الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صيحات مغترب

رضا الشوك

2012 / 1 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


كان الوطن ولا يزال يخضع للهدم ، تختفي أحياء وتحل محلها أخرى ، ومع الأيام يتبدل شكل الحياة ليأخذ نماذج وصور يسمونها عصرية بلغة اليوم ، وإذا حصل لك الحظ الألتقاء بالوافدين من الوطن ، يقولون لك : لو عدت الى مدينتك فلن تتعرف عليها ، كل شئ تغيّر فيها ، الناس ، البيوت ، الشوارع ، الأسواق وحتى الأشجار ، وبعد هذا الخراب تشردت القطط والكلاب وفرّت الطيور من أوكارها وأنقطع التزاور بين الناس . وبدافع بُعد البين تصورتُ ، كيف ستكون مدينتي ومحلتي التي رأيت فيها نور الحياة . وفي هذا التيه المديد المتواصل أصبحت دون إرادتي ، عابر سبيل مجهول الهوية ، أتخبط في الحيرة للحظات طويلة تشعرني بأن ذكرياتي عن وطني أصبحت من رواسب الماضي البعيد .
كان الحكام على أمتداد الزمن مشغولون في بحثهم عن الخلود . فهم يتميزون عن غيرهم بالبؤس الأخلاقي وأنعدام الوعي بأهمية الماضي وكل ما له علاقة بالتراث . إن هؤلاء خاضوا معركة الحاضر كغرباء أو أعداء لكل من سبقهم فتخلوا عن الماضي والحاضر والمستقبل.
إن ما يزيد من قلقي هو أني أصبحت أرى وبوضوح ، الأحقاد تنتشر بين الناس كالوباء الذي لا يميز بين الأجناس والأديان والمذاهب ، إنه وضع تمتزج فيه المرارة بالحزن ، وتنامي الشعور بالعداء القبيح بين الناس مصحوباً بالإحتقار الإجتماعي المنافي للأخلاق والقيّم النبيلة التي تُميّز شعب وادي الرافدين على أمتداد الأزمان .
إن ما يحصل في بلاد ما بين النهرين منذ سنين خلت ، يعطي الإنطباع أن مخططا إرهابيا صُمِم بإمعان ودقة متناهية مزودا بالمال والسلاح والمعلومات اللوجستية من جهات ومنظمات من داخل وخارج الحدود متخفية وراء شعارات ومواقف ، ظاهرها حق وباطنها باطل ، وهذه الفئات هي غريبة عن شعبنا أنها تعودت منظر الدم ، فأصبحت من القتلة المحترفين الخارجين عن القانون ، لأنها في الأساس تعرضت الى عملية سلب لأنسانيتهم ، فتخلوا عن القيم المنافية للطبيعة البشرية ، لقد لجأوا الى التخزين في أول الأمر ثم الى المقايضة وبعدها تحولوا الى القتل ، وهذه عملية فلسفية : تستوجب قتل كل شئ من أجل أي شئ .
أنني لا أثير نقطة ذات علاقة بالتركيب البشري ، علما أن هناك وحوشا تكتفي بمجرد أن تمتلئ بطونها. وهناك صور أكثر واقعية تلُح علي وتقول : إن بطون هؤلاء المصابون بالهلوسة كانت يوما ما بحجم الكرة الأرضية والآن تبدو وكأنها بحجم الكون ، لن يأكلوا الأرض فحسب بل سيأكلون القمر إذا تيسر لهم ذلك . وقد يجدون على سطح المريخ ذلك المكان النموذجي ، إما لإقامة تجاربهم النووية أو لزراعة الأفيون إشباعا لشراهتهم التي تفوق التصور البشري ، رغم كل ما نفعله رافعين أصواتنا عاليا بالإدانة والإستنكار لهذا النهج الإجرامي المنافي لما ورد في الكتب السماوية المقدسة والأعراف الإنسانية .
إن صيحات أبناء الرافدين بات يُسمع صداها في كل أرجاء المعمورة مُرددة : في بلاد الإرهاب ووعود المسؤولين يموت الأنسان جوعا ..!!! رغم أن البعض يلاحق الحياة وأوهامها لاهثا وراء اللحظات المضيئة التي تَصوَرها بريق أمل في بزوغ فجر جديد يُطل على أرض الرافدين ليعيد لها مجدها وهويتها التاريخية التي لا تزال خالدة في ذاكرة شعوب العالم .
معروف عن الإنسان أنه لا يتذمر من شئ إلا إذا كان واعيا لحقوقه ، فالعبد في عهد الرق لم يتذمر مهما قسى عليه سيده ، ولكنه حين أدرك أنه إنسان كغيره من الناس حتى أنفجر مطالبا بحقوقه وقد يُشعل ثورة عارمة ، كما فعل سبارتاكوس . فالوعي تجاه الظلم يثير الأنسان أكثر من مما يثيره الظلم نفسه .
من يتابع مسيرة شعب بلاد ما بين النهرين منذ فجر التاريخ الى تأسيس الدولة العراقية الحديثة ، يرى أن كل الذين أستغلوه وأذلوه ، أستقروا في النهاية في مزبلة التاريخ ، لم ينفعهم لا مالهم ولا سلطانهم . وعندما تلتحم الصفوف وتزول المناطق الرمادية عندها يمكن القول أن أولى بشائر النصر قد لاحت ليبقى العراق عزيزاً حراً على أرضه مهما أناخ عليه الزمن ، فهو لم ولن يكون لُقمة سائغة في أفواه أعدائه ما دام أبناؤه يرتوون من مياه دجلة والفرات . وقد صدق من قال " قد تصبح الأمنيات حقائق وهذا ليس مستحيلا " ....!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سباق بين مفاوضات الهدنة ومعركة رفح| #غرفة_الأخبار


.. حرب غزة.. مفاوضات الهدنة بين إسرائيل وحماس| #غرفة_الأخبار




.. قراءة عسكرية.. معارك ضارية في شمال القطاع ووسطه


.. جماعة أنصار الله تبث مشاهد توثق لحظة استهداف طائرة مسيرة للس




.. أمريكا.. الشرطة تنزع حجاب فتاة مناصرة لفلسطين بعد اعتقالها