الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستنقع الذئاب الجزائري في عمان

أبو الحسن سلام

2012 / 1 / 2
الادب والفن


من عروض ما بعد الكولانية
العرض الجزائري: مستنقع الذئاب

إذا كانت قيمة الإبداع الفني والمسرحي في نشره؛ فإن قيمة نشره مقروءا أو معروضا في الأثر الذي يتركه في وجدان متلقييه ، وفي مدى إثارته لشهوة المناقشة والتعقيب على شكله ومحتواه وعلى ما يطرحه من أفكار وقيم موضوعية إنسانية أو اجتماعية أو ثقافية؛ لذلك تشكل الندوات التي يعقدها المهتمون بالشأن المسرحي والنقدي بإدارة حوارية نقدية تعقيبية فور انتهاء العرض المسرحي . وفي هذا الإطار عقدت ضمن فعاليات مهرجان المسرح الأردني الأخير الذي أقيم في منتصف شهر نوفمبر ولمدة عشرة أيام متتالية الكثير من الندوات النقدية حول العروض المسرحية التي شاركت في فعاليات المهرجان الذي عقد تحت رعاية (الدكتور صلاح جرار وزير الثقافة الأردني – وهو بالمناسبة أستاذ الأدب الأندلسي بالجامعة الأردنية ورئاسة الفنان عبد الكريم الجراح – مدير مديرية الفنون والمسرح ) حيث شاركت دول عربية منها الجزائر والمغرب وتونس ومصر وفلسطين والعراق والكويت والسعودية والإمارات وقطر وسلطنة عمان ؛ فضلا على مشاركات من بولندا وفرنسا ؛ بالإضافة إلى عدد من فرق مسرحية أردنية . كما شارك عدد من النقاد العرب في فعاليات الندوة الفكرية الرئيسية للمهرجان ( د. هناء عبد الفتاح – د.حمدي الجابري – أبو الحسن سلام (من مصر ) د.رياض سكران- د. منذر الخطيب (العراق) د.سامي الجمعان ، فهد الحارثى( السعودية) سميرة الناطور( فلسطين) طالب البلوشى، عزة القصابي ( سلطنة عمان) د. فهد الهاجري ، فيصل القحطاني ( الكويت) د.سعيد الناجي (المغرب) د.حسن رشيد( قطر) ومن الأردن الفنان خالد الطريفى ، د. محمد الرفاعى ، د. عمر نقرش، د.مخلد الزيودي والناقد محمد قباني.
وفي الندوة التعقيبية على عرض ( مستنقع الذئاب) المأخوذ عن نص (فرانك الخامس) لفريدريتش دورينمات ؛ الذي قدمته الفرقة الجزائرية ولاقى نجاحا جماهيريا ؛ كشفت المداخلات عن استملاح نقدي تبدى في تعقيب المخرج الإذاعي والإعلامي العماني طالب البلوشي وما تداخل عليه من مناقشات قطع ووصل من حضور الندوة ؛ بعد أن بيّن البلوشي قيمة العرض على المناط الاجتماعي الجاري في البلدان العربية من بروز دور المؤسسات المالية البنكية بما لا يضيف للاقتصاد الوطني بل يستلب منه ما يقلل من رصيده الاقتصادي الوطني ما يستلزم من ضرورات الاستثمار الذي يعود على البلاد بالخير وتحقيق الاكتفاء والعدالة الاجتماعية.. فضلا على إشادته بالعرض من حيث الأداء والإخراج الذي قام به شاب جزائري في مقتبل العمر.
وكان من جملة رأيي المتداخل مع التعقيب أن هذا العرض يعد من عروض مسرح ما بعد الكولونيالية ، حيث يعمل المسرح على تجسيد ظاهرة التفاعل الصراعى المحتدم في المجتمعات التي تحررت من ربق الاستعمار الأجنبي ، عندما يصطرع السياسيون رفقاء السلاح في فترة مقاومة المستعمر الأجنبي وينشغل كل طرف من الأطراف بصالح حزبه السياسي أو تياره أو جماعته أو منفعته الخاصة؛ متناسيا القضايا الوطنية الكبرى بما يوقف مسيرة التحول على طريق تطور الاقتصاد الوطني باستكمال الرأسمالية الوطنية لمهامها.
وقد تأسست وجهة نظري في توصيف خطاب العرض الجزائري المأخوذ عن نص ( فرانك الخامس) لفريدريتش دورينمات – الذي أطلق على نفسه " مهندس الكوميديا " تبعا لما رأيته من قدرة الفرقة الجزائرية بقيادة مخرجها الشاب على تطبيع نص دورينمات مع الواقع الاقتصادي المعيش في الجزائر في عشرين السنة الماضية ؛ حيث سيطرة البنوك أو المؤسسات المالية الخاصة على كل النشاطات الاقتصادية والاستثمارية في الجزائر ، وهو الوضع نفسه في البلدان العربية والإفريقية فيما بعد سنوات الخلاص من الاستعمار؛ لذلك يتأرجح عرض ( مستنقع الذئاب) متناغما بين حقيقتين إحداهما واقعية أو تاريخية ، والثانية حقيقة فنية درامية .
* الحقيقة الواقعية أو التاريخية: فتتمثل في الحدث الدرامي للعرض ؛ حيث يعيد إنتاج حكاية بنك جزائري يعرف ببنك ( الخليفة) الجزائري – وهو بنك حقيقي – سيطر على كل أحوال الاستثمارات المالية والأحوال الاقتصادية في الجزائر ، وقد نشط في نهب أموال الجزائريين وودائع المودعين ، وتهريبها إلى خارج دولة الجزائر ؛ دون أن تتمكن الدولة الجزائرية من إعادة الأموال من بريطانيا.
* الحقيقة الفنية أو الدرامية: وتتمثل الحقيقة الدرامية الفنية للعرض في قدرة خطابه على تمثل روح النص الأصلي ( فرانك الخامس ) لدورينمات وهو رئيس المؤسسة البنكية الخاصة التي صورها الحدث الدرامي في هيئة لص ومهرب كبير لأموال المودعين ؛ بمساعدة كبار موظفيه ؛ وهو ما يتعادل في العرض الجزائري ( مستنقع الذئاب ) مع رئيس المؤسسة البنكية أيضا بمساعدة معاونيه من اللصوص والمهربين ؛ حيث يتناص خطاب ذلك العرض مع خطاب نص دورينمات من حيث واقعية الحدث الدرامي مع حدث واقعي حقيقي معيش في الجزائر ( مؤسسة فرانك الخامس البنكية – مسرحيا - في مقابل مؤسسة بنك الخليفة الجزائري – واقعيا - * ليس هذا فحسب ؛ بل في كل الدول التي سيطرت فيها مؤسسات بنكية خاصة تقوم بتهريب أموال المودعين إلى خارج أرض تلك الدول. وعلى المسار الجمالي يتناص إيقاع العرض الجزائري مع إيقاع نص دورينمات ، ومع إيقاع واقع نشاطات بنك الخليفة الجزائرية وما يتناظر معه من نشاطات المافيا البنكية في دول تخلصت من سيطرة الكولونيالية وفشلت في استكمال مرحلة الرأسمالية الوطنية.
ومن الغريب أن عرض ( مستنقع الذئاب) هذا لم ينفرنا من أولئك اللصوص ؛ بل جعلنا نحب هؤلاء النصوص ولا نكرههم ربما لخفة دم الممثلين وكاريكاتيرية الأداء في تعبيراتهم الدرامية الصوتية والحركية في آن ، وفي قدرة المخرج على تخليق حالة التدفق الإيقاعي؛ فضلا على كونه من حيث صورة الشخصيات كلها بدون استثناء نموذجا من نماذج منهج التحطيم الذي تميز به أسلوب مسرح القسوة ؛ حيث نرى الشخصيات يحطم بعضها بعضا ؛ بالتصفيات الجسدية ونفي الآخر ؛ بغية الاستيلاء منفردا على أموال المودعين
لقد كان هذا العرض إذا نموذجا من نماذج مسرح ما بعد الكولونيالية من حيث خطابه الدرامي ؛ كما تمثل – جزئيا - أسلوب التحطيم الذي تأسس عليه مسرح القسوة من حيث الشكل الدرامي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان