الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور الدراما التلفزيونية في الحد من الخيال

بلال يوسف الملاح

2012 / 1 / 2
الصحافة والاعلام


أن الدراما تحمل صفة الفعل، لأنها من نواتج الفعل البشري، ولا يمكن لنا أن نقول الدراما هي حدث، لأن الحدث يمكن أن يكون من غير صنع الإنسان، أما الفعل فهو من صنع الأنسان، وأقرب تعريف للدراما، هي الفعل المُمَثل، أو القصة المُمَثلة، والدراما هي صنيعة الإنسان، وصناعة الإنسان تكون أفعال لا أحداث.
أن الدراما في هذه الأيام تلعب دوراً كبيراً، لكونها أولاً تحمل في طياتها القصة، والصورة معاً، وهذه الثنيئيات لا يمكن مقاومتها من قبل الإنسان، الدراما مع تطور وسائل الاتصال الجماهيري، أصبحت تلعب دوراً كبيراً في التأثير على الناس، من حيث الأفكار والمعتقدات، وتغيير التوجهات، وتغيير التصورات، وتشكيل ورسم الصورة حول فئات المجتمع بشكل عام، أن للدراما دوراً كبيراً في التعليم والتربية، دوراً في محاربة الفساد، وبناء القيم، وحشد التأييد.
فالدراما كان لها دوراً كبيراً في تعميم صورة المحامي الفهلوي، الذي يقلب الحق باطل، فالمحامي ظهر في كل الأفلام المصرية على أنه مرتشي، متآمر من أجل مصالحة الشخصية، وهذا على سبيل المثال، بالتالي فأن هذه الصورة تعمم لتصبح صورة المحامين بشكل عام، صورة سلبية، صورة كل صفاتها سلبية ألا ما ندر، ونلاحظ أن صورة الصحفي في الدراما المصرية على سبيل المثال للحصر، تظهر ذلك الشخص الذي يبحث عن الحقيقة، ويحاول قدر الإمكان أن يتوصل إلى الحقائق، وهي صورة إيجابية، وبالتالي هذه الصورة تنسحب على صورة الصحافي في كل مكان، وترسم الصورة من خلال الدراما للصحافي وللمحامي، ولرجال الأمن، وللأطباء، وللمهندسين...الخ.
تقوم الدراما بأكثر من دور في المجتمع، ولأنها كذلك، يجب أن يكون لها علم خاص بها يسمى علم الدراما، لكون الدراما من الفنون التي عمرها من عمر الإنسان، ولأن فيها الكثير من الجزيئيات التي تحتاج إلى دراسة، وهذه الدراسات من الممكن أن تكون لها أهمية في تنبيه كُتاب الدراما، وصناعها في توجيههم نحو بناء القيم والمفاهيم الجيدة في المجتمع، وتغيير توجهات المجتمع نحو الأفضل.
ولكننا أمام تساؤل كبير، يحتاج إلى الكثير من الجهد من أجل إثباته، ولكنني من منطلق التجربة الشخصية، ويمكنني اعتبار نفسي عينه بحث، وذلك للإجابة عن سؤال المقال، هل يوجد دور للدراما في الحد من الخيال؟.
كما أن للدراما دور في كل شيء تقريباً، فأنه يوجد لديها دور كبير في الحد من خيال الشخص، ومن تخيله، وخاصة عندما تعقد مقارنة بين الروايات التي قرأتها، قبل أن تُمثل، تلك القصص والحكايات والروايات، التي أنهت خيال القارئ أو المستمع بمجرد أن مُثلت، أن الرواية أو القصة لها ثلاث أجزاء مهمة، هي المكان والزمان والشخصيات. ناهيك عن الحبكة والعقدة وغيرها، ولكننا لن نتحدث ألا عن المكان والزمان والشخصيات للدليل على دورها في الحد من الخيال.
الدراما والتخيل:
مازلت أقرء كثيراً، ومازلت أحب القراءة، ومازلت أفضلها على كل شيء، ولكن مع التطور التكنولوجي الحديث، صارت معظم الروايات والقصص والحكايات تُمثل، وخاصة في التلفزيون، والسينما.
كنت أتصور المكان الذي تدور فيه أحداث رواية علاء الأسواني، عمارة يعقوبيان، وكنت أتخيل الشخصيات، وأتخيل الزمان أيضاً، ولكن عندما مُثلت الرواية، شاهدتها كفيلم صور، فنحصر خيالي بتلك العمارة السكنية التي كان يسكنها الأبطال، وتدور أحداث الرواية فيها، وانحصرت الشخصيات بالفنان المصري عادل الأمام، ويسرا، ونور الشريف، وسمية الخشاب، وخالد الصاوي، وغيرهم، فكان الصراع بين الشخصيات التي رسمتها لهم خلال القراءة، والشخصيات التي مثلت هذه الأدوار بعد إنتاجها كفيلم سينمائي، فوجدت أن الاختلاف بين الرواية والفيلم كبير، وأن الشخصيات الروائية التي رَسمتُها من صنع خيالي كانت أفضل، من عبقرية عادل الأمام، ويسرا، ونور الشريف، وأن المكان الذي تخيلته أثناء القراءة كان أفضل بكثير من تلك العمارة السكنية، ومن ذلك البار، ومن تلك الشوارع التي صُورت في الفيلم السينمائي.
عندما كنا صغار كان جدي يحكي لنا قصة الزير سالم، كان قصة جميلة، وتحكي القصة علاقة الزير مع أخوه كليب، والصراع الذي دار بين قبيلة تغلب وبكر، كل هذه الأحداث الطويلة التي كانت تستمر روايتها أكثر من ثلاث أيام، كان جدي يرويها ويروي معها الشعر، والحوار، وكنا نرسم شكل الشخصيات، وشكل المكان الذي تدور فيه القصة، وشكل الزمن، لقد كان الزير سالم في مخيلتي، يختلف كثيراً عن الممثل السوري سلوم حداد، كنت قد رسمت له شخصية مختلفة، رجل كبير الحجم، قوي، قادر على قتل الأربعين رجل بضربة واحدة، الخيال الذي مزقته صورة المكان الذي مُثل في أحدى مناطق سوريا، رسمت للمكان شيء آخر غير الذي شاهدته.
كما أن رواية باب الشمس للكاتب إلياس خوري، ورواية ذاكرة جسد لأحلام مستغانمي، هذه بعض الشواهد التي جربتها على نفسي بمحض الصدفة، وأنا أعتقد أن هناك الكثيرون الذين يشاطرونني التفكير بهذه الطريقة، أن الدراما التلفزيونية قد تحد من خيال المشاهد، لأن تصوره ينحصر في الشخصيات التي تُقَولب جاهزة، من قبل المخرج، وأن المكان يُقولب له جاهز، وقد لا تشعر بالاختلاف ألا عندما تقرأ رواية أو تسمع قصة، وتشاهدها بعد ذلك على التلفزيون، فتشعر بالفرق بين الذي كنت تتخيله، وبين الذي تشاهده، فتشعر بالحصرة، أهذا "الزير سالم" بطل الرواية؟، أهذا المكان الذي تخيله؟، أهذه الجليلة؟، ليتني لم أشاهد هذه القصة التلفزيونية.
أن انحصار الخيال، لم يكن مقصود، أن تطور صناعة الدراما، جاء طبيعياً، مع تطور التكنولوجيا، ولكننا عندما ننظر إلى الإيجابيات والسلبيات، بين المشاهدة والقراءة، تجد أن القراءة أفضل ألف مرة، وفي نفس الوقت تعطي الإحساس الذي يفوق الإحساس بالمشاهدة، في القراءة تقمص الشخصيات يكون أجمل، عندما تنهمك في تفاصيلها ستجد أنك تعيش في عالم أخر غير الذي تعيشه، أنه عالم يصنعه خيالك والرَاوي، ولكن تأثير الرَاوي يكون قليل، أما الدراما التلفزيونية فأن الخيال يكون قليل، لأن الصور قد صنعت من قبل المخرج، وقولبت مسبقاً، لدرجة أنك لا تستطيع أن تتخيل، "أن التفكير مستحيل بدون صورة"، كما يقول أرسطو، ولكن أن الخيال ينحصر بالصورة، فتصبح الصورة هي حدود للخيال الذي تعتقد أنه الحقيقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إسألني أنا عن الخيال أستاذي الكريم...
مراد ابراد ( 2012 / 1 / 15 - 18:49 )
لا اصدق انني اخيرا وجدت من يستطيع ان يفهمني ان حدثته عن الخيال وما يمكن ان يفعله الخيال بصاحبه..
حقيقة استادي الكريم ان كان من احد يمكن ان يلعن الخيال مالانهاية من اللعنات والى يوم يبعثون فهو انا !!!
عذاباتي مع الخيال ابتدات في سن الثامنة عشر 18سنة بعدما حصلت على شهادة البكالوريا وحين انتقلت من مدينتي الصغيرة الى مدينة كبيرة في بلدي المغرب ...
ولدت وكبرت في مدينة صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها 15الف نسمة حيث الكل يعرف الكل .وحيث طريقة الحياة البسيطة.وبحكم انني انحدر من اسرة متوسطة الحال لم اتمكن من مغادرة مدينتي الا في سن 18 سنة وقبل ذلك فلم اسافر قط.وبحكم ان مدينتي لا تتوفر على الجامعة فقد كان علي ان اسافر مسافة 350كلم حيث اقرب مدينة تتوفر على الجامعة...
قبل ذلك اليوم الموعود -يوم السفر- كانت تكبر معي خيالات وتصورات رعيتها عن العالم خارج مدينتي - هذا رغم اننا كنا نتوفر على جهاز تلفاز- ..
ما ان وصلت المدينة المقصودة وبدأت اتجول في تلك المدينة- حيث العالم يختلف عن عالمي في مدينتي -حتى اصبت بذهول ..ولكن الذهول الكبير كان حينما ذهبت الى


2 - يتبع
مراد ابراد ( 2012 / 1 / 15 - 19:16 )
حينما ذهبت الى الجامعة قصد التسجيل !!! مهما فعلت لا يمكن ان اوصف لك شعوري حينئد، خيبة امل كبيرة لا تعادلها خيبة ،اهده هي الجامعة !!! لا لا لا يمكن ان اصدق ! اين الاحساس الدي كنت احسه حينما كنت اتخيلها واتخيل جوها والدراسة فيها !!! اهذه هي الجامعة التي درس فيها اخوتي الاكبر مني اهذه هي الجامعة التي كان ابناء دربنا واقاربنا يقصون علينا قصصهم ونضالاتهم فيها !!
اهذه هي المدينة والعالم في المدينة ! اتلك هي الطريق - والتي تمتد 350 كلم بين بلدتي وهذه المدينة الكبيرة- التي كنت اتخيلها!!!
صدقني استاذي الكريم ان قلت لك صدمة وخيبة امل كبيرة كان علي ان اتكيف مع هذا الواقع واحتوي الصدمة..ولكن مازاد في خيبتي انني لم اسمع من احد من زملائي في الدراسة من ابناء مدينتي اي تعليق حول الجامعة او اي استغراب وكأنهم سبق لهم ان درسوا فيها او حتى رأوها ! من وقع الصدمة اخذت اسأل بعضا من زملائي وزميلاتي من ابناء مدينتي عن شعورهم ولكن هيهات ان يشاركك الشعور ! فهذا ثقيل الدم - حسب رايي طبعا- يرد علي : عادي جدا وكيف تريد الجامعة ان تكون ! وهذا عديم الاحساس يصرح : ا


3 - يتبع
مراد ابراد ( 2012 / 1 / 15 - 19:34 )
وهذا عديم الاحساس يصرح : انا لم اكن اتخيلها ابدا ولم افكر في شكلها او هندستها او جوها ولم اكن اهتم بذلك !! ثم ( استجدي) زميلة لنا متمنيا من اعماقي ان تفهمني وتتضامن معي في شعوري فسالتها عن شعورها فردت : تفاجأت قليلا فنا لم اكن اتخيلها كما وجدتها ! ولكن رد الزميلة لم يكن بتلك الحدة التي ابحث عنها..
وهكذا استاد بلال خيبة تتبعها خيبة فكان علي ان اتكيف مع الواقع رغما انفي وكان علي ان اقبله على مضض فاستسلمت للامر ولكن دون اي شعور بالمتعة فكان الاخفاق في الدراسة وكان ان لم احصل على الاجازة الا بعد سبع سنين من الدراسة الجامعية
الخيال لعب بي لعبته الدنيئة فحتى يومنا هذا ورغم انني اقترب من سن الاربعين فمازلت اقع ضحية الخيال .لم اجد شيئا احسن مما تخيلته بل على العكس تماما..
كلما تحدثت عنه استاذ بلال في مقالتك حصل معي. الافلام . الاماكن.الشخصيات...
بل اكثر من ذلك..
اتمنى استاذ بلال ان تتواصل مع ي من خلال مقالتك
شكرا جزيلا لك وتقبل تحياتي

اخر الافلام

.. مسلسل-دكتور هو- يعود بعد ستين عاما في نسخة جديدة مع بطل روان


.. عالم مغربي يكشف الأسباب وراء حرمانه من تتويج مستحق بجائزة نو




.. مقابل وقف اجتياح رفح.. واشنطن تعرض تحديد -موقع قادة حماس-


.. الخروج من شمال غزة.. فلسطينيون يتحدثون عن -رحلة الرعب-




.. فرنسا.. سياسيون وناشطون بمسيرة ليلية تندد باستمرار الحرب على