الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الضحايا 80 ألف شخص وألف سائح!

باتر محمد علي وردم

2004 / 12 / 30
العولمة وتطورات العالم المعاصر


إنتشرت في الولايات المتحدة وأوروبا نكتة سمجة أثناء غزو العراق السنة الماضية مفادها أن الرئيس الأميركي جورج بوش كان يتناول المشروب في حانة مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، وقال بوش أننا سنقوم بشن الحرب على العراق وسيموت فيها 50 ألف عراقي وجمل واحد! فتساءل صاحب الحانة بدهشة: ولماذا الجمل؟ فقال بوش مبتسما: " ألم اقل لك أن أحدا لن يهتم بالخمسين ألف عراقي!
وللأسف فإن النكتة واقعية جدا، والحرب أدت إلى مقتل 100 ألف مواطن عراقي بدون أن يهتم ضمير العالم الحر الخاضع للميديا الأميركية، وقبل أيام حدثت الكارثة الطبيعية التي هزت السواحل في جنوب شرق آسيا وخلفت وراءها حوالي 80 ألف قتيل حتى الآن، إضافة إلى 1000 سائح أجنبي شكلوا المادة الدسمة لتقارير وكالات الأنباء العالمية ووسائل الإعلام المسيطرة على الخبر العالمي وخاصة الأميركية والأوروبية.
كل التقارير ركزت على وفاة السياح والأحداث التي رافقت ذلك وشهاداتهم حول الرعب الذي عاشوه وكيف نجوا منه، والارتباك التي سادهم وهم – يا حرام- يبحثون عن تذاكر طيران للعودة إلى بلادهم، وفي الخبر أيضا يتم الحديث عن أرقام الضحايا من سكان البلدان الآسيوية، بما يتراوح ما بين 2000 إلى 10 آلاف شخص في كل بلد منكوب، وهذه أرقام فقط للإحصاءات!
هذه هي العنصرية وعدم احترام قيمة الإنسان بأبشع صورها، وحتى في حالة الموت من كوارث طبيعية الذي يداهم الجميع بلا تفرقة ولا استثناء ولا يميز بين الغني والفقير يسود التمييز في التعبير عن الموت وكأن قيمة الإنسان الأوروبي الذي توفي في المنتجعات السياحية الفخمة أقل من قيمة المواطن التايلاندي والسيريلانكي والهندي الذي يخدمه. هذه العنصرية يمارسها الكثيرون وحتى في وسائل الإعلام العربية التي قلدت وكالات الأنباء الدولية في التفرقة بين الضحايا من السياح والضحايا من المواطنين.
الميديا الغربية اهتمت بكوارث آسيا كمادة إعلامية مثيرة، وتركيزها على ضرر السياح يصيب مستقبل السياحة في هذه البلاد الفقيرة بالدمار، ونفس هذا الإعلام الذي طارد وقائع وفاة السياح في الأمواج العاتية سيبحث غدا عن أحدث الأخبار حول تسريحة شعر بيكهام وأغاني بريتني سبيرز ويترك وراءه آلام الملايين من الناس، فالحدث هو فقط بقيمته المادية والإعلانية، ولا مكان للمشاعر والأحاسيس إلا إذا كانت بيضاء وشقراء تتكلم اللغة الإنجليزية!

ثوان معدودة قلبت حياة ملايين الناس الفقراء والمعدمين في دول فقيرة ولا تملك البنية التحتية ولا المرافق الصحية ولا الكوادر المؤهلة للتعامل مع هذه المآسي، وسوف تستمر أبعاد هذه الكارثة لتطال حياة ملايين الأشخاص في السنة القادمة وتطيح بهم إلى طرق مجهولة في الحياة. دول العالم ومنظماته التنموية ستخوض الآن معركة حقيقية في سبيل إعادة جزء من فرص الحياة إلى مليوني مشرد، ومسح أحزان الذين فقدوا أحبائهم وسبل معيشتهم في ثوان معدودة. عشرات الآلاف من الأبطال المجهولين سيبدؤون منذ اليوم جهدا عظيما لإعادة ترميم هذه الدول بعيدا عن كاميرات وسائل الإعلام، ونتمنى أن تكون بعض الدول العربية والإسلامية الغنية ماليا أو القادرة فنيا على تقديم دعم لهذه الغاية، لأن الترابط الإنساني بين الناس من مختلف الديانات والعقائد يستلزم التضامن في أوقات الكوارث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد قضية -طفل شبرا- الصادمة بمصر.. إليكم ما نعرفه عن -الدارك


.. رئيسي: صمود الحراك الجامعي الغربي سيخلق حالة من الردع الفعال




.. بايدن يتهم الهند واليابان برهاب الأجانب.. فما ردهما؟


.. -كمبيوتر عملاق- يتنبأ بموعد انقراض البشرية: الأرض لن تكون صا




.. آلاف الفلسطينيين يغادرون أطراف رفح باتجاه مناطق في وسط غزة