الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السوريون: سنة بلا رأس ومعارضة بلا رؤية

محمد جمول

2012 / 1 / 2
مواضيع وابحاث سياسية



كلنا قرأنا قصة الراعي الكذاب في طفولتنا وحكيناها لأطفالنا حين كبرنا. ولكن يبدو أن قلة منا فهم هذه الحكاية أو أدرك أنه لا يزال ضحية مثل هذا الراعي. لقد دار الحول وانتقل السوريون إلى السنة الجديدة من دون أن يكون لها رأسها المعتاد الذي يحتفلون به بالطريقة التي تظهر أنه شعب جميل وحضاري تمارس كل منطقة منه طقوسها الجميلة بهذه المناسبة. فالبعض يكتفي بالشواء والشرب والغناء والبعض ينزل إلى الشوارع ، والكل يبدو الفرح والبهجة على وجهه. أما هذه السنة فكانت قصص القتل والتدمير والخوف وقطع الطرقات هي السمة العامة المشتركة.
عشرة شهور مرت تقريبا والسوريون مجبرون على التسمر أمام شاشات التلفاز وهم يستمعون إلى الراعي الكذاب وهو يصرخ بأعلى صوته معلنا أن الذئب هجم على الغنم. عشرة شهور والكل يبحث عمن يقول له أو يتنبأ بما يمكن أن يحدث غدا. وخلافا لأهالي القرية الذين لم يتحركوا بعد المرات الأولى لنجدة الراعي، لا يزال قسم من السوريين يهب مسرعا كلما نادى الراعي مكررا كذبته أو نكتته السمجة. منذ الأسابيع الأولى وبعض السوريين لا يزالون يصدقون قيادات معارضة الخارج التي تقول لهم كل يوم: سقط النظام السوري. ولأن هؤلاء القادة المعارضين في الخارج لا يعرفون أنه من الخطأ تحديد مواعيد دقيقة في القضايا السياسية المعقدة مثل الحالة السورية، أو لأن التطمينات كانت تأتيهم من جهات يعتقدون أنها كليّة القدرة والمعرفة، وقعوا في هذا الخطأ الكبير وورطوا بعض الناس إذ دفعوهم إلى حمل السلاح والانخراط في أعمال لا يمكن وصفها إلا أنها ضد مصلحة الشعب السوري.
فمنذ الأيام الأولى قالوا إنها مسألة أيام ويسقط النظام، وبعدها حددوا الأول من رمضان موعدا لهذا السقوط، وجاء الأول من رمضان فجددوا الموعد ليصبح في عيد الفطر، وبما أن العيد مضى ولم يتحقق وعدهم مددوا الفترة إلى عيد الأضحى ثم السادس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2011. ولأنهم وجدوا أن البعض لا يزال يصدق أن الذئب هجم على الغنمات، مددوا الفترة إلى رأس السنة. ولأن رأس السنة لم يأت على السوريين هذه السنة، وجد البعض منهم أنه من الذكاء والنباهة والحنكة السياسية أن يجعل موعده الجديد غير محدد بيوم معين فجعل سنة 2012 بكاملها موعدا لتحقيق مالم يستطع تحقيقه.
ولكن الذين فهموا قصة الراعي الكذاب وكان لديهم الحد الكافي من النباهة والاجتهاد في المرحلة الابتدائية، لا بد أن يكونوا انتبهوا إلى أن هناك ثغرات في شخصية الراعي تجعله غير مؤتمن على أغنام القرية. ولم يعد جائزا أن نسمع نداءه ولو أكله الذئب. فمن يقول إن النظام السوري يخفي الدبابات في مداخل البنايات( وهو رئيس معارضتهم في الخارج) لن نصدقه ولن نثق به كي يرعى أغنامنا. وهو نفسه لا يستحق ثقتنا وتفاؤلنا بمستقبل شعبنا حين يوقع على اتفاق مع هيئة التنسيق الوطنية ( وصورة الاتفاق الموقعة منشورة لمن يريد الاطلاع عليها) وبعد ساعات قليلة ينكر ويتهرب ويدعي أنها مجرد مسودة اتفاق.
وليت الأمر انتهى هنا. فقد وجه المعارض الآخر عمارالقربي إهانة مماثلة لعقول كل السوريين حين ادعى أن النظام السوري حفر أنفاقا تحت المستشفيات لإخفاء الدبابات عن عيون مراقبي الجامعة العربية. كان يمكن لمثل هذا التصريح العبقري أن يمر بسلام لولا أن أحد الناشطين المصريين طالب بوضعه في الحجر الصحي( لأنه أطلق تصريحه الخارق من القاهرة) لئلا ينتقل " الهبل السوري" إلى المتظاهرين المصريين في ميدان التحرير. أليس في هذا إهانة لكل سوري؟ أليس من حقنا مقاضاته بتهمة تسخيف العقل السوري؟
عشرة شهور تشكل كابوسا على صدور السوريين. ولا يستطيع أحد أن ينكر وجود أزمة كبيرة في سوريا وأن هناك أعمال قتل وتخريب وتدمير للبنية التحتية، وأن هناك أعمال قتل وقتل مضاد واعتقالات. لكن من خلال معرفة ما يجري على الأرض، ومن خلال شهرين قضيتهما في سوريا وتجولت في أكثر من مدينة بقصد رؤية ومعرفة الواقع بأفضل شكل، تبين لي أن هناك أكثر من راعي كذاب يصرخ ليلا نهارا بأن هناك عشرات الذئاب وليس ذئبا واحدا. وأنا من خلال مشاهداتي ولقاءاتي بالناس وصلت إلى قناعة مبكرة أن هناك مبالغات تفوق الوصف وأكاذيب مضخمة عشرات المرات عن أعداد القتلى، وأن القاتل في أغلب الأحيان يقدم على أنه ضحية والضحية يقدم على أنه جلاد.
والآن أنا على قناعة أن مراقبي الجامعة العربية سيكون لهم فائدة واحدة على الأقل. فعلى الرغم من احتمال التلاعب بالتقرير النهائي، وعلى الرغم من قناعتي أن الغاية في النهاية هي نقل القضية إلى مجلس الأمن، لا بد أن قسما من هؤلاء المراقبين سوف ينقل الحقيقة إلى الناس كما هي. وأنه سيقول إن هناك مجموعات إرهابية تمارس عمليات القتل والخطف والتمثيل بالجثث بحق الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الحرب. وسوف يتبين للناس في الخارج كما تبين لكثير من المعارضين في الداخل أن المطالبة بالحرية والديمقراطية شيئ وما يريده دعاة التدخل الخارجي وعصاباتهم شيئ آخر. وأن الشعب السوري قادر على تحقيق مطالبه المشروعة بالطرق السلمية وبأدوات سياسية بعيدا عن أعمال القتل والحرق والتدمير ومن دون الاستقواء ب"العدالة الأمريكية والأوروربية " التي رأيناها في العراق وليبيا وأفغانستان وغيرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - دولا فونتين: الثور والضفدعة
نايـــــــــــــــا ( 2012 / 1 / 2 - 20:55 )
بصراحة قصة الراعي والذئب أصبحت قديمة ومملة... فهل سبق و قرأت قصة الثور والصفدعة أم أسردها عليك ؟

اخر الافلام

.. إسرائيل تهاجم أردوغان.. أنقرة توقف التبادلات التجارية مع تل


.. ما دلالات استمرار فصائل المقاومة باستهداف محور نتساريم في غز




.. مواجهات بين مقاومين وجيش الاحتلال عقب محاصرة قوات إسرائيلية


.. قوات الأمن الأمريكية تمنع تغطية مؤتمر صحفي لطلاب معتصمين ضد




.. شاهد| قوات الاحتلال تستهدف منزلا بصاروخ في قرية دير الغصون ش