الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لم يكن وصلُك إلاَّ حُلماً...

علي غشام

2012 / 1 / 6
الادب والفن


تواجه مع انعكاس صورته داخل المرآة القديمة والتي تآخت مع الحائط الذي ظهرت عليه أثار رطوبة أكلت معظمه ، وقد تشكلت عليه صور مختلفة..كان هناك تنين ملتصق به حصان ..استقرت قائمتاه الأماميتين على رأس خروف خرج الأخر من دائرة انفتحت من احد جانبيها فتحة صغيرة ينساب منها دخان كثيف أو ربما غيوم..بينما كان هناك رجل ينظر إليهم بغضب وكان هذا واضحاً من تقطيبة حاجبيه اللذان تقوسا فوق عينين اللتين جحظت أحداهما بينما الأخرى ساهية تنظر باتجاه معاكس ، كان يتكأ على كومة من الحجر الناعم والذي أحتل اللون الأحمر معظمه.. في حين استقرت يمين المرآة صورة عتيقة بالأسود والأبيض لرجل ذو شاربين كثين وهو يحتضن أمرأة بيضاء مبتسمة ،بينما شغل مساحة يسار المرآة شباك بستائر داكنة متهرئة الأطراف تصارعت مع السنين ، فيما تربع سرير خشبي واطئ في احد أركان الغرفة ذات السقف المتشقق والقريب على من أراد ان يلمسه ..!
عدل من تسريحة شعره الخفيف والذي بدأ يتساقط ، جلس على حافَّة السرير مواجها طاولة تهتز لفرط قدمها وصدئت مساميرها التي ما عادت قادرة على ربط أجزائها ، انتصبت على المائدة قنينة عرق ذهب معظمها ليلة البارحة ، وصحن فيه بقايا من زيتون وحمص متيبسان وجدت فيهما بعض الذبابات وليمة دسمة لها ، وتحول نصف الرغيف المتبقي صلبا كالحجر ..
دس يده في الدرج الذي بجوار سريره ، اخرج زجاجة عطر قديمة لم تستعمل ، أراد أن يضع منها .. امتنع في أخر الأمر ، أعادها الى الدرج ..كان أخر مرة وضع فيها عطرا منذ ثلاثين سنة ..!
تململ في فراشه ، احتضن وسادته ، انكفأ على وجهه ، لمعت عيناه بتلك النجوم الملونة ، طافت به الغرفة أحسَّ بألم خفيف في رأسه ودوار، حاول الهروب من حالته هذه لكن دون جدوى ، ألحت عليه تلك الصور القديمة في مخيلته ، اتكأ على طرف السرير وأغمض عينيه واستسلم لأحلامه..
تراجعت أفكاره الى حدَّ الاختباء ، تربصه شوقٌ لذيذ تنبعث منه رائحة الحنين لتتوسد جسدها الجميل والذي طرق بابه رغبات ليالي الشتاء الطويلة ، حالماُ بفارسه المنتظر منذ زمن بعيد ، ليأخذه الى ارض الاكتشافات المبكرة ، ليخرجها من أحلامها بذكريات جميلة ربما أسعفتها عندما يدغدغ الشغف قلبها الذائب والواله لتلك اللذائذ الجسدية القصيرة والمسروقة من بين كل عيون الرقباء التي حالت بينه وبينها حينما كانت تنطق باسمه وهو يسترق من ذلك الزمان القصير فرحته التي استحالت الى ذكرى..
نهض مفزوعاً على ذلك الصوت الذي مازال يتذكر نبرة صداه..لكن سرعان ما اختفى في زوايا مخه المتحفز والممتلئ بتلك الأشياء.ما الذي حفز اللاشعور برؤيتها بعد كل تلك السنين كأنكِ نجمة الشمال ، مسكونة بالرغبة تفيضين بولع طفولي ..آهٍ لو تعلمين ؟؟ سأل نفسه بتعجب ..!
أي حزن يبعثه حضورك ؟أي وهجاً ينسيني ما أنا به؟ أي عمر فُنيَّ دون جدوى من الدنيا بدونك؟..مجدبة روحي بعدك ، تنهالين على ما تبقى من السنين ، فيجرف سيلك هموم الدنيا وما فيها نقية ، بيضاء ، كضوء الشمس وهو يتنفس أنفاسه في غرة الفجر الندي ، تتسع عيناك للكون ، لكنها تعجز عن احتوائي بشغف..لماذا..؟؟لم يبقى له غير أحلامه التي استوطنت عقله..
لا يدري..أم لأنه لم يكتفي من وجع الدنيا اللذيذ بعد..!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طنجة المغربية تحتضن اليوم العالمي لموسيقى الجاز


.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم




.. أول حكم ضد ترمب بقضية الممثلة الإباحية بالمحكمة الجنائية في


.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء




.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق