الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش الثورة المصرية (35): التهمة امرأة

عبير ياسين

2012 / 1 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


الغريب فى عالمنا أن المذنب الحقيقى قد ينجو بفعلته ويجادل بشدة يحسده عليها أصحاب الحق، فى حين أن الكثير من الأبرياء يدفعون الثمن ويتمسكون بظل الحائط رغبة فى البقاء، وما بين تلك الصورة تظل تهمة المرأة فى كونها امرأة أحد التهم التاريخية التى نتوارثها جيلا عن جيل، وكلما كانت امرأة خارج النمط المرسوم بخنوعه وضعفه كان الذنب أكبر والعقوبة أشد وأغلظ فى مجتمعات لا ترى فى النساء الا خطيئة ولا ترى الشرف الا فى تغطية النساء متناسية أن الخطيئة التى يتحدثون عنها لها أطراف متعددة. وخلال الفترة الماضية عادت صورة المرأة بوصفها الخطيئة وأصل الشرور للظهور بقوة فى مصر فى جدل واضح حول النزول والمشاركة فى المظاهرات والاعتصامات، مضافا إليها قبلها الحديث عن صورة المرأة المرشحة فى الانتخابات بدون وجه، والمرشحة التى تؤكد على أن عمل المرأة خطأ وأن واجب المرأة هو البقاء فى البيت.

ورغم أن الواقع أحيانا يكون فوق تصورنا للوصول إليه فى مصر، ورغم ما فيه من درجات كثيفة من الضباب الأسود بدرجاته فأنه أعاد إلى ذهنى لقطة ساخرة من فيلم كوميدى استحضره أحيانا فيما يتعلق بمصر وهو فيلم عوكل. فرغم ما يبدو عليه الفيلم من كوميديا يراها البعض هامشية ومجرد لقطات ضاحكة الا أنه يقول الكثير بين الكلمات وفى حالتنا فأنه يقول ببساطة ما يكرره عدد لا باس به الآن. فخلال أحداث الفيلم وعندما فوجئ عوكل بنفسه فى واقع غريب عن الذى يعرفه، وبعد أن وصل إلى "قهوة المصريين" وتصور أنها تضم أفراد من المقاومة ضد الاحتلال الذى وصل لكل شئ أكد فى كلماته عن ضرورة المقاومة على دور المرأة الممثل فى الصراخ أو كما قال "الصوات" على الرجال بعد الموت فى معركة المقاومة. لم يدخل عوكل فى جدل فكرى وتنظيرى كبير، ولم يتوقف أحد أمام كلماته لأنها مجرد كوميديا، ولكن يبدو أننا عدنا لزمن الحرب والمقاومة ودور المرأة الذى لا يتجاوز البقاء فى المنزل والصوات على من مات ومداواة من جرح.

نعود فى بداية عام تركز فيه الدول شرقا وغربا على النمو والصعود والإرتقاء للحديث عن أسباب نزول المرأة للشارع والملابس التى ترتديها ليسا علنا ولكن تلك التى تظهر بعد فعل السحل والتعرى، ونعود لحصيلة كبيرة من الأفلام التى شهدتها مصر ووثقت لاستهداف النساء سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر من أجل كسر البطل أو اجباره على الاعتراف أو تسليم نفسه.

كنا فى فترة نشاهد تلك الأفلام التى تتناول مواقف يتم فيها اللعب على مفهوم الشرف والمرأة كهدف بوصفها ضمن أفلام مقاومة الاحتلال الأجنبى فترة وضمن أفلام مقاومة النظام القمعى فترة، ثم غابت الصورة نسبيا عن الأفلام وأن ظلت الآليات متواجدة فى الواقع وفقا للكثير من التقارير الخاصة بممارسات وزارة الداخلية المصرية عبر عقود ممتدة خاصة فى تعاملها مع المنتمين للجماعات الإسلامية.

فى مجتمعات يسهل فيها إلحاق العار بالأسرة أو أفرادها عندما يخص الوضع النساء تتحول الضحية لمذنب بسهولة من خلال استهدافها بالشائعات أو بالإهانة، وفى نفس الوقت يستند الجانئ على الخيار العام الذى يلجأ إليه الجميع فى تلك المواقف وهو الصمت حتى لا تنتشر الكارثة ويحل العار بالجميع وهو نفسه ما حدث فى قضية كشوف العذرية فواحدة تحدثت وحولت الموضوع لقضية وغيرها فضل الصمت ورغم هذا حملت بعض التعليقات تشكيك فى الشاكية وأدانه لها لمجرد أنها فضلت الحديث. يتكرر الجدل مرة أخرى كما تكرر مع فتاة أحداث مجلس الوزراء، ويتكرر مع شقيقة المسئول عن حملة ابو اسماعيل وسيتكرر مرات ومرات ما لم تتغير العقلية الحاكمة وآليات المحاسبة والتمييز بين الجانئ والضحية.

سيتكرر الجدل طالما يغلق كل فرد بابه ويتصور أن الحائط يحميه وأن ظله كاف فى حين أن الأبواب لم تحمى غيره والملابس لم تستر سواه.

سيتكرر الجدل ما دام غسل الضمير يقتضى التقليل من قسوة الفعل عبر أدانه الضحية، والتركيز على فرعيات تؤدى لنسيان أصل القضية فيدور جدال لا ينتهى حول الفرعيات ويصبح السؤال الغائب: أين القضية الأساسية؟

سيتكرر الجدل ما دام كل منا يرى أنه ليس طرفا فيما حدث ويحدث سلبا وايجابا، فمن جانب لا يشكر من نزل وثار ومن جانب لا يساند من ظلم وضرب وآهين. وقد يتفرغ لتشويه من نزل لأنه بفعله عمل على تعريته أمام نفسه.

سيتكرر الجدل ما دام البعض يصر على أغلاق عيونه وعلى تسليم مفاتيح عقله لجهة واحدة وخطاب واحد. لا أقول بأن عليه تغيير الجهة كمن يغير محطة البث من محطة لأخرى ولكن المطلوب منه أن يفتح أفقه ويفتح عينيه ويفكر فيما يقال بافتراض أن الجميع يكذب أن لزم الأمر ففى تلك الحالة قد يصل لما يمكن تصديقه.

سيتكرر الجدل ما دام البعض ظل قادرا على البقاء وارتداء ملابس الثورة وبث السم وسط "العسل" والحديث باسم الثورة والوطن وهو أبعد ما يكون عنهم وأقرب ما يكون لمصالحه الشخصية. حيث التفرغ للحديث باسم الثورة بتفريغها من قضايها الجوهرية والتركيز على تفريعاتها حتى يتوه من يسير فى الطريق ويطول الطريق وتتعقد السبل كما يحدث بالفعل.

سيتكرر الجدل ما دام التلاعب بالكلمات سيد الموقف والتخبط يسود الصورة وما دمنا لازلنا فى مرحلة السوق الذى دخلته مصر بعد الثورة فالجميع ينادى والجميع يرفع صوته بأسعار وسلع ومصر تتفرج.

سيتكرر الجدل ما دامت المرأة أصل الشرور وما دام هناك من يرى فى نفسه قيم على السلوك والأفعال وما دام الشكل يغيب لصالح الجوهر.

سيتكرر الجدل كلما تمسكنا بالقشور وستظل الصورة أشباه فضيلة وأشباه ثورة فالقشور لا تبنى فضيلة حقيقة ولا تنتج ثورة حقيقة ولا تحمى حق مستظل بجدار من ورق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. ”قاتل من أجل الكرامة“.. مسيرة في المغرب تصر على وقف حرب الا




.. مظاهرة في جامعة السوربون بباريس تندد بالحرب على غزة وتتهم ال


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المشاركين في الاعتصام الطلابي




.. بعد تدميره.. قوات الاحتلال تمشط محيط المنزل المحاصر في بلدة