الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في عالم المفاهيم - الفرق بين الأصول والهويات

نقولا الزهر

2004 / 12 / 31
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


في عالم المفاهيم ( الفرق بين الأصول والهويات)
لم يمر العالم في مرحلةٍ فيها صراع على الهويات مثل التي نعيش الآن. طوفانات كلام وامتشاقات سيوف وتصويبات بنادق، كلها تتغنى بشعوبٍ وأمم ولغات وأديان ومذاهب. وكل منها هو الخالد ووحده هو الناجي والحامل جواز سفره إلى الفردوس، وما عداه هو من الأغيار الغرباء (الغوييم) الذين ينتظرهم الجحيم.
طبعاً من حق الجماعات الإنسانية أن تعتز بأصولها وانتماءاتها ومن حقها أن تقرر مصيرها وأن تتكلم وتكتب بلغاتها الأصلية وتمارس معتقداتها وطقوسها بحرية. ولكن الخطر يكمن في تماهي الجماعات الإنسانية بأصولها فقط، بمعزل عن الحاضر بمستوياته السياسية والاقتصادية والثقافية.
هنالك فرق بين الأصول والهويات؛ فالهوية ليست الأصل. الأصل هو النشوء والتكون والتشكل، بينما الهوية منتج تاريخي يفقد عبر السيرورة التاريخية أشياءَ ويكتسب أشياء أخرى. أي أن الهوية منتج تاريخي يعبر عن الراهن والحاضر، وهي تنويعة أشكال وتركيبة انتماءات. بعض سمات أو انتماءات الهوية في حالها الراهن مشتركة بين أفرادها والبعض الآخر مشترك بينها وبين هوية أخرى أو هويات أخرى.
الهوية في اللغة العربية من الضمير الغائب (هو)، وهو الموجود معنىً والمستتر لفظاً في كل جملة اسمية تخبر عن صفة أو(هوية)، وهذا الضمير يعبر عن مضارع فعل الكون المحذوف في الجملة الاسمية، كما هو الحال في اللغتين العربية والروسية وبعض اللغات الأخرى، بينما نجد هذا الضمير متواجداً معنىً ولفظاً في لغات أخرى مثل الفرنسية والإنكليزية على سبيل المثال.
بطبيعة الحال بين الهوية والأصول وبين الهوية والماضي ليس هنالك من قطيعة، ولكنها ليست الماضي بكامله أبداً، بل هي المضارع بكامل أوصافه الذي يعبر عن الحاضر ويتطلع إلى المستقبل.
إن الهوية في أي حقبة زمنية تعبر عن تركيبة انتماءات راهنة مختلفة؛ وإن تفكيكها إلى مجموعة انتماءات مجوهَرَة ومسرمدة فهذا لا يؤدي إلا إلى الصراع الدائم فيما بينها. وفي الواقع يجب أن يُنْظر إلى حق تقرير المصير لأي جماعة إنسانية ضمن شروط تاريخية وسياسية واقتصادية واجتماعية.
إذا استمرت الجماعات الإنسانية تنظر لحق تقرير المصير وكأنه قانون رياضي مطلق فهذا يعني انزلاقها من عدالة هذا القانون وتاريخيته إلى هوة الصراع الدائم على الهويات وإلى تفكيك وفردنة المشتركات في المجتمعات الوطنية.
ومن أخطر نتائج فردنة الهويات الوطنية هي الانزلاق في نفق (التهوي الدائم) أو التفريخ المستمر للهويات. وهذه الأصولية أو التمامية القومية لاتقل خطراً عن الأصولية الدينية المتطرفة التي تطفو على السطح الآن. وكلا الأصوليتين لا تخدمان في الوقت الراهن إلا اتجاه الهيمنة الامبراطوري لليبرالية الجديدة التي تقودها الإدارة الأمريكية.
إن حل قضية الميل الصاعد للتهوي التنازلي لا يمكن ايقافه إلا بنضال مشترك من أجل دولة اجتماعية ديموقراطية فيها حقوق متساوية سياسية واقتصادية وثقافية لكل الجماعات الإنسانية في دولة المواطنة.
نقولا الزهر
دمشق في 29/12/2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دمار شامل.. سندويشة دجاج سوبريم بطريقة الشيف عمر ????


.. ما أبرز مضامين المقترح الإسرائيلي لوقف إطلاق النار في غزة وك




.. استدار ولم يرد على السؤال.. شاهد رد فعل بايدن عندما سُئل عن


.. اختتام مناورات -الأسد الإفريقي- بالمغرب بمشاركة صواريخ -هيما




.. بايدن: الهدنة في غزة ستمهد لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسر