الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صباح النزاهة

سلمان النقاش

2012 / 1 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


في الصبح تتردد كلمة الخيرحين تلتقي العيون والوجوه ..ويحضر اسم الله في التمنيات ليوم هانيء وموفق ..
أدخل الصباح من بوابة الطريق المؤدي الى عملي ..عملي الذي ساقني اليه تاريخي منذ ولدت وتعلمت وتأهلت ليطبعني بصفته واعرف من خلاله .
عملي حيث اصحاب لي كان القدر قد صفهم وصنفهم واختارهم دون ارادة مني او منهم ليكونوا جزءا مهما من يومي ..اعرفهم ..اعرف اشكالهم ..طريقة لباسهم واكلهم ..اعرف انفعالاتهم ومدياتها ..متى يسخرون ..اعرف ..متى يحزنون وكيف.. اعرف ..كذلك انا اعرف طيشهم واخطاءهم واعرف اندفاعهم..اعرف مزاياهم ..اعرف ايضا خوفهم وارتباكهم وترددهم ومستوى ذوقهم ..واعرف ايضا خجلهم ..
ادخل الزمن الآتي بعد ساعة الصبح ..اخطط لحركتي القادمة ..ادخل في معمعة الحساب والقراءة ..قبل ان يحشرني الآخرون في عالم الجميع ..
ولأني اشعر دوما باني ربما اكون مركزا لهذا الكون ..انفعل متفردا بمتعة قرصة برد الصباح حين تمر نسائم الريح الباردة على وجهي المكشوف دون جسدي المغطى بهندامي الذي افترضه انيقا ...
كلمات زوجتي وابني وابنتي الذين تركتهم في نومهم قبل قليل تصطدم في جوف رأسي ..ابتسم تارة ..واتبرم اخرى ..واقلق حينا آخر ..
تاخذني الناقلة والخطوة حيث المكان الذي ابغي ..مكان عملي ..اقف مصافحا ومبتسما اتعمد الود ..وحين اتابع مسيري احشر كفي في جيب بنطالي ..تعلق اغنية لفيروز في ذهني سمعتها للتو (امرى يا امرى لا تطلعي عالشجرة) ..الوّح رافعا ذراعي نحو الرصيف الاخر ارد تحية احاول ان تكون احسن منها بابتسامة عريضة .. اقترب من المكان أنضّم الى حلقة زملاء احاطت ببائع شاي على الرصيف القريب من الدائرة ..تعودت الالسن هنا على ذكر الطرائف واستحضار الكلمات المثيرة للضحك كجزء من محاولة اسعاد النفس ..في نهاية الرشفة الاخيرة من استكان الشاي تسرع الايدي نحو الجيب ليفوز احدهم باكرام الصحب بثمن الشاي الارخص ثمنا من اي شيء اخر .
تتحرك الحلقة باكملها متجهة نحو المكان ..احدهم يتخلف لامر ما ..اثنان يتوقفان لدواعي توكيد الفكرة المتداولة بينهما او لربما يكون امر خاص ..لكن الجميع على موعد في المكان ..
اسمع اسمي يناديه صوت قادم من مطعم قريب .. التفت.. انه زميل لي لم أره منذ زمن قضاه في ايفاد ..اسرع نحوه لاعانقه فيقول ((صوغتك بالاستعلامات هسة تاخذها)) ..
لحظة دوي جعلت المطعم يتحرك فيغدو ركاما وغبارا واجسادا ممدة على الارض ..لم أر محدثي.. اخذتني اقدامي مسرعة نحو الخارج ..اللهيب يتصاعد تماما من دائرتي ..
اين...اين ؟في النزاهة ...النزاهة ...نار...نار..اصوات صراخ ..الله اكبر..الله اكبر...في المكان الذي انا موعود فيه اليوم ..حلقات النار تتسع في الارض تحرق كل شيء ..كل شيء ..بعض منه شواء ...الصراخ يتعالى والناس تجري في كل اتجاه..رائحة غريبة تثير الغثيان.. هممت بالدخول الى المكان مسرعا ..الا ان يدا قوية طوقت جسدي ومنعتني من الحركة ..كنت اصرخ ..وربما ابكي ..الشرطة ..الاسعاف ..الناس ..لم يوقفوا الكارثة ..
ساعة... كان المصير قد تحدد ..اختفى اللهيب الاصفر ..الدخان مازال يتصاعد من قاع الارض..من السيارات ..من المباني المجاورة ..من الاشجار..ومن الاجساد المرمية هنا وهناك ..
الان ..الحمالات تخرج من البناية تباعا..كيس مطاطي اسود في وسطه سحاب ..بجانبي مرت احداها ..اصابع كف محترقة تتصاعد منها ابخرة ..ما زالت الساعة في المعصم ..عانقني احد .. لقد مات فلان ..وفلان آخر كان يشرب الشاي معي الآن ممد على حمالة ..القمصان الجديدة واربطة العنق وزجاجات العطر (الصوغة) متناثرة وبعض منها محترقة .. لم نعثر على شيء من جثة واحد من اعضاء حلقة الشاي..كل العيون احمرت تسكب دمعا..
هل تكفي آه..هل تكفي لوعة ...؟؟
اما انا... ربما كتب لي ان ادخل في الزمن الاتي بعد هذا الصباح لاحكي .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمن.. حملة لإنقاذ سمعة -المانجو-! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ردا على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين: مجلس النواب الأمريكي




.. -العملاق الجديد-.. الصين تقتحم السوق العالمية للسيارات الكهر


.. عائلات الرهائن تمارس مزيدا من الضغط على نتنياهو وحكومته لإبر




.. أقمار صناعية تكشف.. الحوثيون يحفرون منشآت عسكرية جديدة وكبير