الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهدف من الحياة الإنسانية (المفهوم البهائي للطبيعة الإنسانية- مقال 1)

وفاء جمال

2012 / 1 / 6
حقوق الانسان


يعيش العديد من الناس حياتهم دون التفكر بالحياة نفسها أو بماذا تعني بالنسبة إليهم. وقد تكون حياتهم مليئة بالأنشطة والفعاليات. قد يتزوجون وينجبون أولادًا ويزاولون أعمالاً تجارية أو يصبحون علماء أو موسيقيين وكل ذلك دون الوصول إلى درجة من الإدراك لماذا هم يقومون بذلك. فحياتهم ليست لها أهداف عامة، وهم بذلك عاجزون عن تفسير وقائع وأحداث في حياتهم، وقد لا يحملون فكرة واضحة

عن طبيعتهم الخاصة أو هويتهم الإنسانية، ومن يكونون حقًّا.

أشار حضرة بهاء الله بأنَّ الديـن السماوي الحق هو وحده الذي يمكن أن يعطي الهدف من الوجود الإنساني. وإنْ لم يكن هناك خالق لهذا الكون وإذا كانت الحياة الإنسانية هي ناتجًا لنظام "القوة المحركة الحرارية"Thermodynamic system كما يؤكده العديد من الناس اليوم، فلن يكون للحياة هدف. إنَّ كل فرد يمثل وجودًا ماديًا مؤقتًا وهو بمثابة حيوان واع يحاول أنْ يمضي حياته بأقصى ما يتوفر له من الملذات وبأقل قدر من الآلام والمعاناة التي يمكن تفاديها. إنَّها فقط علاقة الإنسان بخالقه والهدف الذي حدّده الله لمخلوقاته هو ما يجعل للحياة معناها الحقيقي. وقد شرح لنا بهاء الله هدف الله سبحانه وتعالى من خلق العباد بالعبارات التالية:

"إنَّ هدف الله من خلق الإنسان هو معرفته ولقاؤه. وقد ذكر هذا الأمر بكل وضوح في جميع الكتب الإﻟﻬﻴﺔ والصحف المتقنة الربانية من غير حجاب(1)".

علينا أنْ ننظر إلى الحياة على أنَّها عملية من كشف للسعادة الروحية والنمو. ففي المراحل الأولى من حياته يمر الإنسان بمرحلة من التعليم والتدريب، فإذا ما نجح فيها تحققت له الوسائل الروحية والذهنية الأساسية الضرورية لاستمراره ونموه. وعندما يصل الإنسان إلى سن البلوغ يصبح مسئولاً عن نموه اللاحق الذي يعتمد كليًا على جهوده التي يبذلها بنفسه. وفي معترك الحياة اليومية نستطيع أن نعمق مفهومنا تدريجيًا بالمبادئ الروحانية التي تقوم عليها الحقيقة، وهذا المفهوم

يجعلنا نرتبط بأنفسنا وبالآخرين وبالله سبحانه وتعالى بشكل أكثر تأثيرًا وفاعلية. وبعد موت الإنسان تستمر الروح الإنسانية في النمو والتطور في العوالم الغيبية الإﻟﻬﻴﺔ وهي عوالم روحانية أعظم شأنًا من عالمنا الحاضر مثلما عالمنا الحاضر أعظم من عالم الجنين في رحم الأم.

الجملة الأخيرة هذه مبنية على المفهوم البهائي حول الروح والحياة بعد الموت. طبقًا للتعاليم البهائية فإنَّ حقيقة طبيعة الإنسان هي روحانية حيث أنَّ هناك روحًا إنسانية مرتبطة مع الإنسان وخالقها هو الله سبحانه وتعالى. هذا الروح هو وجود غير ملموس ولكنه مرتبط أو متعلق بجسم الإنسان ويعمل هذا الأخير كأداة له في العالم المادي. تتكون أو تبعث الروح الإنسانية مع تكوين النطفة في رحم الأم وتستمر في الوجود حتى بعد وفاة الإنسان. إنَّ الروح هي مرآة تعكس شخصية الإنسان وحياته ومشاعره.

وما الغرض الرئيسي من وجود الإنسان إلا تطور ورقي الروح وبروز قدراته. هذا التطور يؤدي إلى التقرب إلى الله عز وجل، وأما القوة المحركة له فهي العلم والعرفان الإﻟﻬﻲ ومحبة الخالق. وكلما عرفنا الله وآمنا به تزداد محبتنا وعشقنا له وبالتالي نستطيع أنْ نكون علـى اتصال قريب مع الخالق جل وعلا. وكذلك الأمر كلما اقتربنا أكثر وأكثر منه تصبح شخصيتنا أكثر صفاء ونقاء وبالتالي فإنَّ أعمالنا وأفعالنا تعكس السمات والصفات الإﻟﻬﻴﺔ بصورة أكبر.

وقد ذكر حضرة بهاء الله بأنَّ مقدرة الروح على كسب النعوت والصفات الإﻟﻬﻴﺔ هو الأصل الحقيقي للروح وهو ما يعني بأنَّ البشرية قد خلقت "على مثال الله". إنَّ السجايا الإﻟﻬﻴﺔ ليست خارجة عن نطاق روح الإنسان بل كامنة ومستترة فيها مثل البذرة التي تكمن فيها لون
ورائحة وعبير الزهر ومع النمو تبرز وتتحلى هذه الصفات.

يقول حضرة بهاء الله:

"إنَّ كينونة وحقيقة كل شيء قد تجلتا باسم من الأسماء وأشرقتا بصفة من الصفات وأما الإنسان فهو مظهر كل الأسماء والصفات ومرآة لكينونته وقد اختصه الله بهذا الفضل العظيم والرحمة القديمة(1)".

تشير الآثار البهائية إلى الرقي والتطور التدريجي للروح وتسميه "بالتقدم الروحي". وهو ما يعني اكتساب القدرات للعمل بموجب مشيئة الله والتعبير عن الصفات والكمالات الإﻟﻬﻴﺔ في تعاملنا سواء مع أنفسنا أو مع الآخرين. يعلمنا حضرة بهاء الله بأنَّ السعادة الحقيقية والدائمة هي تلك السعادة التي تتعلق بالسعي الحثيث نحو التطور والرقي الروحي.

فالإنسان الذي يتعرف على طبيعته الروحية ويسعى جاهدًا لتطوير وتنمية روحه أطلق عليه حضرة بهاء الله لقب "مجاهد" أو "سالك سبيل الحق". وقد أتى حضرة بهاء الله على وصف بعض ميزات المجاهد الحقيقي بما يلي:

"على الشخص المجاهد… في جميع الأحوال أن يتوكل على الحق وأنْ يبتعد عن الخلق وينقطع عن عالم التراب ويلحق برب الأرباب ولا يرجح نفسه على الآخرين ويمحو الافتخار والاستكبار من قلبه ويتمسك بالصبر والاصطبار ويجعل الصمت شعاره ويحترز عن

الحديث غير المجدي لأنَّ اللسان عبارة عن نار غير مشتعلة والكلام الكثير سم هالك. النار الظاهرية تحرق الأجساد أما نار اللسان فتهتك الأرواح والأفئدة. أثر النار الأولى تبقى لفترة قصيرة أمّا الثانية فتبقى لمدة قرنًا كاملاً. على المجاهد في سبيل الله أنْ يعتبر الغيبة ضلالة كبيرة ولا يقترب منها مطلقًا لأن الغيبة تطفئ سراج القلب المنير وتقتل حياة الروح. كما عليه أنْ يقتنع بالقليل ويبتعد عن الكثير ويعتبر لقاء المنقطعين غنيمة والبعد عن الباذخين والمتكبرين نعمة. عليه أن يذكر الله في الأسحار ويسعى بكل همة واقتدار في سبيل محبوبه.. وما لا يرضاه لنفسه عليه أنْ لا يرضاه لغيره ولا يقل ما لا يفعل.. عليه أنْ يتسامح مع الخاطئ والعاصي ولا يحتقر نفسه لأنَّ حسن الخاتمة مجهول. وقد يفوز العاصي حين الموت بجوهر الإيمان ويشرب من خمر البقاء ويعرج للملأ الأعلى. وقد ينقلب المطيع والمؤمن عند صعود روحه ويقع في أسفل دركات النيران.

"إنَّ المقصود من جميع هذه البيانات المتقنة والإشارات المحكمة أنْ يرى السالك والطالب كل شيء فانيًا عدا الله وغير المعبود معدومًا، لأنَّ ذلك من صفات العظام ومن سجية الروحانيين التي ذكرت في شرح صفات المجاهدين والذين يسلكون في مناهج علم اليقين. وعندما يحقق السالك المخلص والطالب الصادق هذه المقامات يمكن أنْ نطلق عليه لفظ المجاهد الحقيقي(1)".

وضَّح لنا حضرة بهاء الله بأنَّ الدور الرئيسي والروحي للدين هو الوصول إلى فهم حقيقي لطبيعتنا البشرية وإلى معرفة إرادة الله وهدفه

من خلقه. إنَّ المبادئ الروحانية المرسلة إلينا من جانب الحق تبارك وتعالى بواسطة الأنبياء والمرسلين تعمل على هدايتنا نحو فهم أشمل وأعمق للجوانب الروحانية المختلفة للحياة. هذه المبادئ تساعدنا على فهم قوانين الحياة والوجود. وفوق ذلك يجب علينا أنْ نبذل كل الجهد لنحقق وننفذ تعاليم هؤلاء الأنبياء والمرسلين بما يطور قدراتنا وطاقاتنا الروحانية. مثال على ذلك عندما يريد شخص أن يتخلص من التعصب والخرافات نتيجة أيمانه بتعاليم حضرة بهاء الله تكون النتيجة زيادة المعرفة ومحبة الإنسان لأخيه الإنسان وبالتالي يؤدي هذا إلى مساعدة الفرد على الحياة بشكل أكثر تأثيرًا ونفوذًا.

ويؤكد لنا حضرة بهاء الله بأنَّه لا يمكن أنْ ننمو ونتطور روحيًا دون مجيء الرسل ومعهم الأحكام والقوانين الإﻟﻬﻴﺔ لخير البشرية. وبدونهم يبقى المعنى الروحي للحياة مستورًا حتى لو بذلنا جهدًا كبيرًا في كشفه. ولهذا السبب يرى البهائيون بأنَّ الأديان السماوية هي بمثابة المفتاح الضروري للنجاح والفلاح الروحي في الحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ميقاتي: الحديث عن رشوة أوروبية للبنان من أجل إبقاء النازحين


.. بايدن: نحن لسنا دولة استبدادية ومع حق التظاهر السلمي وضد الف




.. جامعة أميركية تلغي كلمة لمندوبة واشنطن في الأمم المتحدة بضغو


.. ترمب يتهم الديمقرطيين بمحاولة السماح للمهاجرين لترجيح كفة با




.. ميقاتي ينفي مزاعم تقديم أوروبا رشوة إلى لبنان لإبقاء اللاجئي