الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عودة الجماجم الى افريقيا

مجيد القيسي

2012 / 1 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


عودة الجماجم الى أفريقيا

إن هذا الخبر ليس عنوانا لقصيدة أو خاطرة بل لحقيقة اتضحت لي صدفة عند قراءتي لخبر صحفي نشرته جريدة المانية (برلينرمورغن بوست Berliner Morgen Post ) بتاريخ 28/أيلول 2011 تحت عنوان: "الشاريتيه Charite` يسلم ناميبيا عشرين جمجمة"
في البدء تصورت عملية الجماجم خطوة دبلوماسية لها علاقة بالتعاون الصحي بين البلدين وأردت الاكتفاء بذلك والانتقال إلى الأخبار الأخرى, غير أن الجماجم أثارت فضولي لمعرفة محتوى الخبر كاملا. كما هو معروف أن ناميبيا كانت مستعمرة المانية في القرن التاسع عشر وإن المانيا لم يكن لها مستعمرات كثيرة مثل التي لبريطانيا وفرنسا وهولندا لأنها جاءت متأخرة في البدء وخاسرة في الحربين الأولى والثانية.
على أية حال اقتربت من الخبر بفضول فوجدت الأمر مثيرا للدهشة والاستغراب وذلك لعدم معرفتي الجيدة بالجذور العميقة للعنصرية الألمانية قبل الحرب العالمية الثانية فتبين لي أن مستشفى الشاريتيه المذكور أعلاه قد سلم الجماجم إلى ناميبيا لأنها تعود إلى قبيلتي هريرو Herrero و نامه Nama الناميبيتين. وأن تلك الجماجم كانت قد إستئصلت من جذوعها من أجسام ثوار كانوا قد انتفضوا ضد الألمان في ناميبيا خلال الفترة 1904 ـ 1908.
إن الخبر لا يحمل بشكل مباشر سلطات الاحتلال مسؤولية قطع الرؤوس بل يضعها على عاتق العلماء الألمان مع أن ذلك لا ينفي حقيقة التعاون بينهما في ذلك الحين. أن هؤلاء (Deusche Wissenschaftler) هم الذين حملوا الجماجم إلى برلين قبل 100 عام واستخدموها في بحوثهم العنصرية. والمعروف إن بعض علماء الغرب في ذلك الحين كانوا يعتقدون بنظرية الفارنولوجي (Die Pharnologie ) وهي نظرية خاطئة تربط الذكاء بحجم الجمجمة.
أن العلماء الألمان المحدثين يعترفون بخطأ زملائهم السابقين كما يقول السيد توماس شنالكة مدير متحف التاريخ الطبي التابع لمستشفى الشاريتيه ( Charite ): " نحن نتحمل الذنب ونعتذر في نفس الوقت". السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل جاء تسليم تلك الجماجم برغبة من الحكومة الألمانية أم بطلب من ناميبيا؟. إن الخبر الصحفي يؤكد أن الأخيرة هي التي قدمت طلبا باستعادة تلك الرؤوس وذلك في عام 2008ويبدو أن هذا الطلب كان ليس إحراجا للحكومة الألمانية فحسب, بل لصعوبة دراسة تلك الجماجم الراقدة في المجمعات العلمية وهذا ما عبر عنه السيد توماس شنالكه: " كان علينا أن نتأكد من أصل تلك الجماجم وتوافقها مع الوقت " الذي أشرنا اليه " لهذا حصل التأخير في تسليمها".
والواقع أن قصصا مرعبة نسجت ولا تزال حول تلك الجماجم المحفوظة في المستشفى الجامعي في برلين. فهناك من يقول: إن الضحايا كانوا ثمانية عشر وأن رؤوسهم شحنت من جزيرة القرش Haifischinsel الواقعة قبالة الساحل الناميبي. :كما يذكر أنه كان للألمان في تلك الفترة 1904ـ 1905 معسكرا للاعتقال والتصفية ) Konzentrationslager ) حيث جرت تصفية و قتل الكثيرين من أبناء قبائل ال "هيريرو" وال " امه " . ويزعم بعض علماء برلين بأن تلك الجماجم لم تتعرض إلى التعذيب لكن آثار مرض السكوربوت (Skorbut ) بادية على بعضها وهو مرض يتسبب عن نقص في الفيتامينات. وتفيد معلومات الباحثين أن الضحايا تتراوح أعمارهم بين العشرين والأربعين سنة كما يصنفونهم جنسيا: أربعة منهم نساء وستة عشر رجلا كما أن هناك طفلا في الرابعة من العمر كان قد وضع في صندوق من المقوى. و إن جميع تلك العظام سلمت إلى ناميبيا. إن ثمة أسئلة تبقى الإجابة عليها مفتوحة. لماذا لم يشخص العلماء الألمان في ذلك الوقت تلك العظام بالضبط ؟ ولماذا لا تعرف المواقع التي جلبت منها؟ يبدوا أنهم لم يعيروا أهمية الى أسماء الضحايا بقدر اهتمامهم بالجماجم والنتائج التي يهدفون الوصول اليها "لهذا لم تسجل الأسماء على العظام"
هذا ما ذكره مسئول المجمع المركزي للتشريح (Anatomi) في مستشفى الشاريتيه السيد اندرياس فينكلمان. أعتقد أن قضية الجماجم في برلين في بدايتها وربما ستأخذ وقتا طويلا وجهدا كبيرا حيث " كلفت الجهات الألمانية المسئولة فريقا من الأطباء , ضمن مشروع أنساني خصصت له مالية تقدر بـ 300000 ألف يور, على تنظيم وفحص جماجم أخرى تقدر بـ 7000 جمجمة يحتمل أنها تعود إلى ناميبيا أيضا.
والحقيقة أن المانيا ليست وحدها التي أقامت تجارب وبحوث على السجناء وعلى الشعوب المغلوبة في الحربين الأولى والثانية وما قبلهما. فإن البلدان الاستعمارية الأخرى قامت بتجارب مماثلة أو مختلفة بعض الشيء على البشرية من الأحياء والأموات. خاصة بعد اشتداد الحروب وكثرتها وتطور الأسلحة وتنوعها. إن الولايات المتحدة وبريطانية وفرنسا وبلدان أخرى لم تتوقف تجاربها على الأحياء والطبيعة فحسب, بل أن شعوبا بكاملها أصبحت هدفا لتجاربها, كما أن البحوث والتجارب لم تتوقف عند الجماجم بل أصبحت لها وسائل أخرى, دون الاكتراث بدعوات مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات حقوق الإنسان وحماية البيئة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. كتيبات حول -التربية الجنسية- تثير موجة من الغضب • فرا


.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتفض اعتصام المؤيد




.. بصفقة مع حركة حماس أو بدونها.. نتنياهو مصمم على اجتياح رفح و


.. شاهد ما قاله رياض منصور عن -إخراج الفلسطينيين- من رفح والضفة




.. نتنياهو يؤكد أن عملية رفح ستتم -باتفاق أو بدونه-