الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


همسة علها تجد آذاناً صاغية

أحمد الناجي

2005 / 1 / 1
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


عند تأمل جوانب استقالة الأستاذ جلال الماشطة مدير شبكة الإعلام العراقية، نجدها مسألة تمس شؤون وشجون الوطن النازف، وأبعد من أن تكون حالة شخصية انفعالية، بل هي لا ريب نابعة من دوافع المصلحة العامة، إذ تصور لنا بوضوح مدى معاناة عراقي يقف في أعلى هرم هذه المؤسسة الإعلامية الحساسة، وهو في الأخير عاجز عن تغيير مجريات عملها نحو الأفضل، وعاجز عن إيقاف ما يحسبه خروجاً عن صون أمانة مسؤولية الإدارة، بعدما اطلع على حيثيات تبديد الأموال العامة فيها، ولاسيما هو القريب من كل تفاصيل ودقائق الأمور الإدارية والمالية والفنية الجارية فيها.
وبعدما أطلق الأستاذ جلال الماشطة صرخته المدوية من على صفحات جريدة المدى الغراء، التي أفصح بكل جرأة عن خسارته في الصراع مع الجبابرة، أخذتني الدهشة وبقيت أترقب مهموما، وأسأل ترى ما سر التغاضي الرسمي، وما سر هذا الصمت المطبق، وكأن شيئاً لم يكن، والغريب في الأمر أن الموضوع برمته أعلامي، ويتعلق بالفساد الإداري، في مرفق حيوي منه، وبالذات قناة العراقية المعنية في عهد العراق الجديد بالإعلام المرئي الذي يفترض أن يكون داعماً حقيقياً للمشروع الوطني في الصراع مع أعداء التغيير.
كيف لنا أن نفسر هذا التجاهل المتعمد لصوت وطني لم يستسغ ما يرتع دنو مكتبه من فساد إداري في الوقت الذي يلعن الجميع بالأقوال كل الموروثات السلوكية المنحرفة، التي نمت وترعرت في ظل سنوات الاستبداد المظلمة التي عبثت بمسارات تشكيل المنظومة القيمية للمجتمع العراقي، وحادت بالبعض من أفراده لاكتناز الصفات المفيدة بدلاً من الصفات الحميدة.
لا ريب أن هموم وهواجس غالبية العراقيين تتناغم مع هموم الأستاذ الماشطة، وتتطلع لأن تكون قناة العراقية الفضائية، عراقية بحق، ترتقي بالخطاب الإعلامي ليوازي عملية التغيير الجارية في البلد، ويقترب من مستوى طموحات العراقيين، وحاجاتهم في تعقيدات الانعطافة التاريخية التي يشهدها البلد، بما يتماشى مع آمالهم المشروعة في نيل الاستقلال الناجز، وبناء مرتكزات النهج الديمقراطي، وتكون منبراً يمتلك القدرة على تقديم خطاب يعاضد الجهود الخيرة الموشحة بدماء الأبرياء في راهن العراق المعقد، من خلال رفد الفضاءات المعرفية العامة، السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية بما يشيح عنها أعراف التغييب والتنويم القسري وثقافة التزمير والتطبيل والتغريب، وكل ما ترتب من أثار للغمامة السوداء خلال حقبة طويلة من الزمن، ويكون نداً للخطابات المتعددة المسمومة التي تحاول عبثاً أن تساند أعراف احتراب اللثام الأرعن، وإرهاب الفكر المتصحر الاجرد.
ندرك جيداً بأن الفساد الإداري، ليس ببعيد عنا، يعشعش في كل مكان، منه ما هو موروث، ومنه ما نشأ بأنساق جديدة في ظل الاحتلال، الظرف الاستثنائي العسير، وندرك جيداً بأن هذه المعركة ليست معركة الاستاذ الماشطة لوحده التي جعلته ينفث ما يختلج في الجوانح بمرارة، وبأثرها وضع مرغما بضع كلمات على الورق. تخلى فيها عن إدارة شبكة الإعلام العراقية، تحت وطأة الضمير الحي، ومسؤولية المواطنة الحقيقية، والصدق مع الذات.
إن الفساد الإداري واحداً من وجوه المأزق الذي نعيشه اليوم، ومن الطبيعي أن يتواجد في كثير من البواطن والأماكن، وانفضاح بعضاً من سوقياته جاء هذه المرة في هذا المرفق الإعلامي، لان هنالك صوتاً لم يقبل أن يخرسه المنصب ويسكته الجاه عن قول الحق، ولا أن يمرر نزوات الاستئثار الذاتية على حساب مصلحة مؤسسته، والتي هي مصلحة الوطن في الأول والأخير، حتى ولو كان ذلك بعلم أو تستر أفراد اليانكي عابروا المحيط في استباق عقيدة بوش، الجاثمون فوق الصدور، وعلى الرغم من كون هذا الصوت يمثل نقطة مضيئة في التاريخ المهني والوطني للأستاذ جلال الماشطة، سليل الأسرة الحلية الوطنية المعروفة، الا أنه وللأسف يبدو متهدجاً الآن في خضم الإرهاب المستشري، وتعالي ضجيج العيارات النارية والمفخخات والانفجارات.
وفي الوقت الذي يعز عليّ عدم الإنصات الى صرخة الحق لمن كان يتحمل مسؤولية في الدولة، فأن واحداً من عموم أبناء الشعب مثلي لا يملك أكثر من أن يذكر بالصوت الخافت، وجل ما يرومه أن يلفت النظر في همسة علها تجد آذاناً صاغية، من لدن الحكومة الانتقالية، أومن لدن المجلس الوطني المؤقت، أومن لدن المفوضية العامة للنزاهة، لنفض الغبار عن موضوع يُحْسَبُ الصمت عنه في خانة الرضا، وأن الموقف الوطني الحقيقي يستلزم النهوض بالمسؤولية المطلوبة لتقويض الفساد الإداري وتبديد الأموال العامة في هذه المؤسسة الحيوية، لكي تكون بداية الخطوات الصادقة لعرقنة قناة العراقية بالكامل، من اجل المضي قدماً بالعمل الوطني الخلاق في جميع الجوانب، وبخطوات راسخة نحو بناء عراق مستقل ديمقراطي فيدرالي تعددي موحد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح والعلاقات بين مصر واسرائيل .. بين التوتر والحفاظ على الم


.. الجدل المتفاقم حول -اليوم التالي- للحرب في غزة.. التفاصيل مع




.. حماس ترد على عباس بشأن -توفير الذرائع لإسرائيل-.. فما انعكاس


.. قتلى ومصابون في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل وحزب الله | #ر




.. جدل مستمر وخلاف إسرائيلي وفلسطيني حول مستقبل حكم غزة | #التا