الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما هذه الأصوات في الليل؟

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2012 / 1 / 8
الادب والفن


منذ ولادة طفلي بدأت أنام في الفسحة العامة. إبني الصغير لم يتعلّم بعد كيف يقدّر النوم، خاصة في الليل. هذا الأمر يثير في رأسي أفكارا مزعجة، إذ أنني أنتمي لعائلة تمتاز بالنوم أكثر من أي شيء آخر. أنا أحب النوم. دائما كنت أحب النوم. عندما كنت صغيرا كنت أذهب للنوم عند السابعة. وعندما كبرت بتّ ألجأ الى سريري عند التاسعة.
في الأشهر الأخيرة، أصبح النوم عندي هدفا منشودا. أحيانا يُخيّل اليّ أنه لو اضطررت أن أختار بين إنهاء الإحتلال وبين بضع ساعات من النوم سأختار الإمكانية الثانية. كما أن ترك زوجتي لوحدها في غرفة النوم مع الطفل لم يفِدني كثيرا.
في البدء، وضعت فرشة في غرفة ابني الكبير، ولكن، لم يمر وقت طويل حتى أخذ يستيقظ في الليل معترضا على شخيري. ابنتي الكبيرة رفضت على الفور إمكانية استيطاني في غرفتها، وزوجتي وافقتها.
"إنها بنت كبيرة، تكاد تكون صبية. كيف فكرت أصلا أنك تستطيع النوم في غرفتها؟"
لم أجد أمامي خيارا الا أن أنام جنب زوجتي التي صرّحت أنها سلّمت بواقع مصيرها المرّ، وشخيري، كما تدّعي، هو من أكثر عيوبي احتمالا. إلا أنه خلال وقت قصير اتّضح أن المحاولة لن تجدي نفعا، حيث أن الطفل المتيقّظ بدأ يفكر أن شخير أبيه هو نوع من اللعب، وبدل أن يستيقظ من النوم كل ساعة، بات يميل الى السهر طوال الليل.
لم يكن أمامي خيار آخر سوى أن أضع فرشة في الصالون. في كل ليلة، أنتظر أن ينام الجميع، عندها فقط أنزل الفرشة من فوق الخزانة، أضعها بجانب الأريكة التي في الصالون وأحاول أن أغفو، دون جدوى. ماذا أفعل وقد تطوّرت لدي عادة قراءة كتاب قبل النوم؟
طفلي الصغير يقلقني. تقول زوجتي إنني كنت أقلق بنفس القدر مع الإثنين الكبيرين، إلا أنني هذه المرة حسّاس أكثر، لأنه وُلد خديجا.
"لماذا لا ينقلب؟" أسأل أحيانا بعد معاينة مواقع إلكترونية تعنى بتطوّر الأطفال.
"لأنه ما زال لا يرفع رأسه عاليا بما يكفي." تردّ زوجتي.
"لماذا لا يرفع رأسه؟" أسأل.
"لا بأس." تهدّئني زوجتي. "ها أنت قد بلغت سن السادسة والثلاثين ولم تتعلّم بعد كيف ترفع رأسك."
في تلك الليلة، وضعت الفرشة ومصباح القراءة بمسافة لمسة مني، وأخيرا استطعت أن أقرأ "كوميديا في سلم مصغّر" لهانس كيلسون. افتتح الكتاب بهجوم جوي، مع لاجئ، جثة لاجئ. قليلا وأغفو. سأقرأ فصلا آخر عن هذا اللاجئ الذي يختبئ لدى زوجين هولنديين. عليّ أن أعرف ماذا سيكون مصيره، رغم أنني أعلم أنه ميت. حالا سأتعب وأغفو. حالا ستعود حياتي الى مسارها.
حين اكتشفت أنني قرأت أكثر من نصف الكتاب، قفزت من فرشتي مرعوبا، وركضت الى غرفة النوم. إبني لم يبكِ منذ أكثر من خمس ساعات. وقفت بجانب سرير الطفل، رفعته بيدَي وهززته برقة. هدأت فقط بعد أن استيقظ صارخا.
"أنت مجنون." هتفت بي زوجتي. "بعد أن نام أخيرا أكثر من ساعة متتالية تأتي وتوقظه؟"

(ترجمتي الخاصة لأجزاء من مقالة سيّد قشوع في صحيفة هآريتس)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اصوات تسحرها القراءة
نزيه كوثراني ( 2012 / 1 / 11 - 12:30 )
نص جميل وممتع عكس ما قراته في نص المعلمة اورا الى درجة تساءلت عن السر الذي جعل سردك حائرا مرتبكا لكن عندما قرات مساءات لهفة وجدتك تستعيدين نفسك السردي العميق الذي يسمح بالتعبير عن عمق الذات وفي الحقيقة كان نص مساءات لهفة مغريا لكتابة مضاعفة ...


2 - عمق السرد
حوا بطواش ( 2012 / 1 / 11 - 16:17 )
عزيزي الأستاذ نزيه
المعلمة أورا هي قصة لها من وحي طفولتي وربما أجعلها جزءا من رواية أحضّر لها ولذا فقد تضمنت على تفاصيل وشخصيات أكثر مما تحتمله القصة القصيرة ربما، وما يميّزها أنها قصة تحكيها طفلة ولذا فقد جاء السرد من منظور طفلة تعبّر عن مكنونات نفسها في عالمها الخاص حيث لا مجال للسرد العميق الذي يعبّر عن عمق ذات الأنثى كما في قصصي أخرى.
تحياتي لك ودمت بخير

اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | المسرحية والأكاديمية عليّة الخاليدي |


.. قصيدة الشاعر العقيد مشعل الحارثي أمام ولي العهد السعودي في ح




.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل