الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البابا نويل المغربي مرآة للوضعية الاقتصادية الحقيقية ببلادنا

زكرياء الفاضل

2012 / 1 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


كتبت بعض الصحف الإلكترونية المغربية عن ليلة رأس السنة بالمغرب، وأسردت واصفة كثيرا من الظواهر المرافقة لمثل هذه المناسبة ببلادنا، منها الجميل والقبيح والحزين. وقد أثار انتباهي وضعية البابا نويل المغربي وما آلت إليه أحواله، حيث قالت هذه المصادر بأنه قضى ليلته، على عكس زملائه بباقي دول العالم التي تحتفل بهذه المناسبة، يشحذ الصدقات من المحسنين عوض أن يقدم الهدايا للأطفال. هنا تذكرت طفولتي وكيف كان والدي يأخذني بالسيارة إلى شارع محمد الخامس بالعاصمة الرباط ليلتقط لي صورة تذكارية مع هذه الشخصية الأسطورية المستوردة من بلاد الضفة الشمالية للمتوسط. وكانت العملية لا تكلف والدي غير ثمن الصورة، أما الشخص المتقمص لشخصية البابا نويل فلم يكن يأخذ مليما واحدا، إذ كان هذا عمله الموسمي مع المصورين المحترفين، الذين ينتهزون المناسبة لجلب دخل إضافي.
فكيف سارت هذه الشخصية الأسطورية ببلاد المغرب تشحذ، وهي المعروفة في الاساطير الأوروبية بقوتها السحرية وطيبوبتها وسخائها مع الأطفال؟ صحيح كما نقول نحن المغاربة: ما دمت في المغرب فلا تستغرب.
بالطبع الحديث هنا ليس عن الأسطورة بل عن وضعية المواطن الأقتصادية المزرية، الذي يضطر لتقمص أية شخصية واستغلال كل مناسبة للحصول على لقمة العيش دون اللجوء إلى عالم الجريمة. فما طرأ من تغيير سلبي على الوضعية الاقتصادية ل"البابا نويل" المغربي يعكس الحالة المادية المهينة التي يعيشها غالبية الشعب المغربي ببلادنا. فمنذ سنة 1975، حيث كان المغاربة يعرفون وضعية اقتصادية أفضل نسبيا، والمغرب يتدحرج نحو هاوية الفقر والبؤس ليصل إلى ما وصل إليه اليوم من أزمة خانقة لا يمكن للترميمات الاقتصادية المخزنية أن تحلّها، ولترقيع النظام السياسي أن يخرجنا منها. ورغم تغني النظام المخزني بتقدم المغرب اقتصاديا، إلا أن الواقع المعاش لجماهير شعبنا يبيّن حقيقة مخالفة ألوانها قاتمة.
إن الأسعار في ارتفاع مستمر لم يعد المواطن، ذو الدخل المحدود، قادرا على تحمّلها، الشيء الذي جعل رقعة الطبقة المسحوقة التي تعيش تحت خط الفقر تتسع بشكل ملحوظ، رغم تغطية النظام لمدن القصدير بأسوار عالية واعتقال المتسولين والشحاذين بمناسبة أو من دونها. ولا أدري على من يحاول الضحك النظام الطبقي المغربي عندما يتحدث عن التقدم الملموس للاقتصاد، ونحن نرى أن البطالة في تزايد واضح للعين المجردة وباعتراف المسؤولين نفسهم؟ كما يتابع كل العالم التظاهرات التي تنظمها حركة 20 فبراير، وآخرها كانت يوم فاتح يناير/كانون الثاني 2012. فهل كان لأي كان تعبئة الجماهير للخروج في احتجاجات لو لا أنّ الشفرة وصلت العظمة؟ الكل يعلم أن الشعوب لا تخرج حين تكون تجد ما تقتات به، ولا تعرض نفسها للبطش والقمع عندما يكون لها ما تسدّ به رمقها. لذلك فخروج الشعب المغربي إنما هو لما أنزل به من ظلم اجتماعي من دون حق، ونتيجة لما ألقي على عاتقه مما لا يستطيع تحمّله.
فالمغرب بات علامة تجارية للفقر في العالم العربي مع أعراض اجتماعية واضحة متمثلة في ازدهار السياحة الجنسية وانتشار الجريمة وتفشي الفساد داخل المؤسسات واستحواذ التطرف الديني على فكر الكثير من الشباب وتغلغل موجة الاحتجاجات داخل القرى والبلدات في الوقت الذي كانت فيما مضى تقتصر على العاصمة وبعض المدن الكبرى كالدار البيضاء.
إن اللوحة التشكيلية الروسية "بورلاكي نا فولغي" (ساحبوا المركبة على نهر الفلغا) لم تعد ثقافة روسية أجنبية بالنسبة لنا كمجتمع مغربي، بل واقعنا المعاش ويحق لنا أن نغيّر اسمها ب"ساحبي المركبة على نهر أبي رقراق". وكذلك الأمر لقصة "آنا كرنينا" و"الإخوة كرمازوف" دون الحديث عن "الجريمة والعقاب" وغيرها، مما يبين أن مغرب القرن الحادي والعشرين يعيش في ظروف روسيا القيصرية مع أواخر القرن التاسع عشر بداية القرن العشرين. فأين هو مغرب "العهد الجديد" إذا؟
عندما كتب الكاتب الكبير الراحل نجيب محفوظ "زقاق المدق" و"الشحاذ" و"بين القصرين" فإنه كان يصف مدينته ومجتمعه، ولم يخطر بباله أنه يكتب عن واقع المغرب، وأنه بوصفه للقاهرة وأحيائها وناسها الطيب منهم والخبيث، إنما كان يصف المدن المغربية وأحيائها وناسها. والفرق بين البلدين والمجتمعين أن نجيب محفوظ كان يصف واقعا في عهد الالانجليز والخواجة، بينما نحن أصبحنا نعيشه اليوم في مغرب "العهد الجديد".
فهل المغرب في تقدم، كما يدعي النظام المخزني؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بابا عيشور وبابا نويل
عبد الله اغونان ( 2012 / 1 / 3 - 03:00 )
بابا نويل بدعة استعمارية لايعرفها المغاربة الا من يقطنون او يجولون في الاحياء التي كانت تسمى اروبية.بابا نويل بدعة حتى في المسيحية نفسها.لنقل انه مجرد عادة مرتبطة بالكذب على الاطفال.بان باباهم نويل ينزل وياتيهم بالهدايا
في حين لابابا نويل ولاهم يحزنون.ان الاباء هم من يتكلفون لشراء الهدايا لاطفالهم.يعرفون ذلك جيدا
نحن في المغرب حسب العادات لدينا بابا عيشور.في عاشوراء.يخرخ الاطفال
ويطلبون النقود والحلويات واللعب من الكبار
فلوس بابا عيشور.فتعطى لهم ولايعد هذا تسولا.اذكان يتم في القرى والاحياء والقرى التي يعرفون فيها بعضهم.ولها اصل في الاسلام.اذ اوصى حديث بالتوسعة غلى الاهل في هذه المناسبة
بابا نويل مرتبط بالمسيحية.وبابا عيشور مرتبطة باعراف وتقاليد اسلامية
والعرف لدى الاصوليين -اي علماء الاصول-من مصادر التشريع
بابا نويل ابن بيئته.
وبابا عيشور منا وابن بيئتنا


2 - ويخلق الله في عباده ما يشاء
زكرياء الفاضل ( 2012 / 1 / 4 - 15:08 )
من المغاربة، أبناء بلدي ووطني، من يهتم بالقشور ويترك اللب. ولا أدري أ هو الغباء أم الاستغباء؟

اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE