الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار ذو شجون حول السجون

نقولا الزهر

2004 / 12 / 30
أوراق كتبت في وعن السجن


(حوار ذو شجون حول السجون)
- قالت لي ابنتي: لماذا لا تتكلم عن حياة ومجتمع السجن ؟
- قلت لها: ألا يكفيكم ما عانيتم من الخوف وآلام الفقدان والانتظار ؟
- قالت: هل صحيح مثلما يقال أن السجنَ مدرسةٌ؟
- يبدو أنك تريدين أن تقيمي حول السجن فلسفة؟
- قالت: وما المانع أن يكون للسجن فلسفة؟
- في اعتقادي مقولة (السجن مدرسة) غلط شائع يستخدمه الناس في بلادنا، هذه المقولة في الأساس هي من المخزون التاريخي الإيديولوجي للدولة السلطانية؛ لأن السجن لو لم يكن أولاً وآخيراً وسيلةً من أهم وسائلِ الحاكم لمَّا استخدمها ضد معارضيه منذ قيام الدولة عبر التاريخ وإلى الآن.
- قالت: إذاً ما هو رأيك في السجن؟
- في اعتقادي السجن تجربة، وهي تجربة مرَّة شديدة المرار، ولكونها تجربة يمكن أن يستخلص منها دروساً من يعانيها.
- قالت: ذكرتَ أنها شديدة المرار لكن ما هي اللحظات الأشد مراراً وما هي اللحظات الأقل مراراً؟
- لا أعتقد أنه يوجد في الدنيا شيء أسوأَ من السجن، ومراراته أكثر من أن تحصى. من أين نبدأ؟ من التعذيب والاعتداء على الجسد؟ أم من الإذلال المعنوي والإصرار على تكريس الخوف في النفس؟ أم من نزع الإنسان من أبيه وأمه وزوجه وبناته وأبنائه ومن جده وجدته وحفيداته وأحفاده وأحبائه ورفاقه وأصدقائه ؟ ألا تتذكرين حينما كنتن في سوق العصرونية وتنظرن إلى نوافذ (البرج السادس) لماَّ قالت أختك لأمها: ماما كم البابا الآن هو قريب.. قريب منا.. وكم هو بعيد... بعيد عنا؟
- قالت وماذا أيضاً؟
- عقابيل الاعتداء على حرية الفرد واغتيال زمانه غير محدودة ولا هي معدودة. فأولى الاحتمالات هي الموت تحت التعذيب، والموت من المرض... والنكوص النفسي..والانقطاع عن العمل... وعدم الدراسة... وعدم الحب.... وعدم الزواج.. وعدمات أو عدوم كثيرة..
- ثم قالت: وماذا أيضاً؟
- في لغتنا الشعبية يقال للملحاح والملحاحة: "بصلتك محروقة". هل تريدين مني أن أتكلم على مرارات سدس قرن في هذا الحديث الصباحي، مع ذلك سأتكلم على عقبولة أخرى من عقابيل السجن قليلاً ما يذكرها الناس في كتاباتهم.
- ما هي؟ من فضلك اذكرها لي فوراً !!!
- السجن يمنع الحب.... ويمنع الإنجاب....ويمنع اكتمال الأسرة ... ووووووووووو
- قالت: ممكن أن تشرح هذه المسألة أكثر؟
- من حسن حظي أنني تزوجت في أوائل السبعينات، ولم أتريث في ذلك إلى الثمانينات، وإلا كنت لن أرى (كثيرةَ الأسئلةِ) هذه التي تجلس أمامي الآن!!؟؟
- قالت: أتسمح لي بسؤال أخير؟
- تفضلي؟
- قالت هل لك أصدقاء من الذين كانوا مسجونين ولم يستطيعوا الإنجاب بسبب السجن؟
- سؤالك ملتبس. فكل الذين كانوا في السجن لم يتمكنوا من الإنجاب، المتزوجون وغير المتزوجين؛ ولكن من الذين كانوا متزوجين، المرحوم رضا فقد كان يحلم بأخ أو أخت لابنته الوحيدة؛ وأبو شفيع الذي اعتقل في أسبوع زواجه، وأبو عبدالله الذي طلب من خطيبته أن لا تنتظره حين تعذرت لديه رؤية نهاية الدهليز الرمادي..............
- وفي نهاية الحديث ماذا تريد أن تقول؟
- من أهم مرارات السجن، مسألة الزمن الموؤود ...الزمن المعدوم....الزمن المقتول .... وهذا ما جعلني أن أطلق على السجن(مقبرة الزمان).......
نقولا الزهر
دمشق في 27/12/2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جبال من القمامة بالقرب من خيام النازحين جنوب غزة


.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان ضد الحرب الإسرائيلية على ق




.. كيف يمكن وصف الوضع الإنساني في غزة؟


.. الصحة العالمية: المجاعة تطارد الملايين في السودان وسط قتال ع




.. الموظفون الحكوميون يتظاهرون في بيرو ضد رئيس البلاد