وغرف بحوثها؛ فيبدوا انها ارتأت ان تتحكم في ازمات العراق وغيره من ملفات المنطقة عن بعد ذلك افضل لها من ان تقف عاجزة امام "عقد" الشرق الاوسط التي تشابكت في زمن واحد ومن الافضل لها ان تهرب بقواتها وتقي جنودها من حريق قد ينشب في الشرق الاوسط فأدركت انها عاجزة عن تحقيق النصر في هذا البلد، فلا بأس ان يفي الرئيس اوباما بالوعود التي قطعها لشعبه اثناء حملته الانتخابية، وسيكون هذا الانسحاب شعارا سيكتب على لوحات الدعاية في الانتخابات الامريكية القادمة،. نعم ثمة انسحاب أمريكيا لكنه سياسي في الأغلب، ليس نصرا على الاطلاق، جدولة زمنية – الاتفاقية الامنية ـ صنعها الرئيس بوش ليخرج بمنجز سياسي ليضع قليل من ماء الوجه..لا يمكن بأي حال ان يسمى هذا الانسحاب نصرا أمريكيا، بل انه نصرا إيرانيا بامتياز لان النصر في العراق لا يقبل الاجتزاء، ان تزيل امريكا نظاما ديكتاتوريا صلبا، عليها ان تبني نظاما ديمقراطيا صلبا ايضا، ان تحل جيشا عراقيا بجرة قلم، وتمضي تسعة سنوات ولم نر جيشا بمستوى الكارثة، ثم بمستوى الوطنية، فكيف نقتنع ان بناء الجيش يأخذ وقت لغاية عام 2020.
ان واشنطن بانسحابها هذا ربما اكتفت بنصر رمزي مهدد بالزوال في اي لحظة، بعد ان عجزت عن صناعة عراق "مؤمرك" بل لم تستطع ان تحسر النفوذ الايراني، ذلك النفوذ الذي عبر عنه كبير مستشاري السيد خامنئي "يحيى رحيم صفوي" عندما قال ان النفوذ الايراني في العراق اكبر بكثير من النفوذ الامريكي. ان تشابك الصراع الامريكي الاقليمي على ارض العراق وتعقيدات الطبيعة الجيوسياسية في المنطقة دعت ادارة بوش الى ان تلجأ وتأخذ بتوصيات لجنة بيكر هاملتون عام 2007وعلى اساسها وبمساعدة إيرانية تم الامن النسبي الذي حصل في السنوات القليلة الماضية..
في ظني ثمة تراجع أمريكي حقيقي عن ما هو واجب تجاه العراق، حيث من الواضح ان ساسة البيت الابيض يأسوا من نجاح مشروعهم واصبحت كل الابواب موصدة امامهم باستثناء باب الكويت المفتوح لخروج قواتها من ذلك البلد الذذي اصبح بين فكي الصراعات الإقليمية الدولية من جهة، والصراعات السياسية الداخلية/ طائفية / اثنية /إيديولوجية، ومن المؤكد ان إيران كانت على رأس الجهات التي ترغب ببقاء القوات الامريكية كـ "رهائن" وان تمسك بها بكل ما تملك من سنان وأسنان كي تقيها من ضربة عسكرية محتملة، لكن الغريب في الامر اننا لم نر اية محاولة لإعاقة قوافل الجيش الامريكي المنسحبة، ذلك يؤكد وجود توافقا ما جرى بين طهران وواشنطن على الشكل السياسي الحاصل الان في العراق وخلافه فلم يتمكن الرئيس اوباما من سحب قواته ويفي بوعده الانتخابي وبين اللغط السياسي المستمر والانسحاب الأمريكي فأن البلد يقترب من حافة الهاوية من حيث كل الصعد، فأمريكا، الدولة الأكثر فاعلية في العراق ، باتت اليوم خارج حدوده واذا كانت تتواجد وبمعية 150 الف جندي ولم تتمكن من "امركته" فما بالك اليوم وهي لا تبدو عليها اي ملامح او اهمية تتناسب وحجم المشكلة الدائرة، والكارثة القادمة،أي الانهيار الامني الكلي والاقتتال الاهلي الطائفي.
أمريكا فرت من العراق وتركته بقايا دولة تفتقر لابسط اسباب التماسك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في جباليا ورفح بينما ينسحب من


.. نتنياهو: القضاء على حماس ضروري لصعود حكم فلسطيني بديل




.. الفلسطينيون يحيون ذكرى النكبة بمسيرات حاشدة في المدن الفلسطي


.. شبكات | بالفيديو.. تكتيكات القسام الجديدة في العمليات المركب




.. شبكات | جزائري يحتجز جاره لـ 28 عاما في زريبة أغنام ويثير صد