الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل دخلت الثورة السورية مرحلة جديدة؟

طلال النجار

2011 / 12 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


هل دخلت الثورة السورية مرحلة جديدة؟
مع القبول المعلن للنظام السوري بمبادرة الجامعة العربية وبدأ دخول المراقبين للأراضي السورية، على ما صاحب ذلك من تحفظات واعتراضات من أكثر من طرف، يمكن القول أن المواجهة الشعبية مع النظام المتشبث بالسلطة بأي ثمن قد دخلت مرحلة جديدة.
الاحتجاجات الشعبية في سوريا مستمرة دون هوادة منذ أكثر من تسعة أشهر، بأهداف بدأت بالإصلاح والتغيير الحقيقي، وانتهت بإسقاط النظام، الذي تبين أن المراهنة على تيارات "إصلاحية" فيه ليست إلا وهماً، وأن لا غاية له إلا الاحتفاظ بالسلطة واقتسام غنائمها. ولاتوجد آلية واضحة ومحددة لكيفية تحقيق الهدف المتمثل بإسقاط النظام، وليس ذلك مما يتنقص من الحركة الشعبية ، فالثورة غير الانقلاب، وليس إلا من قبيل التنطع أن نطلب من المتظاهرين أن يحددوا لنا رؤيتهم لكيفية تحقيق أهدافهم، كما يفعل بعض المعلقون على الأحداث بنوايا بريئة وغير بريئة. فحركات الاحتجاج بطابعها عفوية غير منظمة، لا يقودها اتجاه سياسي محدد، ولا حتى أيديولوجية معينة، وما يوحدها شعار إسقاط النظام القائم واستبداله بآخر أكثر عدلاً وحرية. وسيكون من قبيل العبث أن نسأل مثلاً إذا كانت جماهير الشعب الفرنسي التي اقتحمت "الباستيل" تملك أفكاراً محددة حول كيفية إسقاط النظام الملكي.
ولكن ذلك لا ينفي طبعاً أهمية قراءة الأحداث ومحاولة إيجاد رابط ينظمها، بأمل التمكن من التأثير فيها، وخصوصاً في واقع مثل الواقع السوري تحكمه عوامل متداخلة ومعقدة، من الواضح أنها ستطيل الصراع إلى مواجهة طويلة الأمد تتعدد فيها وسائل الصراع. وإذا نظرنا لتحولات حركة الاحتجاج السورية على المدى الشهور الماضية، لوجدنا أنها استقرت على ما يمكن أن نسميه استراتيجية عامة تتفق عليها عناصر المعارضة عموماً، بغض النظر عن بعض الاختلافات حول تفاصيل قد تكون مهمة في ذاتها ولكنها لا تؤثر في الاتجاه العام. وتتمثل هذه الاستراتيجية في دعم التظاهرات الداخلية بحملة إعلامية فعالة ومنظمة، تساندها جهود دبلوماسية تبذلها خصوصاً المعارضة في الخارج، وذلك بهدف كشف جرائم النظام وإحراجه على المستوى الخارجي، وصولاً، عند بعض الأطراف على الأقل، إلى عزله دولياً. والمأمول هنا أن الضغط المتواصل من كل الجهات سيؤدي في نهاية المطاف إلى إسقاط النظام، إما عن طريق تزايد الانشقاقات في صفوفه أو تعاظم الاحتجاجات الشعبية إلى حد يستحيل معه على النظام السيطرة عليها. والسؤال هنا، هل من ضمانة لنجاح هذه السياسة في نهاية المطاف؟ والجواب طبعاً بالنفي، فالثورة لا تعرف منطقاً معيناً. إنها أشبه بوعاء يتزايد داخله الضغط بشكل مستمر، فهو سينفجر في النهاية ولكن لا أحد يعرف متى وأين. وعلى هذا فقد يسقط النظام السوري غداً، وقد يستمر سنوات طويلة بشكل من الأشكال. فالثورات قد تفشل أيضاً. والثورة، حسب تعبير أحد المراقبين، مثل الصندوق الأسود الذي لا يمكن معرفة محتوياته، ولا يمكن قرائته إلا بعد أن تصير الأحداث التي يسجلها من الماضي. غير أن ذلك التشبيه، رغم دقته من ناحية، لا يمثل الواقع بكل جوانبه. صحيح أن الثورة لا يمكن إعلان موعد لبدئها أو نهايتها، ولا يمكن توجيه المسار الذي تتخذه ولا حتى التنبؤ به، إلا أن هذا لا يمنع من أنه يمكن التأثير فيها أيضاً وزيادة فرصها بالنجاح، خصوصاً إذا كانت المعركة طويلة كما في الوضع السوري، ولا يتم ذلك إلا بقراءة المحيط الذي تتحرك فيه هذه الثورة بواقعية، والإحاطة بكل الوسائل المتوفرة لها والاستفادة منها.
وتوافد لجان المراقبين العرب إلى سوريا يضع أمام حركة المقاومة تحديات جديدة، كما يقدم لها فرصاً حقيقية. صحيح أن هناك مخاوف مشروعة من أن محدودية حركة المراقبين وعدم قدرتهم حتى الآن على منع تدخلات النظام في عملهم قد يحولهم إلى "شاهد زور" يقر جرائم النظام حين يفشل بكشفها بشكل مباشر، وهذا ما قد يسعى النظام لاستغلاله لمصلحته على المدى القصير. ولكن الفرصة المتاحة للمعارضة كبيرة ويجب استغلالها، وهي تعد بنقل المواجهة الداخلية مع النظام إلى مرحلة أوسع مجالاً وأكبر تأثيراً. فالمراقبون جزء من مبادرة عربية شاملة، قبل بها النظام مرغماً رغم ادعاءاته خلاف ذلك، وتنفيذ جزء من قراراتها يفرض عليه تنفيذ القرارات الباقية، والتي تتضمن إرسال المزيد من المراقبين، والسماح بدخول وسائل الإعلام وإعطائها حرية كاملة، وسحب الجيش وإيقاف العمليات العسكرية، وغيرها من عوامل كفيلة بخلق مناخ أكثر ملائمة لنشاط المعارضة والاحتجاج الشعبي. فقبول النظام بالمبادرة يضعه أمام مسؤولية يتوجب عليه الالتزام بها، وينجم عن تقصيره فيها تبعات لن يفيده حتى حلفاؤه في تفاديها. وإقراره أن عمل لجان المراقبة "موضوعي" بشكل من الأشكال يفرض عليه القبول بكامل بنود المبادرة، كما يعني دخوله ضمن منظومة عربية ودولية كان يرفض الاعتراف بها حتى الآن، مع ما يفرضه عليه ذلك من التزامات، تضغط عليه حتى روسيا من أجل الامتثال لها.
وإن توحيد الجهود من أجل الضغط بهذا الاتجاه، أي دفع النظام إلى الالتزام بما تعهد به، سيعطي المعارضة مجالاً كبيراً للحركة في مواجهة الممارسات القمعية، وسيفيدها في الضغط عليه بأسلوب أشد فعالية من المقاومة المسلحة، التي بدأت بعض مكونات الداخل، ربما بدافع اليأس، في الانزلاق إليها، والتي ستصب في النهاية في مصلحة النظام، شئنا ذلك أم أبينا. فهناك الآن معارضة منظمة داخل سوريا نفسها تطالب علناً بإسقاط النظام، وهو أمر لم يكن متخيلاً قبل أشهر قليلة، والتذمر شعبي شامل ويزداد اتساعاً. والمرحلة الجديدة التي ستدشنها المبادرة العربية، والمترافقة مع سحب قوات الجيش ودخول وسائل الإعلام والتخفيف من القبضة الأمنية، ستعطي موارد جديدة للمعارضة الداخلية التي ضيق عليها كثيراً، وخصوصاً من الناحية الإعلامية، وسيوفر مساحة كبيرة للمقاومة المدنية التي تراجع مجالها نشاطها نتيجة ضغط النظام العسكري الذي استغل ذريعة المقاومة المسلحة. وهذا كله يعد بتحول التذمر الصامت إلى احتجاج علني، ويضعف خيار بقاء النظام أو الأمن، الذي صار حقيقة لدى الكثير من السوريين.
لا يمكن الإنكار أن الأشهر الأخير قد فضحت النظام، داخلياً وخارجياً، وكشفت هشاشة شعاراته وإفلاسه الفكري وفراغ إدعاءاته بتمثيل الشعب في سوريا، ناهيك بالشعب العربي. غير أن الإحتجاجات لم تصل إلى مرحلة الشمولية. والسبب الأساسي لذلك هو مضي النظام في خيار الحل العسكري، بحيث صار التظاهر يعني المخاطرة بالحياة. غير أن هناك عوامل أخرى لا يمكن إنكارها، تتمثل في تعقيد وضع سوريا المحلي والدولي، ومخاوف صادقة عند البعض، حتى لو كانت مبرراتها هشة، من خروج الوضع عن نطاق السيطرة في حالة حدوث تغيير عنيف ومفاجىء. والسؤال المطروح هنا. ما هو سيناريو التغيير الأكثر وضوحاً في الوقت الحالي؟ التدخل الخارجي بشكله العسكري غير وارد وغير مقبول أساساً. أما التدخل بصيغة ما يسمى الممرات الآمنة فهو يفتقد الواقعية والوضوح بدرجة يقترب بها من الخيال، وهو مشروع سيقود إلى مواجهة عسكرية حتمية، ليس هناك من الأطراف الخارجية من هو مستعد لها. كما أن الإدانة الدولية غير ممكنة حالياً، وحتى لو تحققت فالعزلة الاقتصادية والسياسية التي ستقود إليها هي في أفضل الأحوال سلاح ذي حدين، وربما تضعف الشعب أكثر من النظام. كما أن العزل يمكن أن يحشر النظام في الزاوية ويؤدي لمزيد من الوحشية في مواجهة الاحتجاج، مما قد يؤدي لإسقاطه في النهاية، ولكن الكلفة ستكون عالية بشكل لا يمكن تحمله. الحسم لابد وأن يكون في الداخل، وبالمسار السلمي الذي نجح حتى الآن في انتزاع مكاسب حقيقية، وأعطى مساحة للمقاومة يمكن الآن استغلالها إلى أقصى حد.
وهذا ما يفرض تحدياً جديداً على المعارضة السورية، التي يمكن القول أنها لم تنجح بالكامل كما لم تفشل بالكامل في التعامل مع التحديات الضخمة التي واجهتها حتى الآن. فمن ناحية تمكنت المعارضة من شن حملة إعلامية ودبلوماسية منظمة، أبقت القضية السورية حاضرة في المحافل العربية والدولية، وفضحت ممارسات النظام الوحشية، كما أفلحت عموماً في تفادي الانجرار للطائفية والجهوية، وتمكنت من تركيز جهودها إلى حد لا بأس به، بحيث تشكلت جبهتان للمقاومة، في الداخل والخارج، كما أبدت المعارضة الداخلية خصوصاً صلابة ملفتة في رفضها الوقوع في فخ الخيار بين الأمن أو النظام، أو الانسياق وراء شعارت ضرورة المرحلة والمؤامرات الخارجية، وما شابه ذلك، وإصراراها على شعار إسقاط النظام رغم إغراءاته وتهديداته. إلا أنه من الواضح أن المعارضة ما تزال تعاني من مشاكل عديدة، أهمها الفشل حتى الآن في الوصول إلى صيغة لتوحيد كل عناصرها بشكل يضمن نوعاً من الاعتراف الدولي، وإصرار بعض الأطراف على التفرد بالقيادة وحمل لواء تمثيل المعارضة. كما يلاحظ أيضاً شيء من عدم الواقعية يتمثل بالدفع إلى مسارات غير واضحة تماماً، بالإضافة إلى التردد في حسم مسألة التدخل الخارجي بشكل نهائي وقاطع.
والفرصة الآن متاحة لاستغلال خيار المقاومة السلمية المدنية إلى أقصى حد، ولكن ذلك يستلزم من المعارضة، خصوصاً الخارجية منها، القدرة على قراءة الوضع كما هو ومحاولة الاستفادة من كل مكوناته، والتخلي عن منطق كل شيء أو لاشيء، ومحاولة دفع الأوضاع إلى حدودها القصوى وكأن النظام سيسقط من تلقاء نفسه. فإدارة المواجهة السياسية تفرض الاستفادة من الواقع والممكن. والواقع الآن يقول أن التغيرات جديدة تتيح فرصة حقيقية لانتزاع مساحة أكبر لعمل المعارضة في سوريا في طابعه السلمي والمدني، مما سيشجع الكثير من المترددين على حسم أمرهم، لأنه لا يمكن الإنكار أن هناك تردداً لدى الكثير من الرافضين لهذا النظام، والذين يشكلون في رأينا معظم قطاعات الشعب السوري، إما خوفاً من القبضة الأمنية، أو خشية من تبعات الانفلات العسكري، فضلاً عن التحفظ على الطابع الديني الذي يسود بعض المظاهرات، والطابع الديني قد يكون أمراً مفهوماً حين تتحول مواجهة أدوات القمع إلى مشروع شهادة، ولكن من الممكن الآن إدخاله ضمن حركة مقاومة أكثر شمولية.
لقد حرق الشعب السوري مراحل كثيرة في فترة قياسية، ولكن المعركة أمام قوى التغيير ما زالت طويلة والصبر فيها ضروري، ونهايتها لا تحسم بالإماني وتبني سيناريوهات تحكمها النظرية أكثر من الواقع. ولذلك فمن الضروري التمسك بالمكتسبات المتزايدة والبناء عليها، بدلاً من منطق الأبيض أو الأسود. فالنظام السوري قد أثبت بامتياز، مثله مثل الأنظمة التي سبقته بالسقوط، أنه لا يستطيع قراءة ما يجري في المنطقة والعالم، وأن اللغة الوحيدة التي يفهمها هي القوة الأمنية، وليس من مصلحة المعارضة أن تنجر لمواجهته بنفس سلاحه، بل عليها أن تثبت قدرتها على ممارسة لعبة السياسة، التي أثبت النظام فشله الذريع فيها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الضغط لتنفيذ كــــــــــــــــل بنود المعاهدة
نايـــــــــــــــا ( 2011 / 12 / 31 - 11:33 )
تحليل ورؤية موضوعيين، تبعث على التفاؤل ... فالمرحلة الحالية تتطلب بشكل أساسي الضغط على النظام لتطبيق المعاهدة (البروتوكول) الذي وقع عليها وقبل ببنودها... دعم جهود البعثة ضروري، وتنفيذ كل بنود المعاهدة -وليس جزء منها- هو ما يتوجب على المعارضة الحث والتأكيد عليه ومساندته والمطالبة به : سحب الجيش، دخول الصحافة والتظاهر السلمي بحرية...
وتحية

اخر الافلام

.. غزة بعد الحرب.. قوات عربية أم دولية؟ | المسائية


.. سلطات كاليدونيا الجديدة تقرّ بتحسّن الوضع الأمني.. ولكن؟




.. الجيش الإسرائيلي ماض في حربه.. وموت يومي يدفعه الفلسطينيون ف


.. ما هو الاكسوزوم، وكيف يستعمل في علاج الأمراض ومحاربة الشيخوخ




.. جنوب أفريقيا ترافع أمام محكمة العدل الدولية لوقف الهجوم الإس