الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عرب يهزمون أنفسهم إن لم يجدوا من يهزمهم

محمد جمول

2011 / 12 / 31
مواضيع وابحاث سياسية



من يعود إلى تاريخ المنطقة قبل مائة عام، وهي اللحظة التي شهدت ولادة وعد بلفور واتفاقية سايكس بيكو وهزيمة العرب في حرب لم يكن لهم فيها دور سوى تعميق هزيمتهم وإلغاء مكانتهم، يكتشف أن البلاهة السياسية والخبل يمكن أن يتحولا إلى جينة وراثية لدى كثير من الزعماء العرب. في تلك الفترة كان العرب أمام مفترق طريق يمكن أن يؤدي إلى ظهور زعامة من نوع كمال أتاتورك الذي استطاع المحافظة على وحدة الدولة التركية والسير بها نحو الحداثة وتأسيس المواطنة مع ضم بعض الأجزاء من دول أخرى أو استمرارالولايات والإمارات العربية الموروثة عن الامبراطورية العثمانية الزائلة بالتزاحم عبر معظم زعاماتها على التمسك بحصتها من أمراض " الرجل المريض" من دون أن تسعى إلى تكوين هويتها الحديثة الخاصة بها بعيدا عن الوقوع إما في حضن المستعمر الجديد أو التخلص من أمراض المستعمر القديم.
وهكذا كان الانقسام حادا بين من يندبون حظهم لسقوط الخلافة العثمانية التي لم تكن تفكر بهم حتى مجرد التفكير إلا على أنهم غنيمة يمكن أن تقع بأيدي أعدائهم، وبين من رأوا في المستعمر الجديد مخلصا لا هم له إلا خدمتهم وتوفير الرفاه لهم. وبذلك استمروا في أداء دور التابع والضحية عبر القصور السياسي أو السعي لتأمين مصالح عائلات معينة على حساب شعوب المصلحة وقضاياها، وعلى رأسها تقديم الوعود بأن يكونوا كرماء باستضافة اليهود على أرض فلسطين. ومن هنا لم يكن غريبا أن يقودهم شخص مثل لورنس العرب أو الجنرال غلوب باشا. فهل من ضمانة للهزيمة الذاتية أقوى من أن تضع جيوشك بإمرة ألد أعدائك طواعية وعن سوء نية أو حسن غباء؟
شكلت تلك الفترة لحظة حاسمة تحدد على أساسها مستقبل المنطقة لمدة قرن كامل. وقد بات معروفا أن اتفاقيات أَبرمت مع عائلات حاكمة لضمان بقاء هذه العائلات مقابل تصرف القوى الغربية بكل شيء في المنطقة، سواء كان تحت الأرض أو فوقها. وهذا يدعو للتساؤل عن سبب هزيمة كل من حاولوا الدفاع عن هوية المنطقة ومصالح شعوبها، وعن كثير من الثوار الذين غاب ذكرهم ولم يتمكنوا من الاستمرار في حين أن بلدانا عدة في مناطق أخرى من العالم استطاع أبناؤها تحقيق الكثير من أهدافهم الوطنية بمواجهة القوى الغربية ذاتها وفي ظروف مماثلة.
من يتتبع ما يجري في المنطقة حاليا يدرك أن الدوران حول الذات والتمسك بالأسباب ذاتها التي أدت إلى الحالة البائسة التي نحن فيها ما يزال قائما. فلا يزال هؤلاء الزعماء يتمسكون بالتحالف مع أعداء شعوبهم ومصالح بلدانهم تماما كما كان الحال قبل مائة سنة. والمنطقة تعيش الآن تحولات ستؤدي إلى ما هو أسوأ من الماضي بكثير. ففي القرن الماضي كان الصراع على تقاسم الثروات مع شعوب المنطقة، أما الآن فيبدو الصراع على أخذ كل ما في المنطقة من دون أن يحسب حساب شعوبها لأن ما بقي لم يعد يكفي الطرفين، ولأن الأزمة الاقتصادية في بلدان الغرب وضعته أمام خيارات صعبة صار معها مطالبا إما بالتخلي عن رفاه شعوبه أو الانقضاض على لقمة طعام الشعوب الفقيرة والضعيفة. لقد وصل جشع القوى الغربية الحاكمة إلى الذروة وبتنا نسمع ونرى من يقولون في هذا الغرب إن 99% من هذه الشعوب يحصلون على 1% من الثروة بينما يستأثر 1% بال 99% الباقية. فكم نتوقع أن يبقي هذا الوحش الرأسمالي لأبناء المنطقة وحكامها؟
في ظل مثل هذه الحالة من عملية النهب الداخلي والخارجي الذي تمارسه فئة ال1% على شعوبها وشعوب العالم، وفي ظل الحروب غير المبررة التي تستخدم فيها كل أسلحة الإبادة وعلى رأسها اليورانيوم المنضب، لم نلاحظ أي تغير لدى حكام المنطقة في مواقفهم من التحالف مع هذه القوى التي أذلت شعوبهم وقسمت أرضهم وجاءت بالغزاة الصهاينة إلى منطقتهم. على العكس تماما نراهم أكثر استلابا وانقيادا لهذه القوى. وهم الآن أكثر حماسا واندفاعا باتجاههم مما كانوا عليه بعد الحرب العالمية الأولى. وربما كان مفهوما آنذاك أن ينجذبوا إلى القوة المنتصرة لمجرد أنها قوة منتصرة على الرغم من كل الإذلال الذي مارسته ضدهم. أما الآن وبعد قرن من الكذب والإذلال كان يجب في الحد الأدنى أن ينتبهوا إلى أن هذه القوة ذاتها بدأت بالتراجع بعد الهزائم العسكرية في العراق وأفغانستان وبعد الأزمات الاقتصادية التي وصلت حد الانهيار والإفلاس. في الحد الأدنى كان على هؤلاء الزعماء أن ينتبهوا أن هناك قوى إقليمية وعالمية جديدة بدأت بالظهور. وهي قوى لم تمارس الإذلال والنهب والكذب على شعوب المنطقة كما فعل الغرب.
من الواضح أن هؤلاء الحكام لا يريدون اختيار سوى الهزيمة والوقوف إلى جانب من يثقون أنه سوف يستمر في إذلالهم ونهبهم وظلم شعوبهم. إنهم يصرون على عدم الاستفادة من هذه اللحظة التاريخية المناسبة مثلما يصرون على السير وراء عدوهم المجرب في وجه من يمد لهم يد الصداقة، وقد يساعدهم في استرداد بعض حقوق شعوبهم. فهل نحن شعوب محكومة بمازوخية حكامها؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي