الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى ستزور - لحظة الحقيقة .. - اتحاد الكتاب العرب ؟

إبراهيم إستنبولي

2004 / 12 / 30
الادب والفن


متى ستزور " لحظة الحقيقة .. " اتحاد الكتاب العرب ؟
بمناسبة مرور عام على وفاة الكاتب ف . أ . بوغومولوف
إعداد و ترجمة إبراهيم إستنبولي

في 30 كانون الأول من عام 2003 توفي في موسكو الكاتب السوفييتي الروسي فلاديمير اوسيبوفيتش بوغومولوف .. و كان بوغومولوف قد ولد في عام 1926 في قرية صغيرة في مقاطعة موسكو . أنهى في عام 1941 سبعة صفوف من المدرسة ، شارك في معارك الحرب الوطنية العظمى جندياً عادياً ليجتاز بالتسلسل كل الرتب العسكرية وصولاً إلى قائد سرية في نهاية الحرب . استحق ميداليات و جوائز . كتب رواية " لحظة الحقيقة "( " في آب من عام 1944" ) ، التي نالت شهرة واسعة و تمت ترجمتها إلى عشرات اللغات ، القصص الطويلة " ايفان " ، " زوسيا " ، و العديد من القصص القصيرة .
بفضل روايته " لحظة الحقيقة " أدخلت إلى الاستخدام في اللغة الروسية مجموعة من المفاهيم ، خاصة " لحظة الحقيقة " – " لحظة الحصول على المعلومة ، التي تساعد في توضيح الحقيقة " . تدخل كتبه ضمن البرنامج الدراسي لتلاميذ المدارس و المعاهد في عدد من البلدان ، خصوصاً روسيا و بيلاروسيا .
بالاعتماد على قصة " ايفان " قام المخرج السوفييتي الشهير تاركو فسكي الفيلم المعروف " طفولة ايفان " في عام 1962 ، و الذي نال الجائزة الأولى " الأسد الذهبي " في مهرجان فينيسيا السينمائي .
لقد أعيد إصدار رواية " لحظة الحقيقة " ( " في آب 1944 " ) و قصة " ايفان " مئات المرات ، بل إنهما - حسب بعض الإحصاءات – لا زالت تشغل المراتب الأولى من بين آلاف الأعمال الأدبية الحديثة ، التي تم نشرها في الـ 25 و الـ 40 سنة الأخيرة .
و للعلم أشير إلى أن الكتاب الراحل بوغومولوف لم يكن في يوم من الأيام لا عضواً في اتحاد كتاب و أدباء الاتحاد السوفييتي السابق ، و لم يكن عضواً في الحزب الشيوعي السوفييتي أيضا ، و مع ذلك فإن أعماله قد لاقت رواجاً و قبولاً كبيراً بين القراء لما فيها من نفحات إبداعية ، و لما تتمتع به من مواقف إنسانية مشرفة . و لعهدي إن في ذلك عبرة للكثيرين .. إذ أن " رأس المال " المبدع هو ما سيتركه من إرث ثقافي و أدبي ومن مواقف شجاعة و نبيلة .. و للجميع في إرث الراحل الكبير ممدوح عدوان قدوة حسنة و موعظة .

هنا أقدم نموذجاً من قصص ف . أ . بوغومولوف


من حولنا – كلهم بشر


كانت غافية في القطار ، و قد استلقت على المقعد واضعة يدها تحت رأسها . مظهرها فقير ، ترتدي معطفاً يميل للصفرة الباهتة و جوارب سميكة في غير موسمها ؛ على رأسها منديل رمادي محكوك .
فجأة تنتبه : " ألم نصل محطة رامِنْ بعد ؟ " – تجلس و ، وقد رأت المطر خلف النافذة ، مهمومة و مع بعض القلق تعلن :
- ها .. يا له من عدو ! ... يا للخيبة !
- ستنبت بعده الفطور – بماذا أزعجك ؟
تنظر بشرود وحيرة ، و إذ تدرك أن من حولها - أبناء المدينة ، تبدأ الشرح :
- القمح لم يعد بحاجة إليه . غير لازم البتة . – و بعتب رقيق ، و بفرح : - أظن أننا نعيش على الخبز و ليس على الفطور ! ..
صغيرة القامة ، بوجه لوحته الشمس ، كله في التجاعيد . عجوز ، في الثمانينات من العمر ، لكنها لا زالت تتمتع بالحيوية . يداها قويتان ، مليئتان بالعروق ، . في فمها من الأمام يظهر سنان صفراوان ، طويلان و نحيفان .
تعيد ترتيب المنديل و بأريحية ، وهي تبتسم ، تتجاذب الحديث و تتحدث عن نفسها .
أنا بالأصل من ناحية إركوتسك . ابني استشهد ، و ابنتي ماتت و ليس لي أحد من الأهل . سافرت إلى موسكو من اجل " التكاعد " ، وكما تبين ، و بالمناسبة في كلتا الاتجاهين – من دون بطاقة .
لم يكن معها أية حقائب و لا حتى صرّة صغيرة .
- كيف هذا ، من دون بطاقة ؟ و لم يُنزلوك ؟.. – بدهشة تساءلوا مِن حولها – و المفتش ؟ .. ألم يقوموا بالتفتيش ؟
- فتشوا مرتين . و مَن هو المفتش ؟ .. – قالت بصوت خافت . – المفتش هو أيضا من البشر . بل كلهم من حولنا بنو آدميين !.. – أعلنت بثقة و بسعادة ، و من ثم كما لو أنها تعتذر ، أضافت : - أنا لست كذلك .. أنا في شغل يعني ...
في عبارتها تلك " كلهم من حولنا بشر! " أيمان عميق في الإنسان و تفاؤل كبير ، بحيث أن الجميع شعروا بالراحة ، صار الضياء اكثر ...
أن يسافر المرء بدون بطاقة و بدون نقود عبر نصف روسيا ، أكثر من خمسة آلاف كيلو متر ، و بنفس الطريقة تماما يعود – أمر لا يصدقه عقل . لكن صدقوها . لديها وجهٌ نيِّرٌ جداً ، قلبيٌّ ، حكيم ، عيناها و ابتسامتها تضيئان بالأريحية ، و كم هي نقية القلب – كلها وضوح – بحيث لا يمكن عدم تصديقها .
واحد من المسافرين ضيفها كعكة مِن صنعٍ منزلي ، أخذتها ، شكرته باعتزاز ، و راحت بشهية تلوك و تتلقمص ، تتلقمص بهدوء بواسطة السِنّين الأماميين .
في هذا الوقت ، و بعد أن توقف المطر ، بانتِ الشمس خلف النافذة ، التي راحت تشع عمىً في العيون بملايين القطرات على العشب ، على الأوراق و على السطوح .
توقفت عن مضغ الكعكة ، و بفرح و بنظرة مشرقة ، و قد ضيقت عينيها الشاحبتين العاجزتين ، راحت تنظر عبر النافذة كالمسحورة ، و تكرر باندهاش :
- إلهي ، يا للروعة !... فقط انظروا .

*****
2

ألمٌ في القلب


أعيش هذا الشعور خلال سنوات كثيرة ، لكنه أشد ما يكون في 9 أيار و 15 أيلول .
علماً أنه يسيطر بالكامل علي ليس فقط في هذين اليومين .
مساء يوم من الأيام ، بعد انتهاء الحرب ، و في مخزن للمواد الغذائية مليء بالضجيج و مُضَاءٍ بشكل جيد ، التقيت والدة لينكا زايتسيف . وهي واقفة في الدور ، كانت تنظر ساهية صوبي ، و لذلك لم يكن بإمكاني عدم إلقاء التحية عليها . عندئذ دققت هي النظر ، و عندما تعرفت علي ، وبسبب المفاجأة سقطت من يدها الحقيبة و راحت تنتحب .
وقفتُ دون أن أتمكن من الحركة أو أن انبس بكلمة . لم يفهم أحد ماذا يحدث ؛ ظنوا أنه ربما نشلوا النقود منها ، بينما هي ، و كجواب على الأسئلة راحت تصرخ بشكل هستيريائي : " ابتعدوا !!! دعوني بحالي !.. "
أمضيت ذلك المساء مذهولاً . ومع أن لينكا ، كما سمعت ، استشهد في أول معركة ، قبل أن يتمكن من قتل فاشي واحد ، بينما أنا أمضيت حوالي ثلاث سنوات و شاركت في معارك كثيرة ، فقد كنت اشعر كما لو أنني مذنب و دوماً عليَّ واجب تجاه هذه المرأة العجوز ، بل و تجاه جميع مَن استشهد – ممن أعرفهم و لا أعرفهم – تجاه أمهاتهم ، آبائهم ، أطفالهم و أراملهم ..
مع أنني لا أستطيع تفسير ذلك لنفسي ، منذ ذلك التاريخ اجهد كي لا أقع على نظر تلك المرأة ، و حين أشاهدها في الشارع – و هي تعيش قريبة من حيينا – الجأ إلى تغيير وجهتي .
أما 15 أيلول – فهو يوم ميلاد بيتكا يودين ؛ مساء هذا اليوم من كل عام يقوم أهله بدعوة أصدقاء طفولته ، الذين نجوا .
يجتمع أناس ناضجون في الأربعينيات من العمر ، لكنهم لا يشربون الخمرة ، بل الشاي مع الشوكولاته ، مع الكيكس و فطائر بالتفاح – مع ما كان بيتكا يحب بشكل خاص .
كان كل شيء يتم كما قبل الحرب ، حين كان الطفل المليء بالفرح يلهو ، يضحك و يأمر في هذه الغرفة ، و الذي قتل في مكان ما بالقرب من روستوف و دون أن يدفن بسبب الفوضى الناجمة عن تراجع القوات . كان يوضع إلى رأس الطاولة كرسي بيتكا ، فنجانه مع الشاي الفواح و الصحن ، حيث بهدوء تضع أمه الجوز بالسكر ، قطعة كبيرة من الكيكس بجوز الهند و قطعة أخرى من الفطيرة بالتفاح . كما لو أنه بإمكان بيتكا تذوق الفطيرة فيصرخ ، كما في الماضي ، بأعلى صوته : " أوه ، شهية جداً ، يا إخوان ! هجوم !.. "
كنت اشعر بالحرج تجاه والديّ بيتكا العجوزين ، كما لو أن لهما دين عليَّ ؛ كان ينتابني طيلة المساء شعور مبهم من الارتباك و الإحساس بالذنب لأنني رجعت ، بينما بيتكا قُتِل . كنت أشرد فلا أعود اسمع عما يتحدثون ؛ لأرحل بعيداً بعيداً ... و القلب يعصرني حتى الألم : أتخيل كلَّ روسيا ، حيث لم يعد واحد من كل ثاني أو ثالث عائلة ...

1963








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في


.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد




.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي




.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض