الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرية الانعكاس في اساس نظرية المعرفة الماركسية

مهدي علوش

2012 / 1 / 2
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


اذْ نبدأ بعبارة لينين : " مفهوم المادة - من الناحية المعرفية - هي الواقع الموضوعي الموجود بصورة مستقلة عن وعي الانسان ، وينعكس فيه ." ، لابد ان نجيب عن سؤالين : الاول عن خواص هذا الواقع الموضوعي ؟ والثاني عن معنى انعكاسه في الوعي ؟ ، مما يعني حاجتنا للتعرض لبعض الملامح الاساسية لنظرية الانعكاس التي تقع في اساس نظرية المعرفة المادية الديالكتيكية .
قبل كل شئ ، المادة هي ما يوجد موضوعياً ( مستقلاً عن وعينا ) ، وشكلا وجوده الاساسيان هما الامتداد في المكان والحركة . فالجسم المادي اذْ يتحرك في المكان والزمان ، ويتفاعل مع الاجسام الاخرى ، الا انه ينطوي ، بحد ذاته ، على نشاط وصيرورة بسبب تناقضاته الداخلية ، ينطوي على حركة ذاتية .
ان تغير الحركة من شكل لآخر هو امر غير ممكن في الجسم المادي المعزول كلياً ، بل هو دائماً نتاج تفاعل بين جسمين على الاقل ، يفقد احدهما مقداراً معيناً من حركة ذات شكل محدد ( حرارة مثلاً ) ، بينما يكتسب الثاني نفس المقدار من شكل آخر من الحركة ( ميكانيكية ، كهربائية ..الخ ) . الا ان تغير حركة الجسم وفق هذا المبدأ ( اي بناءاً على تأثير العوامل الخارجية فقط ) لا يمكنه ان يؤدي الاّ الى تغيرات كمية في بعض خواصه . لأن القانون الاساسي لتطور المادة ، بمفهومها العام ، هو قانون تطورها وفق تناقضاتها الذاتية ( مما يعني صلاحيته ايضاً بالنسبة لكافة الظواهر الخاصة للمادة ) . وبالرغم من ذلك فانه لا يؤدي الى نكران دور التأثيرات الخارجية على تطور الظاهرة المادية الخاصة . بل يؤدي الى ( رفع ) هذه التأثيرات ، لتلعب دور تحديد شكل عملية التطور بتأثير المفاعيل الذاتية . فالبذرة تحمل مبدأ تطورها في داخلها ، لكنها تمد جذوراً في التربة ( في وسط معين ) ، بينما تطلق اغصاناً واوراقاً فوق التربة ( في وسط آخر ) . هذه الرؤية يمكنها ان تلعب دوراً منهجياً ليس في تفسير ظواهر الطبيعة فقط ، بل و فهم الظواهر الاجتماعية التاريخية ايضا .
التطور اذاً تقف وراءه الحركة وسط عالم واحد من الاشياء المترابطة والمتفاعلة ، لكنه لايحصل بشكل انسيابي تماماً عبر تراكم كمي خالص ، بل عبر سلسلة من عمليات النفي المتتالية ، عبر سلسلة من القفزات النوعية المترابطة ، تقوم كل حلقة فيها بدور التمهيد ( عبر التراكم ) للحلقة اللاحقة .
من هذا فأن ظهور الوعي في لحظة تأريخية لاحقة على وجود الطبيعة ( المادة ) وتطورها وصولاً الى خلقه ، ظهور الوعي كخاصية جديدة للمادة المتطورة ( العقل البشري ) ، لايمكن فهمه على انه محض صدفة ، او معجزة من اللاشئ .
اذاً لابد من وجود خاصية معينة ، تلازم المادة في كل مراحل تطورها ، تدخل ضمن محتوى مفهومها ، هي من نفس جنس الاحساس ، لكنها تخلف عنه نوعاً . انها خاصية الانعكاس التي تطورت بسبب حركة المادة وتفاعلاتها ، عبر قفزات متتالية من اشكالها غير الواعية الى شكلها الواعي ، وذلك ارتباطاً بتطور حركة المادة نفسها ( اي تطورها من حركة ميكانيكية الى كيميائية الى بيولوجية الى نفسية ( تفكير )) .
وبقدر ما يحتوي شكل الحركة الاعلى ( الفكر ) على كافة اشكال الحركة الادنى مُضمرة ( مرفوعة ) ، فأن الانعكاس الواعي يحتوي ضمناً على اشكال الانعكاس غير الواعي المنفية اثناء عملية التطور التاريخي . لهذه الفكرة اهمية منهجية بالنسبة لعلم النفس في تحليله لظواهر اللاوعي .
ومنعاً للالتباس ، ربما بسبب طبيعة الكلمة المستخدمة ، لابد ان نقول هنا بان الانعكاس لا يشبه ، بأي حال ، انعكاس الاشياء في المرآة ، ولا هو توليد صورة طبق الاصل للمعكوس . وانما هو علاقة حية ، تتطور على الدوام بين العاكس والمعكوس ، اذْ يطور العاكس ، تحت تأثير المعكوس ، حالة داخلية فيها مشتركات مع خواص المعكوس . هي حالة تشابه فيما بينها مع الاختلاف ، واختلاف مع التشابه .
هذه العلاقة ، طبعاً ، لاتخص مستوىً معيناً من مستويات تطور الطبيعة ( على تنوعها الهائل ) . فهي الحالة العامة للعلاقة بين الذات ( اي ذات من ذوات الطبيعة ) وموضوعها ( اي موضوع كان ) . الذات تخضع للقانون الاساسي للتطور الذاتي للطبيعة . واذْ تدخل في تفاعل مع الموضوع ، فان هذا التفاعل ( الخارجي ) يمكن ان يكون فقط شكل ظهور الداخلي .
اما فيما يتعلق بالعلاقة بين النظرية والممارسة العملية ، فعلى سؤال : ما هو الفعل التاريخي الاول ، الذي يمكن ان يقوم به البشر ، بما يميّزهم عن الحيوانات ؟
اجاب ماركس : " ليس التفكير، وانما الشروع بانتاج مقومات وجودهم . "
والمغزى هو ان البشر، في البداية ، يدخلون في علاقة مع اشياء العالم بدون تصور نظري مسبق . تماماً مثل الحيوانات يشرعون ، كمجموعات ، في البحث عن مصادر غذائهم ، يقومون بأفعال مختلفة ، بصيص نورهم الوحيد ملكة الانعكاس غير الواعي ، كائنات غير مفكرة ، لكنهم عبر العمل وبسببه يتقنون المهارات ، ويراكمون العادات ، مما يهئ لحصول القفزة نحو الانعكاس الواعي - أي الملكة التي ستأهلهم لصنع النظرية .
نظرية الانعكاس ، التي تعرّضتُ بايجاز شديد لبعض ملامحها الاساسية ، والتي تقع في اساس نظرية المعرفة الماركسية ، لها اهمية منهجية كبيرة ، ليس بالنسبة للعلوم الطبيعية فقط ، وانما بالنسبة للعلوم الانسانية ايضاً . جلّها مؤسس على افكار وآراء آباء المادية الديالكتيكة ، طورها واغناها لينين فيما بعد في مؤلفاته الفلسفية : " المادية والمذهب النقدي التجريبي" " الدفاتر الفلسفية " " حول الديالكتيك " .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يختلف منهج لينين عن منهج ماركس
انور نجم الدين ( 2012 / 1 / 3 - 11:31 )
يختلف منهج لينين عن منهج ماركس كليا، فمنهج لينين هو منهج المادية الميكانيكية القديمة، لا المادية الحديثة، أي المادية التاريخية، فالمعرفة البشرية معرفة تاريخية في الأساس، والمادية الحديثة لا تعني سوى التحقق عن أصل المعرفة البشرية من خلال التاريخ، فدون النظر إلى المعارف البشرية من وجهة نظر التاريخ، لا يمكننا إطلاقًا فهم عوامل تطور معارفنا عن العالم.

ان أساس نظرة الماديين إلى العالم ليست المادة، أو كما يقول ماركس:
(إنَّ القديس برونو يأخذ بصورة خاطئة، الصِّيغ الفلسفية للماديين بشأن المادة، على أنَّها اللب والمضمون الفعليان لنظرتهم عن العالم - الأيديولوجية الألمانية).
تحياتي


2 - الاخ الاستاذ انور نجم الدين
مهدي علوش ( 2012 / 1 / 3 - 13:46 )
المعرفة كعلاقة انعكاس هي عملية تاريخية ، لأنها حالة خصوصية يعاني منها العاكس ( الانسان ) لاتختفي نهائياً بمجرد اختفاء المعكوس ( الظاهرة الطبيعية ) ، حتى ولو بدأ يعكس شيئاً آخر . اي ان الانعكاس السابق يبقى مرفوعاً كأمكانية ، ينتظر تكرار العلاقة من اجل الاغتناء عبر المراكمة . لذا كانت المعرفة ظاهرة تاريخية .
شكراً على مرورك وتقبل تحياتي

اخر الافلام

.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة أحمد الديين خلال الوقفة التضا


.. عنف الشرطة الأميركية ضد المتظاهرين المتضامنين مع #غزة




.. ما الذي تحقق لحركة حماس والفصائل الفلسطينية من القبول على مق


.. VODCAST الميادين | علي حجازي - الأمين العام لحزب البعث العرب




.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا