الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة زنجبار وتصفية الحسابات

محمد بودواهي

2011 / 12 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


تقع جزيرة زنجبار سياسياً ضمن إطار دولة تنزانيا، أما جغرافياً فهي تقع على الساحل الشرقي لأفريقيا، وتبلغ مساحتها حوالي 1600 كم مربّع، وعدد سكانها حوالي 300 ألف نسمة.
كان نظام الحكم في البلاد حتى عام 1964 ملكية دستورية يحكمها السلطان جمشيد بن عبد الله ......وقد خضعت زنجبار تاريخياً لسلطنة حكّام عُمان، سواء عندما حكمها اليعاربة أو آل بو سعيد. وكان سلطان عُمان يمتد إلى ممباسا وماليندي ومقديشيو وأسمَرة ومدن كثيرة حتّى وسط أفريقيا. وقد ظلّت سيطرة العمانيّين على زنجبار وساحل شرق أفريقيا قرابة ألف عام.....

ولم تنقطع السيطرة العمانية على زنجبار وشرق أفريقيا إلاّ فترات قصيرة عانت فيها مناطق النفوذ العُماني من رحلات الاستكشاف البرتغالية ثم من الاستعمار البرتغالي، إلى أن طَرَد الإمام سلطان بن سيف البرتغاليين من عمان، ثم بعد ذلك من ساحل شرق أفريقيا.
وكان النظام المستقر في زنجبار وساحل أفريقيا الشرقي يحكم من عُمان ويفوّض ولاة على زنجبار وبقية ممالك الساحل مقابل ضريبة سنوية.
وفي عام 1828 ميلادية قام السلطان سعيد بن سلطان بزيارة إلى الجزيرة ، وعندما وصل إليها استهواه جمالها وطِيب مناخها مُقارَنةً بهجير عمان ، فجعل من الجزيرة مقرّه الرسمي وعاصمة لمملكة يحكم منها عُمان وساحل إفريقيا، وأصبحت زنجبار منذ ذلك التاريخ عاصمة لمملكة عُمان . وسرعان ما تعاظمت وتكثّفت هجرات العُمانيين إلى الجزيرة ملتحقين بسلطانهم،
كان استقرار السلطان سعيد بن سلطان في زنجبار متوافقاً مع بدء إحساس الغرب بأهمية موقع زنجبار الاستراتيجي في ظل قواعده البحرية التقليدية، من حيث كونها موقع مواجهة مع ساحل افريقيا الشرقي القريب من الهند ومن ساحل الخليج العربي. وكانت الكشوف الجغرافية من قبل ولفنجستون وستانلي وغيرها في افريقيا سبباً كافياً لكي يلتهب خيال أوربا بالطمع في افريقيا بعامة وزنجبار بوجه خاص.

وفي يناير سنة 1964 اشتعلت ثورة زنجبار بقيادة أول رئيس لها عبيد كرومي وقضت على حكم آخر السلاطين العُمانيين « جامشيد » الذي هرب على متن باخرته إلى مومباسا في كينيا. وأعمَلَ الثوارُ والأهالي من أصل افريقي وهندي التقتيلَ في السكان من أصل عربي الذين اضطروا إلى الهرب إلى كينيا وتنجانيقا أو العودة إلى بلدانهم الأصلية عمان واليمن والإمارات.. فبعد أيام من اندلاع القتال تمكن الثوار من السيطرة على كل المباني الحكومية الرئيسية ، وأخذوا مهبط طائرات الوحيد في الجزيرة ، ففر السلطان جمشيد ومعه رئيس الوزراء محمد شامتي حمادي‏ والوزراء على اليخت السلطاني . فاستولى الثوار على قصر السلطان وباقي الممتلكات السلطانية، معلنين حكومة جديدة . وقد قتل جراء تلك المعارك أعداد غفيرة أغلبهم من العرب ...

ومباشرة بعد استقرار الأوضاع أنشأ حزبي الأفروشيرازي والأمة مجلسا ثوريا ليكون بمثابة حكومة انتقالية ، حيث تزعم كرومى المجلس كرئيس للبلاد ‏ وجعل بابو وزيرا الشؤون الخارجية . وتم تغيير اسم البلد إلى جمهورية زنجبار وبمبا الشعبية ، وكانت أول أعمال الحكومة الجديدة هو الطرد النهائي للسلطان وحظر حزبي الوطني وشعب زنجبار وبمبا دات الميول العربية ...

ونظرا لاضطراب الأوضاع ووجود حالة عدم الاستقرار سرعان مابدأ الثوار بقيادة سكرتير حزب الأفروشيرازي جون أوكيلو بأعمال انتقامية ضد سكان أنغوجا من العرب والآسيويين ، حيث نفذوا عمليات الاعتداء والقتل والاغتصاب وهاجموا الممتلكات ودعا بعض كبار المسؤولين في خطب إذاعية إلى قتل وسجن عشرات الآلاف ممن سموهم بالأعداء والعملاء ، وقد اختلفت التقديرات الفعلية لعدد الوفيات اختلافا كبيرا ، حيث تراوحت بين المئات إلى 20،000 .....وقد وثق طاقم فيلم إيطالي قتل الأسرى العرب ودفنهم في مقابر جماعية حيث تم التصوير من على متن طائرة هليكوبتر لعمل فيلم اسمه "Africa Addio"، وهذا المقطع من الفيلم يضم الوثيقة المرئية الوحيدة المعروفة عن عمليات القتل تلك . وقد فر الكثير من العرب طلبا للأمان إلى عمان ، وبأمر من اوكيلو لم يمس أحدا من الرعايا الأوروبيين

وبحلول 3 فبراير عادت الأمور في زنجبار إلى حالتها الطبيعية، وقد لاقى كرومى القبول الواسع من الشعب كرئيسا للبلاد . وأعادت الشرطة تواجدها في الشوارع وفتحت المحلات المنهوبة وسلم السكان المدنيون الأسلحة غير المرخصة . وأعلنت الحكومة الثورية أن سجناؤها السياسيون وعددهم 500 سوف يحاكمون في محاكم خاصة ..... غير أن اوكيلو شكل ميليشيات شبه عسكرية اسمها قوة الحرية العسكرية، وأغلب اعضائها من مؤيديه ، حيث قامت بدوريات في الشوارع ونهبت ممتلكات العرب...وبحلول شهر مارس قامت ميليشيا مؤيدة لكرومي وحزب الأمة بنزع سلاح العديد من أتباع أوكيلو. وفي يوم 11 مارس جرد اوكيلو من رتبة مشير، ومنع من دخول زنجبار عند محاولته العودة من رحلة إلى البر الرئيسى. وقد رحل إلى تنجانيقا ثم إلى كينيا ثم عاد بعد ذلك معدما إلى وطنه الأم أوغندا ....

من أهم نتائج ثورة زنجبار كانت كسر هيمنة العرب والطبقة الآسيوية الحاكمة التي استمرت لمدة 200 سنة . ومع أن زنجبار اندمجت مع تنجانيقا كوحدة سياسية، إلا أن المجلس الثوري ومجلس النواب قد احتفظا بوجودهما حتى سنة 1992، ويعملان بنظام الحزب الواحد ولهما السلطة في الشؤون المحلية ...

لا تزال الثورة تمثل حدثا ذا أهمية للأكاديميين كما هو للزنجباريين ، فتحليلات المؤرخين بأن سبب الثورة هو وجود طبقية عنصرية واجتماعية بين السكان، وبعضهم قال أن الثوار الأفارقة مثلوا حالة البروليتاريا تمردت ضد طبقة الحكام والتجار من العرب وجنوب آسيا . بينما شكك آخرون بتلك النظرية قائلين بانها ثورة عنصرية تفاقمت بسبب التفاوت الاقتصادي بين طبقات هذا المجتمع . وعلى العموم تمثل تلك الثورة في زنجبار حدثا هاما ، وتحتفل بذكراها يوم 12 يناير كل عام ، وهو يوم عطلة رسمية أقرته حكومة تنزانيا ...
ولا يزال ذوو الأصول الإفريقية والهندية يجدون من مخلّفات الحكم العُماني ، خصوصاً سجون العبيد ، وصمة عار على جبين السلطان العُماني التي كان يأسر فيها الزنوج لبيعهم عبيداً للمستعمرين البريطانيين والفرنسيين في شرق افريقيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصل جديد من التوتر بين تركيا وإسرائيل.. والعنوان حرب غزة | #


.. تونس.. مساع لمنع وباء زراعي من إتلاف أشجار التين الشوكي | #م




.. رويترز: لمسات أخيرة على اتفاق أمني سعودي أمريكي| #الظهيرة


.. أوضاع كارثية في رفح.. وخوف من اجتياح إسرائيلي مرتقب




.. واشنطن والرياض.. اتفاقية أمنية قد تُستثنى منها إسرائيل |#غرف