الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لما البكاء يداوي

أحمد أوحني

2012 / 1 / 7
الادب والفن


لما البكاء يداوي

خرج متأخراُ من الفندق وتوجه إلى حديقة المدينة القديمة . أحس بدوار فجلس على كرسي خشبي مهترئ . كان يتأمل المارة وهو غارق كالعادة وسط أمواج من الأفكار والذكريات المريرة ، تقذفه واحدة لتعترضه أخرى مثل لعبة بين أيدي الأطفال . أراد أن يصرخ بأعلى صوته طلباً للنجدة ، إلا أنه فضل السكون حتى لا يُنعث بالحمق .

رن الهاتف طويلاً في جيبه ، أخيراً أخرجه وأطال في إجابة مناديه وعيناه مثبتتان في الأرض . كان يبتسم من حين لآخر محركاً رأسه موافقاً على أمر ما في الطرف الآخر من الخط . أعاد الهاتف إلى جيبه ، شد رأسه بين يديه وأجهش بالبكاء . كان يمرر منديلاً ورقياً بين أصابعه ويمسح به عينيه وأنفه .
ترى !!! ما أبكاه بعد أن كان يبتسم من قبل ؟ دنا منه شاب في العشرين وسأله :
" ما يبكيك عمي ؟ هل توفي أحد أقاربك ؟ أنا في خدمتك وسأساعدك إن لزم الأمر ، أنا يتيم الأب واعتبرني مثل ابنك " .
أجابه : " يا ولدي ، أقاربي لا يزالون أحياءً ، ولكنهم في عداد الموتى منذ زمن طويل ، هم سبب تعاستي وما أنا فيه من حالة بئيسة لا منتهية . عندما يشتد علي المضيق وينفذ صبري ، لا أجد بداً من استعمال دواء وجدته يخفف علي آلامي ، وأنسى بعد ذلك ، بل أتناسى كل شيء لبعض الوقت . ألجأ إلى البكاء كما ترى لأنه بلسم يداويني . ثم إنني لا أجد من ألجأ إليه لمساعدتي والوقوف إلى جانبي في محني التي تؤنسني في كل وقت .
حاولت مرات عديدة أن أطردها ، ولكنها ألفتني وتمسكت بي ولا تبرحني . شرعت فيما مضى في وضع حد لأيامي ، إلا أنني قررت في النهاية الاستمرار في العيش على بعض الأمل البعيد ، أعتبره ملجأي الوحيد الذي سينتشلني وينجدني يوماً من مخالب هذا الضياع الأبدي ".

قاطعه الشاب وهو يضه يده على كتفه :
" يبدو أن الحياة وهؤلاء أقاربك قسوا عليك وتحملت منهم الكثير . فما هو هذا الشيء الذي تعيش من أجله ، ولو أنه تدخل في حياتك الشخصية ؟ " .
تابع الرجل حكيه كأنه كان سجين الكلام وقال له :
" لقدد مررت منذ طفولتي بصعاب كثيرة منحتني تجارب أستدل بها ، وتعلمت أن كل شيء لا يستحيل بلوغه ما دامت للمرء رغبة في الحياة وإرادة ملحة ، وشجاعة كالتي يتزود بها المحارب حين يضع الانتصار نصب عينيه . كما أن لا شيء فاته الأوان في كل وقت ولو حتى آخر أيام العمر . لا أخفي عنك ، إنني لا أزال أعيش من أجل فتاة من مدينة وجدة المغربية . اسمها نادية ، اسم جميل ، وهي أجمل . ساقها إلي ، وساقني إليها شيء اسمه القدر . ما أقوى ذلك الحبل التواصلي المتماسك الذي يربطنا ، كله ألفة وحب واحترام متبادل وإحساس بأن الواحد جزء من الآخر . ما يمكنني قوله عنها هو إنها الحياة ، بل القدر نفسه .
لم أرها منذ مدة طويلة ، ولكنني أتذكر ملامحها ، أحدثها ، أسمع صوتها ، أتحسس يديها ، أشدهما وأقبلهما ... ما أفرح وما أسعد اللحظات التي أكون فيها ممدداً على سريري وأرسم معها خطاً لما تبقى من حياتنا " .

أحمـد أوحنـي – مراسل وكاتب صحافي - المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادل إمام: أحب التمثيل جدا وعمرى ما اشتغلت بدراستى فى الهندس


.. حلقة TheStage عن -مختار المخاتير- الممثل ايلي صنيفر الجمعة 8




.. الزعيم عادل إمام: لا يجب أن ينفصل الممثل عن مشاكل المجتمع و


.. الوحيد اللى مثل مع أم كلثوم وليلى مراد وأسمهان.. مفاجآت في ح




.. لقاء مع الناقد السينمائي الكويتي عبد الستار ناجي حول الدورة