الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسحيل الممكن والممكن المستحيل في الأدب

ضرار خويرة

2012 / 1 / 2
الادب والفن


في هذا المقال نتطرق إلى الكتابة بوجه عام والأدب بوجه خاص ، وما الهدف الذي تمت المحاولة عبر كتابات كثيرة ترسيخه للكتابة ، ونلاحظ ان كثيرا من الأهداف التي أريد لها أن تترسخ متعلقة بالمجتمع والسياسة والدين ، أو الإنسانيات بشكل عام ، وهنا لن أخرج عن هذه المحاولات كثيرا ، فالكتابة فعل إنساني ومتعلق به ، وباهداف الإنسان منذ تاريخ لجوئه إليها .
أولا نتناول الكاتب بوصفه إنسان لديه هدفه الخاص به من كل عمل يقوم به بما فيها الكتابة ، فالكاتب سواء كان شاعرا أو قاصا أو روائيا او كاتب مقالات ، يعيش في عالمه الحقيقي بالنسبة له ، لكنه افتراضي بالنسبة للقارئ ، افتراضي بافتراضية الرؤية والفكرة الافتراضية عند الكاتب ، والقارئ لديه عالمه الافتراضي الخاص به كذلك ، ولا يعدو العالم الحقيقي العام إلا ما اتفقت به جميع العوالم الافتراضية لمجموعة من الناس ، يقوم الكاتب بتوظيف عالمه الافتراضي ( الخيال) مستعينا بالعالم المشترك بينه وبين القارئ ، كي يفاوض القارئ على شكل جديد للعالم الحقيقي الذي يطمح إليه ، والذي يقترب من عالمه الخاص به ، وهنا يفترض به أن يقترب أكثر من العالم المشترك والذي نطلق عليه الواقع ، ويكون واعيا تمام الوعي به ، وبحاجة القارئ بوصفه إنسانا آخر .
ثانيا الكتابة بوجه عام بوصفها وسيلة الإنسان الكاتب في تحقيق أهدافه ، عندما يمارس الكاتب الكتابة يلجأ للخيال كي يستمد رؤيته وفكرته ، وهذا الخيال بعيد كل البعد عن متناول القارئ ، لذا يجد نفسه مضطرا لاستخدام وسائل الواقع المعاش ، والتي هي قريبة من الإدراك الحسي للقارئ ، ويعمل على ايجاد المشترك بين الصورة الحقيقية التي يراها هو وحده والصورة الحقيقية التي تراها مجموعة الناس المشتركة معه في الواقع المركب من العوالم الافتراضية ، وكثيرا ما لا يختلف الكاتب في تحديد عالمه الخاص به مع مجموعة من الناس ، وهنا يتوقف عن الكتابة ويستكين للعيش المشترك ويصبح قارئا لا أكثر ، في حين نجد آخر لا يرغب بالمفاوضات السلمية ، فنجده يرمي عالمه كما هو للآخرين ويطلب منهم الاستكانة له ، ينجح أو يفشل تلك هي مسالة فردية بحتة متعلقة به أو بمجموعة القراء من حوله .
ثالثا الأدب بوجه خاص ، أما الأديب فهو ذلك الكاتب الذي تمسك بعالمه الافتراضي ، والذي يرفضه القارئ لأنه يحب عالمه الافتراضي هو الآخر ، أو لأنه يجد صعوبة في التعرف إليه ، فهو بعيد كل البعد عن حواسه الإدراكية ، وهنا يلجا الأديب إلى المفاوضات السلمية ، والتي يحاول الاقتراب فيها اكثر من العالم المشترك له وللقارئ ، أي يقترب من الحواس الإدراكية المشتركة بينهما ، من خلال تقريب الصورة غير المحسوسة للقارئ من حواسه الخمس ، وفي هذه المفاوضات يترك للأديب شاعرا أو قاصا أو روائيا استنزاف خياله أو عالمه الافتراضي كي يجترح الفكرة والرؤية الخاصة به لعالم آخر مشترك بينهما ، في حين يترك للقارئ أن يجعل من حواسه الإدراكية الخمس الفيصل في الحكم على النص ، لذا نجد أن من الضروري للكاتب أن يحول الفكرة غير المحسوسة إلى صورة حسية إدراكية ، هذا إن كان يريد تحقيق هدف معين من الكتابة سواء كان الهدف اجتماعيا أو سياسيا او إنسانيا عاما ، لذا لايمكن الجزم بان هدف الكتابة هو تحويل الفكرة غير المحسوسة إلى صورة حسية ، إنما هي وسيلة ضرورية لازمة ، جرت في الأذهان مجرى الهدف ، إذ أن عالمك الافتراضي يعتبر مستحيلا بالنسبة للقارئ ، وهدفك أنت أن تجعله ممكنا ، والممكن هو أقرب من المستحيل للحواس الإدراكية بما فيها الحواس الخمس ، لكن تجدر الإشارة هنا إلى بعض الذين اتخذوا من الأدب وسيلة للعملية التفاوضية مع الآخرين ، وبقلب الوسيلة المستخدمة في الأدب إلى عكسها تماما ، في محاولة ذكية لإضعاف الجانب الآخر ، وهي خطة قديمة جدا لم تقترن بالأدب على مر عصور كثيرة ، و يندرج تحت هذه الخطة سجع الكهان في العصر الجاهلي ، وهرطقات القديسين في الكنائس في اوروبا في العصور الوسطى ، والتي كانت تهدف إلى تغريب الإنسان عن عالمه الخاص به ، ليدخل في مرحلة التيه ، ومن ثم يطلب النجاة ممن لهم عوالم خاصة بهم ، حينها يرى بان نجاته هي دخول عوالم الآخرين ، وذلك عندما يعمد أصحاب هذه الخطة لجعل كل ما هو محسوس للقارئ غير معقول من خلال تناوله في نصوصهم ، هنا يدخل الشك للقارئ بسلامة حواسه ، انطلاقا من جعل العالم الممكن بالنسبة للقارئ مستحيلا عليه ، وهذا ما يمكن أن نسميه في الأدب ( الممكن المستحيل) غير أن هذه الخطة لم تستطع الاستمرار لأن أصحابها أنفسهم شعروا بالغربة عن العالم المشترك بينهم وبين القارئ ، إذا أن الهدف منها كان فرديا أنانيا ، لا يؤمن على المدى البعيد شعورا بالطمأنينة ، إضافة لأنها لم ترقى لمسمى الأدب .
لكن - على ما يبدو - في الآونة الأخيرة أن بعض الذين امتلكوا قدرا يسيرا من اللغة راقت لهم هذه اللعبة ، فبدؤوا بممارستها ؛ حيث لم يجدوا حيزا من الفعل الإنساني ، علما بأن الإنسان يطمح دائما للتعايش ، لذا تقوده رغبته هذه إلى التميز والتفرد ؛ ليحظى بقدر من الاهتمام الذي يؤمن لك تعايشا آمنا مع من حولك من الناس ، ولاشك أن الأدب والكتابة بوجه عام طريق سريع لذلك ، وبما أن لديهم قدرا يسيرا من اللغة ومعرفة لا بأس بها بتاريخ الأدب بما فيها النصوص الكهانوتية ، وقراءة نهمة محدودة الفهم في الفلسفة ، عمدوا إلى الأدب بوصفه وسيلة لإثبات الذات ، غير أن هؤلاء لم يضعوا هدفا ممكنا كالكهان والقديسين ، لكن أقول بشك يقترب من اليقين أن الطريق ممهدة لهم كي يبلغوا مآربهم ؛ وذلك لأمرين أهمها ، ضعف تمسك القارئ بعالمه الخاص به ، والتنازل المفرط عن العالم الثقافي المشترك بين بين الكاتب والقارئ ،
القراءة أصبحت متكرسة في الحفظ ، لذا نجد ان فهم ما يقرأ ليس ضروريا بالنسبة للقارئ ، بقدر أهمية كمِّ ما يقرأ ويحفظ من الأسماء ، وهنا تغلب النزعة والذوق العام الذي تستغله هذه الفئة المتذاكية ضمن نظرية " بقدر ما لا تفهمني فأنا متميز، وعلى حق فيما اقول "
ولعله يجب الإشارة هنا لظاهرة غريبة ، عندما تسأل شخص عن فلسفته في الحياة يقول لك مثلا : " ابيقورية ، أو ديكارتية ، أو أو ما إلى آخره من الأسماء " وكأن الفلسفة تكتسب من مؤلفات الفلسفة ، فإذا كانت فلسفة الشخص تكتسب من مؤلفات الفلسفة ، فأعود لأنفي وأدحض ما ذكرته عن العوالم الخاصة ، كما وتجدر الإشارة هنا إلى أن هؤلاء الفلاسفة الذين كتبوا نظرتهم هم مفاوضون بالكتابة للحصول على عوالم جديدة تقترب من عوالمهم الخاصة ، وقد حاولوا جعل مستحيلهم ممكنا لنا بغض النظر عن فشل بعضهم ونجاح البعض في بعض ما حاوله ، والنجاح يتكرس في أولئك الذين يتبنون فلسفة الكتب المقروءة ، إما لأنهم لم يفهموا ، أو فهموا بطريقة حاسة ليست مقصود التوجه إليها من الكاتب ، وهنا لا لوم عليهم ، بل على الكاتب فقد ثبت فشله في التوجه للحواس وتعطلت بوصلته . ويلتقي هنا مؤمني الفلاسفة مع كتاب الممكن المستحيل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب


.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في