الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بؤس الثقافة أم بؤس المثقفين ؟

محمد ماجد ديُوب

2012 / 1 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لمن يمتلك القليل من لغة الرياضيات يعرف أنها لغة إبتدعها العقل البشري في محاولة منه لترميز المفاهيم العلمية وبالأحرى لترميز العالم وذلك من أجل تبسيط المفاهيم أو تكوين صورة نمطية للعالم الذي نعيه بشكله الموضوعي بعيداً عن رغبتنا وبالتالي أن نعيه من حيث أنه موضوع بحد ذاته بعيداً عن ذاتيتنا

من ثم تطورت لغة الرياضيات لتصبح وكما بقية لغات العالم علماً قائماً بحد ذاته بغض النظر عن إمكانية واقعيته أو واقعية المفاهيم التي يسقط عليها

في لغة الرياضيات كثيراً ما نجد مفاهيم لاتملك حظاً في أن تكون واقعية حتى الآن على الأقل كمفهوم اللانهاية أو مفهوم الجذر التربيعي للعدد -1
مما حدا بنا إلى القول في إحد مقالاتنا على صفحات الحوار أن هذين المفهومين لايستطيع حتى الله معرفتهما ومن ثم تحويلهما إلى واقع رياضي تطبيقي نستخدمه في حساباتنا لتكون نتائجنا دقيقة جرياً على عادة الحساب الرياضي

ففي حالة اللانهاية لانستطيع عندما نجري عملية تقسيم عدد على اللانهاية أن نقول بدقة تامة أن النتيجة تساوي صفراً تماماً بل نقول أن الجواب يسعى إلى الصفر أو أن الجواب ينتهي إلى الصفر

كذلك هو الحال عندما نقسم عدداً على الصفر فلا نجرؤ على القول أن عملية القسمة لها جواب محدد إذ من حيث المبدأ لايجوز التقسيم على العدد صفر ولكن بدلاً من القول أن العملية غير ممكنة من حيث المبدأ نقول أن حاصل القسمة يسعى إلى اللانهاية أو أن الجواب هو عدد ينتهي إلى اللانهاية

من هنا نجد أن اللانهاية هو مفهوم إفتراضي يرضي غرورنا في إيجاد جوابين لعمليتين غير محددتي الجوابين ولايمكن تحديدهما

أما في الفيزياء فالأمر مختلف تماماً من حيث أن طبيعة الفيزياء هل طبيعة موضوعية واقعية بغض النظر عن رغباتنا لأن تكون على هذا الشكل أو ذاك فالطبيعةوهي الترجمة الحرفية لكلمة فيزياء تعني أنها واقع موضوعي لادخل لذواتنا فيه إلا من حيث أننا في كثير من الأحيان تكون لدينا الرغبة القوية في لي عنقاها لتتوافق مع معلومات مشوهة بسبب خداع حواسنا كما في حالة رؤيتنا أن الشمس هي التي تدور حول الأرض وذلك ما هو توافق مع معلومات ثبتت في الكتب المقدسة فأصبحت هذه المعلومات بدورها مفاهيم مقدسة لايمكننا التنازل عن الإيمان بها حتى لو إضطرنا الأمر إلى مقارعة الحجة العلمية بالخرافة

في الرياضيات لاتوجد خدع يمكن أن تأخذ العقل معها إنما في الفيزياء فالخديعة قائمة وما زالت قائمة حتى الساعة فالطبيعة عادة لاتفصح عن أسرارها بسهولة ويسر

فالرياضيات هي إنتاج العقل البشري وهي منسجمة مع قدرته على التفكير المنطقي السليم وبناؤها هو بناء متماسك لاتجد في أية ثغرة بينما في الفيزياء فكثيراً ما تلعب الذاتية دوراً خطيراً في خلخلة منطقها وما زال العقل البشري يسعى إلى بناء المفاهيم الفيزيائية بطريقة تبدو معها وكأنها من مصدر واحد هو العقل الكلي الذي إشتق منه العقل البشري أو إنحدر منه وهو الله

يسعى العقل البشري وما زال يسعى إلى توحيد قوانين الفيزياء كلها في قانون واحد وكانت آخر المحاولات لعالم ياباني لم أعد أذكر إسمه في أوخر سبعينيات القرن الماضي ولم تنجح محاولته

إذا كانت الرياضيات هي اللغة التي تساعدنا على ترميز مفاهيم الطبيعة لنتمكن من دراستها بسهولة ويسر كما هي الحال في قوانين نيوتن والنسبية والكم
فإن الفلسفة هي اللغة التي تمكننا من الربط بين مفاهيم الفيزياء إذ تساعدنا على الإنتقال من الحالات الخاصة الضيقة إلى الحالات العامة الأوسع فالفلسفة تساعدنا على الربط بين العلوم مما يساعدنا على فهم الجوانب المختلفة من الطبيعة بعد معرفة تأثير الجزء في الكل والكل في الجزء ذلك هو الخيط الخفي الذي يضع أقدامنا على طريق فهم العالم بشكل أفضل من حيث هو كل مترابط يفصح عن وحدة في الوجود

يشكل عالما الثقافة والسياسة عالمين يشبهان كثيراً عالمي الرياضيات والفيزياء فالثقافة في الكثير من جوانبها تشبه الرياضيات إذ هي تتحدث دائما وكما في الرياضيات عن عالم مثالي أجوبته محددة وواضحة وشبه دقيقة أما السياسة فهي تشبه الفيزياء من حيث كونها عالم لايفصح في الغالب عن بنيته الداخلية بسهولة بل علينا البحث والتدقيق كثيراً قبل أن نطلق أحكاماً وعلينا التثبت بالبراهين الصارمة ليكون الموقف الذي علينا تبنيه لاتشوبه الأخطاء فالخطأ في السياسة كما هو الخطأ في الفيزياء تبنيه دون إثباتات دقيقة يؤدي إلى كوارث لاتحمد عقباها كما هي الحال في تبني الفكر الديني القائم على معلومات غير محترمة ةلايمكن الإعتداد بها

إن مايلاحظه المتابع للسياسيين المنحدرين من الأوساط الثقافية أنهم في مجملهم يشبهون في مواقفهم في أحسن الأحوال المشتغلين بالرياضيات وفي أكثرها سوءاً رجال الدين فكلتا الحالتين هي أقرب إلى المثالية التي لاتصلح في ميدان العمل الفيزيائي وكذلك السياسي

هل نستطيع القول أنه بؤس الثقافة ؟
أم أنه بؤس المثقفين ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السياسه تابع غبي للثقافة
جواد الصالح ( 2012 / 1 / 4 - 07:05 )
الاستاذ محمد صباح الخير 0تساؤل لطيف يتناول محور مهم في حياتنا وهو الثقافه وهل البؤس فيها ام بالمثقفين 0ولكن قبل الولوج الى القضيه ومناقشتها نسأل هل تم تعريف الثقافه بصوره دقيقه حتى يتسنى لنا معرفة مواطن البؤس والتقصير فيها0ان محاولة تشبيه الثقافة بالرياضيات من حيث الدقه والحياديه واتفاق النتائج امر فيه بعض الاضطراب واللبس وبالاخص حين نفسر كل معرفه هي ثقافة 0فعالم الدين يعتبر نفسه مثقف دينيا0 وعالم التاريخ يعتبر نفسه مثقفا تاريخيا 0وكذا الحال لبقية العلوم الانسانيه كالادب والاجتماع والاقتصاد وغيرها وكما ترى يااستاذ فهذه الامور التي ذكرتها تعج بالاختلاف والرؤى حتى تستحيل رؤاهم الى مواطن عداء واقتتال بل السياسة في مناحي كثيره هي تابع غبي وبليد لتلك الاختلافات الثقافيه 0فانظر تاريخيا الى التنازع بين الراسماليه والماركسيه وكذلك اختلاف المثقفين الدينيين في رؤيتهم للنص الواحد0 وكذلك الاختلاف بين علماء الاجتماع في الغرب ونظرائهم الشرقيين 0وكل مانراه الان وسابقا هو اختلاف ثقافي ينجم عنه تشتت بالمفاهيم وارتباك في النتائج وبالمحصله لايمكن تشبيهها بالرياضيات من حيث الدقه


2 - الأخ المحترم جواد
محمد ماجد ديُوب ( 2012 / 1 / 4 - 08:02 )
أسعد صباحك
الثقافة أياً تكن هي عالم المثل كما هو عالم الرياضيات فهي تتربع على بنية فوقية لها الكثير من القداسة
أما السياسة فهي عالم الواقع كما هو لاكما نريده كما هي الفيزياء (الطبيعة) لذك ترى المثقف يرفض عالم الواقع كما رفض أصحاب العقائد إكتشاف غاليليو
المثقف يعمل من أجل حلم والسياسة تعمل من أجل المصالح لذلك نرى الإحباط الكبير الذي يقع فيه المثقف عندما يمارس السياسة كما حدث لمثقفي الماركسية عندما لم يتحقق الحلم الشيوعي مع سقوط الكتلة الشيوعية إذ أصبح الكثير منهم أكثر لبررة من الرأسماليين أنفسهم
في رأيي الشخصي أنت عكست الأمر إ الصحيح أن الثقافة هي عالم الأغبياء والسياسة هي عالم الأذكياء والدليل أعطني مثالاً واحداً في التاريخ كله لمثقف نجح في قيادة دفة العمل السياسي إذ أن الناجحون منهم هم سياسيون مثقفون وليس العكس
لك محبتي


3 - البؤس فينا وبثقافتنا التي ننتجها
جواد الصالح ( 2012 / 1 / 4 - 08:44 )
اما المثقف فهو اصل المشكله لانه المنتج الاول للثقافه والمدافع عنها 0فهو من يصنعها ويسوقها ويعلي شانها ولاينفك يدعو الناس اليها بل يجير كل ما في الكون خدمة لافكاره ونوازعه 0غير ان المشكله لاتنتهي هنا فمصالح الانسان واهوائه متبدله من زمن لاخر واهوائه متغيره بين لحظة واخرى ينتج عن ذلك سعي حثيث وحيل جديده لاعادة النظر في المنتج الاول واعادة تغييره حتى ينسجم وفق الرؤى والمصالح الجديده 0وهذا مارايناه عبر التاريخ من تبادل للادوار وتغيير في المواقف بل انقلاب الكثير على منظوماتهم السابقه والتبروء منها وهنا كان المثقف يمارس ذكائه بقوه حيث اوجد طرق كثيره للانسحاب او التراجع وابتكر تسميات رائعه لهذه الطرق فقرانا التاويل والمجاز والناسخ والمسوخ والمصالح الاستراتيجيه والتقيه والباطن والظاهرمما يعجزنا عن الالمام بها 0وكذلك اوجد الجدل والفذلكه وهذه كلها ياسيدي وسائل اوجد لها مشروعيه في الحياة وراح يناور من خلالها كلما استبد به الامر او اراد استباحة (عصمه) ثقافيه سابقه 0اذن البؤس مشترك فينا وبثقافتنا التي ننتجها0تحياتي


4 - مرحبا
موجيكي المنذر ( 2012 / 1 / 4 - 10:22 )
أخالك قد مررتَ على الموضوع التالي رابطه قبل تطرقك لمقالك اليوم:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=287503

لستُ من دعاة الحجر على الفكر، وأمقتُ جمود العقل والتحجر

إنما يحز النفسَ هذه الأيام ما نراه ونلمسه من ردّة غريبة عجيبة نحو الماضي السيء الذي تتفق غالبيتنا هنا أنه سيء، أو قلْ صحوة ثقافية تماشي الصحوة الدينية وتسير معها بنفس الاتجاه صوب ثقوب سوداء لطالما ابتلعتْ كل جميل وراقٍ في بلادنا

أهيَ مسؤولية حكامنا في قسر المثقف وتضييق المسالك عليه حتى يدير هذا المثقف بوصلته محبطاً 180 درجة؟

أم هو المال وشراء الذمم لصالح أمراء الصحراء ... وغيرهم؟

أمْ أن الأمر لا يعدو كونه: خالف تعرف!

لا هذه ولا تلك ولا هاتيك تشفع للمثقف ردّته وورطته المحزنة

نحن لسنا بأفضل من غيرنا حتى نتملص من دفع الضريبة التي دفعتها من قبلنا أقوام وجْهتُها الشمس ... وليس الهاوية


5 - ألأستاذ المحترم جواد
محمد ماجد ديُوب ( 2012 / 1 / 4 - 12:23 )
نعم المشكلة هي فينا في ما ننتج هي فينا لآن منهجنا في التفكير هو منهج متخلف لم يزل يعيش عصر نيوتن والعالم المتقدم يعيش عصر الأوتار الفائقة الدقة
تحيتي لك


6 - الأخ الغالي موجيكي
محمد ماجد ديُوب ( 2012 / 1 / 4 - 12:29 )
أنا لم أطلع على المقال الذي أوردت رابطه وأعدك بالإطلاع عليه
إن المشكلة أخي موجيكي هي وكما أوردت في ردي على الأخ جواد هي في منهجنا في التفكير
نحن حتى الساعة لم ندخل بطريقة تفكيرنا عصر التنوير الحقيقي ربما بسبب كل ما ذكرت وربما أيضاً بسبب سيطرة القداسة على لاوعينا وربما بسبب أننا شعوب تفضل الحلم على الواقع أليس الإيمان بالآخرة وجنتها هو محض حلم؟مازال حياً فينا
لك تحيتي ومحبتي


7 - أخي موجيكي
محمد ماجد ديُوب ( 2012 / 1 / 4 - 12:43 )
لقد إطلعت على محتوى الرابط الذي أوردته
الأستاذ رياض خليل هو صديق قديم لي وقد زرته مؤخراً بعد دعوة منه على فنجان قهوة وتحاورت معه في العمق إلا أن مفاجأتي كانت فيما بعد إذ لم يتصل بي نهائياً ولما إتصلت به تهرب بشكل واضح من اللقاء معي
ما العمل هؤلاء هم مثقفونا ؟أم رد أبو كا كاطع عليه فقد أصاب كبد الحقيقة
لك تحيتي


8 - العزيز محمد ماجد
عبد الرضا حمد جاسم ( 2012 / 1 / 4 - 17:49 )
تحيه وامتنان
تعود بنا الى الصحيح من ربط وتوضيح فشكرا
ماهي الثقافه ومن هو المثقف
لقد تطفل عليهما المتثوقفين وانتج الاستبداد انصافهم وتسيدوا به و بفضله اعلاما ومالاَ ليحرفوا ويحرفوا
نقاشكم مع الكريمين الاستاذ صالح و الاستاذ موجيكي اعاد التوازن للحوار
الثقافه فكر وتفكير والمثقف مفكر والسياسه فن وتعلم وتنفيذ
الثقافه ما تبقئ من التفكير او خلاصته التي اقتنع بها الشحص
الثقافه فيها الردىء والمثقف بها رديء
المثقف عندما يتحول الى السياسه مثل من تقصده ينحرف
حتى الرديء من الثقاقه لها اسس وقيم اما السياسه فقد حولوها الى لعبه واللعبه لها ساحه ولاعبين ومراقبين ومراهنين والثقافه ليس فيها مقامرين
اكرر الشكر على هذا الموضوع وما قبله
ب


9 - أخي الغالي رضا
محمد ماجد ديُوب ( 2012 / 1 / 4 - 21:34 )
شكراً لمرورك ورأيك فيما طرح
أعتقد أنه على المثقف أن يخرج من قوقعة الحلم المقدس التي يتحصن بها


10 - إلى الأخ محمد من الفيسبوك
محمد ماجد ديُوب ( 2012 / 1 / 4 - 21:55 )
أنا أتحدث عن توحيد قوانين شتى في قانون عام واحد وليس عن نظرية جديدة تفسر ما لم تفسره النظريات السابقة
إلى هذا الوقت لم يستطع أحد توحيد قوانين الفيزياء المختلفة في قانون عام واحد فقد سبق لماكسويل أن وحد قوانين الكهرباء كلها في أربعة معادلات ولكنه لم يستطع الإكمال لتشمل كافة قوانين الفيزياء
أخي محمد إن حلم العلماء في إيجاد ها القانون العام هو من بقايا إيمان عميق بأن العالم هو من صنع خالق واحد فلابد من قانون واحد يفسر كل ما يجري في الطبيعة
وهذا حتى الآن حلم ليس إلا
لك تحيتي

اخر الافلام

.. شاهد.. إماراتي يسبح مع مئات الفقمات وسط البحر بجنوب إفريقيا


.. الأمن العام الأردني يعلن ضبط متفجرات داخل منزل قرب العاصمة ع




.. انتظار لقرار البرلمان الإثيوبي الموافقة على دخول الاستثمارات


.. وول ستريت جورنال: نفاد خيارات الولايات المتحدة في حرب غزة




.. كيف هو حال مستشفيات شمال قطاع غزة؟