الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكتابة المسرحية من منظور التناص

أبو الحسن سلام

2011 / 12 / 30
الادب والفن


هوية المسرح السكندرى بين التأثير والتأثر #
حفظت الإسكندرية البطلمية للعالم تراث الإنسانية الإبداعي في مجال فنون المسرح ؛ عندما احتفظ بطلميوس الثالث بالنصوص المسرحية لكبار كتاب المسرح اليوناني؛ حيث استعارها ليستنسخ منها ما يضمه إلى مكتبة الإسكندرية القديمة في مقابل رهن قيمته ( 6 تالنت - عملة ذهبية يونانية ) وأعاد مستنسخاتها الي اليونان مضحيا بالرهنية الثمينة بقياس عصره . وبذلك عرف العالم مسرح (اسيخيلوس – سوفوكليس – يوريبيديس – أرستوفانيس ) عن طريق مكتبة الإسكندرية القديمة .
وترشدنا الوثائق التاريخية أيضا باحتواء المدينة الكونية عاصمة الثقافة والفنون علي ما يقترب من 300 دار عرض مابين مسارح وملاه ومكتبات فرعية، كما ترشدنا إلى أن الإسكندرية كانت أول مدينة في الشرق الأوسط أتاحت لفن المسرح أن يتجلي مزهوا علي عصرنا الحديث ؛ ففي عام 1870 قدم (سليم النقاش) عرضا مسرحيا؛ كان هو أول عرض لفرقة مسرحية عربية/مصرية في بر مصر وذلك علي مسرح (زيزينيا) الشتوي- كان بمواجهة موقع سينما أمير حاليا – وذلك بأمر من الخديو (إسماعيل) وبدعم من (سير: جون أنطونيادس) منشئ حدائق النزهة وأنطونيادس. فلقد قدم سليم النقاش مسرحية(هوراس) للكاتب الكلاسيكي الفرنسي:(كورني) لكنه اختار لها عنوان (مي) علي اسم بطلة المسرحية نفسها.

بعدها توالت العروض المسرحية الأجنبية والمصرية المقتبسة عنها مع مطلع القرن العشرين علي مسرحي زيزينيا الشتوي وزيزينيا الصيفي: (موقعه مكان فندق سان ستيفانو القديم- فور سيزونز الآن) حيث قدم جورج أبيض روائع من المسرح العالمي وقدمت فاطمة رشدي السكندرية المولد عروضا عالمية منها ( مصرع كليوباترا – مجنون ليلي – النسر الصغير ) للشاعر أحمد شوقي بإخراج المبدع عزيز عيد الذي أفرغ حمولة سيارة من الرمال علي خشبة مسرح الهمبرا ( هو خرابة الآن بفضل سياسة بيع تراث مصر) وبذلك شهدت مصر تأثيرات النزعة الطبيعية علي المسرح ؛ حيث يمشي الممثل وقدماه تغوصان في الرمال تجسيدا طبيعيا للموقف الغرامي الأفلاطوني بين قيس (الممثل أحمد علام) وليلي ( القديرة فاطمة رشدي).
نشطت في عشرينيات القرن الماضي الحركة المسرحية الهاوية من خلال الجمعيات الثقافية والطائفية بالإسكندرية كما نشطت في المدارس وملاجئ الأيتام (التي لا وجود لها بمصر الآن ؛ في عصر كثرت - مليارديراته- ونحن في أشد ما نكون حاجة إلي الملاجئ للقضاء علي ظاهرة أولاد الشوارع التي ظننت وبعض الظن استقراء للمستقبل ؛ ظننت أنها ستهدد أول ما تهدد أولئك الميليارديرات) كما نشطت حركة مسرحية هاوية في منتديات الجاليات اليونانية والإيطالية واليهودية . وهكذا تأثرت أذواق المثقفين وهواة التمثيل السكندريين بالممارسة و بالعروض الأجنبية الوافدة علي مسرح (محمد علي – أوبرا: سيد درويش – الآن-) حتى أصبح جمهور الإسكندرية بمثابة لجنة إجازة موسعة لكل عرض مسرحي؛ تأمل كل فرقة محترفة زائرة للإسكندرية أن تنالها باعتبار تلك الإجازة حكما علي النجاح المأمول للإنتاج المسرحي.. كان تقديم الفرقة لعرضها المسرحي بالإسكندرية بمثابة دراسة جدوى للعرض المسرحي نفسه.

ومع زيادة احتكاك مثقفي الإسكندرية ( كتابا وشعراء وفنانين) بالعروض المسرحية وبالمسرحيين؛ ظهرت بواكير الكتابة السكندرية للمسرح اقتباسا وإعدادا إلى أن نمت فأصبحت تأليفا (وان لم تتكشف عنها حتى الآن هوية سكندرية). علي أن توجهات كتابها الفكرية والفنية قد تشعبت علي أيدي نخبة ناشطة يجدد بعضها تحصين مخيلته بكل جديد يشكل رافدا فكريا وأسلوبيا لمنتجه الإبداعي؛ تأكيدا لوجهة نظر ما في مجتمعه أو في الكون أحيانا أو في قضايا سياسية يغلفها بملابسات اجتماعية ذات ملمح نقدي – غالبا- ومنهم من زاد إنتاجه علي عشرين نصا ومنهم من وجه كتاباته نحو الهم السياسي الوطني وبخاصة ما يتعلق بعلاقة الحاكم بالمحكوم ومنهم من يركز علي هموم الوطن؛ بالنظر إلي ما آلت إليه أحوال العباد والبلاد من ترد لا أمل في رأب صدعه علي المدى القريب ، ومن بين هؤلاء يظهر اسم محمد الجمل الذي تراوحت كتاباته فيما بين التأثر من حيث الأسلوب بالأسلوب العبثي ذي المضمون الاجتماعي المصري والفنتازيا الشعبية.
# التناص الدرامي :
تحتل عمليات التأثير والتأثر مساحة عريضة في كل المجالات والأنشطة الإنسانية المتعددة على كثرتها ومناحي اختلافها بصفة عامة . غير أنها في مجالي الفنون والآداب ، وعلى وجه الخصوص مجال الدراما المسرحية . ولما كانت عملية التأثير والتأثر بعامة لونا من ألوان التفاعل بين منتج سابق ومنتج لاحق فمع ما لكل منهما من خصوصية العرض وخصوصية الخطاب ؛ إلاّ أن هناك بعضا من آليات التناص أو التناظر المتباينة فيما بين المتآلف منها والمتخالف تظل إحدى محطات الانطلاق على مسار الحركة النقدية وعلى مسار البحث .
وعلى مسار نقد النص المسرحي من منظور قياس عملية تأثر منتج درامي لاحق بمنتج درامي سابق في الخطاب أو في عنصر أو صورة من نسق النص أو معماره الدرامي أو الفني ؛ لنا وقفة مع بعض أمثلة من آليات التناص بين بعض النصوص المسرحية للمؤلف السكندري " محمد الجمل " ونصوص من مسرح العبث .. بخاصة مما أبدع الكاتب العالمي صمويل بيكيت أو يوجين يونيسكو .
# الجمل وصور التناص مع نصوص درامية عبثية:
بين مسرحية الأفراس لمحمد الجمل و" في انتظار جودو" لصمويل بيكيت ؛ هناك مناط للتناص . وبين مسرحية " نجم وثلاث رؤوس " لمحمد الجمل ومسرحية :
" الأستاذ " ليوجين يونيسكو مناط للتناص. ولأن التناص إما أن يكون تناص تآلف .. حيث يتوافق حدث أو صورة أو أسلوب من نص لاحق مع نظيره من نص سابق توافقا النظير لنظيره. وإما أن يكون تناص تخالف ؛ حيث يتوافق حدث أو صورة أو أسلوب من نص لاحق مع نظيره من نص سابق توافقا جزئيا أو غير متطابق .
وعند الوقوف على مناط التناص بين نص" الأفراس" لـ "الجمل" ونص " في انتظار جودو" لـ "بيكت " يمكن تمثل ببعض الصور من كلا النصين :
# التناص في مؤدى الفكرة الرئيسية للنصين :
في البداية لابد من التعريف بطبيعة الفكرة الدرامية .. حيث لا تكون فكرة منفرد وإنما هي فكرة مركبة من فكرتين تناقض كل منهما الأخرى حتى يتولد الخط الدرامي عن حالة مواجهة كل منهما للأخرى ؛ مواجهة لا تقوم على التصادم الحاد الذي يؤدى إلى إفناء ممثل فكرة لممثل الفكرة الأخرى المقابلة لها؛ بل يقوم على ما يمكن أن نطلق عليه حالة المقاومة بين فكرتين .. وهنا لا نكون أمام حدث درامي قائم على الصراع بالمعنى التقليدي للمفهوم الأرسطي ؛ وإنما هي حالة درامية تعبر عن حالة من حالات الإنسان بوصفه إنسانا؛ بعيدا عن أي انتماءات مذهبية أو سياسية أو اجتماعية.
أما التناص فيتمحور بين النصين حول فكرة (الانتظار غير المجدي) .. في مسرحية ( في انتظار جودو ) تأسست الفكرة الدرامية ..أي الفكرة والفكرة النقيضة لها أو التي تنتج عنها : فانتظار الإنسان لمخلص أو منقذ غيبي هو العبث بعينه. كذلك تمحورت الفكرة الأساسية لمسرحية (الأفراس) لمحمد الجمل على فكرة ( الانتظار غير المجدي) وهنا يتمثل التناص بين فكرة النص اللاحق للنص السابق في حالة التآلف ؛ حيث يتناظر النصان في الفكرة الدرامية العبثية؛ أي تلك التي تقوم على مقاومة طرف لطرف آخر – وهذا يجرنا نحو النظر إلى الحالة أو الموقف الدرامي بين نص "الأفراس" ونص " في انتظار جودو"
# التناص بين الحالة الدرامية للنصين:
سمعت ذات مرة في حديث إذاعي للفنان الأستاذ سعد أردش – المخرج المسرحي – حديثا عبر الإذاعة اللندنية ( بي-بي-سي) قال فيه : " إن الأصل في الدراما هو المصالحة وليس الصراع "
وربما كان ما قاله الأستاذ أردش مثالا لـ ( الميتادراما / ما وراء الحالة أو الموقف الدرامي) ذلك أني لا أسوّغ انسحاب قوله هذا ؛ إلاّ على لونين من ألوان الدراما : ( الدراما الوجودية والدراما العبثية ) فكليهما يدور حول الإنسان بوصفه إنسانا - فضلا على نصوص توفيق الحكيم الحداثية التي تدور حول تعدد دلالة خطاب النص الواحد ، مثل: ( السلطان الحائر – شمس النهار – رحلة قطار – بنك القلق – تقرير قمري – رحلة إلى الغد ) وما بعد الحداثية ؛ حيث الاختلاف المرجأ حول دلالة النص الواحد ؛ المتكشّفة تناقضات خطابه وأنساقه ؛ مثل:( يا طالع الشجرة – الطعام لكل فم – لزوم ما لا يلزم – الصرصار ملكا ) تلك النصوص المسرحية التي تجسد المصطلح الذي استراح إليه الحكيم بما أطلق عليه ( التعادلية) الذي هو نفسه المعروف على المسار الفلسفي الأرسطي القديم بـ "الوسط الذهبي" ,, حيث يقول: "الفضيلة وسط بين رذيلتين " وعلى المسار الإسلامي المعلوم : " لا ضرر ولا ضرار " وهو المسار الفكري نفسه للفلسفة الوجودية المادية: "الحرية والالتزام" بمعنى التزام حرية الأنا الفردية بعدم تجاوزها لحرية الآخر.
وبالنظر نحو خطاب كل من نصي ( بيكيت والجمل) باستقراء معماريهما أو نسق كل منهما ؛ نجدهما على وجه من التناص من حيث بنية الحالة الدرامية ، لا بنية الحدث الدرامي ؛ فلا صراع درامي بالمعنى التقليدي الأرسطي أو التغريبي البريختي ؛ وإنما هي حالة من حالات المقاومة بين فكرتين أو موقفين ؛ تقف عند حدود التوافق على موقف وسط فالصراع صراع سلبي بين مثال حاضر مستلب الهوية مع غائب ما أو وجود افتراضيا أو موهوم؛ قد لا يكون له وجود أصلا . وهنا نخلص من كلا النصين إلى أن انتظار الإنسانية – مجرد انتظارها لغائب مجهول- أملا في هبوط حلول لمأزقها المصيري هو العبث بعينه . ومن المنطقي إلاّ يبحث عن منطق ما في وسط عبثي .
ونستخلص مما تقدم أن كلا النصين : نص (بيكيت) ونص (الجمل) مناط القياس يقومان على شخصيات نمطية لا تطور الحدث ولا تتطور هي نفسها وكل طرف منها يعبر عن فكرة ما في مواجهة الفكرة الأخرى بلغة تقوم على التقافز والتداعيات الاتصالية غير المترابطة من حيث المعنى ومن حيث سياق الحالة الدرامية العامة حيث انتفاء حدث درامي ما ؛ وفي ذلك الاستخلاص تتمثل صورة التناص المتآلف.
وبالنظر للنص الآخر الذي تأسس على لا جدوى من الانتظار . وهو نص ( نجم وثلاث رؤوس) لمحمد الجمل ؛ الذي يتناص في خطابه وفي سياقه أو بنية معماره الدرامي مع نص ( الأستاذ) ليوجين يونيسكو. غير أن التناص بين شخصية الأستاذ المنتظر عندما يأتي نجده بلا رأس ؛ بينما يأتي النجم الذي ينتظره المنتخبون عندما يأتي نجده بثلاثة رؤوس ؛ وهي صورة من صور التناص المتخالف؛ فلئن كانت دلالة ظهور أستاذ نص يونيسكو بدون رأس تشف عن أنه خاوى الفكر؛ فإن ظهور نجم نص " الجمل " وجسده متوج بثلاث رؤوس تشف عن تشتت الفكر أو تناقض الرأي ، من هنا فهو لا يقدم خطبة ما ينتظرها المنتظرون ؛ ولكنه يذهب مباشرة لتسلم الجائزة
# من أمثلة التناص بين (في انتظار جودو) لبيكيت و نص ( الأفراس ) للجمل :
عند بيكيت: " ستراجون: سأذهب
فلاديمير: لا تستطيع
ستراجون: لماذا ؟
فلاديمير: إننا في انتظار جودو "
عند الجمل: "المرأة: سأذهب سأتركك وحيدا
الرجل: ( بثقة ) لا تستطيعين
المرأة: لماذا ؟
الرجل : تريدين أن تري الفارس وهو يقتل فرس النهر ؟ "
# الإنسان الكلوروفيلي : تعرض كبار كتابنا للعلاقة بين العلم والإيمان وكان توفيق الحكيم أبرز الكتاب الذين تناولوا هذه القضية عندما كتب عودة الروح ، ومن بعده قنديل أم هاشم ليحيى حقي ، وكانت رائعة نجيب محفوظ ( أولاد حارتنا ) من أهم الروايات التي أثارت ضجة بين الأوساط الثقافية بسبب بعض التفسيرات التي ذهبت بها مذهبا مضادا لفكرة الإيمان . وقد وجدت مسرحية محمد الجمل ( الإنسان الكلوروفليلي ) تذهب في ذلك المسار نفسه بتعرضها لقضية العلم والإيمان . ولئن كانت عودة الروح تكشف عن ضرورة التزاوج بين العلم والإيمان أو المادة والروح ، وكانت قنديل أم هاشم مواجهة أدبية لمعتقدات شعبية متحجرة بمنجزات العلم نحو هز شجرة الخرافة الشعبية لسقط ثمارها المعطوبة ، وكانت أولاد حارتنا ملحمة أدبية عبر منظور بلقطات عين الصقر على مسيرة المعرفة الإنسانية بدء من ثقافة البيداء الظنية حتى ثقافة الماء اليقينية ؛ فإن ( الإنسان الكلوروفيلي ) تذهب مباشرة إلى الانتصار لفكرة الإيمان على فكرة المنجز العلمي .
يثير هذا النص عددا من التساؤلات حول حدود العلم في انتصاره لفكرة الإيمان علي جهود العلم والبحث العلمي ومنجزاته. ربما لا يكتفى بذلك ولكن يدعو وجوبيا إلى توقف العلم عن البحث عندما تتجلى بوادر تفوقه على مظاهر الوجود الطبيعي المخلوق؛ حتى لا تظهر مقدرة العالم بمظهر القدرة الخالقة المنافسة للخالق.
تتأرجح مقولة هذا النص بين حرية العالم بين التخيل الافتراضي والقيود الذاتية التي يجب أن يتقيد بها وينسحب عن البحث العلمي؛ عندما يصبح خيال العالم وافتراضاته العلمية على مرمى حجر من نقطة التحول إلى حقيقة علمية مؤكدة . النص يدعو إلى تمثل نموذج د. النجار المنسحب من مجال العلم ملتحقا بمجال الدعوة للإعجاز الغيبي !! – قبل أن نسمع عن النجار-
ومن التساؤلات الاستنكارية التي يثيرها هذا النص :
# لماذا يعتزل عالم ناجح في بحوثه عن إتمامها ؟ وهل يصح أن نطلق عليه لقب عالم إذا ما نسحب عن البحث ؟ ص – ص 26-27
# هل هناك عالم في أي مجال يقفز مباشرة إلى النتيجة دون أن يضع لها مقدمات ص8
# هل من شيم العالم الحقيقي الاستعلاء على زملائه أو السخرية من وجهات نظرهم ؟ ص – ص 36-37
# هل هناك عالم حقيقي يسخر من نتائج العلم ص 35
# هل هناك عالم حقيقي ينسحب من البحث العلمي ليدخل في الدروشة ص 34
# حول حرفية الكتابة:
* اعتمد الكاتب في رسم الشخصية الرئيسية في نصه هذا على ما يعرف بالشخصية القناع ، تلك التي يتقنع خلفها الكاتب ويحملها ببعض آرائه. (ص 10 -11- 28 )
* تمثل الكاتب في رسم شخصية الحدث الرئيسية نموذجا استباقيا لشخصية العالم المنسحب من البحث لصالح الفكر الغيبي – عرفنا نظيره فيما بعد بزغلول النجار) ص 26-27-34
# فيما يتعلق بالخط الدرامي وبنية الحدث :
* الانسياق وراء المناقشات وتفريع خطوط نقاشية تعطل الحدث و تجمد مسيرة الصراع ( من ص 9 – ص 22 نهاية المشهد الأول)
* الميل إلى المناقشة التعليمية ؛ وإن وافقت الحدث الفرعي الحكائي في مشهد تسلية الدكتور نعمان إبنته.
# حول تقنية التأليف المسرحي:
* مع أن غالبية النقاد يعيبون على الكاتب المسرحي الاعتماد على النص الموازي ( بتضمين الإرشادات الخاصة بالأماكن والأزمنة وبدوافع الفعل الدرامي ) إلاّ أنني بصفتي مخرجا مسرحيا أرى ضرورة قصوى لذلك النص الموازي للحوار لأنه يكشف عن بواعث الفعل الدرامي التي يمكن أن توفر للمخرج الكثير من الوقت في تحليل أبعاد كل شخصية للممثلين الذين اختارهم لتجسيد النص في عرض مسرحي . وقد عنى محمد الجمل أينما عناية بالنص الموازي في كل نصوصه المسرحية. ( فترة صمت حائر – بدهشة – بتوبيخ – يرمقها بنظرة ثاقبة – بإزدراء- بسخرية – بإصرار-) هذا فضلا على توصيف فعل الشغل المسرحي
* لجأ الجمل في معمار نصوصه المسرحية إلى جماليات التخلص الدرامي ، حيث الانتقال الدرامي السلس من حالة إلى حالة أخرى مغايرة أو من موقف درامي سابق إلى موقف درامي لاحق.
# مثال للتناص مع مواقف تاريخية :يتناص معمار الحدث الفرعي في هذا النص مع حادثة تاريخية مشهورة حدثت مع الإمام أبي حنيفة النعمان ؛ وهي حادثة دخول رجل ذي هيبة ووقار ظاهر عليه ، الأمر الذي جعل أبا حنيفة يضم إليه ساقيه الممددتين ؛ فما أن تكلم الرجل ؛ وأدرك أبو حنيفة تفاهته حتى قال قالته المشهورة " الآن آن لأبي حنيفة أن يمد ساقيه" وفعل. وفي صفحة 31 من نص الجمل ما يتناص مع موقف أبي حنيفة مع أن موقف العالم بدير وما قاله لنعمان لم يكن كلاما أجوف بل هو في صميم العلم :
" بدير : استعد ذاكرتك ياكبير العلماء
نعمان: ( وهو مستمر في القراءة ) وماذا بعد ؟
بدير: إنه عن طريق فهم أسرار الخلية يمكننا إدخال خلية إنسانية في خلية ميكروب غير ضار وإنتاج الأنزيمات المختلفة التي تتوقف أجهزة بعض البشر عن إفرازها .
نعمان: ( يضع الكتاب ويخلع النظارة ويمد ساقيه ) وماذا بعد ؟ ( ص 31 )
ولا أدرى إذا ما كان اختيار المؤلف لاسم نعمان له علاقة باسم أبي حنيفة النعمان أم لا !! لكن من الجلي الواضح أن هناك تناص بين هذا الموقف المسرحي لنعمان وموقف أبي حنيفة النعمان من الرجل المحشو قش مع هيبة مظهره وهو تناص متآلف من حيث الموقف ، غير أن شخصية العالم بدير هي تناص متخالف مع رجل أبي حنيفة التاريخي الأجوف.

من ناحية أخيرة أري أن الفصل الثالث من مسرحيته ( الإنسان الكوروفيلي * يعد زائدة درامية يجب استئصالها .. فلا معنى ولا تبرير للتحول الفجائي لشخصية الدكتور تعمان عن موقفه بعد أن انسحب عن مجال البحث واندمج في مجال الدروشة .
وفي مجال التناص أيضا أرى شان التذييل الذي ذيل به محمد الجمل نصه هذا متناص مع التذييلات التي دأب توفيق الحكيم على وضعها في نهاية الكثير من نصوصه المسرحية ـ، وفي ذلك التذييل يقر محمد الجمل بنفسه بأن الفصللا الأخير ربما يكون زائدا عن الضرورة المسرحية ومن ثم فهو يسمح لمن يتصدى لإخراجه أن يتجاوزه ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان