الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ندوة أدب المسعدي في عيون الباحثين الشبّان

صفاء سلولي

2011 / 12 / 31
الادب والفن


كان صوت الشّاب التّونسيّ مكتوما حتّى في السّنة التّي احتفلت به. فلقد كان في الحفل غائب كلمة و فعلا. لكن بعد تمكّنه من بعث صرخة أيقظت جثث الماضي التّي أرادت موته، صار حاضرا في الحياة بكلّ ملامحها. و من ذلك نذكر حضوره في الحياة الثّقافيّة التّونسيّة التّي تشهد احتفالا بمئويّة محمود المسعدي.
فلقد احتضن المركّب الثّقافي نيابوليس بنابل في 9 و 10 ديسمبر ندوة " أدب المسعدي في عيون الباحثين الشبّان". و هذه النّدوة أعلن عن ميلادها كلّ من الأستاذ العادل خضر و المندوب الجهويّ للثّقافة الأستاذ لسعد سعيد لوعيهما بأنّ الباحث الشابّ يستطيع أن يضيف إلى القراءات السّابقة فيجدّد أو يعدّل أو يتجاوز... و مهما اختلفت مشاركته في الثّقافة فهي ضروريّة .
افتتحت أعمال النّدوة بكلمة الأستاذ العادل خضر الذّي تحدّث عن سعيه إلى تأسيس فريق بحث في الأدب هذا الذّي وصفه تودوروف بكونه في خطر. لذلك أراد هذه المناسبة الفرصة التّي من خلالها يمكن أن نخلص إلى أنّ "أقوى الصّداقات صداقات العلم". ثمّ أحال الكلمة إلى الأستاذ رضا مامي الذّي وصف هذه المرحلة بالمرحلة التّي تستحقّ بناء العقول فثمّن هذه المبادرة. و وعد بمشروع سيقدّمه مفاده ترجمة "السدّ" أو "حدّث أبو هريرة قال" إلى اللّغة الاسبانيّة و دراسة مقارنة لشخصيّة أبي هريرة و شخصيّة دون كيشوت لكثرة ما يجمع بينهما. و لأنّ الأدب ليس معزولا عن مشارب العلوم الأخرى قدّم الأستاذ المنجي بورقو مدير دار المعلّمين العليا و أستاذ جغرافيا كلمة طريفة طرق من خلالها الأدب بعين الجّغرافيّ ليفتح كتاب " مولد النّسيان" و يقتطف منه فقرة حول قرية كسرى التّونسيّة فيقرأ لنا المعاني بمعجم الجغرافيا (كلس، الانجراف، الأمطار، التسرّب، الحرارة، التبخّر...) و كانت قراءة جديدة فعلا استنطقت الواقع الطبيعيّ فأوّلت النصّ. ثمّ دعا رئيس جامعة منّوبة الأستاذ شكري المبخوت إلى الالتفاف حول مشكاة الأنوار بالإسهام في الحياة الثّقافيّة فالباحث الشابّ هو مستقبل هذه الأنوار و مستقبل الجامعة التّونسيّة لذلك قال بأهميّة فتح المجال أمام الباحثين الشبّان النّخبة التّي أرادها المسعدي. كما وضّح فقال إنّ مشروع المسعدي هو مشروع أحمد عبد السّلام في الحقيقة. و في هذا التّوضيح اعتراف للآخر الذّي عمل في صمت.
و لقد احتوت النّدوة على ثلاث جلسات علميّة. و تضمّنت الجلسة الأولى التّي ترّأسّها الأستاذ العادل خضر خمس ورقات علميّة محورها " كون المسعدي الخياليّ".فلقد اهتمّ منير المزوغي بالموت و الحياة باعتبارهما زوجا معنويا مبثوثا في حوامل مختلفة. فهو المحرّك الأبرز من بين محرّكات الإبداع عند المسعدي. و درست هالة لعتيري ثنائيّة أخرى تتمثّل في الماء و النّار في كون "حدّث أبو هريرة قال" فقالت إنّها شبكة من الخيوط بل هي القوّة التّي منها نخلص إلى المعاني الرّمزيّة. فكما يقول المسعدي "اللّطف في الإشارة". كما ذكرت خولة لحفاف حضور الجسد في هذه الرواية الذّي وجدته ينتصب قيمة مثلى و قد أخرج البطل من دائرة العبث إلى دائرة البعث. و قدّمّت رجاء بن حجل بحث "الرّؤية و الرّؤيا في أدب المسعدي" معتمدة في ذلك على السيميائيّات مستحضرة طوبيقات ثلاث: الخياليّ و الواقعيّ و الرّمزيّ. ثمّ كانت مداخلة لطفي الهميسي خاتمة الجلسة الأولى. فكانت في النّهاريّ واللّيليّ فنظر في الرّموز النّورانيّة و في قدرة بطل السدّ على مغالبة الزمن.
و لم يغادر المسعدي بال المشاركين في أعمال هذه النّدوة من أساتذة و باحثين و صحفيّين، فكان محور اهتمام مسامرة مع جماعة "ناس ديكامرون" بنزل الكيوبس، لنراه منشقّا عن الأدب العالميّ و التّونسيّ. و حاولنا أن ننشقّ بدورنا عن فكرة المسعدي الرّمز حتّى نحرّر خطابنا من السّائد. فاستقامت صورة المسعدي الذّي لا نعرفه، فبحثنا في تجارب الشّذوذ في أدبه و في إخفاقاته فقرأنا نصوصا تضمّنت حشوا و تكرارا يخلو من الفنيّة. و منه كان تعرّضنا إلى ضعف نصوصه في الفضاء. لكن وجوه الرّداءة هذه كانت محميّة بالمؤسّسة السّياسيّة.
و مع صباح جديد عدنا إلى الاحتفال بأديبنا في جلستين علميتين. كانت الأولى (الثّانية في التّرتيب العام) في محور قضايا سرديّة في أدب المسعدي و ترأسّها الأستاذ فوزي الزمرلي. فكان البحث في شعريّة السّند في أحاديث المسعدي فقال محسن القرسان إنّ المسعدي يوهم بانتمائه إلى أنماط السّرد القديمة. و قدّمت عفاف صماش كرامتي البدايات و النّهايات: تأمّلات في أدب المسعدي في معنى المصير في أدب المسعدي فبيّنت أنّ القول في المصير يرتدّ إلى سؤال ما الإنسان؟ ثمّ كشفت تلك العلاقة التّي تجمع نهاية أثر من آثار المسعدي ببداية أثر لاحق. فكأنّ مدوّنته سيرة ذاتيّة، هي بحث في المصير يستمرّ مع الكتابة. و يضيف عادل غزال موظّفا المنظور اللّعبيّ إلى فكرة السّيرة. فلقد اعتبر كلّ نصّ من نصوص المسعدي متّصّلا بغيرها من المدوّنة فما كتبه من عناوين مختلفة إنّما هي عنوان نصّ واحد. و عن الفضاء حدّثّتنا صابرين عسكري فأبرزت أنّه يختلف باختلاف التّجربة و يتلوّن بتلوّن البطل.هذا البطل الذّي قد يكون في صورة البطل المضادّ الذّي يمكن أن ينقلب بطلا بتغيّر الرّؤية مثلما قدّمت منى الخليفي.
ثمّ تناول الباحثون نصّ المسعدي في محور ثالث هو قضايا فنيّة جماليّة في أدب المسعدي في جلسة ثالثة ترأسّها الأستاذ رضا مامي . فقارن فتحي رمضان الشّابي بين المسعدي و الشّابي ليخلص إلى أنّ البعد الرّومنطيقيّ قد أكسب نصّ المسعدي جماليّته و أنّه لا يمكن أن يقرأ المسعدي قراءة وجوديّة إلاّ إذا ما كنّا متشبّعين بالقراءة الرّمنطيقيّة. و عن تلك القولة المعروفة "الأدب مأساة أو لا يكون" تكلّمت ريم المرايدي التّي صرّحت بأنّ المأساة سيّدة المأساويّة فهي تخضعها لها بالفنّ و الكتابة. "العبث و البعث جناس قد يربك المعنى. فهل البعث طريق العبث أم العبث طريق البعث؟" هكذا قالت أماني زمّيط في مداخلتها العلميّة. و غير بعيد عن الجناس و الأصوات كان بحث أميمة الرّمضاني "نظريّة الإيقاع عند المسعدي في كتاب في كتاب "الإيقاع في السّجع العربيّ". ثمّ قدّم محمّد الشّاذلي الفتوحي البحث الأخير في هذا الحفل المعرفيّ ليدقّ باب الحياة السّياسيّة التّي عاشها المسعدي و هي مازالت مفقودة في الدّراسات إلى اليوم. فوفّق في دراسته بين الإيديولوجيا و الفنّ، فخاض في الصّراع و هو أهمّ ما يسم الإيديولوجيا فالثّقافة هي وعاء الإيديولوجية الأوّل و قرأ القوميّة لدى المسعدي. و كان الاختتام بعد النقاش.
إذن هذه لمحة عن أشغال هذا اللّقاء الذّي يختلط فيه العلم بالاحتفال و البحث بالآفاق.
لقد وفت هذه النّدوة بوعودها و ننتظر أن تصدر في كتاب يتضمّن كلّ البحوث التّي قدّمت علّها تفيد القارئ و قد تثير أسئلة تكون فاتحة بحوث جديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كواليس ولقاءات من مهرجان الموسيقى العربية في يومه الثاني


.. رسالة اليوم الثاني من مهرجان الموسيقى العربية




.. أبطال وفنانين وفنانات الحرانية.. في #معكم_منى_الشاذلي ?? #مع


.. بعض الأعمال الفنية للراحل رمسيس ويصا واصف #معكم_منى_الشاذلي




.. كلها من الطبيعة.. يا ترى فناني الحرانية بيجيبوا الألوان منين