الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عام على تفجر الانتفاضات العربية

نجيب الخنيزي

2011 / 12 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية



ماذا كان يدور في خلد الشاب التونسي ( 26عاما ) محمد البوعزيزي الذي أضرم النار في نفسه بتاريخ 17 ديسمبر 2010 ، احتجاجا على مصادرة عربة الفاكهة التي يسترزق منها ، وعلى الإهانة ( الصفعة ) التي تعرض إليها من قبل شرطية ، وتجاهل السلطات المحلية الاستماع إلى شكواه ؟ غالبا ما أقدم عليه وأدى إلى وفاته بعد مضي 18 يوما كان تعبيرا عن حالة اليأس والإحباط وفقدان الأمل والشعور بالهوان . غير أن هذا الحادث الفردي كان بمثابة الصاعق الذي فجر الاحتجاجات في 18 ديسمبر 2010 في مسقط رأسه ( ولاية سيدي بوزيد ) تضامنا مع محمد البوعزيزي ، واحتجاجا على غياب العدالة والحرية والكرامة والتنمية المتوازنة و تفاقم البطالة والفقر والفساد. اتسعت حركة الاحتجاج لتتحول إلى انتفاضة شعبية عارمة شملت المناطق والمدن التونسية كافة بما في العاصمة تونس ، وكان الشعار الرئيس في تلك الانتفاضة هو " الشعب يريد إسقاط النظام " و" أرحل " ، وهي الكلمة التي خاطبت بها الشرطية محمد البوعزيزي . الأمر الذي دفع الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي الذي حكم تونس بقبضة أمنية شرسة، طيلة 23 سنة إلى الهروب من البلاد خلسة في 14 يناير 2011 بعد ان فقد تأييد الجيش له في قمع الاحتجاجات . وبذلك جرى تدشين تاريخ جديد ليس في تونس فقط بل وفي عموم المنطقة العربية ، ووصلت تداعياته وتأثيراته إلى أصقاع العالم المختلفة ، بما في ذلك المراكز العالمية كالولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربي. لقد فجرت ثورة تونس مكنون الغضب والثورة والتمرد في العالم العربي، حيث أنظمته الاستبدادية / الفاسدة ، والأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتردية على نحو مخيف متقاربة إلى حد كبير . ألافت أن العديد من الحكام العرب الذين سقطوا بالهرب ، الاستقالة ، أو القتل ، كانوا متشابهين بشكل يكاد متطابق في خطاباتهم المعلنة ، و يعزفون نفس الاسطوانة المشروخة ، عن خصوصية بلدانهم ، ومناعتها من انتقال العدوى التونسية ، و الحديث عن خطر الإرهاب والأصولية المتشددة، ولا ينسون بالطبع معزوفة المؤامرات الخارجية. غير ان احتجاجات وانتفاضات الشعوب العربية والذي كان الشباب حجر الزاوية فيها كانت تعبر عن الرفض و الغضب إزاء التسلط والاستبداد والفساد الذي ضرب أطنابه طويلا ، ومتطلعة إلى التغيير الجذري و تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية ، التي حرمت منها على مدى عقود إن لم يكن قرونا من الزمن . عملية التغيير الثوري أو المطالبة بالإصلاح الشامل قد نضجت وهي تتسارع وتمتد في العالم العربي ومن البحر إلى البحر ، وليس بمقدور أية قوة قاهرة على وجه الأرض أو نظام استبدادي مهما كان بطشة وجبروته من إجهاض فكرة قد أزفت . وعملية الفعل الثوري قد نضجت ، ويستحيل إعادة عقارب التاريخ أو الساعة إلى الوراء . العالم العربي برمته بات أمام مفترق طرق ، حيث يعيش مرحلة تاريخية انتقالية وغير مسبوقة تشي بشتى الاحتمالات . في جميع الأحوال فأن طريق الثورة ليس طريقا واسعا و معبدا و مستقيما وفقا لـ لينين ، أنه مثل تسلق جبل وعر يحتمل الالتواء والانعطافات الحادة بل وحتى التراجع المؤقت إلى الخلف من اجل مواصلة السير إلى أعلى . ما تحقق حتى الآن من منجز على أهميته التاريخية والمفصلية في العملية الثورية الجارية كما هو في تونس ومصر وليبيا واليمن وبلدان أخرى على الطريق لن يكون نهاية الطريق بل هو الخطوة الأولى الضرورية لكن هناك مزيدا من الخطوات المطلوبة على صعيد إنهاء النظام القديم بكل مقوماته ومكوناته لصالح البديل الثوري الجديد بأبعاده ومستوياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية . استعيد هنا قول المفكر الايطالي غرامشي " يموت العالم القديم والجديد لم يولد بعد ، وما بين العتمة والنور تندلع الشياطين " .
لماذا تصدرت الحركات الإسلامية المشهد العربي ؟
ما يطفح على السطح ، هو ظهور وتصدر الحركات الإسلامية ، بشقيها المعتدل والسلفي المتشدد ، للمشهد السياسي إثر اندلاع تسونامي الانتفاضات العربية ، ومحاولتها قطف ثمار الثورة ( رغم تحفظها في البداية عن الانخراط فيها ) والاستئثار بنتائجها عن طريق صناديق الاقتراع التي تصدروا نتائجها بشكل لافت ، مستفيدة وخصوصا حركة الأخوان المسلمين من امتلاكها لإطار سياسي / تنظيمي قديم ، له خبرته الطويلة في العمل التنظيمي والسياسي والدعائي ، و استطاع المحافظة على صلات متنوعة مع الناس ، وخصوصا البسطاء منهم ، حتى في الظروف الصعبة التي عايشها في السابق ، حيث تمكنت حركة الأخوان على مدى سنوات من بناء شبكة واسعة من العمل الجماهيري العلني رغم تعرضها للقمع الشديد على غرار القوى اليسارية ، وذلك من خلال ستار النشاط الدعوي في المساجد ، وتأسيس المؤسسات الاجتماعية والخيرية التي تقدم المساعدات للمحتاجين ، مستندة في ذلك إلى ما في حوزتها من إمكانيات مالية ضخمة بما في ذلك قيادتها وكوادرها البارزة التي تواجدت لعقود في السعودية وبقية دول الخليج النفطية واحتل بعضهم مناصب مهمة على صعيد الدولة ( 3 منهم كانوا مستشارين في الديوان الملكي السعودي ) والأجهزة الإدارية والتعليمية والإعلامية الى جانب عملها في القطاع الخاص . لقد حظيت حركة الأخوان والجماعات الإسلامية المختلفة بدعم ورعاية من الغرب ومن بينها الولايات المتحدة إلى جانب الدول العربية والإسلامية ( المحافظة ) ، في مرحلة احتدام الصراع المواجهة بين المعسكر الغربي والأنظمة العربية الحليفة لها ، وبين المعسكر الاشتراكي السابق ، وعموم حركة التحرر الوطني العربية قبل انهيارهما . وإثر استعادة حركة الأخوان لنشاطها العلني مجددا وبخاصة في مصر في عهد الرئيس السابق أنور السادات ، أسست ما يسمى ببنوك الاستثمار والمصارف الإسلامية ، كما نشطت في قطاع التجارة . تلقت حركة الأخوان المسلمين والجماعات السلفية المصرية مزيدا من الأموال التي تقدر بمئات الملايين من الدولارات على مدى عقود وحتى وقتنا الحاضر من البلدان النفطية الخليجية ، و من قبل جهات ومنظمات إسلامية ودعوية شبه حكومية ، إلى جانب التبرعات الشخصية من بعض كبار رجال الأعمال ، بخلاف القوى اليسارية والتقدمية التي تعرضت بدورها للقمع والحصار والتهميش وبصورة أشد ، من قبل الأنظمة " التقدمية " والمحافظة على حد سواء . في ضوء الحراك الثوري في العالم العربي ، لم يعد خافيا الآن قيام الغرب وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية ( بمعاونة بعض القوى الإقليمية والعربية ) بالتفافة كاملة ، وتغيير موقفها لجهة تقبل وصول الإسلاميين ( المعتدلين ) الى السلطة ، بعد ان استنفذت الزعامات والأنظمة العربية التابعة لها إمكانية بقائها ، والاستمرار في حفظ مصالحها الضخمة في المنطقة ، وذلك وفقا للقاعدة البراجماتية التي يتعامل معها الغرب ، أنه ليس هناك من صداقات دائمة بل هناك على الدوام مصالح ثابتة . الجماعات الإسلامية ومن بينها فروع الأخوان المسلمين واجهت معضلة وجودية في أطروحتها التقليدية ، في ضوء الحراك العربي الثوري الذي غابت عنه بالمطلق شعارات الإسلاميين المعروفة ، مثل الإسلام هو الحل و" الحاكمية لله و " الإسلام دستورنا " حيث التركيز على شعارات الحرية والعدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية والدولة المدنية ، مما فرض على بعض الحركات الإسلامية ، وحتى قبل انفجار الانتفاضات العربية ، كما هو الحال مع حزب النهضة في تونس وحزب العدالة في المغرب ، العمل على إعادة تصحيح وتعديل شعاراتها السياسية ، باتجاه التركيز على الدولة الديمقراطية / المدنية وذلك بهدف نيل المشروعية السياسية في الداخل ، و نيل رضي الغرب في الخارج . نلحظ هنا الدعم المتعدد الأشكال سياسيا وإعلاميا وماديا المقدم لجماعات الإسلام السياسي ، والعمل على إعادة هيكلتها تحت عنوان " الإسلام المدني " وفقا لنموذج تركيا ( العضو الفعال في حلف الأطلسي ) التي باتت الحاضرة بقوة في كل الثورات العربية . أنها محاولة مكشوفة للالتفاف على الثورة ومنع تجذرها بل ومحاولة اختطافها ووأدها قبل ان تطال بالعمق مرتكزات ومكونات النظام ( رغم سقوط الرمز ) القائم وامتداداته الخارجية ، وذلك بهدف الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية وخصوصا على صعيد النفط والأسواق إلى جانب حماية ودعم إسرائيل . ومع أنه يتعين تشجيع ودعم أي انفتاح و تقدم في أطروحات وشعارات وتنظيرات الإسلاميين وفقا لما هو معلن من قبلهم ، على غرار ما تطرحه النهضة في تونس ، و حزب العدالة والتنمية في المغرب ، والتي قد تتطور إلى يمين ديني يؤمن بالديمقراطية على غرار الحزب الحاكم في تركيا والأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوربا ، لكن العبرة في التحليل النهائي تظل في الممارسة والتطبيق . غير إن الرهان الحقيقي في المحافظة على جذوة الثورة وتجذيرها مرهونا بالشعوب العربية وفي القلب منه الشباب الذين كسروا حاجز الخوف و فجروا الثورة . صحيح إن التركيز الرئيس في المرحلة الأولى للثورة كان على الشعارات المركزية العامة ، من خلال الأدوات التنظيمية للشباب المتمثلة غالبا في العالم الافتراضي ، و شبكات التواصل الاجتماعي ، مع غلبة الطابع العفوي ، وغياب التجارب و التقاليد السياسية والحزبية إلى حد كبير ، وقد يكون هذا أحد عوامل نجاحهم الباهر في إسقاط النظام ( أو رمزه الأول ) ، حيث أصابوه على حين غرة في مقتل من حيث لا يحتسب أو يتوقع ، غير أنه في المقابل علينا إدراك حجم المخاطر و محاولات اختطاف الثورة وتفريغها من مضمونها ، وخصوصا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي ، وتلبية تطلعات غالبية الشعب نحو تحقيق العدالة الاجتماعية ووضع حد لتفشي البطالة والفقر والفساد والتبعية للخارج ، وهو ما نشهده على وجه الخصوص في مصر حيث تواصل وتصاعد المظاهرات والاعتصامات والإضرابات ، التي يشارك فيها مئات الآلاف من المصرين احتجاجا على المجلس العسكري الأعلى وسياساته ، والتي هي في الواقع امتدا للنظام السابق في جميع المجالات ، بما في ذلك استمرار القمع الدموي والوحشي إزاء المتظاهرين السلميين كما حصل في الآونة الأخيرة في أحداث ماسبيرو وشارع محمد محمود وأمام مجلسي الشعب والوزراء . لا يمكن أن نتجاهل ما نشاهده على الأرض في مصر من محاولات محمومة لالتفاف على الثورة ومحاولة اختطافها وإفراغها من محتواها ، وبالتالي الإبقاء على جوهر النظام القديم ، والاكتفاء بتغيير واجهته ، من خلال اصطفاف جديد يضم مكونات النظام السابق إلى جانب قوى وجماعات إسلامية ( معتدلة ) وحتى سلفية متطرفة ، مدعومة من قبل المراكز الغربية والإقليمية . ولا بأس من أجل تحقيق المصالح الغربية ، أن تدخل البلدان العربية في متاهات الحروب والصراعات الأهلية وفقا للهويات ( الدينية والطائفية والمنطقية ) الفرعية القاتلة . الأكيد أنه ليس هناك من تماثل في سياق الثورات العرب، وموازين القوى التي تحكمها ، والقوى الفاعلة فيها ، وكذلك تحديد وجهتها النهائية ، بما في ذلك تقدير دور العامل ( الدولي والإقليمي ) الخارجي ، وبالتالي فأن نتائجها ومحصلتها المباشرة أو النهائية لن تكون متطابقة . الأسئلة المطروحة هنا : ما هي دلالات تصدر الإسلاميين لنتائج الانتخابات التي جرت حتى الآن في تونس ومصر والمغرب والأمر ذاته قد يتكرر مستقبلا في بلدان عربية ؟ و ما هو سبب غياب اليسار أو الحضور الهامشي له في هذا الحراك ؟ و هل هناك من دور فاعل لليسار العربي في ظل الأجواء الثورية في العالم العربي ؟ هذا ما سنتطرق اليه مقال قادم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يا حبذا لو ان الكاتب الفاضل يستعرض في مقاله
جاسم محمد ( 2011 / 12 / 30 - 00:01 )
ياحبذا لو استعرض الكاتب الفاضل في مقاله اللاحق ان يبين مفاصل الثوره المضاده ومفصلها الرئيسي المتكون من دول مشيخات الخليج العربي.
حسب الاخبار ان مادفعته دوله قطر للجماعه يقدر بي 170 مليون دولار في حملتها الانتخابيه.
هناك اتجاه متسارع لسعوده المجتمع المصري رغم الاختلاف بين مجتمع حضاري يمتد للالاف السنين وبين مجتمع رعوي بدوي لم تستطع الاله النفطيه من تغيير هيكليه تشكيل نمط الحياه الفكريه غير معزوفه تكفير الاخر واشعال الحروب الطائفيه في هذا البلد او ذالك .
وايضا ياترى لو ان الكاتب الفاضل يوضح لنا بعض مواقف البعض في السعي لتبيض وجهه المشايخ الحاكمه في الاشتراك في ندوات ينضونها بمسميات مختلفه والهدف السعي للحصول على شرعيتها عبر القفز من خارج حدودها في الوقت التي تبيد وتسحق شعبها بعنف كما حصل في البحرين مثلا.

اخر الافلام

.. هل يغير نتانياهو موقفه من مقترح وقف إطلاق النار في غزة؟ • فر


.. قراءة عسكرية.. اشتباكات بين المقاومة وقوات الاحتلال




.. ما آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة؟


.. أمريكا.. طلاب جامعة كولومبيا يعيدون مخيمات الحراك المناصر لغ




.. شبكات| غضب يمني لخاطر بائع البلس المتجول