الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
من أوراق الإتحاد الدولى لنقابات العمال العرب :(الحلقة الأولى): قراءة تحليلية في الثورات العربية : الدوافع و الآفاق؟
عبدالوهاب خضر
2012 / 1 / 1الحركة العمالية والنقابية
عرض:عبدالوهاب خضر*(صحفى مصرى متخصص فى الشئون الإقتصادية والعمالية بجريدتى العالم اليوم والأهالى، وعضو نقابة الصحفيين المصريين)
..........
مع بداية عام (2012) الجديد يقع على عاتق أمثالى من الإعلاميين المتابعين للحركة الإقتصادية والعمالية فى الوطن العربى والعالم أن يقدم للرأى العام تحليلاته للأحداث التى ذهبت وتلك التى ننتظرها ، خاصة وان عام 2011 إمتلأ بالوقائع التى غيرت مجرى الحياة العربية ، وكانت الطبقة العاملة التى ثارت على الظلم والفقر والجوع والمرض هى القشة التى قطعت ظهر الفساد.
ولعلنى لم أخطئ عندما أقرر البدء فى حملة صحفية عبارة عن حلقات متواصلة لكيان عربى وطنى لعب دورا متميزا وأعلن عن مواقفه المساندة لحركة الشعوب من أجل الحقوق المشروعة.كيان لم يكتفى فقط فقط بدعمه الكامل لمطالب الطبقة العاملة من أجل الحرية والخبز والكرامة ،بل قدم تحليلاته الموضوعية الشاهدة على فترة ساخنة لم يسبق لها مثيل.
ويبدو لى ان القراءة فى ملفات وأوراق ومواقف الاتحاد الدولى لنقابات العمال العرب على مدار عام ثورات الربيع العربى ستكشف قوة قيادة هذا التنظيم العربى بقيادة أمانته التى تضم رجب معتوق وفيصل محمد عبد الله و طعمة الجوابرة و عمر الباشا وهايف العجمي و محمد بدران وجمال الشماسات و عبد الستار منصور وصالح عجابي .
فبداية نشأ الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب كأداة تنظيمية سياسية للطبقة العاملة العربية في كفاحها القومي من اجل التحرر الوطني والاستقلال، وفي نضالها من اجل الوحدة العربية، وفي طموحها المشروع لإحداث التحولات الاجتماعية في الوطن العربي والانتصار لقضايا الحقوق والحريات النقابية ولحق التنظيم. ومع ذلك فإن الطابع السائد في أنشطة الاتحاد وتوجهاته له أبعاده السياسية، واهتمامات قيادته تتركز أساسا على القضايا القومية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني .
وفي الرابع والعشرين من شهر آذار (مارس) 1956 وعلى ضوء الاجتماع الذي عقدته قيادات نقابية ممثلة لسبع منظمات عمالية عربية في خمسة أقطار عربية هي: مصر – سورية – لبنان – الأردن – ليبيا، أعلن في دمشق عاصمة الجمهورية العربية السورية عن قيام الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب كإطار معبرٍ عن وحدة كفاح ومصير الطبقة العاملة العربية.
وجاء تأسيس الاتحاد تتويجاً لنضالات الطبقة العاملة وتضحياتها الكبرى بهدف إيجاد تنظيم عربي يعمل على تحقيق تطلعاتها الطبقية (الوطنية والقومية). ويقوي من تلاحمها في الكفاح من اجل مواجهة الإخطار المهددة لأهدافها وطموحاتها المستقبلية، ويضع حجر الأساس لوحدة الأمة العربية لإيمانها المطلق بأن تحرر الأرض العربية من الهيمنة الامبريالية والصهيونية والرجعية بكافة مظاهرها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية مرهون بحجم الدور الذي تؤديه الطبقة العاملة في قيادة المجتمع العربي، وبما يعزز من دورها النضالي في إقامة المجتمع العربي الاشتراكي الموحد.
ونمت عضوية الاتحاد بشكل ملحوظ واصبح فاعلاً اكثر فأكثر خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي بانضمام المغرب والجزائر والعراق والكويت وفلسطين والسودان واليمن الديمقراطي واليمن الشمالي والصومال وموريتانيا وجيبوتي وتونس.
وقد كانت الأقطار العربية التي سبقت فيها الحركة النقابية في الظهور هي الأقطار التي أخذت قبل غيرها بنظام التصنيع وازداد فيها نمو الحركة الوطنية والتحررية.
وقد كانت مصر من أولى الدول العربية التي عرفت التنظيم النقابي، حيث تأسست في القاهرة نقابة عمال الدخان والسجاير في عام 1899 التي استهلت أعمالها في نفس العام بإعلان إضراب للمطالبة بتحسين أجور العمال، ثم شهدت الفترة ما بين الحربين العالميتين ظهور التنظيم النقابي في فلسطين وسورية والعراق ولبنان .. وفي الخمسينات من القرن الماضي انبثقت في أقطار المغرب العربي تنظيمات نقابية مستقلة عن التنظيمات التي كانت قائمة في هذه الأقطار والتي تعتبر فروعاً للتنظيمات النقابية الأم في أوروبا بحكم التواجد العسكري الاستعماري.
وبعد الحرب العالمية الثانية وما بين الخمسينات والستينات انتشر التنظيم النقابي في السودان والأردن وليبيا واليمن الديمقراطي والكويت واليمن الشمالي وموريتانيا والصومال والبحرين وأرتيريا.
وبعد هذه المقدمة التى كان لابد منها نعود لملفنا الرئيسى لنقدم للقارئ العزيز الحلقة الأولى من اوراق الاتحاد الدولى لنقابات العمال العرب والتى هى عبارة عن دراسة صدرت منذ شهور قليلة لتقدم قراءة تحليلية في الثورات العربية : الدوافع و الآفاق ، لتعرض لملامح الاحداث التى سبقت وعاصرت صدور هذه الرؤية التحليلة؟ والتى جاء فيها:
(..منذ 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010، تاريخ إقدام المواطن محمد بوعزيزي (26 عاماً) وهو خريج جامعة وعاطل من العمل على إحراق نفسه إثر تعرّضه للضرب على يد شرطيّ بلدية صفعه على مرأى الجميع في سوق المدينة، بعدما رفض الامتثال لأوامر بحجز الغلال والخضروات التي كان يبيعها على عربة مجرورة من دون حمل ترخيص من البلدية، و الذي ولّد احتجاجاً اجتماعياً لافتاً في محافظة سيدي بوزيد 265) كلم جنوب العاصمة تونس)، لم يكن في مقدور أحد أن يتنبأ بأن وفاة محمد البوعزيزي، ستُحدث خلال أشهر معدودات هذه الصدمة العاتية التي اجتاحت جميع أرجاء العالم العربي. فقد أفضى هذا العمل اليائس الذي أقدم عليه فرد واحد إلى عاصفة سياسية. كما كشف هذا الحدث أيضاً عن الإحساس بالمذلّة واليأس والاستياء الذي يعاني منه الملايين من الشباب العربي الذين حرموا من فرص العمل الكريم.
في الواقع التاريخي ظل العالم العربي يعيش على هامش موجة الانتفاضات الديمقراطية مع انتهاءالحرب الباردة الإيديولوجية التي أعقبتها حالة من اللااستقرار المزدوج وذلك بفعل الالتحاق بحماسة بالعولمة الليبرالية الأميركية من جهة، ومن جهة أخرى بسبب ارتجال الديمقراطية في دول تفتقر إلى الوسائل من جهة أخرى .
ففي الوقت الذي سقطت فيه الدولة الشمولية في المنظومة السوفياتية والأوروبية الشرقية، لم تدرك الأنظمة العربية الحاكمة جِدِّيًا تغير بيئة العالم باتجاه الانتقال التدريجي نحو الديمقراطية. وعلى نقيض ذلك، كانت الأنظمة العربية تدخل في دورة الاكتمال الشمولي في الوقت الذي كانت فيه هذه الدورة تندثر تاريخياً وتفقد إشعاعها حتى في وعي النخب الشيوعية الشمولية السابقة. و يبدو أن العالم العربي ظل على هامش هذا التاريخ الكوني. فهناك من ناحية الصراع العربي – الصهيوني و إسقاطاته المدمرة في ظل غياب مشروع عربي لتحرير الأرض السليبة، وهناك من ناحية أخرى نعمة الريع النفطي التي لم توظف لمصلحة بناء اقتصاد عربي منتج قادر أن يستوعب الأجيال الجديدة من خريجي الجامعات، إضافة إلى كل ذلك، أصبح العالم العربي واقعاً بين مطرقة الدولة السلطوية و سندان الحركات الإسلامية الأصولية، الأمر الذي قاد إلى إجهاض الطموحات لإنجاز ثورة ديمقراطية حقيقية.
و كان معظم حكام الأنظمة العربية يعيشون خارج سياق عملية الانتقال نحو الديمقراطية التعددية في العالم الثالث ، و التي لا يمكن النظر إليها باعتبارها انعكاساً لمتغيرات دولية خارجية، أو أنها مجرد تحقيق لإرادة الدول و المؤسسات المانحة فحسب ، كما يشير إلى ذلك أنصار نظام الحزب الواحد الشمولي أو الدارسين ذوي النظرة الأحادية في التفسير.
والحال هذه أن حكام الأنظمة العربية ظلوا ينظرون إلى الديمقراطية التعددية بمفهومها الغربي بأنها تعبر عن أنماط غربية للحكم ، ومن ثم فهي جزء من الموروث الاستعماري،و لذلك بقي هؤلاء الحكام خارج سرب دول العالم الأخرى.
وفي البدء حظيت الأنظمة العربية بمشروعية مناهضة الاستعمار. وبلغت الأنظمة هذه سدة السلطة بعد إطاحة أنظمة موالية للغرب. وهذه حال العراق ومصر والجزائر. والملكية المغربية نجت من براثن الانقلاب جراء تبنيها النضال الوطني. ولكن المشروعية هذه لم تحل دون قمع الاحتجاجات. وتذرعت الأنظمة هذه بدواعي التنمية واستغلت توق الناس الى انبعاث الكرامة الوطنية للحؤول دون إرساء الديموقراطية. ومنذ 1973، ومع ارتفاع أسعار النفط أربعة أضعاف ما كانت عليه، اضطربت البنية الاجتماعية – السياسية في الدول العربية، وبلغ أثر الطفرة هذه الدول النفطية العربية. فتحولت الأنظمة العربية كلها أنظمة ريعية( ).
لقد قادت نهاية الحركات الأيديولوجية الكبيرة التي عرفها العالم العربي في مرحلة ما بعد نهاية الكولونيالية: القومية و الاشتراكية، إلى الصدام بين الدولة التسلطية العربية و الإسلام السياسي المستقوي بانتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في سنة 1979. وقاد ت هذه المواجهات إلى حدوث حروب أهلية في أكثر من بلد عربي . وفي ظل هزيمة الإسلام السياسي، تغولت الدولة التسلطية العربية على المجتمع المدني ، و رفضت انتهاج سياسة الانفتاح الديمقراطي مخافة حسب رأيها أن تعبد الديمقراطية الطريق لوصول الإسلاميين إلى السلطة.
ومع انتهاء المواجهة بين «الشرق والغرب» التي كانت تحدد البنية الجيوسياسية للدول العربية، وارتجال الدول المانحة إيعازاً ديموقراطياً لم يحسن التحكم به من جانب الرؤساء العرب، حلًت خلال العقود الأخيرة الديمقراطية مكان أنظمة استبدادية عدة، في أوروبا أولاً، (مثال أسبانيا والبرتغال واليونان)، وفي أميركا اللاتينية ثانياً ( حيث زالت الأنظمة العسكرية في معظم دول أميركا الجنوبية في عقد ي الثمانينيات و التسعينيات )، ثم أيضاً بعد انهيار الشيوعية ثالثاً.
في أمريكا اللاتينية كما هو في أوروبا الشرقية والدول التي برزت إلى الوجود نتيجة لتصدع الاتحاد السوفياتي، وفي إفريقيا كما في جنوب شرق آسيا، يتم »التحول الديمقراطي« على قدم وساق وبأعداد كبيرة بحيث أصبحت الديمقراطية التي كنا نادراً ما نراها هناك قبل عشرين عاماً من الآن هي النظام السياسي الأكثر انتشاراً، ولكن في كل مكان، هذه الديمقراطية التي تتلازم اليوم مع الخصخصة و الاندراج في إطار العولمة الليبرالية وغالباً مع الاستغلال والفساد، كانت مُغَيبةً تماماً في العالم العربي .
وإذا كان الخطاب الأميركي يطنب في الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أن الولايات المتحدة دعمت لسنوات طويلة الأنظمة الديكتاتورية التي كانت سائدة في العالم العربي ، والتي اتسم عهدها بانتشار الفساد في معظم الحكومات العربية ، وبغياب القانون، وبتغلب مصالح النخب التسلطية على مصالح الشعوب. والإدارة الأميركية تغلق عينيها عن أماكن كثيرة تمارس القمع والإكراه، ولكنها معمدة بالمياه الأميركية، ومحمية بروح البيت الأبيض المقدس، مثل نظام حسني مبارك المخلوع ، و نظام زين العابدين بن علي، لأن ما يهم واشنطن بالدرجة الأولى هو التجارة، واندماج العالم العربي في دواليب الاقتصاد العالمي، وضمان أمن إسرائيل .
لقد امتزجت عناصر عديدة معاً لتتسبب في الثورات والاحتجاجات السياسية التي شهدها عام 2011. فالفساد والمحاباة واستغلال السلطة والقيود التي فرضت على حقوق الإنسان أوجدت أرضاً خصبة للحركات المطالبة بالديمقراطية العاملة عن طريق الفيسبوك والتويتر وغيرهما من وسائل الإعلام الاجتماعية. وأبدت الحكومات عبر المنطقة، مهما كانت الاختلافات فيما بينها، تجاهلاً مشتركاً للمساءلة أمام مواطنيها وحماساً مفرطاً للاستثمار في الأمن الداخلي، وقدرةً على مقاومة الاتجاهات العالمية نحو الأخذ بالديمقراطية. كما أنّها لم تستجب لمطامح وطموحات الشباب الذين يسعون إلى الانتقال إلى عالم العمل( ).
1-الأبعاد الاقتصادية و الاجتماعية للثورتين في تونس و مصر
شكلت الثورتان الديمقراطيتان في كل من تونس ومصر إخفاقاً حقيقيا لكل من الأنظمة التسلطية العربية و الحركات الإسلامية الأصولية في آن معا، و أثبتتا أن العالم العربي قادر على إتباع طريق ثالثة، للخلاص من الفخ الذي وجدت فيه الشعوب العربية ،منذ عقود تقوم على أساس بناء الدولة المدنية الحديثة، أي دولة القانون. وساد اعتقاد راسخ لدى النخب العربية على اختلاف انتماءاتها السياسية و الفكرية أن الخيار الوحيد المتاح أمام الشعوب العربية،هو إما قبول العيش في ظل الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة والفاقدة للشرعية، وإما القبول بمجيء أحزاب إسلامية هي وحدها القادرة، نظراً لثقلها الشعبي ، وفقاً للاعتقاد السائد عربيا و غربيا،على إسقاط هذه الديكتاتوريات.
و هاهما الثورتان الديمقراطيتان التونسية و المصرية تجسدان خياراً جديداً، هو خيار ثورة الحرية والكرامة والقانون، الذي يمكن أن يتحول إلى مثال ونموذج يعم العالم العربي، ويضع حدّاً نهائياً للدولة التسلطية العربية. ويظل طريق بناء الدولة المدنية صعباً و شائكاً في العالم العربي، الذي يفتقر للخبرة و الثقافة الديمقراطية، بيد أن هذا الطريق تبتدأ في ظل الأوضاع القائمة في كل من تونس و مصر ،بتأسيس جمعية تأسيسية، و إقرار دستور جديد للبلدين كليهما، و إجراء تغيير جذري في القانون الانتخابي لكي يتم اعتماد قانون الانتخاب النسبي ، وإجراء انتخابات رئاسية و برلمانية في موعد يتم الاتفاق عليه بين السلطة الانتقالية و المعارضة، وبناء نظام انتقالي يحول دون عودة النخب الفاقدة الشرعية، التي قد تعيد تجميع نفسها من أجل وضع اليد على مقاليد الحكم مجدّداً.هذا النظام الانتقالي قوامه:سيادة القانون والحرية، وفصل السلطات، واستقلال مؤسسات المجتمع المدني، على قاعدة حرية الفرد وحقوق الإنسان والمواطن.
أولا: مثال تونس
لم تكن الثورة الشعبية التي أطاحت حكم بن علي البوليسي مُؤطرةً من قبل الأحزاب والحركات الأيديولوجية التقليدية(الماركسية و القومية و الإسلامية)، التي لم تستطع أن تركب موجة الحراك الاجتماعي وأن تقود المتظاهرين في شوارع المدن التونسية ،و هنا تكمن فرادتها الحقيقية مع بداية العقد الثاني من القرن الحادي و العشرين،إذ إنها ثورة غيرأيديولوجية بالمعايير التي نعرفها عملياً ونظرياً.
فهذه الثورة اندلعت بسبب ،ارتفاع أسعار الغذاء ، وزيادة الفقر،وارتفاع متوسط معدل البطالة للفئة العمرية من 15 إلى 24 سنة فى تونس إلى نحو35 فى المائة، مقابل متوسط معدل عالمى 14.4 فى المائة، وتجاهل الدولة البوليسية التونسية هذه المشكلات ذات الطابع التنموى والاجتماعي، تأثيراتها الأمنية والسياسية.. فالبطالة تتجاوز آثارها بكثير الشق الاقتصادى والاجتماعى ،لأنها إذا كانت تعنى بالأساس تعطيل قوة بشرية فى سن العطاء، وهم فئة الشباب الجامعي ، القادرة على إحداث التنمية والتقدم والدفع ببلدانها إلى الأمام؛ فإنها تشكل تربة خصبة للثورة الاجتماعية و السياسية.
إن القوة التي لعبت دور المحرك الرئيس في هذه الثورة ، وفي قيادتها حتى سقوط الرئيس بن علي ،هي الحركة الشبابية –أي تلك الفئة الاجتماعية المتكونة من طلاب الجامعات و الخريجين الجامعيين العاطلين عن العمل، بسبب البطالة الضاغطة التي يعاني منها الآلاف من الشباب ذوي المؤهلات العلمية، وتعاظم الإحساس بالظلم الاجتماعي الناجم من حالة الفساد التي عرفتها تونس واستئثار حفنة قليلة من المستفيدين من نظام بن علي البوليسي بجزء هام من الاقتصاد الوطني في قطاعات متنوّعة مثل البنوك والصناعة والعقارات.فهذه الفئة الاجتماعية وليدة النظام التونسي ، ووليدة عجزه في آن معاً.
في سيرورة النضال تحولت هذه الانتفاضة الاحتجاجية إلى ثورة شعبية وشبابية، هي ثورة مدنية لا عسكرية ولا إسلامية، رغم التحاق إسلاميي حركة «النهضة» بها بعد اندلاعها.و هي أيضاً، ليست ثورة يسارية ،رغم انضمام عناصر تنظيمات يسارية صغيرة، -و بينها حزب العمال الشيوعي التونسي، وتنظيم الوطنيين الديمقراطيين،و المجموعات القومية الراديكالية-بها بعد اندلاعها.
لقد دحضت الثورة التونسية الادعاء الذي بُني طيلة العقود الماضية بأن الحركات الإسلامية وحدها تملك القوة الأيديولوجية والتنظيمية لتحدي الدولة البوليسية في العالم العربي.صحيح أن آخر ثورة كبرى في المنطقة كانت الثورة الإسلامية في إيران، وأن الحركات الإسلامية في مصر والأردن وبلدان اخرى باتت أكبر عدداً وأكثر قوة بعد تراجع الأحزاب القومية واليسارية وانحسار نفوذها،إلا أن الصحيح أيضاً أن انتفاضة المواطنين العفوية واللاإيديولوجية في تونس أنجزت في أيام ما عجزت الحركات الإسلامية عن إنجازه في عقود. إذ جادل الإسلاميون طويلاً بأن طروحاتهم الدينية هي السبيل الوحيد للتغلب على اعتماد الأنظمة على منطق الدولة، لكن المنتفضين التونسيين أظهروا أن الاعتماد على المواطن له تأثير أكثر فعالية وفورية. كما جادل الإسلاميون بأن شبكاتهم الدينية وشبكات المساجد التابعة لهم ستضمن أعداد الجماهير الضرورية للعمل السياسي، لكن المنتفضين التونسيين أثبتوا أنهم قادرون على جذب أعداد أوسع وعلى إثارة حماسة أكبر من خلال استثارة شبكة المواطنة العامة. لقد حظيت الشهادة في سبيل الجهاد بشعبية واسعة في السنوات الأخيرة، بيد ان المنتفضين التونسيين أظهروا أن الشهادة في سبيل حقوق المواطن والإنسان هي أمر نبيل أيضاً(.(
ففي ظل انعدام الحرية، و انعدام المشاركة السياسية والاجتماعية، اندفعت الحركة الشبابية في تونس التي تمثل 60في المئة من السكان مادون ال30سنة، إلى الثورة.و شكلت شبكة الأنترنت الفضاء و الملاذ لحريتها.واضطرت هذه الحركة الشبابية إلى خلق هذا الفضاء من الحرية، باعتباره الفضاء الوحيد المتاح لها، أكثر من سواه.و يقدر عدد المستخدمين لشبكة الأنترنت في تونس بنحو 3،5 مليون شخص من مجمل عدد السكان 10 ملايين نسمة.فمن بين كل البلدان المغاربية ، تعتبر تونس البلد الوحيد الذي يضم الجماعة الأكثر ارتباطاً في ال«فيسبوك». و«بفضل المدوّنات الإلكترونية وتويتر وفايسبوك، بلور هذا الجيل حيّز حريّته واعتراضه على الشبكة»، كما يقول أستاذ الفلسفة في صفاقس، توفيق تامر إدريس.
لقد نشأ هؤلاء الشباب والشابات المتعلمين والجامعيين، والمنتمين إلى كافة الطبقات الاجتماعية ،على كره الدولة البوليسية ،وتعلّموا منذ نعومة أظافرهم أن يكبحوا مآسيهم، عبر تجنب التعاطي في السياسة ،وتقبّل الحياة والقمع .وبذلك، كبروا في عالم من الرعب، خائفين من التنصّت على هواتفهم الخلوية،وتقارير أجهزة الاستخبارات، فيما كان حصولهم على فرصة عمل مشروطة بمعرفة أحد أقرباء الطاغية الذي حكم البلاد بيد حديدية طوال 23 عاماً.فهم ينتمون إلى جيل عربي تائه ممتدّ من المغرب إلى مصر واليمن. جيل مثقف وطموح، لكنه يائس من نقص فرص العمل، وغاضب من الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان والحكم السيئ وغياب المحاسبة وقدرة التعبير على الرأي.
إنه جيل ثوري جديد متعلم و جامعي، غير متأثر بالأيديولوجيات اليسارية، و القومية والإسلامية السائدة في العالم العربي، ولم يذق طعم الديمقراطية ولم ينعم بتعددية أو بحريات منذ وصوله إلى هذا العالم. لكنه جيل طموح تهيمن عليه ثقافة ال«فيسبوك»، اكتشف أنه عبر العمل العفوي و الجماعي ،وتوافر إرادة صلبة لديه من خلال تسلحه بقصيدة الشاعر التونسي الكبير أبي القاسم الشابي:
إن هذه الثورة الشعبية التي كان البعد الاجتماعي هو محركها الرئيس،أبصرت النور من الريف التونسي، وتحديداً من المحافظات المحرومة والمهمشة تاريخياً التي تقع في الوسط الغربي (سيدي بوزيد والقصرين) .إنها الخاصية التي تتميز بها تونس المنقسمة مناطقياً، والخاضعة لقانون التطور اللامتكافىء على صعيد التنمية، وعلى صعيد التوزيع غير العادل لفوائد النمو والتنمية، بين المناطق الشرقية، الواقعة على الشريط الساحلي، والمناطق الداخلية، إذ ظل هذا التفاوت الموروث من فترة حكم الرئيس الحبيب بورقيبة (1956 – 1987) يتعمق طيلة العقدين الماضيين. فبلغ حجم الاستثمار في قطاع الصناعة في المناطق الشرقية 689 مليون دينار(472 مليون دولار) في الأشهر الثلاثة الأولى من 2009 و 587 مليون دينار (402 مليون دولار) خلال الفترة نفسها من 2010، فيما لم يتجاوز الحجم في المناطق الغربية، التي تُعتبر مناطق ظل، 258 مليون دينار ( 177 مليون دولار) في 2009 و172 مليون دينار تونسي (118 مليون دولار) في 2010. بل إن التفاوت ظهر جليا حتى في نسبة التراجع بين مناطق وأخرى، إذ لم يتجاوز 15 في المائة في المحافظات الساحلية، فيما وصل إلى أكثر من الضعف (33 في المائة) في المحافظات الداخلية.
وبهذا المعنى نفهم لماذا انطلقت هذه الثورة الاجتماعية غير المسبوقة من الوسط الغربي، وانتشرت أساسا في المناطق المحرومة التي تُعاني من التهميش. وفي أجواء الشعور بالحيف الجهوي والغبن الساري بين أبناء تلك المحافظات المنسية، ترعرعت مُسوغات التمرد الجماعي، الذي لم يكن ينتظر أكثر من عود ثقاب، سرعان ما قدحه الشاب بوعزيزي بإقدامه على فعل تراجيدي شديد الرمزية، مكثف الدلالة، بعيد الصدى( ).
بيد أن تطور الانتفاضة الشعبية وتحولها من الريف إلى المدينة، وبالتالي تحولها إلى ثورة سياسية مدنية أطاحت بحكم بن علي البوليسي، وجعل مضمونها الحقيقي في الوقت الحاضر هو الحرية و الكرامة، يعود لانحياز الاتحاد العام التونسي للشغل إلى جانب هذه الثورة- باعتباره القوة الشعبية المنظمة في تونس منذ عهد الاستعمار- التي دمجت منذ ذلك الوقت العمل النقابي بالعمل السياسي الوطني، وتجاوزت بنضالاتها الشعبية الوطنية حدود نضالات الأحزاب السياسية المعارضة، وعملت إلى لعب دور الحزب المعارض للحزب الدستوري في فترة الاستقلال، خصوصاً لجهة الاضطلاع بمهام تتجاوز ما وراء المطالب النقابية إلى إعادة صهر سوسيولوجي للمجتمع .
فقد أعلن النقابيون إضراباً عاماً في صفاقس يوم 10 كانون الثاني / يناير 2011. ثم وضع الاتحاد العام التونسي للشغل كل ثقله في هذه الثورة عندما انتقل مركز ثقلها الذي ظل طيلة نحو شهر متمحوراً في منطقة الوسط الغربي (سيدي بوزيد والقصرين)، ليأخذ بُعداً وطنياً شاملاً.فكان ذلك التزاوج غير المفتعل بين النضال الاجتماعي و النضال الديمقراطي، الذي أسفر عن نجاح الثورة التونسية، باعتبارها ثورة من أجل الحرية، وفي سبيل بناء نظام ديمقراطي جديد للحياة السياسية التونسية.
و في سياق التضامن النضالي مع الانتفاضة الشعبية التونسية أعرب الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب عن مواقفه التضامنية اللا محدودة مع المطالب المشروعة والعادلة لعمال تونس ونقاباتهم من أجل تحقيق العمل اللائق الكريم , وحيا صمود النقابيين التوانسة ومواقفهم الشجاعة والنبيلة حتى تحقيق الأهداف الإنسانية والاجتماعية للعمال والمواطنين.
وناشد الاتحاد في بيان هام صدر تاريخ 28-12-2010م الاتحادات النقابية العربية و الدولية ومنظمتي العمل العربية و الدولية لتقديم كافة أشكال التضامن لنصرة قضايا عمال تونس ونقاباتهم.
ثانيا: الاستمرارية بين الحركات الاجتماعية و الثورة الشبابية في مصر
يجمع معظم المحللين في مصر أن الثورة المصرية كان هدفها : هو دمقرطة الحياة السياسية المصرية، وإسقاط نظام حسني مبارك، وإصلاح الدستور، وحلّ البرلمان وإجراء انتخابات حقيقية، قد مهدت لها الحركات الاجتماعية التي انطلقت في مصر خلال السنوات القليلة الماضية ، لا سيما إضرابات العمّال ، التي كانت مطالبها اجتماعية واقتصادية أكثر منها سياسية. فهنالك استمراريّة بين تلك الحركات الاجتماعية وثورة 2011.
لا يحظى هذا التحليل أبداً بالتأييد لجهة الشباب المنتمين إلى الطبقة الوسطى، المتواصلين عبر الفايسبوك والذين تعتبرهم الصحافة أبطال هذه الثورة. فبالنسبة للسيد أحمد ماهر، الثلاثيني من العمر، المهندس والمنسّق العام لحركة 6 نيسان/إبريل، "لم يلعب العمّال دوراً في هذه الثورة. كانوا بعيدين عنها". لعبت حركته التي تحمل مطالب سياسية وديموقراطيّة محضة، دوراً أساسياً في إشعال آلية الثورة. فهو كان ينظّم منذ العام 2009 تظاهرةً في 25 كانون الثاني/يناير من كلّ عام - يوم عيد الشرطة - للمطالبة بالتحرّر السياسي. وتظاهرة 2011 كانت هي الحاسمة.
طبعاً تستمدّ الحركة اسمها من دعوة إلى الإضراب وُجّهت بتاريخ 6 نيسان/إبريل 2008 من قبل عمّال أكبر مصنعٍ في البلد، شركة مصر للغزل والنسيج المتواجدة في المحلّة الكبرى، وسط دلتا النيل . حينها، التقى شبّان القاهرة بالعمّال وقرّروا إنشاء "حركة شباب 6 نيسان/إبريل" على الفايسبوك؛ لكنّ هذه الأخيرة ستبتعد بسرعة عن المطالب الاجتماعية للتركيز على المسألة الديموقراطية.إلاّ أنّ نضالات العمّال قد لعبت دوراً حاسماً خلال الأعوام الأخيرة. إذ اتّسعت في كافّة القطاعات وولّدت ثقافة النقد والمطالبة في مصر. يقول السيد خالد علي: "في العام 2010، لم يكن يمضي يوم دون أن يشهد البلد على ثلاث حركات احتجاجٍ على الأقلّ"( ).
بدأ الوضع الاقتصادي المصري يتدهور منذ نهاية التسعينيات من القرن الماضي ، وهذا ما حمل السلطات المصرية منذ 1997 إلى اللجوء لمشورة معهد «الحرية والديموقراطية» بهدف الحصول على أرقام دقيقة عن وضع الاقتصاد المصري، ولاسيما القطاع غير الشرعي منه.
وخلصت هذه الدراسة الميدانية والتحليلية، التي أعدّها 120 خبيراً مصرياً وبيروفياً بالتعاون مع 300 مسؤول محلي واستندت إلى عدد كبير من المقابلات، وإلى تقرير من ألف صفحة أنجز في 2004، وخطّ التقرير خطة عمل من عشرين نقطة اقتُرحت على وزير المال المصري يومها. ولكن أحداً لم يأخذ بهذه النقاط، وبقيت الامور على حالها، وتوقفت عجلة الاصلاحات.
ولما انتفض الشعب المصري ضد نظام حسني مبار ك ، الذي كان ينخره الفساد، سلط العديد من المحللين على دور الأزمة الاقتصادية في مصر، باعتبارها واحدة من العوامل المؤثرة التي دفعت بعملية التغيير التي كان ينادي بها الشعب المصري إلى إسقاط النظام .
فالاقتصاد السُفلي المصري هو أكبر «صاحب عمل» في مصر. في حين يوفر القطاع الخاص 6.8 مليون فرصة عمل، ويوّظف القطاع العام 5.9 مليون شخص، بينما يعمل 9.6 مليون شخص خارج الاطار القانوني. ولا يملك 92 في المئة من المصريين مستندات ملكية رسمية. وقدرت الدراسة قيمة التبادلات والملكيات غير الشرعية في مصر كلها، في الارياف والمدن، بـ248 بليون دولار، أي 30 مرة أكثر من قيمة سوق الشركات المسجلة في بورصة القاهرة، و55 مرة أكثر من قيمة الاستثمارات الاجنبية المباشرة في مصر منذ حملة نابوليون. واليوم، تبلغ قيمة هذه الاصول المالية الخارجة على اطار الاقتصاد الرسمي نحو 400 بليون دولار.
ولكن العاملين خارج الاطار الاقتصادي القانوني يواجهون عقبات كثيرة. فهم لا يمكنهم توفير بنية قانونية لشركاتهم والاستفادة مما تجيزه مثل هذه البنية. والشركات هذه لا ترتبط بمعايير تعاقدية وقوانين التحوط والحذر، ولا يسعها، تالياً، ضمان التزاماتها مع شركاء خارجيين. وهؤلاء يستسيغون التعامل مع شركات آمنة. والشركات غير الشرعية لا تستيطع الاستفادة من اقتصاد القطاعات الكبيرة، على خلاف منافسيها في السوق الحرة. ومحكوم على الشركات هذه قصر انتاجها على دائرة ضيّقة من الزبائن.
ولكن لماذا يختار معظم المصريين البقاء خارج الاقتصاد القانوني؟ وجواب السؤال هذا بسيط. فمصر لا تغرد خارج سرب الدول النامية الاخرى. ففي مثل هذه الدول، يحول النظام القضائي الثقيل والمعقد والمنحاز من دون لجوء الفاعلين الاقتصاديين اليه لتنظيم أعمالهم وادارجها في سياق قانوني.والامثلة كثيرة على ذلك. فالإجراءات الادارية الرسمية لفتح مَخبز صغير تأخذ أكثر من 500 يوم. ويحتاج اصدار صك ملكية قطعة أرض خاوية 10 أعوام. ويضطر المقاول الشجاع الذي يسعى في التزام شركته القوانين الى التعامل مع 56 وكالة حكومية، والى الخضوع لعمليات تفتيش يفوق عددها عدد الوكالات هذه( ).
ويفترض التحرر من الـ «أبرتايد» (التمييز) الاقتصادي هذا إرساء اطار قانوي حرّ جديد وفعّال. وقد تتغير الحكومات، وتهب رياح الديموقراطية على مصر. ولكن رغبة الشارع المصري في تحسين مستوى عيشه لن تُبلغ ما لم يصلّح الاطار القانوني والاداري، وما لم يقوَّم الاطار هذا لرفع القيود عن قوى النمو واطلاق المبادرة الفردية.
2-الثورات العربية والسلم الاجتماعي
لاتزال الثورات الديمقراطية العربية في بداياتها، رغم سقوط نظامين هما النظام البوليسي التونسي ، و النظام العسكري- البوليسي المصري،و انتقال الوضع في ليبيا إلى مرحلة جديدة من الحرب الأهلية، سيما بعد التدخل الفظ لقوات الناتو عبر دعم جامعة الدول العربية، وبكل أسف.
وككل الثورات التي شهدها عالمنا المعاصر منذ القرن التاسع عشر وإلى يومنا هذا ، تعرف الثورات الديمقراطية العربية حالة من المد و الجزر، و حتى من «الخيانة» لا سيما من جانب الدول الغربية التي تحدد مواقفها بدلالة مصالحها النفطية ، و حسابات الربح و الخسارة، لا بدلالة القيم الديمقراطية و مبادىء حقوق الإنسان، وهي لا تكترث أبداً لتطلعات و طموحات الشعوب العربية في تحقيق حريتها و كرامتها الإنسانية.
لكن بشهادة كبار المحللين العرب و الغربيين، يشهد العالم العربي يقظة جديدة من الثورات الديمقراطية ، تقودها حركات شبابية جامعية تستخدم أرقى ما توصلت إليه ثورة الأنترنت ، وثقافة الفيسبوك من أجل توعية المواطنين العرب بقيم الحرية و الكرامة ،والمواطنة ، والمشاركة السياسية و التعددية الديمقراطية ،و احترام حقوق الإنسان، لإحداث التغيير السياسي الذي طال انتظاره في معظم البلدان العربية .
إن أهم خاصية للثورات الديمقراطية العربية، أنها حطمت ما يسمى في علم الاجتماع الحديث بالسلم الاجتماعي ، لأن الدول العربية التي يغلب عليها طابع الدول الريعية سواء النفطية أو غير النفطية مثل مصر، التي تعيش على السياحة، ومن تحويلات عائدات المهاجرين المصريين في الخارج، و من عائدات قناة السويس، ومن المساعدات الأميركية ،هذه الدول جميعها عجز ت عن إيجاد حلول واقعية لمشكلة البطالة لا سيما بطالة الخريجين من الجامعات .
فالدولة الريعية تراكم الثروات ولا توفر فرص عمل. وليس خلق الثروات شاغل الدولة. فهذه تخشى انحسار احتكارها توزيع الريع. وهي تستسيغ التعامل مع العاطلين من العمل أو العاملين في مهن لا تؤمن كفاف العيش. فإرضاء هؤلاء من طريق توفير مساكن لهم أو منحهم إعانات غذائية يسير. وتحول الدول الريعية دون بروز شريحة اجتماعية تنتج الثروات، وتحوز، تالياً، هامش استقلال عن الدولة، وتباشر مساءلة السلطة. والمساعدات الخارجية تسهم في تثبيت الأنظمة العربية. وهذه حال مصر والأردن( ).
أما في الدول الخليجية المنتجة للنفط، فقد أعلنت يوم 10 آذار/مارس 2011عن إنشاء صندوق بنحو 20 مليار دولار، وتوزيع هذه المساعدات على السكان لتخفيف الصدمات الاجتماعية، ولمساعدة السكان الفقراء و ذوي الدخل المحدود، في هذه المنطقة من العالم العربي. فيوم23 شباط/ فبراير الماضي أعلن الملك عبد الله ابن عبد العزيز عن تخصيص المملكة العربية السعودية مبلغ بقيمة 36 مليار دولار لزيادة أجور الموظفين، و بناء مساكن جديدة. و في 7آذار/ مارس الماضي أعلنت مملكة البحرين التي تشهد احتجاجات شعبية كبيرة منذ ما يقارب شهر،عن برنامج لبناء 50000مسكن على مدى خمس سنوات بتكلفة تصل إلى نحو 5 مليار دولار. و في سلطنة عمان التي لم تسلم هي أيضاً من عدوى الاحتجاجات الشعبية، خصص السلطان قابوس منحة بقيمة300 يورو لكل عاطل عن العمل ، وزاد في الأجر الأدنى، وكذلك المنح المخصصة للطلاب. أما أمير دولة الكويت فقد منح مبلغاً لكل مواطن كويتي بقيمة 1000دولارعلى مدى شهري فبراير و مارس2011.
و يجمع المحللون الغربيون المتابعون لما يجري في المنطقة العربية، على أن الثروات الهائلة التي راكمتها الدول العربية الريعية، و التي كانت تشكل سعادة للسكان في الأوقات الطبيعية، لم تعد قادرة على الوقوف في وجه السيل الجارف للثورات الديمقراطية العربية ، الناجمة من تكدس الثروات لدى الفئات الحاكمة ، ومن تنامي الشعور بالظلم الاجتماعي في ظل عدم توزيع عادل للثروة و لفوائد النمو، لا سيما من قبل الحركة الشبابية التي لم تعد تقبل بهذا الوضع أولا، و عن تفاقم ظاهرة البطالة في العالم العربي كله، ثانيا.
ففي سلم البطالة في العالم، وهي تقاس من أدنى المعدلات الى أعلاها، تتربع مصر في المرتبة 107، والمغرب في المرتبة 109، والجزائر في المرتبة 110، والأردن في المرتبة 139، وتونس في المرتبة 140، واليمن، في المرتبة 185. وعليه، قد يصح رسم خريطة الثورات العربية بناء على معدلات البطالة والعمل،حسب قول زكي لعيدي.
من هذا المنطلق لم تعد الدول الريعية النفطية في منأى عن حركات الاحتجاج الاجتماعي. فالثورات الديمقراطية العربية تعكس لنا مرآة أفول النموذج الريعي الذي كان سائداً في العالم العربي، و الذي لم يعد قادراً على حماية السلم الاجتماعي .
لقد استفادت الدول الريعية النفطية من ارتفاع عائدات النفط، لكنها رفضت الانفتاح على شعوبها، فكانت الحرب الأهلية في الجزائر طيلة عقد التسعينيات من القرن الماضي ، و كانت حروب العراق الخليجية. ففي الدول الريعية النفطية، مثل ليبيا و الجزائر، و العراق، المنقسمة إلى قبائل و عشائر، و طوائف ، و التي تفتقد إلى وجود مؤسسات سياسية فاعلة،وفي ظل غياب قوى سياسية تؤمن بفضائل التسوية ، تظل معرضة لحروب أهلية قاتلة و مدمرة.
-تداعيات الثورة المصرية على الموقف الأميركي والصراع الفلسطيني - الإسرائيلي
خلال 18 يوماً، استطاعت مصر من أن تتحرر من الأتوقراطية السياسية المتوحشة والفاسدة، حيث نجحت الثورة الديمقراطية المصرية في إسقاط نظام حسني مبارك، بفعل عواملها الداخلية، إذ لم يكن رفع يد إدارة أوباما عن النظام المصري السبب المباشر لسقوطه. وقد أظهرت مواقف أركان الإدارة الأمريكية الحالية ارتباكاً حقيقياّ من الأزمة المصرية، وعجزاً نسبياً من جانب السياسة الأمريكية الخارجية على التأثير في مجرى الأحداث.
ويشكل سقوط نظام حسني مبارك الحليف الدائم للولايات المتحدة الأمريكية ضربة موجعة لإدارة الرئيس أوباما، ذلك أن نظام حسني مبارك كان يمثل من وجهة النظر الأمريكية –الإسرائيلية، الركيزة الإقليمية لسياسة أمريكا، و الاستقرار الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، والضامن الحقيقي لبقاء اتفاقيات كامب ديفيد التي وقعت في عام 1979في كامب ديفيد في الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها أول معاهدة سلام منفردة بين مصر والكيان الصهيوني.فقد أضعفت هذه الاتفاقية العلاقة الارتباطية بين مصر وقضايا الأمة العربية المصيرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، بالتوازي مع انكماش دور مصر الإقليمي.
ولا جدل في أن خروج مصر من معادلة الصراع مع إسرائيل أربك كل الموازين العربية، لأنه أسقط احتمال قيام الدول العربية الأخرى في المنطقة بتحدّ عسكري ناجح ضد الكيان الصهيوني من دون مشاركة مصر التي تملك القوة العسكرية الأكثر فاعلية إلى حد كبير في الشرق الأوسط العربي،و أتاح للكيان الصهيوني تحقيق فائض في قوته العسكرية في الشرق الأوسط، بما أتاحت له المعادلة أن يُدمِرَ المفاعل النووي العراقي في يونيو عام 1981، و أن يَجتاحَ لبنان في يونيو عام 1982. كما مَهّدَ خروج مصر معادلة الصراع العربي- الصهيوني الطريق لانخراط العراق في حرب طويلة الأمد مع إيران ثم لغزو الكويت الذي أدَّى بدوره إلى خروج دول مجلس التعاون الخليجي فعلياً من الصراع مع إسرائيل. حتى ولو لم تبرم اتفاق سلام معها. ومهّد ذلك الطريق لغزو أمريكي للعراق أفضى في نهاية المطاف ليس فقط إلى خروج العراق بدوره من الصراع مع إسرائيل،وإنما إلى تدمير هذا البلد العربي الكبير وخروجه من التاريخ.
بيد أن التغيير الذي حصل في مصر يحمل طابعاً مميزاً، فمصر عملاق عربي نظراً لتعداد سكانها الذي يقارب 85مليون نسمة، و لامتلاكها قوة عسكرية لا يستهان بها، حتى وإن كانت تحتاج إلى إعادة تحديث في الوقت الراهن.إضافة على كل ذلك تمثل مصر دولة إقليمية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، من خلال الدور الإقليمي التقليدي الذي اضطلعت به منذ عهد عبدالناصر و حتى توقيع اتفاقيات كامب ديفيد.
لهذه الأسباب مجتمعة، فإن الثورة المصرية ستكون لها تداعيات كبيرة لجهة تقويض الستاتيكو السياسي القائم في الشرق الأوسط، حيث انتاب خوف شديد قادة الكيان الصهيوني من تداعيات سقوط نظام حسني مبارك، أولا، على اتفاقيات كامب ديفيد، وثانيا، على الاستقرار في المنطقة، حيث ترسل الولايات المتحدة كبار مسؤوليها إلى الشرق الأوسط في إطار هجمة دبلوماسية تقوم بها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لطمأنة حلفائها في ظل الثورات المتتالية في المنطقة.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها في المنطقة «إسرائيل» تعتقدان بأن الأنظمة العربية المتسلطة المعتمدة ومن زمن على حماية أمريكا ستبقى ناجحة في ضبط غضب شعوبها على إسرائيل والغرب عامة. وهذا الاعتماد القريب من الإذعان كان له الفضل الأول في استقرار السلام الذي وقعته كل من مصر والأردن مع الكيان الصهيوني، وعن مبادرة السلام العربية التاريخية التي أقرت في القمة العربية التي عقدت في بيروت سنة 2002، والتي التزمت معظم الدول العربية بموجبها التطبيع مع الكيان الصهيوني، شرط التوصل إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
لقد واجهت السياسة الأمريكية أزمة صدقية في المنطقة، بسبب إخفاق إدارة أوباما وانهزامها أمام الحكومة الفاشية «الإسرائيلية» التي يقودها بنيامين نتنياهو، لاسيَّما عندما أعلنت واشنطن يوم الثلاثاء 7كانون الأول /ديسمبر 2010 «أنها تنازلت عن مطالبة إسرائيل بتجميد أعمال البناء في المستوطنات شرطاً لمعاودة المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين»، بعد أن وصلت المفاوضات بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية إلى طريقٍ مسدودٍ، ومعها سُدَّ باب الأمل ولو إلى حين قد يطول بإيجاد مخرج أو معجزة تنهي المأساة الفلسطينية المشرعة فقط على ما تُنبِئُنَا به الوقائع على المزيد من الخيبات وانسداد الأفق أمام ولادة دولة فلسطينية عتيدة قابلة للحياة، أصبحت أثراً بعد عين.وهو ما أضعف هيبة إدارة أوباما، وأضعف موقعها إزاء حلفائها في المنطقة، كما أضعف هؤلاء الحلفاء أيضا بدورهم، علما بأنها أظهرت كيف أنها تخلت مجدداً وبالبراغماتية المعروفة عن حلفائها في كل من تونس ومصر، بسهولة، تحت وطأة الارتباك.
في ظل هبوب رياح الثورة الوطنية والديمقراطية في المنطقة، وسقوط نظام كامب ديفيد، تواجه إسرائيل تحدّياً وجودياً، هذا ما عبر عنه رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو خلال احتفال تنصيب رئيس الأركان الميجر جنرال بيني غانتس خلفاً للفتنانت جنرال غابي أشكنازي، الذي أقيم في مكتب رئيس الوزراء بالقدس، بقوله: «إن زلزالا يهز كل العالم العربي وقسماً كبيراً من العالم الإسلامي، ولا نعرف بعد كيف ستنتهي الأمور». وحذر من «إننا نعيش في عصر من عدم الاستقرار».وأضاف: «إننا مستعدون لكل الاحتمالات لأننا نعرف أن أساس وجودنا وقدرتنا على إقناع جيراننا بالعيش بسلام معنا، قائم على الجيش الإسرائيلي». وشدّد أن الجيش الإسرائيلي يشكل «الضمانة الحقيقية لمستقبلنا... مضيفاً: «إننا أقوياء لأن جيشنا قوي».
رغم أن المجلس العسكري الأعلى في مصر أعلن التزام القاهرة اتفاقية كامب ديفيد، لاسيَّما في ظل تركيز الجماهير المصرية وقواها الوطنية على مسألة بناء النظام الديمقراطي الجديد، فإن التجربة التاريخية في المنطقة العربية تثبت لنا أن كل اتفاقيات السلام، التي أبرمتها كل من مصر والأردن، وقيادة منظمة التحرير مع إسرائيل، كانت زائفة ومخادعة، وخدمت هدف المشروع الصهيوني الاستيطاني الذي يجري التخطيط له منذ زمن بعيد ألا وهو السيطرة على كامل فلسطين، وتهويدها.
وإذا أرادت إدارة أوباما استعادة صدقيتها في المنطقة، فإنها مطالبة بمراجعة السياسة الأمريكية الخارجية في تعاطيها مع قضايا الصراع العربي- الصهيوني، لاسيَّما في ظل ازدياد عزلة إسرائيل،و مخاوفها من احتمال سقوط معاهدات السلام العربية- الإسرائيلية، على وقع تطور وتجذر الثورات العربية،الأمر الذي سيعيد إسرائيل ووضعها في المنطقة إلى زمن نشأتها الأولى في سنة 1948.
لقد شكل سقوط نظام حسني مبارك نقطة تحول حقيقية في موقف مصر من الصراع الفلسطيني –الإسرائيلي، لا سيما بعد أن كان مبارك ضابط حركة التقلبات في المواقف العربية ـ الاسرائيلية عامة، والفلسطينية ـ الاسرائيلية خاصة على إيقاع معاهدة السلام المصرية ـ الاسرائيلية من جهة، وعلى إيقاع الالتزام بثوابت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.
ومع إقصائه، تغير الإيقاع وتبدلت تبعاً لذلك حركة التقلبات.
1-وكان من أبرز تجلياتها قرار التوجه الفلسطيني ـ العربي إلى الأمم المتحدة. فالقرار يشكل تحدياً لاسرائيل، وعصياناً على الولايات المتحدة. وما كان لهذين الأمرين أن يحدثا بوجود الرئيس السابق حسني مبارك رئيساً لمصر.لم يكن هذا القرار هو التجلي الوحيد لمرحلة ما بعد مبارك.
2-هناك قرار فتح معبر رفح مع قطاع غزة والذي كان أقفل بوجه سكان القطاع المحاصر طوال خمس سنوات. وتشكل اعادة فتحه تحدياً لاسرائيل وعصياناً على التوجيهات الأميركية.. ثم ان فتح المعبر سوف يزيل عن كاهل المجتمعات الأهلية في العالم مسؤولية نجدة المليون ونصف المليون من سكان غزة الذين حرموا من كل احتياجاتهم الانسانية بما في ذلك الدواء والمواد الغذائية طوال سنوات الحصار الطويلة.
3-وهناك قرار إخراج المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية بين حركتي حماس وفتح من دوامة الدوران من فراغ الصراع حول أسس التسوية. وكأن الصيغة التي وضعت في عهد الرئيس السابق مبارك كانت مقصودة لتعطيل المصالحة لما تضمنته من شروط على حماس ظلت ترفضها حتى سقط مبارك. وبعد سقوطه تغيرت الصيغة، ووجدت المصالحة الوطنية طريقها الى التنفيذ.
وهكذا فان ما بدا مستحيلاً قبل الثورة المصرية، تحقق بأقل قدر من الجهد التوفيقي بعد الثورة. فكان اتفاق القاهرة الذي يتوقع أن تنبثق عنه حكومة فلسطينية جديدة تحظى بموافقة فتح وحماس معاً، وتعيد اللحمة الى الصف الوطني الفلسطيني الممزق.لقد وجهت المصالحة الفلسطينية ضربة قاسية الى البرنامج السياسي الاسرائيلي القائم أساساً على الانقسام الفلسطيني، ولذلك دوت صرخات الاستهجان الاسرائيلية الى حد مطالبة اسرائيل رسمياً وعلناً من الرئيس محمود عباس التخلي عن المصالحة، وربط التفاوض معه بقطع العلاقة مع حماس. واستجابت الولايات المتحدة ـ كما هي دائماً ـ لهذا الموقف الاسرائيلي وطالبت الرئيس عباس بفك الارتباط بحماس..وكان كذلك قرار اعادة النظر في اتفاقية تصدير الغاز المصري لاسرائيل. وهي اتفاقية ظالمة لمصر واسترضائية لاسرائيل على حساب حقوق الشعب المصري بثروته الطبيعية( ).
4-قمة مجموعة الثماني و الربيع العربي
عقدت قمة مجموعة الثماني في منتجع دوفيل على بحر المانش ،شمال فرنسا يومي26و 27 مايو 2011، وضمت رؤساء الدول الصناعية الكبرى في العالم (الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، إيطاليا، كندا، وروسيا) ،و كذلك رئيس الحكومة المصرية الدكتور عصام شرف، و الوزير الأول التونسي الباجي قائد السبسي ، أطلق زعماء دول مجموعة الثماني شراكة طويلة الأمد مع تونس ومصر.
وجاء في البيان الختامي لقمة مجموعة الثماني حول «الربيع العربي» مايلي: «نحن، أعضاء مجموعة الثماني، ندعم بقوة تطلعات الربيع العربي ..».وأضاف «لقد أطلقنا شراكة دوفيل. ونحن على استعداد لفتح هذه الشراكة الشاملة والطويلة الأمد لكل دول المنطقة التي تبدأ عملية انتقالية نحو مجتمع حر،ديموقراطي، و متسامح».وأضاف «هذه الشراكة تقوم على ركيزتين: عملية سياسية تهدف إلى دعم الانتقال الديموقراطي وتشجيع الإصلاحات في مجال الحكم الرشيد ووضع إطار اقتصادي ملائم لنمو دائم يكون في مصلحة الجميع». وتابع «إننا ندعو المؤسسات المالية الدولية وهيئات الأمم المتحدة المعنية وكذلك القطاع الخاص والمجتمع المدني إلى العمل معنا في إطار هذه المبادرة».
رغم أن مصر و تونس اللتان حضرتا إلى قمة مجموعة الثماني في دوفيل الفرنسية لم تجدا ذلك الدعم المالي المطلوب،فإن الشراكة التي اقترحتها دول مجموعة الثماني مع «الربيع العربي»رست على تكليف الصناديق المالية الدولية والدول الخليجية العربية بتقديم قروض تبلغ حوالى 40 مليار دولار.و في هذا السياق ، امتنعت الولايات المتحدة الأميركية عن تقديم أي التزامات مالية و اضحة لتونس و مصر.
و تكفلت البنوك الدولية المتعددة الأطراف، مثل (صندوق النقد الدولي،و البند الدولي، والبنك الأوروبي للاستثمار، و البنك الأوروبي لإعادة الإعمارو التنمية ، و البنك الإفريقي للتنمية، و البنك الإسلامي للتنمية) برصد 20 مليار دولارتحت إشراف البنك الدولي ، منها 3،5مليارات يورو لمصر وتونس من عام 2011 إلى 2013 من مصرف إعادة الإعمار لدعم عملية الإصلاح الجارية. وقال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إنه علاوة على 20 مليار دولار سيقدمها البنك الدولي وجهات إقراض إقليمية أخرى تهيمن عليها القوى الكبرى سيكون هناك مبلغ مماثل من مصادر أخرى عبارة عن 10 مليارات دولار من دول عربية خليجية و10 مليارات من حكومات غربية غنية أخرى.
منذ نهاية الحرب الباردة ، أصبحت بعض الدول العربية مثل مصر وتونس و المغرب ، و لبنان ،متكلة بشكل رئيس على المساعدات الأميركية والأوروبية. ومنذ ذلك الحين، تعاظمت العلاقات الاقتصادية والمالية مع الدول الغربية ومؤسسات التمويل الدولية وبعض المؤسسات الإقليمية، كالبنك الأوروبي للاستثمار وآليات التمويل الخاصة بالاتحاد الأوروبي وما تفرع منها من مشاريع تخص المنطقة العربية، كإقامة منطقة التجارة الحرة الأوروبية المتوسطية، ومن ثم "سياسة الجوار"، وأخيراً الاتحاد من أجل المتوسط الذي تشكل في باريس عام 2008 بين الاتحاد الأوروبي من جهة والدول المتوسطية من جهة أخرى، بما فيها «إسرائيل» وتركيا.
وعلى مرّ السنين، كوّنت كل هذه الآليات شبكة واسعة من النفوذ الاقتصادي والمالي، بالإضافة إلى النفوذ الثقافي والسياسي عبر المساعدات المقدمة إلى المنظمات العربية غير الحكومية، خاصة تلك التي تعمل في ميدان حقوق الإنسان ونشر مبادئ الديمقراطية، و المساعدات المقدمة للشأن الاجتماعي المختلفة الطابع، وكذلك التمويل بالقروض صغيرة الحجم للأفراد والوحدات العائلية( ).
وقد بلغ مجمل المساعدات المتراكمة من جميع الجهات المانحة لكل من مصر، تونس، الأردن، المغرب، لبنان، سوريا واليمن بين عامي 1970-2009 ما يوازي 203 مليار دولار (بالأسعار الجارية) خلال هذه الفترة، وقد نالت مصر من هذا المبلغ 88.6 مليار ( )، منه 72.3 مليار مُنحت من مجمل الدول الغربية واليابان؛ مع العلم أن الولايات المتحدة لوحدها قدمت 64% من هذا المبلغ أي 46.2 مليار دولار. بالإضافة إلى مساعدات تلك الدول، قدّمت مؤسسات التمويل الدولية إلى مصر 9.5 مليار دولار من القروض، يعود منها 4.4 مليار دولار إلى الاتحاد الأوروبي والبنك الأوروبي للتنمية، بالإضافة إلى 1.2 مليار دولار عائدة إلى تمويلات مؤسسات التمويل العربية. وقد قدّمت من جانبها الدول العربية الغنية مساعدات ثنائية إلى مصر بمبلغ 6.8 مليار دولار ( ).
أما بالنسبة إلى تونس، فإن القيمة الإجمالية للمساعدات التي حصلت عليها ما بين 1970-2009، قد بلغت 17.9 مليار دولار (بالأسعار الجارية) ( )، منها 11.5 مليار عائدة إلى دول مجموعة السبعة (G7)، وهذا المبلغ يكوّن 64% من مجمل المساعدات المقدمة من الدول الغربية واليابان، والبالغة 13 مليار دولار؛ هذا مع الإشارة إلى أن مساعدات الولايات المتحدة إلى تونس لم تتعد 684 مليون دولار، أي ما يمثل أقل من 5.4% فقط من مجموع المساعدات المقدمة من قبل الدول الغربية واليابان، بينما تمثّل مساهمة دول الاتحاد الأوروبي إلى تونس 9.8 مليار دولار أي 75.4% من مجمل مساعدات تلك الدول. أما مساعدات مؤسسات التمويل الدولية لدولة تونس، فقد بلغت خلال هذه الفترة 3.5 مليار دولار، تمّ توفيرها بنسبة 65% من قبل مؤسسات الاتحاد الأوروبي. وبلغت المساعدات الثنائية المقدمة من الدول العربية إلى تونس مبلغ 1.4 مليار دولار.
ونرى هنا توزيع مناطق النفوذ بين كل من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي (وبشكل خاص فرنسا وألمانيا). فدولة مصر تحت نفوذ الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، بينما دولة تونس تحت نفوذ الاتحاد الأوروبي، حيث قدمت فرنسا 4.9 مليار دولار خلال الفترة المذكورة وألمانيا 2.1 مليار دولار، أي أن هاتين الدولتين الأوروبيتين الهامتين قدمتا 39% من قيمة المساعدات الثنائية التي حصلت عليها تونس من الدول الغربية واليابان. أما اليابان فقدمّت مساعدات ملحوظة بلغت 8 مليار دولار بالنسبة إلى مصر خلال الفترة المذكورة، و2.1 مليار إلى تونس ( ).
أما بالنسبة إلى ما يترتب على كل تلك المساعدات من مديونية خارجية مرتفعة لكل من مصر وتونس، ومن أعباء في تسديد الديون، فلا بدّ من سرد المعلومات المقتضبة التالية: ارتفعت مديونية مصر الخارجية من 1.3 مليار دولار (بالأسعار الجارية) عام 1970 إلى 14.4 مليار عام 1980 إلى 37.9 مليار عام 1987. ومن جراء إعفاء مصر من جزء هام من ديونها تجاه الدول الغربية على أثر اشتراك الجيش المصري في الحملة العسكرية لتحرير الكويت عامي 1990-1991، تدنّت المديونية الخارجية إلى 27.8 مليار دولار عام 1992، ثم عادت وارتفعت إلى 31.9 مليار دولار عام 2007، وتراجعت إلى مستوى 30.6 مليار دولار عام 2009 ( ).
والجدير بالذكر هنا، أن تراكم هذه المديونية ناتج بشكل رئيسي عن سيل المساعدات من كبرى الدول الغربية ومؤسسات التمويل الدولية والإقليمية. وقد بلغت خدمة الديون الخارجية لمصر (فوائد وأقساط( خلال المدة 65.1 مليار دولار ( ).
أما في تونس فقد تطورت المديونية الخارجية من نصف مليار دولار(بالأسعار الجارية) عام 1970 إلى 3.2 مليار دولار سنة 1980 و6.7 مليار دولار عام 1990 و8.9 مليار دولار عام 2000 و14.8 مليار دولار عام 2009. أي أن دين تونس الخارجي قد زاد 27 ضعف خلال الـ40 سنة الأخيرة، وقد ترتب على هذه المديونية مبلغ 40.8 مليار دولار كخدمة دين خلال هذه المدة (فوائد + أقساط).
صحيح أن نسب الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي قد تدّنت في السنوات لأخيرة بشكل ملحوظ في كل من مصر وتونس، غير أن لا شك بأن التعاقد مع دول مجموعة الثمانية وصندوق النقد الدولي سيرتب على الدولتين التزامات خارجية جديدة قد ينتج عنها العودة إلى زيادة المديونية الخارجية.
ومما لا شك فيه أن المساعدات الجديدة ستكون مشروطة بتحقيق المزيد من الإصلاحات على النمط النيوليبرالي الذي يمكن أن نعتبره مسئولا ولو جزئياً عن حالات الإفساد والفساد، وتركّز الثروات في إياد قليلة لدى أهل الحكم ورجال الأعمال الدائرين في فلكهم؛ بالتالي نرى الدعم المستقبلي المعتزم تقديمه إلى مصر وتونس وغيرها من الدول لاحقاً، هو ذاته الدواء الذي يمكن أن يُعتبر مسئولا عن تعاظم داء التبعية والأداء الاقتصادي المقيّد الذي تعاني منه الاقتصاديات العربية ( ).
5-الوضع في ليبيا و التدخل العسكري الغربي
منذ انطلاقة الاحداث في ليبيا من شرق البلاد، يوم 17 شباط الجاري، حاول الليبيون أن يستلهموا في ذلك الثورتين في تونس ومصر إلا أن تعقيدات الوضع في ليبيا وحالة الاشتباك القبلي المسلح بين القبائل أفقد التحرك الجماهيري بعده الديمقراطي.
ولعل من الأهمية الاشارة إلى أن المنطقة الشرقية، وعاصمتها بنغازي، تعتبر معقل المعارضة الليبية تاريخياً، فبنغازي تعتبر مدينة مصرية أكثر منها ليبية، وهواها هواء مصري، ومعظم طلابها يدرسون الحقوق والطب في جامعات الإسكندرية والقاهرة، نظراً لعملية التهميش التي كانت تعاني منها المدينة وسكانها. ولم تعترف بنغازي بهيمنة طرابلس كعاصمة سياسية لليبيا، وهذا ما دفع شبابها المتأثرين بالثورة الشبابية في كل من مصر وتونس، إلى الدعوة للتظاهر على مواقع الإنترنت والـ"فيسبوك".
على الرغم من مرور أربعين عاماً على بقائه في الحكم، فإن النظام الليبي لم يتغير وإن كان استطاع أن يتقاسم السلطة ـ ولاسيما في مجال الإدارة والجيش ـ مع قبائل أخرى، من خلال شراء ولائها عبر توزيع الريع النفطي عليها بشكل واسع، مع محافظة قبيلة القذافي على مركز الريادة في السلطة، إضافة إلى أن أبناء القذافي نفسه يسيطرون على القطاعات الاقتصادية الإستراتيجية (الاتصالات، الاستيراد، الاستثمار الخارجي)، فيما أمسك القذافي بملف النفط الذي يعتبر مجالاً محرماً على غيره، وهذا مظهر من مظاهر الأوليغارشية في الحكم، أي حكم الأقلية التي تستحوذ على مصادر القوة والثروة في المجتمع، وتنتج نظاماً تسلطياً يحصر مجال السلطة السياسية والاقتصادية في إطار علاقات القرابة التي تبدأ من دائرة عائلة الحاكم (الأب ثم الأبناء) ثم دائرة الأقارب المقربين جداً، ثم القبيلة، بصرف النظر عن طبيعة هذه الأقلية سواء أكانت طائفية أو طبقية أو سواهما.
بفضل الريع النفطي، استطاع النظام الليبي أن يبني أجهزة أمنية متطورة جداً، وأن ينجح في تحييد أو تصفية المعارضات الليبية، التي تشمل أنصار الملكية، والإسلاميين، والديمقراطيين، وأن يضمن بقاءه في السلطة طيلة 42 سنة. ويقول خبراء إن العقيد معمر القذافي اعتمد منذ زمن طويل على قبيلة القذاذفة الصغيرة التي ينتمي إليها في ضخ العناصر إلى النخبة من الوحدات العسكرية وضمان أمنه الشخصي وأمن حكومته.
فالذي يحكم التوازن في ليبيا بين النظام الليبي والمعارضة الليبية المسلحة، هو النظام القبلي لا الجيش. وقد حصلت انشقاقات عديدة من بعض القبائل الرئيسة، وحصل انشقاق داخل النظام نفسه باستقالة وزيري الداخلية والعدل، والعديد من البعثات الدبلوماسية الليبية في الخارج، كما أصبح شرق ليبيا بالكامل خاضعاً لسيطرة المعارضين المسلحين، حيث لم يكن النظام الليبي يحظى بشعبية كبيرة، ولم يتمكن من تعزيز سيطرته بشكل كامل تاريخياً في تلك المنطقة.
إن مفهوم الدولة بالمعنى الحديث لم يشكل قيمة مركزية لدى النظام في ليبيا. فخلال العقود الأربعة الماضية الصاخبة غيّرت ليبيا اسمها من مملكة إلى جمهورية في البداية، ثم إلى جماهيرية. وفي عام 1986، بعد العدوان الأمريكي الغاشم على طرابلس الغرب، تم منح الجماهيرية صفة العظمى، نكاية ببريطانيا العظمى التي كان اسمها في القاموس الجماهيري: «حاملة الطائرات الأمريكية ».
ومع اندلاع الاحتجاجات الليبية في 17 شباط/ فبراير 2011، اتخذت القوى الغربية من قضية حماية بنغازي من كارثة إنسانية بتدمير قوات من الجيش الليبي التي كانت تتقدم نحوها، ذريعة للتدخل العسكري الغربي في ليبيا الذي أيّدته دولٌ عربية عديدة، وجاء في سياق "التدخل الإنساني" لحماية الشعب الليبي من «القمع» الذي يتعرض له ، إذ تنبع حسابات الدول الغربية من المكاسب التي ستجنيها من النفط والسوق الليبية.لكن هذا التدخل العسكري الأطلسي الذي جاء بموجب القرار 1973 الصادر عن مجلس الأمن في شهر آ1ذار،/ مارس 2011، يعتبر انتهاكاً صريحا للسيادة الليبية.
فمن العمل على فرض منطقة حظر جوّي انتقل العمل إلى تدخّلٍ يهدف إلى القضاء على النظام الليبي. وهذا ما لا يخفيه أساساً الرئيسان باراك أوباما ونيكولا ساركوزي، ومعهما رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون( ). والحال أنّ هذا الهدف لا يتلاءم مع ميثاق الأمم المتحدة، الذي يحصر هذا الخيار بالشعوب المعنيّة انطلاقاً من مبادئ عدم التدخّل وحقّ الشعوب في تقرير مصيرها. فحتّى وإن كان معمّر القذافي قد لا يجد القبول الكامل، فإنّ بإمكان أيّ إنسان، وفي ظلّ ظروفٍ أقلّ وضوحاً، أن يجد أنّ هذا الزعيم أو ذاك لا يعجبه بشكلٍ ما. فالهند، ومع أنّها أيّدت القرار 1975، كانت حريصة على التأكيد أنّ "قوات حفظ السلام لا يجب في أيّ حالة من الحالات أن تصبح أداةً لتغيير النظام في ساحل العاج". ألا يبدو بذلك أن "واجب حماية السكان المدنيّين" قد أصبح قناعاً لـ"واجب التدخّل"؟
وعندما عارضت ألمانيا من حيث المبدأ التدخّل العسكري في ليبيا، شدّدت على قلّة المعلومات المتوفّرة لمجلس الأمن في ما يخصّ الوضع على الأرض وطبيعة التمرّد العسكري الفعليّة: أهي انتفاضة قبليّة أم تعبير سياسيّ من شعبٍ يناضل لتغيير النظام؟ كما حذّر آخرون من "سحر الأسلحة"، ومن قول إنّها كفيلة وحدها بحلّ المشاكل السياسيّة. وعليه اعتبر السيّد براون أنّ "حقوق الإنسان لا تشكّل سياسةً، والتعارض القانوني بين حقوق الإنسان والواقعية السياسة يشكّل مأزقاً حقيقياً. هناك بكلّ بساطة سياسة وحسب، وهي فنّ العمل على نتائج ما نريده". وفي رأيه أنّ المتمرّدين الليبيّين "يتوهّمون حول قدرتنا على تصحيح الوضع لمصلحتهم". وبالتالي "هم الذين سيدفعون الثمن".
كما أنّ هناك منظّمات غير حكوميّة وشخصيّات تنتقد سياسة "الكيل بمكيالين" على الصعيد الدولي. فجامعة الدول العربية تطالب من جهتها بمنطقة حظرٍ جوي فوق قطاع غزّة، حيث تقتل أعمال القصف الإسرائيلية باستمرار أناساً مدنيّين. والاحتمال الأكبر هو أن طلبها هذا لن يُلبّى. فمجلس الأمن يشكّل في الواقع سلطةً سياسية تقدِّر بشكل تمييزي المواقف التي يجب اتّخاذها والحلول التي يجب تطبيقها( ).
منذ أن بدأت الغارات الجوية فوق ليبيا يوم 19آذار/ مارس 2011، أعلن حلف شمال الأطلسي "الناتو" أن الهجمات الجوية الدولية أدت إلى تدمير 30% من القوات الجيش الليبي، كما قررت الولايات المتحدة سحب مقاتلاتها وصواريخ من طراز توماهوك من مسرح العمليات اعتباراً من الخميس 7 نيسان/ أبريل 2011 بعد أن تولى الحلف الأطلسي مهمة العمليات. وينسجم الموقف الأمريكي هذا مع ما قاله مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق الجنرال جيم جونز في مقابلة مع شبكة "آيه بي سي" الأمريكية ضمن برنامج "الأسبوع" مع كريستيان أمانبور، وهي أول مقابلة له منذ خروجه من البيت الأبيض، أن التدخل العسكري الأمريكي في ليبيا لم يكن لمصلحة الولايات المتحدة الحيوية والتحرك "كان أكثر لمصلحة الأوروبيين الحيوية" أكثر من الأمريكيين. وأوضح أن المقصود بالمصلحة الحيوية هو مدى التأثير على الأمن الحيوي في البلد "لكننا جزء من تحالف، ونحن أحد الزعماء العالميين". وأضاف أن الحرب في ليبيا "تصب أكثر في مصلحة الأوروبيين الحيوية، عند النظر إلى الهجرة الكثيفة والإرهاب وسوق النفط".
تقاسم النفط الليبي
يرى خبراء أن تقاسم النفط الليبي أمر ممكن، تقنيا، بين غرب البلاد الذي يخضع لنفوذ النظام الليبي وشرقها الذي يقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة. الا ان هؤلاء يؤكدون، رغم ذلك، ان المسألة صعبة التحقق على الصعيد السياسي. ويقول رفيق لاتا الخبير في نشرة «ميس» المتخصصة بالشؤون النفطية ومقرها في قبرص انه «يجب التوصل إلى تسوية دولية صريحة، وإلى التزام كامل من الاطراف المعنية بشأن احترام اتفاق بهذا المعنى».
وتنتج ليبيا اقل من اثنين في المئة من مجموع الانتاج العالمي من النفط، لكنها تحتوي على اكبر احتياطات النفط في القارة الافريقية، حيث تقدر بما بين 40 و60 مليار برميل. كما ان نوعية النفط لديها سهل الاستخراج، مرغوبة؛ كونها منخفضة الكبريت.
وتحتل دول اوروبية، على رأسها إيطاليا وفرنسا وألمانيا، المراتب الاولى على لائحة الدول المستهلكة للانتاج الليبي من النفط، وكذلك للغاز المنقول عبر خط انابيب يمتد على طول الحدود التونسية ويصل ايطاليا عبر مياه البحر المتوسط.وكانت المعارضة الليبية المسلحة أعلنت أن حقول النفط الواقعة في المناطق التي يسيطرون عليها تنتج ما بين 100 إلى 130 ألف برميل في اليوم.
وتبين نظرة سريعة على خريطة انتشار الحقول النفطية ومرافق التصدير سبب اتجاه المجلس الوطني الانتقالي الليبي نحو اعتماد نظرية تقسيم موارد الطاقة بين شرق البلاد وغربها. وتسيطر المعارضة في الشرق على الحقول التي تقع في منطقة سرير ومصافي التكرير في طبرق ، وهي مناطق تسهم في اكثر من ثلث عائدات قطاع النفط الليبي، بينما يسيطر النظام من جهته على حقول الوسط الليبي بكاملها. وتقول مارغيريتا باوليني الخبيرة في مؤسسة «ليماس» للعلاقات الدولية ومقرها في روما: «من الوجهة التقنية، يمكن تحقيق هذا الامر الذي يختصر صراعا على النفط بين شرق ليبيا وغربها»( ).
أخيراً، فإن التدخل العسكري الأمريكي والغربي في ليبيا، سيؤدي إلى كارثة، لجهة تقسيم ليبيا إلى منطقتين، منطقة تسيطر عليها المعارضة الليبية المسلحة، ومنطقة تسيطر عليها قوات الجيش الليبي.
6- الوضع في اليمن:
يكاد لا يمر يوم واحد من دون أن تشهد الساحة اليمنية انشقاقات جديدة في صفوف نظام الرئيس علي عبد الله صالح ، من خلال انضمام عشرات السفراء في الدول العربية و الأجنبية وعشرات الضباط والمسؤولين العسكريين ،وعلى رأسهم اللواء علي محسن الأحمر قائد المنطقة الغربية الشمالية والأخ غير الشقيق للرئيس الذي كان يعد من أهم مراكز القوى في اليمن ، إلى "ثورة الشباب"اليمنية، محدثاً بتحوله هذا إلى صفوف الثورة تبدلاً جذرياً في ميزان القوى لغير مصلحة الرئيس علي صالح، و إعلانه عن حماية "ثورة الشباب"أيضا باستخدام القوات التي تحت إمرته،ومحذراً النظام من المساس بالمتظاهرين في ساحة" التغيير".
وكانت مصادر من داخل اليمن تحدثت عن سعي اللواء علي محسن الأحمر لتولي الحكم بعد علي عبد الله صالح، وهو ما يشكل تهديداً جدياً لنجل الرئيس صالح وقائد الحرس الجمهوري العميد أحمد الطامع بوراثة أبيه في الحكم، الأمر الذي تسبب في نشوب صراع طاحن على السلطة بين اللواء علي محسن و نجل الرئيس ، تحول أحيانا إلى صراع مسلح بين قوات الطرفين .كما يشكل انضمام أكبر شيخ مشايخ قبائل حاشد صادق الأحمرالذي قال "أعلن باسم جميع أبناء قبيلتي انضمامي للثورة ، ودعا الرئيس علي عبدالله صالح إلى "خروج هادئ" و "مشرف" من السلطة التي يتولاها منذ 32 عاما، ضربة قوية لنظام الرئيس اليمني الذي طالما اعتمد على دعم التركيبة القبلية لإدارة البلاد.
في ظل تخلي قسم كبير من العسكريين ، و أهم القبائل في اليمن ، و القيادات الدينية، خسر الرئيس علي عبد الله صالح معظم دعائم حكمه :أغلبية القبائل التي كان يسيطر عليها بواسطة سياسة مدروسة تقوم على المزج بين سياسة زبائنية و الرشوة، إضافة إلى المؤسسة الدينية .وهذا الوضع الناجم عن اتساع رقعة الثورة اليمنية ذات الطابع السلمي في عملية استقطابها لمختلف أطياف الشعب اليمني ، لمصلحة تغيير النظام ،يزيد في عزلة الرئيس علي عبد الله صالح البالغ من العمر 68 عاما.
لأول مرة في تاريخ اليمن تتوحد مختلف أطياف المعارضة على برنامج تغيير النظام في اليمن ، من هنا يحاول الرئيس علي عبد الله صالح أن يخيف الشعب اليمني و البلدان المجاورة بقضية انفجار الحرب الأهلية.
ويعتبر اليمن الذي اتحد شماله مع جنوبه في دولة وحدوية في 22 أيار 1990، دولة مركزية ضعيفة، وفقيرة، حيث إن مؤشر التنمية الإنسانية فيها هو الأضعف من بين دول الخليج، رغم وجود النفط. بيد أن انخفاض إيرادات الدولة من العائدات النفطية (460 مليون دولار في أيار 2008 إلى 100 مليون دولار في كانون الثاني2010)، أسهم في تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة في البلاد.
كما تتجاور مع السلطة المركزية الضعيفة في اليمن قبائل قوية مدججة بالسلاح الثقيل، وتسيطر على مناطق واسعة في البلاد، وأصبحت بذلك تشكل ملاذات آمنة للحركات الإسلامية المتشددة. ووجدت الدولة الإشكالية اليمنية نفسها في مرمى لحروب أهلية مزدوجة ومستمرة منذ العام 1994، تُمارس من جهة باسم الكيانات الانفصالية ومن جهة أخرى باسم وحدة أوسع لليمن. وقد عاد الانفجار المتعلق بالأقلية الزيدية، وهي طائفة من الإسلام الشيعي تقيم في المناطق الجبلية في اليمن، لكنها تختلف بوضوح عن الشيعة الإثني عشرية التي تشكل الأكثرية في إيران، إلى الظهور في حرب صعدة سنة 2009 التي أضعفت السلطة المركزية كثيرا.
و في عهد الرئيس علي عبد الله صالح أصبحت الدولة اليمنية تصنف عالميا بالدولة الفاشلة، والمهددة بـ"الصوملة"، في ظل انفجار الصراعات الأهلية الداخلية، بين السلطة اليمنية وتنظيم "القاعدة" الذي يخطط لقيام "إمارة إسلامية" ،والذي يصفه مسؤولون أميركيون بأنه: "يشكل أكبر خطر على الأرجح على الداخل الأميركي" ، و دعوة "الحراك الجنوبي" بانفصال جنوب اليمن عن الشمال، وتكوين دولة مستقلة، و تفاقم الأزمة السياسية في البلادمن جراء عجز سلطة الرئيس علي عبد الله صالح معالجة هذه الأزمات المتفاقمة.
وتعتبر"ثورة الشباب "في اليمن جزءاً من هذا السياق العربي الجديد، لا خارجه، لا سيما بعد أن أصبحت مختلف أطياف المجتمع اليمني ، و في طليعتها فئة الشباب التي تقل أعمارهم عن 25عاما،وتمثل ثلثا سكان اليمن البالغ عددهم 23 مليون نسمة ،والتي تقود الاحتجاجات السلمية منذ 21شباط الماضي ، مستلهمة دروس الثورتين الديمقراطيتين في تونس و مصر ، تطالب بالإطاحة بنظام الرئيس علي عبد الله صالح الذي فقد شرعيته بشكل كبير .
لم تعد الثورة في اليمن "ثورة الشباب"لوحدهم، بل تحولت في سيرورة ارتقائها إلى ثورة شعب بأكمله بجميع أطيافه ومكوناته رجالا ونساء مدنيين وعسكريين ورجال أمن، توحدوا مع الثوار وطوروا مطالبهم، من أجل بناء ديمقراطية حقيقية في هذا البلد القبلي الذي يتسم بالعنف والفقر.ذلك أن تحقيق ثورة ديمقراطية فعلية في اليمن ، هي التي تقوض بصورة حقيقية معاقل تنظيم القاعدة، الذي أصبح الخاسر الأكبرفي التغيرات الجارية في العالم العربي .
فالرئيس اليمني علي عبد الله صالح وفي تحد ِّللضغوط العالمية و الخليجية ، تملص ثلاث مرات من التوقيع على اتفاقية المبادرة الخليجية لتنحيه عن السلطة سلمياً في مقابل الحصانة من الملاحقة القضائية حتى مع تضاؤل دعمه في الداخل. واستمر في تشبثه بالسلطة،الأمر الذي أغضب حلفاؤه الأميركيين والسعوديين الذين كانوا ينظرون إليه كشريك رئيسي في الجهود المبذولة لمكافحة جناح تنظيم القاعدة في اليمن المعروف باسم" القاعدة في جزيرة العرب".
في سيرورة هذه الحرب الأهلية المحصورة في نطاق العاصمة،أصيب الرئيس اليمني في انفجار قنبلة في مسجد داخل قصر الرئاسة وليس في هجوم بصاروخ مثلما قال مسؤولون في باديء الأمر يوم الجمعة 3حزيران الجاري، وقتل سبعة أشخاص في ذلك الانفجار وأصيب مسؤولون كبار بجروح خطيرة، واضطر صالح إلى السفر إلى المملكة السعودية لتلقي العلاج الطبي .و تضاربت الأنباء القادمة من الرياض حول الحالة الصحية الحقيقية للرئيس علي عبد الله صالح بعد إجراء العمليات الجراحية الضرورية . فبينما قال بعض المسؤولين اليمنيين ، لاسيما نائب الرئيس عبدربه منصور هادي إن الرئيس سيعود لليمن خلال أيام، قال مسؤولون أميركيون إن صالح في حالة أكثر خطورة عما أعلن في السابق مع إصابته بحروق في نحو 40 في المئة من جسمه.
وبصرف النظرعن حالة الرئيس علي صالح الصحية ، فإن الإشكالية التي يواجهها اليمن في الوقت الحاضر، تكمن في أنه يعيش مرحلة من ازدواجية السلطة.فالرئيس علي صالح لم يرحل نهائياً عن السلطة حتى يقال أن اليمن بصدد تجسيد القطيعة الراديكالية مع نظامه ، إذ بات بعض المسؤولين يتحدثون عن عودته إلى صنعاء خلال الفترة القادمة. وبالمقابل ، فإن استلام نائبه السيد عبد ربه منصور هادي لا يعني أنه أصبح قادرا على إدارة هذه المرحلة الانتقالية الدقيقة التي يمر بها اليمن نحو الانتقال السلمي للسلطة ، و بالتالي نحو بناء نظام ديمقراطي جديد يلبي الطموحات الحقيقية للشعب اليمني، ذلك أن نائب الرئيس يصطدم بمراكز القوى الأمنية و العسكرية، الذين يرفضون الاعتراف بأن علي صالح أصبح خارج المشهد السياسي اليمني.
ويرى علي العمراني الناطق باسم الائتلاف البرلماني من أجل التغيير -وهو ائتلاف شُكل مؤخرا من النواب المستقلين ونواب المعارضة والمستقيلين من الحزب الحاكم- أنه لا يوجد حاكم حقيقي في البلد، فالسلطة وفق رأيه ضائعة من أيدي الجميع، فهي ليست بيد الرئيس ولا بيد الثوار ولا بيد نائب الرئيس ولا بيد المعارضة ولا بيد أبناء الرئيس وليست بيد أحد.وأشار إلى أن جهود جميع قوى المعارضة الآن تتركز على إيجاد حاكم جديد ذي صلاحيات يستطيع تسيير شؤون البلاد خلال الفترة الانتقالية، مؤكدا على ضرورة أن يبدأ نائب الرئيس في ممارسة صلاحياته في تسيير شؤون البلاد دون عرقلة من أحد.
ويرى المحللون العرب ، أن الحل الواقعي للأزمة اليمنية يكمن في الدور الذي يمكن للمملكة العربية السعودية أن تلعبه في اليمن، فهي ذات نفوذ كبير جدا في هذا البلد، ومسألة استقرار اليمن جزء من الأمن الوطني للمملكة ، نظراً لطول الحدود المشتركة بين البلدين التي تصل إلى نحو 1800 كيلومتر.فإذا لم تمارس المملكة العربية السعودية نفوذها على الرئيس علي عبد الله صالح وتطرح البديل للمبادرة الخليجية بعد ان رفضها صالح، يمكن أن يتجه اليمن نحو حرب أهلية، كما حدث في لبنان من 1975 حتى 1990 ، و كأي حرب أهلية ستكون لها تداعيات خطيرة، منها تحول اليمن إلى صومال جديدة،و انفصال اليمن الجنوبي . و ليس للمملكة العربية السعودية أية مصلحة في تفكك اليمن ، أو في تحوله إلى حرب أهلية.
7-الحركة الاحتجاجية بالبحرين تصطدم بخط أحمر إقليمي
اتخذت حركة الاحتجاجات في البحرين منذ انطلاقتها في شهر شباط/فبراير 2011 منحى إقليمياً ينطوي على مخاطر تصعيد الانقسام المذهبي سواء داخل المملكة أم في الدول المجاورة، إذ دخل ألف جندي سعودي و500 شرطي اماراتي من "قوات درع الجزيرة" التابعة لمجلس التعاون الخليجي الى البحرين لمساعدة المنامة على حفظ الأمن بعد شهر من التظاهرات المطالبة بالاصلاح التي تنظمها الغالبية الشيعية ضد العائلة الحاكمة التي تنتمي الى الاقلية السنية. وهذه المرة الاولى منذ بدء الاحتجاجات في الدول العربية قبل ثلاثة اشهر يسجل اجتياز قوات من دولة حدود اخرى لسبب أمني.
اذا كانت السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة تملكان غطاء اقليمياً للتدخل في البحرين، فإنه بدا ان الولايات المتحدة كانت على علم بهذه الخطوة التي وصفتها بأنها "ليست غزواً". أما المعارضة البحرينية التي تشعر بأن من شأن التدخل الاقليمي ان يضع خطاً احمر لسقف التحرك الذي تقوم به، فقد اعتبرت دخول القوات السعودية بمثابة احتلال واعلان حرب، فيما نددت طهران بما وصفته بـ"التدخل الخارجي" في البحرين.
وجاء في بيان للقيادة العامة لقوة دفاع البحرين: "بدأت طلائع قوات درع الجزيرة المشتركة بالوصول الى مملكة البحرين ... انطلاقاً من مبدأ وحدة المصير وترابط امن دول مجلس التعاون على ضوء المسؤولية المشتركة لدول مجلس التعاون في المحافظة على الأمن والإستقرار".وذكًر باعتبار وزراء الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي في اجتماعهم الاخير في الرياض ان "أمن واستقرار دول المجلس كلاً لا يتجزأ بمقتضى اتفاقات التعاون الدفاعية المشتركة بين دول مجلس التعاون" من اجل "ردع كل من تسول له نفسه الاخلال بأمنها وزعزعة استقرارها وبث الفرقة بين مواطنيها". وناشد المواطنين والمقيمين في المملكة "التعاون التام والترحيب بإخوانهم من قوات درع الجزيرة المشتركة" في دول مجلس التعاون الخليجي.
بيد ان المعارضة التي تنضوي تحت لوائها سبع جمعيات سياسية أهمها "جمعية الوفاق" التي تمثل التيار الشيعي الاكبر في البلاد، وجهت نداء مشتركاً الى الامين العام للامم المتحدة بان كي - مون جاء فيه ان "شعب البحرين في خطر حقيقي يتهدده بشن حرب من جيش مسلح ضد المواطنين البحرينيين دون اعلان حالة الحرب". واضافت: "نعتبر دخول اي مجند او آلية عسكرية الى اقليم مملكة البحرين البري والجوي والبحري احتلالا سافرا لمملكة البحرين وتآمرا على شعب البحرين الاعزل ويخالف الاتفاقات والاعراف الدولية في السلم والحرب". ودعت "الاسرة الدولية لتحمل مسؤولية السلام والامن الدوليين وذلك بصورة سريعة لحماية شعب البحرين من خطر التدخل العسكري الخارجي واتخاذ ما يلزم لحماية المدنيين بدعوة مجلس الامن للانعقاد لهذا الموضوع بصورة عاجلة".
أما الجارة الإقليمية إيران ، فقد كان موقفها حادّاً مما يجري في البحرين ، إذصرح الناطق باسم وزارة الخارجية الايرانية رامين مهمانباراست لقناة "العالم" الإخبارية بأن إيران تندد "بالتدخل الأجنبي لقمع شعب على أرضه"، وتعتبر انه "ليس صحيحاً أن يأتي أشخاص من دول أخرى ويتدخلوا ويقمعوا شعباً ما على أرضه". وقال إن "أبناء الشعب البحريني هم الذين يجب أن يحلوا مشاكلهم مع الحكومة التي يجب أن تلبي مطالبهم، وأن يتم الوصول الى طرق حل سلمية ومناسبة وتحدد الطرق العملية الكفيلة بهذه الحلول". ودعا إلى "دعم القوى الشعبية" وطالب "الحكومات بأن تعتني باوضاع شعوبها".وأضاف انه "يجب أن نسعى لكي نقرب وجهات النظر بحيث تلبي رأي وطلب الأكثرية في البحرين، كي نتمكن من إيصال هذه الازمة إلى حل خالٍ من العنف وتكون الاستجابة جيدة للمطالب الشعبية".
8-الأزمة السورية
تشهد سوريا منذ أواسط شهر آذار الماضي، أكبر موجة احتجاجات شعبية في تاريخها المعاصر. وتأتي تلك الاحتجاجات كتفاعل من قبل السوريين مع ربيع الثورات الديمقراطية العربية. ولم تنج سورية من تداعيات الربيع العربي، الذي عم المنطقة العربية من محيطها إلى خليجها، إذ انطلقت حركات احتجاجية ذات طابع سلمي في العديد من المدن السورية، لا سيما تلك التي تضررت من خيار الانفتاح الاقتصادي ،الذي انساقت فيه سورية منذ نهاية عقد التسعينيات و بداية الألفية الجديدة. فعلى الصعيد الاقتصادي، كانت السياسات الليبرالية الجديدة التي انخرطت فيها الدول العربية كلها، قد نشّطت النموّ، إلاّ أنّها لم تحوّل البلدان العربية إلى أطراف ديناميكيّة في الاقتصاد العالمي؛ ولا شكّ أنّها لم تعالج البؤس ولا أشكال الظلم الاجتماعي التي تشوب المنطقة بأكملها.
وقد اعتبرت السلطات السورية أن مطالب الحركة الاحتجاجية التي تطالب بالإصلاح مشروعة، و هي تنسجم مع الخط العام للرئيس بشار الأسد الذي يريد تطبيق برنامج إصلاحي منذ وصوله إلى السلطة ، لو لم يحصل ذلك الغزو الأميركي للعراق سنة 2003، و تداعياته الخطيرة على المنطقة العربية، لا سيما على سورية التي أصبحت منذاك الوقت مستهدفة من قبل الولايات المتحدة الأميركية في عهد إدارة الرئيس بوش السابقة، بوصفها آخر قلاع الصمود العربي في وجه اسرائيل.
لكن خروج الاحتجاجات من المنطقة الحدودية الجنوبية المحاذية للاردن واتساعها لتشمل عدداً كبيراً من المدن السورية، من اقصى الجنوب الى أقصى الشمال مرورا بالعاصمة دمشق، وحدوث مواجهات مسلحة مع قوات الجيش و الشرطة، جعلت السلطات السورية تنظر إلى هذه الحركة الاحتجاجية على أنها تحركها "تنظيمات إرهابية مسلحة"تستهدف وحدة سورية.
فقد قالت الدكتورة بثينة شعبان مستشارة الرئيس بشار الأسد في مؤتمر صحفي:ان هناك مشروع فتنة في سورية. مشروع استهداف سورية ليس جديداً، وليس من صنع الخيال، سورية مستهدفة لأسباب سياسية. في عام 2005 لم يتمكنوا من ان يجعلوا سورية تركع او تغير هويتها او مواقفها (عبر ضغوط خارجية)، والآن هناك مشروع بديل لاستهداف مواقف سورية ووجودها كضلع مقاوم وكبلد إقليمي في الشرق الاوسط الجديد" الذي تشكل في السنوات الأخيرة بعد فشل محاولات العزل في السنوات الاخيرة.وميّزت بين "الاستهداف" والمَطالب المحقة والمشروعة التي "يتم تلبيتها بكل دقة، وكما رأيتم الخميس، هناك مشروع اصلاحي، وهذا الاسبوع سيشهد بعض الأمور التنفيذية". وزادت: "ليس هناك أي شيء محرم تحت سقف الوطن. طالما ان الهدف عزة سورية. لكن في الوقت نفسه، ليس مسموحاً استهداف سورية"...وتابعت: "ما نحن في صدده ليست تظاهرات سلمية مطلبية تريد ان تسرِّع من وتيرة الاصلاح في سورية. الصورة واضحة، إن ما هو موجود هو مشروع فتنة للنيل من عزة سورية ووحدتها وقوتها وموقفها المقاوم والعيش المشترك فيها"، لافتة الى ان وسائل إعلامية خارجية "تلعب دوراً تجييشياً ضد سورية، في وقت تتطلب الأمور أقصى درجات الموضوعية والدقة، وألاّ يكون الإعلام طرفاً، بل موضوعياً ينقل الحقيقة" ( ).
ويظل المخرج الحقيقي للأزمة السورية التي تداخلت فيها بشكل قوي التحديات الداخلية مع تزايد كل أنواع التدخلات الخارجية على سورية ، يكمن في سلوك طريق الإصلاحات ،أي معالجة هذه الأزمة السياسية بالوسائل السياسية وتطبيق بصورة فورية لرزمة واسعة ومقنعة من الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي تجنب البلاد خطر الانزلاق في الفوضى و الكارثة.
9-استنتجات ما بعد الثورات العربية
الثورات لا تعني تحقيق الديمقراطية بصورة تلقائية في العالم العربي ،و لأن أيضاً إسقاط نظام سياسي ، لا يعني محو نهائياً السلطوية السياسية القائمة في هذا البلد العربي أوذاك ،منذ زمن الاستقلالات العربية ، خلال خمسة أشهر. ومع ذلك، الثورات العربية ، في نظر العديد من المحللين الغربيين هي أول ثورات حقيقية في القرن الحادي والعشرين ، التي هزت المنطقة المغاربية والشرق الأوسط، وهي بالمقارنة مع عنف الولادة الثورية في بعض البلدان العربية الأخرى ، وانطوائية بعض الديكتاتوريات الملكية ، تكاد تكون نموذجاً.
أولا:الثورة التونسية ،ثورة علمانية ، من دون شعارات دينية ، الأمر الذي يتطلب تحقيق العدالة واحترام كرامة الشعب. وهي ليست ثورة «ثقافية »بالمعنى الذي قصده المفكر الأميركي الراحل هينتنغتون، وهي أقل تعبيراً عن صراع الحضارات.
في سبيل إرساء الديمقراطية التي تحتاج إلى مشروع مجتمعي كبير، مشروع فكري وثقافي و سياسي ، تواجه الثورة التونسية في هذه المرحلة الانتقالية من عمرها ثلاثة تحديات أساسية. وتكتشف تونس بعد إنجاز ثورتها أنها تعيش في ظل وضع خطير ناجم عن التأرجح بين الفراغ المؤسساتي و الفوضى.
وجاءت ولادة فكرة إنشاء الجمعية التأسيسية ، من أن الشعب التونسي يريد شرعية جديدة، لا أن يقوم بإصلاحات للنظام السابق، لا سيما أنه بعد فرار بن علي ، طرحت الحكومة المؤقتة إجراء انتخابات رئاسية خلال مدة شهرين كما ينص على ذلك الدستور القديم . و لما كان الشعب يريد شرعية جديدة، أصبحت المهمة الملقاة على عاتق الأحزاب و منظمات المجتمع المدني تتمثل في الإعداد لانتخاب مثل هذه الجمعية التأسيسية. فلأول مرة في تاريخها سوف تعرف تونس انتخابات حرة ونزيهة في 23 تشرين أول/ أكتوبر 2011، من دون تلاعب بالاصوات. وقد اختار ت "الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة"القانون النسبي في الاقتراع؛ فهو أكثر النظم توازنا ويمنح كل الاحزاب الحظوظ القصوى بالتمثيل والوصول الى الجمعية التأسيسية.
عندما يتم انتخاب المجلس التأسيسي ، تصبح وظيفته الرئيسة تتمثل في كتابة الدستور الجديد للجمهورية الثانية في تونس. فمن وجهة نظر القوى الثورية التونسية لايجوز أن يكتب الدستور الجديد في الخفاء على يد لجنة خبراء تعيّنها السلطة كما في مصر والمغرب والجزائر، بل من قبل جمعية تأسيسية منتخبة ديموقراطيّاً؛ وهذا مطلب قديم لأجيالٍ من المعارضين في العالم العربي.
وسيتم التصويت على الدستور الجديد في ستة أشهر أو حتى عام واحد ، بعدها تجرى الانتخابات الرئاسية ، ثم الانتخابات التشريعية. ويبدو أن البروفيسور عياض بن عاشور، رئيس "الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة" ، والمكلف بالتحضير للانتخابات المقبلة التي ستجري في 23تشرين أول / أكتوبر 2011، ومهندس هذه المرحلة الأولى، لا يحمل توّهمات كثيرة حول حجم هذه المهمة: "يجب أن يكون هناك تغيّر ثقافيّ. فالديموقراطية هي ذهنيّة، وهي على الأخص مبادئ غير مكتوبة: ضمنها احترام المعارضة، ومعرفة التحكم بالانتصار، وقبول تداول السلطة وخطر الخسارة في كلّ انتخابات تجري...".
ثانيا:رغم أن الجيش المصري عاد الى مقدمة المشهد السياسي وانه يمكننا التكلم عن نوع من الانقلاب العسكري، ولكن، خلافا للانقلاب العسكري الذي قاده الضباط الأحرار عام 1952، فان الثورة لم تنطلق منهم ولا هم اساسها، بل الشارع... الشارع هو الذي دفع مبارك الى التنحي وأرغم الجيش على التخلي عنه لكي يحتفظ بامتيازاته. القول بأن شيئا لم يتغير فيه مبالغة، فالعديد من مسؤولي النظام السابق هم الآن في السجن، وقد صدرت أحكام بحق بعضهم.
في الوقت الراهن لا يوجد رجل قوي في مصر بعد عهد مبارك ،فالمجلس الأعلى للقوات المسلحة الممسك بالسلطة الآن يقوده وزير الدفاع السابق المشير حسين طنطاوي؛ ولكن الجميع يشعر بأن طنطاوي لا ينفرد وحده بالسلطة وبأن هناك العديد من الجنرالات الذين لهم كلمتهم. وكانت شبكة "سي أن أن" الأميركية نقلت عن مسؤول عسكري مصري قوله إن الجيش لن يتدخل في الانتخابات الرئاسية المقبلة ، ولن يرشح أحداً من صفوفه للرئاسة. وأوضح المسؤول العسكري أن القوات المسلحة "تنتظر بفارغ الصبر العودة إلى ثكناتها والقيام بواجبها الأساسي، وهو حماية حدود الوطن"، مشدداً على ان القيادة العسكرية "تواقة لتسليم دفة السلطة إلى قيادة مدنية". في هذا الوقت فإن المرشح البارز للرئاسة المصرية محمد البرادعي ،حامل جائزة نوبل، ليست له شعبية، فيما الامين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى الذي يبدو، حتى الآن، المرشح الأوفر حظا بالرئاسة، يحمل الكثير من بصمات النظام السابق (...).
أما من جانب الإخوان المسلمين ، فإن المرشد العام للإخوان يجد صعوبة في ضبط صفوف تنظيمه. فالشباب الإخواني أقرب إلى الثوريين منه. أما من جانب الثوار أنفسهم، فلا يوجد أحد، حتى الآن، يستطيع ان يجسد الحركة الثورية. فهناك تخوف من تحقيق الاخوان المسلمين فوزا كاسحا في الانتخابات ، في مصر، كما في باقي العالم العربي .لكن معظم المحللين العرب و الأجانب يقرون بأن هناك صعوبة حقيقية في أن ينفرد الأخوان المسلمين بالسلطة.
ثالثا:في ليبيا، وبعد ما يقارب الثلاثة أشهر من التدخل العسكري الغربي في ليبيا، أفرزت التطورات العسكرية والسياسية الراهنة الخارطة الجديدة التي عليها ليبيا في الوقت الحاضر: هناك الشرق الليبي الممتد من الحدود المصرية ولغاية أجدابيا تسيطر عليها المعارضة الليبية المسلحة ومجلسها الانتقالي ، أما حقول النفط الواقعة في المناطق التي يسيطر عليها تنتج ما بين 100 إلى 130 ألف برميل في اليوم فما زالت تحت سيطرة النظام الليبي.
إن الذي دفع الولايات المتحدة و الدول الأوروبية بالمطالبة بفرض عقوبات دولية من أجل الإطاحة بالعقيد القذافي، وإحالته إلى المحكمة الجنائية الدولية،هو شعورها بفقدان الثقة من جانب شعوبها ،وافتقادها السيطرة على قدراتها في المنطقة نتيجة تفجر الثورات العربية ، ما يجعلها تفكر في طرق واستراتيجيات جديدة يمكن أن تبقي على سيطرتها على المنطقة العربية.
فالثورات العربية صنعت بأيدٍ عربية، ومن دون الاستقواء بالغرب الذي لا يزال يمارس الازدواجية في سياسته إزاء المنطقة العربية، و عليها أن تبقى هذه الثورات عربية لإنجاز مهماتها في بناء أنظمة ديمقراطية جديدة تقطع مع الماضي الديكتاتوري الذي عاشته الشعوب العربية.
رابعا: لا يزال الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في حال صحية سيئة بعد اصابته في القصر الرئاسي في صنعاء حيث يتلقى العلاج في المملكة العربية السعودية، فيما تدعو الولايات المتحدة الأميركية و بلدان الاتحاد الأوروبي نائب الرئيس اليمني عبد ربه منصور والأطراف السياسية في اليمن الى الجلوس الى طاولة الحوار، بهدف إيجاد البديل الديمقراطي لمرحلة ما بعد علي صالح.
وتتخوف الدول الغربية ، و الدول العربية ، لا سيما الخليجية منها من تحول اليمن الى "صومال جديد" في حال استمر الوضع في التدهور ولم تنجح الوساطة الخليجية في وضع حد لحال النزاع القائمة حاليا بين السلطة والمعارضة، التي يعتبرها الغرب أنها "وصلت إلى حالة الحرب الأهلية".ومع ذلك، فالحرب ليست حتمية في بلد تملك فيه الغالبية السلاح،
رغم ما يظهر على السطح، فإن اليمنيين لا يريدون الحرب. وأبناء القبائل ليسوا مولعين بالحرب.
ربما يسمح سفر الرئيس علي عبد الله صالح إلى العربية السعودية للعلاج ، بإنقاذ ماء وجهه، وتجنّب إظهاره وكأنه طُرد من السلطة. والسيناريو الأكثر تفاؤلاً يرى بأن مرحلة انتقالية من شهر واحد سوف تلي هذا السقوط، يقودها نائبه، وتجري من بعده الانتخابات. هناك حياة سياسية نشيطة جدا في اليمن الآن.
خامسا: في ظل وصول جيل "القفزة الديموغرافية" شباباً إلى سنّ العمل، و عجز البلدان العربية عن خلق فرص عمل لهم، وفي ظل أيضا هيمنة الاقتصاد الريعي (النفط، الهواتف المحمولة، المضاربات العقارية، تضخّم القطاع المالي) وتراجع الزراعة والصناعة على السواء، وعدم دخول أيّ من الدول العربية نادي النهوض الاقتصادي الجديد، وسيطرة أقرباء الحاكم وزبائنته على مفاصل الاقتصاد، ونشوء سلطة اقتصادية فوق الدولة، بات مطروحا على النقابات العمالية العربية أن تناضل في سبيل الخروج من هذا النمط الاقتصادي الريعي ، و أن تكون طرفاً فاعلاً في عملية الإصلاح الاقتصادي و الاجتماعي في الدول العربية، الذي يتطلّب قرارات حاسمة لها وقعها وأثرها، تقطع مع السياسات السابقة، وتحرّر الاقتصاديات العربية من المفاصل الاحتكارية وتسمح لمختلف مكونات المجتمع المدني الحديث من نقابات ومنظمات شعبية و أحزاب سياسية بالعمل في مناخٍ آخر، وتقتصّ من التعديات على المال العامّ (أي ما هو ملك الشعب كلّه) لتعيد للدولة فعاليّتها في سياسات تحفيز وإعادة توزيع اجتماعية ومناطقية ضرورية.
سادسا:إن تبلور تعددية نقابية في العالم العربي ، سَيُلحِقُ ضرراً بليغاً لوحدة الحركة النقابية داخل كل قطر عربي ، و على صعيد الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب ، بإثارة الانقسامات في الحركة العمالية العربية .كما أن إثارة موضوع التعددية النقابية من صلب الاتحادات العمالية العربية ، جزء من ألاعيب السلطات السياسية العربية ، و بعض أطراف المعارضات العربية المرتبطة بالليبرالية الأميركية ، بهدف تقسيم و شق الحركة العمالية.
ولأن بعث التعددية النقابية ، يمثل خرقاً صارخاً للقانون الأساسي و للنظام الداخلي للاتحاد الدولي لنقابات العمال ، و للمبادىء التي دأبت على التمسك بها الحركة النقابية العربية .و في هذه الحال، فإن الإفساح في المجال للتعددية النقابية سيقلص إلى أقصى حدود، مدى نشاط و فعالية الحركة النقابية في كل قطر عربي ، وقدرتها على اجتذاب أوسع الجماهير العمالية، وسيلحق الضرر بالتضامن العمالي. وفضلاً عن ذلك، فإن مسألة بعث التعددية النقابية سيفتح باب الحركات النقابية العربية على مصراعيه، للتيارات السياسية المتواجدة إلى الانسلاخ منها، و تكوين نقابات مرتبطة بها، الأمر الذي سيهدد وحدة المنظمة النقابية الجماهيرية.
سابعا:إن الحركة النقابية العربية مطالبة اليوم في ظل الربيع العربي، أن تشق لنفسها طريق النضال في سبيل تحقيق الاستقلالية عن هيمنة الأحزاب الحاكمة .و الحال هذه أصبح استقلال النقابات ، مسألة في غاية الأهمية، باعتبارها نتيجة النضال الطبقي و الوطني الديمقراطي، الذي بلغ درجة متطورة في ظل ربيع الثورات العربية. وهي مسألة ضرورية في مصلحة تطور النضال السياسي للطبقة العاملة العربية و عامة الجماهير الشعبية الكادحة.
و لقد حاربت الحركة النقابية العمالية العربية على الدوام، تبعية المنظمات النقابية لمنظمات و تكوينات المجتمع المدني، و عملت على إرساء نهج نضالي ، ثابت مبدئياً، من أجل الظفر باستقلالية الاتحادات العمالية العربية ، سواء عن الأحزاب الحاكمة،و الدول العربية، أو عن أحزاب المعارضات العربية، باعتبار ذلك واجباً نضالياً ملازماً و دائماً في نشاط الحركة العمالية العربية. و لا بد لتكوينات المجتمع المدني أن تدعم استقلال النقابات ، و تساعدها بكل الإمكانيات اللازمة و الضرورية في هذه المعركة.
ثامنا: إن القضية الجوهرية لوحدة الحركة النقابية العربية، هي ممارسة الديمقراطية في صلب الاتحادات العمالية في البلدان العربية، و إننا لا نرى وحدة الحركة النقابية العمالية العربية خارج سياق العلاقات الديمقراطية الحقة داخل كل نقابة. و هذا يقتضي عقد المؤتمرات النقابية التي تفرز قيادات نقابية تمتلك الكفاءة التي تؤهلها لقيادة الاتحادات العمالية العربية في زمن نظام العولمة الليرالية المتوحشة، الذي بشّربشعار تحرير التجارة الداخلية،و إطلاق العنان لفعاليات القطاع الخاص وبيع القطاع العام، وتحرير التجارة الخارجية ــ الدولية مندداً بإجراءات الحمائية ومشيداً بجدوى التنافسية ومؤكداً أهمية الربط بين مبدأ "دعه يعمل»"في داخل الحدود ثم مبدأ "دعه يمر" بمعنى التبادل والتفاعل التجاري الدولي دون أي عائق خارج الحدود.
لقد أنهك انخراط الوطن العربي في نظام العولمة الليبرالية ، قوى الاتحاد ات العمالية العربية ، حيث كانت مؤسسات القطاع العام هي مركز ثقلها ومصدر قوّتها..).
الحلقة القادمة: موقف الاتحاد الدولى لنقابات العمال العرب من الصراع بين اتحاد العمال الرسمى والنقابات المستقلة فى مصر.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تعرف على أسواق المزارعين في أميركا
.. قطاع الدفاع الفرنسي لن يتأثر بـ-التقشف- في مشروع الميزانية ل
.. تدمير كامل لمستشفيات جنوب لبنان ومقتل 87 من العاملين بالمجال
.. الصحة العالمية: استهداف العاملين في مجال الرعاية الصحية لا ي
.. الديمقراطيون يركزون على استعادة ثقة الطبقة العاملة في ولايات