الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كأس من الماء بطعم السم الزعاف

جمال الهنداوي

2012 / 1 / 4
العولمة وتطورات العالم المعاصر


في أي محاولة لنبش الذكريات المجمرة التي نفشل دائما في نسيانها..وفي أي استعادة للمسلسل الطويل من الخيبات التي لازمت مراحل متطاولة من ايامنا في ظل سنوات حكم البعث وصدام حسين..وتحت اي مسعى لتلمس جذور اي من الازمات المتناسلة التي حكمت ايقاع حياتنا والمنطقة لعقود..غالبا ما نرتطم ببواكير من كلمات نزقة طائشة فارغة تتساقط من فم هذا المسؤول او ذاك تحت ضغط الرغبة في التحذلق الناتجة من فورة الانتشاء الزائف بالذات الذي تولده المجاميع الضاجة الزاعقة التي تدور مع الباطل حيثما دار..
فغالبا ما ترتبط بدايات الحرب العراقية الايرانية وسنوات الموت المجاني في الخنادق الطينية في جوانحنا بهتافات هل انتم موافقون والايادي المرفوعة بقصائد النفاق والتملق واغاني "حياك يا بوحلا"..ونيف وعقد من الدم والجوع والحصار تتعشق نذره في ذاكرتنا بهواية القائد المستجدة في التذاكي والتعالم من خلال اطلاق العبارات المبهمة عن شرف الحرائر والاعناق والارزاق وعين الراعي التي لا تأخذها سنة ولا نوم ولا طائرة الشبح..وبالتأكيد ان الشعب الايراني اذا قدر له ان ينزلق الى مواجهة مفتوحة مع العالم الى ما لا يعلم الا الله فسوف تتخدد في ذاكرته كلمات قائد البحرية الإيرانية الأميرال حبيب الله سياري التي قال فيها ان اغلاق المضيق الذي يمر منه عصب الاقتصاد العالمي ليس اصعب عليه من "شرب كأس ماء".
كفلم سينمائي ممل معاد..نشعر باننا مررنا بهذا الهوس من قبل..ولكن هذه المرة الامور اكثر صخبا واعلى ضجيجا واكثر خطلا وابعد عن الحكمة والقراءة الصحيحة واستخلاص العبر.. فاي فخر بمرأى السفن التي تمخر عباب الخليج..او اي مديح مغرض-او اي نزق- قد يكون وراء تلك الكلمات التي قد يكون الاميرال تلفظها وكأنه يخط حروفها على الرمال ولا يعلم انها ستدور العالم باطرافه وتلوكها الالسن ويزدحم بها الاثير..واي نفخة شيطان تلك التي مسته ليظن نفسه روح الامة وقلبها وليجر ايران خلفه والمنطقة في اتون صراع قد لا تكون صواريخه وزوارقه من المبشرات بحسن عاقبة او ختام له اومما قد يحمد عقباه..
لم يحسن الاميرال اختيار الرسالة المناسبة التي يريد ايصالها للولايات المتحدة والغرب بشكل عام لعدم تصعيد لهجة الخطاب مع إيران..ولم يكن موفقا في ترجمة الموقف الايراني الذي يلوح بعرقلة تصدير النفط عبر المضيق في حال فرض عقوبات على صادرات النفط الإيرانية.وليس الامر مما يحتمل استدعاء القدرات البلاغية او الاستعارات اللغوية. فالمضيق الذي تمر فيه ناقلة نفط كل ست دقائق تحمل خمس صادرات النفط العالمية،لا يحتمل العبث او غض النظر عن اي مما قد يسبب انقطاع هذا الشريان الحيوي المهم..وتعطيله لن يكون شربة ماء بقدر كونه مواجهة مع المنظومة الدولية برمتها..ومع اول شرارة للنزاع ستجد ايران نفسها محاصرة بالاعداء او بايدي الاصدقاء المكبلة بواقعية يفرضها الخلل المأساوي في موازين القوى..وسيكون عليها استنزاف خزينها العسكري والاقتصادي مقابل خزائن الارض -او بالاحرى الارض القريبة- التي ستفتح امام القوات الغازية انفتاح الفضاء والتأييد الدولي امامها..وكأس الماء سيكون سما زعافا اذا لم يخلط باحتساب جيد ومنطقي لردود الافعال الدولية..
ان المفزع في الامر هو ان تكون ايران تعني فعلا ما تقول..فان ذلك سيكون الخطأ الستراتيجي التاريخي الذي ستكون له النتائج الكارثية على اقتصاديات واستقلالية القرار السياسي لجميع دول المنطقة وسيؤدي الى ادخال دول الاقليم في دوامة مستعادة من النزاعات المكرورة ولكن بصورة اشد قسوة واكثر ايلاما وسينزلق الجميع الى الحدث ليكونوا جزءا منه دون القدرة على الفكاك او التأثير على سير الاحداث..وستضطر المنطقة مجددا الى التحمل الجماعي لنتائج اخطاء فردية لا تريد التعلم من دروس التاريخ..
ان المنقذ من الاغراءات التي يطرحها موقع القادر على اثارة المشاكل قد تكون ايران نفسها..من خلال النظرة الواقعية للامور وتغليب العقلانية السياسية على الاثارة التي تولدها الخطابات المؤدلجة اوالرغبة بالتموضع على صدر عناوين الاخبار..والاهم هو من خلال النظر جيدا داخل الكأس قبل ان تقوم بشربه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصة قتل مو?لمة والضحية الشاب باتريك.. ???? من القاتل؟ وما ال


.. لا عيد في غزة.. القصف الإسرائيلي يحول القطاع إلى -جحيم على ا




.. أغنام هزيلة في المغرب ومواشي بأسعار خيالية في تونس.. ما علاق


.. رغم تشريعه في هولندا.. الجدل حول الموت الرحيم لا يزال محتدما




.. لحظات مؤلمة.. مستشفيات وسط وجنوب غزة تئن تحت وطأة الغارات ال