الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق بعد الانسحاب الأمريكي

بهاءالدين نوري

2012 / 1 / 9
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يقول القوميون والإسلاميون من العرب العراقيين وغير العراقيين، ممن سموا عملية إسقاط نظام صدام في 2003 "غزواً" و" احتلالا" .. يقولون ان " المقاومة الوطنية المسلحة" هي التي أرغمت الجيش الأمريكي على الانسحاب.
وهنا لابد من التحدث عن العراق ماقبل" الغزو" والعراق ما بعد الانسحاب. كيف كان العراق في ظل نظام صدام؟ هل نسيتم الحروب المتواصلة التي أثارها صدام ضد كردستان العراق، بما كان فيها من استخدام الأسلحة الكيمياوية وعمليات الانفال المشؤومة، وضد الجارة ايران وضد الكويت ؟ هل نسيتم نظام البعث الفاشي الذي قاده الدكتاتور صدام وماكان يقوم به من قمع دموي ضد المعارضين وضد المشكوك في ولائهم لصدام حتى بين قادة وكوادر حزب البعث ؟ هل نسيتم المقابر الجماعية الكثيرة التي اكتشفت بعد سقوط الطاغية؟ هل نسيتم الفقر و المجاعة الشديدة في العراق كله في تسعينات القرن الماضي ، في هذا البلد النفطي الغني الذي انفق صدام امواله على الحروب والإرهاب ونهب نفسه، وأعوانه المليارات منها؟
إنني استثني الفئات المستفيدة من حكم صدام واسأل سائر العراقيين:" هل كنتم تتمتعون بشتى من الحرية وحقوق المواطنة ام جعل من العراق سجناً كبيراً لكم؟ هل يشعر الإنسان بنعمة الاستقلال والسيادة الوطنية حين يكون نظام الحكم فيه نظاماً فاشياً دموياً كنظام البعث الصدامي؟ هل من الغريب ان يتمنى العراقيون، وهم مبتلون بنظام فاشي دموي، مجيء قوات عسكرية دولية تقوم بإسقاط النظام الفاشي وانقاذ الجماهير من هذا الجحيم المستعر؟
أنا اعرف ان النظام الاستعماري كان نظام الظلم و النهب و الاضطهاد القومي والاستغلال الاقتصادي،واعرف ان للدول الاستعمارية في أوروبا وأمريكا تاريخاً اسود كتبت صفحاته بدماء ودموع شعوب المستعمرات. ويشرفني أن أقول إنني كرت زهرة شبابي وسني حياتي للنضال ضد الاستعمار والاضطهاد والاستغلال، بما في ذلك الاستعمار الأمريكي.
وأنا شاهد عيان للجرائم التي خطط لها وشارك فيها الاستعمار الأمريكي والبريطاني للقيام بانقلاب بعثي فاشي في 1963 حول العراق إلى بركة دماء على ايدي الميلشيات البعثية، ومرة أخرى لإعادة البعث إلى السلطة في تموز 1968.. لكني لن أنسى ابداً ان النظام الإرهابي الدموي الذي أقامه صدام طوال 35 سنة من عهده كان اشد قمعاًَ ودموية واجراماً من اي نظام استعماري مباشر في هذه الدنيا، وان نظام بشار الاسد في سوريا اليوم هو اسوأ من النظام الذي أقامه الاستعمار الفرنسي في سوريا ولبنان.
فلا ادري عن أي" غزو عسكري" يتحدث هؤلاء السادة، واين كان الاستقلال والسيادة الوطنية في العراق الواقع تحت قبضة الدكتاتور الفاشي ؟ أو لي من الصحيح ان يقر هؤلاء بالحقيقة ويعترفوا بأن المجتمع الدولي حرر العراق من نظام بوليسي دموي، كما حرر سابقاً شعب كوسوفو والشعب الصربي من نظام ميلوسوفيج وكما حرر لاحقاً الشعب الليبي من نظام القذافي ؟ الا يعرف هؤلاء السادة ان الوضع قد تغير في هذه المرحلة من تطور العولمة، وأن محرمات الماضي قد اصبحت اليوم حلالا-ولو بشكل محدود؟ الا يطالب الشعب السوري في مظاهرات اليومية، التي تغرق بالدماء، بالحماية الدولية للشباب المحتجين؟ وهل يكون "غزوا" و" احتلالا" إذا تدخل المجتمع الدولي اليوم لتحرير الشعب المبتلى بنظام البعث الاسدي الفاشي الذي يقتل يومياً عشرات السوريين الابرياء؟
انا اعرف ان الجيش الاميركي لم يأت إلى العراق خاطر عيون العراقيين، بل حسب الحساب ، أولاً وقبل كل شيء ، لمصالح أمريكا القومية وخاصة لمصالح كبار الرأسماليين، ويعرف ان حزب البعث لم يكن قادراً على الاستيلاء على السلطة في كلا انقلابيه العسكريين لعامي 1963 و 1968 ، ولا قادراً على شن حربه القذرة على إيران والخروج من الحرب بسلام بعد ثماني سنوات لولا دعم الغرب والشرق لنظام صدام، بما في ذلك تمكينه من صنع الأسلحة الكيمياوية .. واعرف ... و أعرف ... الخ.
لكنني أعرف ايضاً ان علينا ان ننظر إلى الأمور والإحداث في حركتها المتواصلة وفي تغيراتها المستمرة. فالتدخل العسكري الأمريكي لإسقاط نظام صدام عام 2003 شيء مغاير للتدخل العسكري الأمريكي في فيتنام في ستينات القرن الماضي.
واعرف أيضاً أنه لو لم تتدخل الجيوش الدولية لإسقاط الدكتاتور التكريتي في 2003 لكان الشعب العراقي عاجزاً عن إسقاط صدام، لكان ذلك النظام باقيا اليوم وكان الشعب يعاني اشد المعاناة وكانت المعارضة العراقية ضعيفة وغير قادرة على إسقاط صدام اليوم وفي المستقبل المنظور.
إذن التقت مصالح الادارة الأمريكية، وهي اتت لإسقاط صدام، مع مصالح شعب العراق في نقطة جوهرية- التخلص من نظام صدام. اصبح للطرفين هدف مشترك هو الإسقاط رغم تباين الاغراض وراء عملية الإسقاط. وهل من إنسان عاقل يرفض إسقاط نظام فاشي في بلده، في حين يعجز نفسه عن القيام بهذا العمل؟ الم يستفد الشعب العراقي استفادة كبرى من هذا الإسقاط؟ التعصب القومي و الديني أعمى عيون البعض فيثرثرون دوماً عن الغزو والاحتلال ومتاعبه ويحنون إلى النظام السابق ويتباكون على ضحايا التفجيرات الإرهابية التي حدثت في سني " الاحتلال" وأودت بحياة عشرات ومئات الألوف من العراقيين العزل الأبرياء في الأسواق والشوارع و المطاعم، دون ان يعترفوا بأن القتلة لم يكونوا سوى فلول نظام صدام من البعثيين والإسلاميين المتطرفين ودون ان يقروا حقيقة أن هذه المجازر لم تكن الا امتداداًَ للمجازر الرهيبة التي دأب عليها نظام البعث في سنى حكمه. يلقي هؤلاء تبعة الابرياء ، الذين قتلهم مؤيدون لنظام البعث وحلفاؤهم، على عاتق " المحتلين" متناسين ان صدام قتل الملايين في شتى أنحاء العراق وفي إيران و الكويت، ويزعمون ان الانسحاب الأميركي من صنع مايسمنونه" المقاومة الوطنية" وهي لم تكن اكثر من الأعمال الإرهابية الإجرامية التي عرقلت التطور الياسي و الاقتصادي و الثقافي في عراق مابعد صدام.
لنقارن بقدر من الإنصاف بين عراق اليوم عقب سنوات من الغزو والاحتلال وبين عراق ماقبل سقوط صدام، فماذا نرى من الفوارق ؟
أحد الفوارق ان العراقيين يستطيعون اليوم ابداء الرأي بحرية حول مختلف الامور، دون التخوف من القمع والتنكيل، بما في ذلك حرية توجيه النقد ضد المسؤولين على اختلاف مستوياتهم، يملكون حرية النشر والكتابة و التنظيم الحزبي والنقابي، وحرية التظاهر والاعتصام و الأضراب.. في حين كانت المجاهرة بالراي المعارض لنظام صدام كافية لتعريض الإنسان للقتل أو السجن أو التشرد.. الخ.
ومن الفوارق ان مئات الالوف طردوا من بلدهم أو أرغموا على الهرب و البحث عن اللجوء في مختلف البلدان في حين ان بالإمكان أولئك المشردين ان يعودوا اليوم إلى بلادهم بشكل دائم أو موقت دون الخوف من ملاحقات الأمن البعثي.
ومن الفوارق أن صدام دفن الوف القتلى من ضحايا ارهابه في عشرات المقابر الجماعية في حين لايمكن لحاكم البلد اليوم ان يقتل ويدفن الجثث في مقابرجماعية سرية.
ومن الفوارق ان حرية الانتخابات كانت معدومة والبرلمان البعثي كان مزيفا مئة بالمئة ولم يكن لأي نائب شيء من الحرية سوى حرية الاشادة بالبعث والتصفيق لصدام، في حين ان البرلمان الحالي، رغم نواقصه، يمثل تعددية حقيقية ويعلن آراء متباينة للنواب ويجاهر بالاختلاف في الآراء والاتجاهات.
ومن الفوارق ان واردات النفط كانت تنفق وفق رغبات وأوامر الدكتاتور وحده ولم يكن هناك من يستطيع المجاهرة بالمعارضة أو المطالبة بالمحاسبة والتصدي للسلب والنهب، في حين ان هذه الموارد تنفق، أو ينفق القسم الاكبر منها، على شؤون الدولة رغم وجود الفساد الإداري- المالي، الذي ترتفع الأصوات لمحاربته.
فهل كان العهد البعثي افضل من العهد الذي تسمونه عهد الاحتلال أيها السادة القوميون والإسلاميون ممن فقدتم الاتزان السياسي و الموضوعية في التفكير؟
أم إنكم تحنون إلى ذلك العهد لأنه كان يتكرم على البعض بمنج امتيازات من فتات موائد الطاغية؟
ان العراقيين كانوا ولايزالون يتحدثون بصوت مرتفع عن الديمقراطية وعن حرية الانتخابات وخروقاتها وعن بناء دولة القانون وعن أخطاء وتجاوزات الأميركيين في السنوات التي سيطروا خلالها على هذه البلاد وعن خرق القانون وظاهرة الفساد الاداري...الخ. فهل يعود الفضل في ذلك إلى النظام البعثي الفاشي الذي اسقطه المجتمع الدولي نيابة عن الشعب العراقي ام يعود الفضل إلى اولئك الذين "غزوا" العراق و" احتلوا" أرضه تسع سنوات؟ قليلاً من الموضوعية و الأنصاف ايها السادة ، ايا كانت انتماءاتكم القومية والسياسية!
أنا لا أدعو إلى بقاء الجيش الأمريكي إلى الأبد ولا أزعم بأن الجيش الأمريكي لم يسبب للعراق اضراراً ومتاعب في سني تواجده ولا أنزه الأمريكيين عن المشاركة في السلب والنهب وعن ارتكاب الأخطاء الجدية في تصرفاتهم.. ولكنني أدعو إلى انحياز الساسة والمثقفين العراقيين إلى الحقيقة وإلى مصالح شعبهم و بلدهم عندما يقيمون ماجرى في هذه البلاد خلال السنوات الفائتة من القرن الواحد و العشرين.ان ماحدث في 2003 من عملية إسقاط النظام الدكتاتوري هو الذي أوجد التطور الديمقراطي في العراق. ورغم ان من الصعب ان نقول الآن ان الديمقراطية قد تحققت على ارض الواقع في بلادنا، الا ان المسيرة التي بدأت منذ 2003 قد قطعت شوطاً وتتواصل حتى النهاية نحو عراق ديمقراطي شبيه بالديمقراطيات الأوروبية. ولن يستطيع اي كان ان يعود به إلى العهد البعثي المنهار. واهيب بالساسة والمثقفين العراقيين إلاّ يبنوا وجهات نظرهم على ما سمعوه و يسمعونه من إخبار وتعليقات بثت من بعض اجهزة الاعلام التي لم تلتزم بالموضوعية ولا المصداقية ايام الحرب لإسقاط صدام في 2003 ، كفضائية الجزيرة التي لعبت دوراً نشطا في تشويه الحقائق كما لو ان صدام حسين وطني مخلص وضحية للعدوان الأمريكي وليس جلاداً لشبعه ومجرم حرب ومهندس الاعمال الارهابية والمقابر الجماعية، وكأن فلول حزب البعث والذمر الإرهابية من منظمة القاعدة أناس- وفق تلك الفضائية- وطنيون ثوريون يريدون تحرير العراق من الاجنبي وليس استعادة سلطان البعث أو اقامة نظام اسلامي بولوبوتى.
ان الأمريكيين اسقطوا صدام التكريتي ولكنهم لم يفهموا ظروف العراق السياسية و تعقيداته الكثيرة وبالتالي لم يتصرفوا أزاء الأوضاع والمشاكل بصورة صحيحة،الأمر الذي زاد من متاعبهم والحق الاضرار بشعبنا. ولكنهم كانوا، في سني وجودهم داخل العراق، القوة الرئيسية القادرة على كبح جماح الزمر الارهابية، وهم قدموا في تصديهم للنشاط الإرهابي- التخريبي تضحيات بالارواح( قرابة 4500 قتيل) والأموال( قرابة مليارات الدولارات) . لكنهم دافعوا عن المصالح القومية لبلدهم وحموا، من جهة ثاية، مصالح العراق وارسوا أسس نظام مدني ديمقراطي، معتمدين بالدرجة الاولى على الأحزاب والقوى الاسلامية التي أفرزتها وعززتها أوضاع المنطقة وسياسات صدام. وقد كانت القوى الإسلامية العربية بجناحيها الشيعي و السني هي القوى الرئيسية المسيطرة على الحكم، التي تعامل معها الأمريكيون، وهي أثبتت- كما تؤكد تجارب السنوات التسع المنصرمة- أنها غير مؤهلة لقيادة سفينة الحكم نحو الديمقراطية،بل غير مقتنعة في قرارة نفسها بالبناء الديمقراطي في الحياة الاجتماعية. بيد أن التواجد للجيش الأمريكي وضغوطات ظروف العولمة الراهنة قد فرضت عليها القبول ببعض الخطوات باتجاه التحول الديمقراطي.
والسؤال المهم، أو التحدي الذي يواجه العراقيين اليوم، بعد انسحاب الجيش الأمريكي من البلاد: ما الذي ينتظر حدوثه في العراق بعد الانسحاب؟ وماذا يكون مصير العملية السياسية التي لاتزال في منتصف الطريق؟
انسحاب الجيش الأمريكي أمر طبيعي ومطلوب بالنسبة للعراق، رغم ان هناك في المنطقة عدداً من البلدان العربية- الخليجية- وغير العربية توجد فيها قوات أمريكية وقواعد عسكرية خاصة بها. غير ان تحديد موعد الانسحاب الأمريكي امر مختلف عليه. واعتقد انه كان يجب تأخير هذا الانسحاب لسنة أو سنتين، لكي لايسبب الفراغ الأمني الناجم عنه بسبب عدم تهيؤ العراق حالياً لملء هذا الفراغ بصورة مناسبة، واعتقد ان رئيس الوزراء نوري المالكي يعرف جيداً هذه الحقيقة ولكنه رضخ لرغبة وارادة حكام طهران، الذين يريدون ابعاد القوات الأمريكية لكي تكون لهم مجالات أوسع في التدخل بشؤون العراق والسعي لتقوية مواقع الحركة السياسية الجعفرية في العراق. وقد كان الزعماء الشيعة والسنة من القوميين والإسلام السياسي متفقين على رفض بقاء القوات الأمريكية. رغم ان كل فريق كان له هدفه المختلف عن هدف الفريق الآخر وراء الانسحاب . وكان الزعيم الكردي مسعود البرزاني مصيبا حين حذر من عواقب الانسحاب في الظرف الراهن، فيما التزم الطالباني واياد علاوي الصمت إزاء المسالة لكي لايزعجوا الآخرين من السنة والشيعة. والأيام القليلة الفائتة، التي اعقبت الانحاب اظهرت الفراغ الامني وما نجم عنه من توسيع النشاط الإرهابي.وسلسلة التفجيرات الكثيرة، التي امتنعت وتمتنع السلطات المسؤولة في اغلب الأحيان عن إعلان نتائج التحقيق بشأنها خلال السنوات المنصرمة لأن المسؤول عنها كان بعض الأحيان من المسولين ولأن المنفذين كانوا من ميلشيات الأحزاب المشتركة في الحكم والمناهضة عمليا لإقامة نظام مدني وديمقراطي .
ان الوقائع أثبتت بما لايدع مجالا للشك حقيقة مؤسفة هي ان نوري المالكي لم يكن خلال السنوات التي تسلم فيها منصب رئاسة الحكومة مؤهلاً لقيادة العملية السياسية في العراق. فهو كان على الدوام مهتماً بتعزيز سلطته الشخصية وضمان بقائه رئيسا للحكومة أكثر بكثير من حرصه على انجاح العملية السياسية. وتجدر الإشارة هنا إلى ان المنافس الرئيسي للمالكي واقصد رئيس القائمة العراقية اياد علاوي، الذي استورده الاميركيون من لندن اثر سقوط صدام بأمل الاستفادة منه لتقوية نفوذهم في العراق، لم يملك المؤهلات لقيادة العملية السياسية بل كان همه ان يزيج المالكي ويحل محله. وهو دأب على مغازلة البعثيين بأمل كسب تأييدهم له، وظل مستعداً للتعاون مع الزين والشين لتحقيق هذا الهدف. ومادامت المحاصصة الطائفية هي الأساس لملء المناصب وتوزيع المسؤوليات فإن الوضع يظل على نفس المنوال أو يسير نحو الاسوأ ويجعل من امثال صالح المطلق فارساً من فرسان الميدان السياسي. لقد كانت السنوات التسع المنصرمة كافية لتحقيق الاستقرار بقدر مناسب وللسير بالعملية السياسية خطوات كبيرة إلى امام فيما لوكانت مقاليد الحكم بأيدي ساسة كفؤئين ومخلصين لقضية الشعب والوطن، في حين ان كبار المسؤولين في النظام اليوم منهمكون في صراعات داخلية لاتمت إلى مصلحة الشعب بصلة، هي صراعات طائفية وشخصية- مصلحيه تلعب فيها القوى والدول الأجنبية دوراًهاماً ومبرمجاً بهدف إضعاف بعض الأطراف وارضاخ البعض الآخر للأجنبي المتآمر. ويراهن الكثيرون من ساسة البلاد على ترضية الدول المجاورة وكسب الدعم منها والاستفادة منها لإضعاف المنافسين و لخداع الجماهير العراقية.
ويكثر المسؤولون الحديث عن ضرورة الشفافية في العمل وعدم اخفاء الامور عن الجماهير، ولكن ماظل غائباً عن الناس طوال السنين المنصرمة كان عكس ما ادعاه هؤلاء، سواء على صعيد العراق أم في اقليم كردستان. وهناك عدد لايحصى من الوقائع التي تؤكد هذه الحقيقة، منها ان مفارز مسلحة هاجمت في وضح النهار وعلى مراى ومسمع من السلطة ومن الناس على الوزارة الفلانية أو الدائرة الفلانية واعتقلت أو خطفت العشرات من الموظفين.. يعرف الجميع ان هذه المفارز لم تكن سوى ميليشيات هذه الجهة أو تلك.. وتعد الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق وكشف النتائج للرأي العام. ثم يلتزم المسؤولون الصمت وعفا الله عما سلف؟
ومنها ان الأحزاب المعارضة ونوابا في البرلمان وفضائيات وصحفا محلية نشرت الكثير عما جرى بالنسبة لإنتاج النفط في اقليم كردستان حيث لايعرف الشعب ولا البرلمان الإقليمي ولا اي شخص خارج حلقة ضيقة من قيادة الحزبين الحاكمين، بل من زعيمي الحزبين،عما ينتج من النفط ومقدار المنتوج وكيفية التصرف بالمبالغ المستحفلة.. يجري كل ذلك في سني العقد الثاني من القرن الواحد و العشرين وفي بلد يدعي زعماؤه أنهم ديمقراطيون وحريصون على الشفافية!
ان المخاطر المحدقة بالعراق اليوم تفرض على جميع الساسة والمثقفين، بل على المواطنين جميعاً، ان يتساؤلوا: إلى أين يتجه العراق اليوم، بعد ان انسحبت القوات الأمريكية وبعد ان احتدمت المشاكل بسرعة قياسية؟ هل نقف جميعاً مكتوفي الأيدي حتى تبدأ وتلتهب الحرب الطائفية، السنية- الشيعية، التي تتمناها وتحرض عليها أوساط واجهزة مخابراتية في الدول المحيطة بنا؟ وهل المطالبة بتحويل المحافظة الفلانية إلى ادارة اقليمية مبرر هذا الانزعاج الشديد من رئيس الوزراء المالكي، بدلاً من جمع مجلس الوزراء لطرح هنا الطلب حول إقامة الإدارة الإقليمية ومناقشة المسألة بهدوء واتزان؟ ولماذا لم تسقط السماء على الأرض ولم يحرك المالكي ساكناً خلال السنوات التسع المنصرمة حيث طالب فريق من البصريين خلال هذه الاعوام بجعل محافظتهم اقيلماً؟
ان الانسحاب المبكر للقوات الأمريكية وضع العراق امام خطر الحرب الاهلية التي سيكون الشعب هو الضحية فيها وسيعود العراق إلى الوراء خطوات كبيرة، إلى مصير مجهول. ويتأتي اليوم على جميع السياسيين المخلصين لهذا الشعب ان يتفقوا على مسألة هامة، مهما كانت خلافاتهم، مسألة تجنيب هذه البلاد ويلات حرب جديدة طائفية في هذه المرة، قد تنجم عن التعصب الطائفي- المذهبي الأعمى وعن دسائس بعض الأوساط المعادية في الدول المجاورة، والمشرع التالي هو إسهام مني في البحث عن حل للمشكلة.

1- عقد اتفاق جماعي على اعتماد الحوار السلمي سبيلا لحل المشاكل، بعيداً عن العنف و الصدامات الدموية، وهنا لابد من تأييد ميثاق الشرف الذي اقترحه التيار الصدري، مع التأكيد على ان هذا التيار نفسه مدعو قبل غيره للالتزام بهذا الميثاق.
2- الاتفاق على حل البرلمان واجراء انتخابات حرة نزيهة تحت الإشراف الدولي ونصب كاميرات المراقبة على صناديق الاقتراع، مع اجراء تعديل في قانون الانتخاب ينص على تشكيل الهيأة المشرفة على الانتخابات من قضاة ومحامين محايدين نزيهين والاخذ بمبدأ التمثيل النسبي وحده وادخال ممثل أي حزب او قائمة إلى البرلمان حتى ولو فاز بما يمنحه مقعداً برلمانيا واحداً، لكي يكون البرلمان ممثلاً حقيقياً لجميع مكونات المجتمع.
3- استقالة المالكي والهاشمي منذ الآن وتشكيل حكومة تكنوقراطية لإدارة الأعمال ولتدبير الانتخابات البرلمانية خلال ثلاثة أشهر، وترك قضية الهاشمي للقضاء دون تدخل.
4- القبول المبدئي بفكرة إنشاء الأقاليم في المناطق العربية، مع طرح المسألة المناقشة شاملة وربط ذلك بقضية التطور الديمقراطي في العراق وبإعادة المدن والمناطق التي تقطنها أغلبية كردية إلى إدارة إقليم كردستان. لقطع الطريق على الاوساط التي ترى من مصلحتها إثارة النزاعات القومية وتعقيد المشاكل أكثر في العراق بإقحام الإقليم في الصراعات الطائفية وهناك مشاكل أخرى كثيرة كمشكلة الفساد وانعدام الشفافية في عمل السلطة وغير ذلك، تحال إلى البرلمان اللاحق والحكومة التي ستنبثق منه، لأن الحكومة الحالية بجميع مكوناتها أخفقت في إيجاد حلول لها وهي مدعوة إلى الرحيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - احسنت يا ابو علي
عمر علي ( 2012 / 1 / 9 - 14:10 )
تحليل موضوعي بعيدا عن العواطف والادلجة والمواقف المسبقة والشعارات الثورجية .ذكرت ان البعثين والقومجية اليعربيون والاسلاميون من كانوا ضد اسقاط صدام ،ولكن غاب عن بالك ان الكثير من اليسارين العراقين هم من طبل ويطبلون بخروج الامريكان ليس من اجل عيون الشعب العراقي وانما من دوافع آيديولوجية مسبقة وهي كره الامريكان والغرب كما تبرمجنا منذ انتمينا لهذا اليسار،علما اكثرهم يعيش في الغرب ويتنعم بخيراته ويشتمه ليل نهار كما يفعل الاسلامويون والقومجيون العرب ويحفظون هذه الاغنية القديمة التي كنا نرددها يوميا ان امريكيا جاءت لتنهب نفطنا وكأنما صدام كان يرفض ذلك لو امريكا وافقت على بقائه مقابل حصولها على النفط؟؟ احيك على هذا المقال وانت الشيوعي القيادي التاريخي ولكنك على علمي تحررت مثل الكثيرين من السجن الآيديولوجي واصبحت تطير في فضاء الحرية لتقول ماتشاء وليس ماكان يملى عليك آيديولوجيا
تحياتي لك ومزيدا من المقالات الجريئة
ارجو نشر تعليقي واذا تعذر ذلك ارجو ارساله للرفيق بهاء الدين نوري ا


2 - طرح جرئ
حميد خنجي ( 2012 / 1 / 9 - 14:52 )
شكرا يا بهاء العراق على هذا الطرح الموضوعي الجرئ، ولو انه يخدش المتأدلجين- العاطفيين، في اليمين واليسار، بالرغم ان قراءتك للوضع -بالضرورة - منحازة ايدلوجيا، اي تصب في مصلحة عموم الشعب العراقي، عدا المخدوعين والمتمصلحين


3 - اضافات
أبو أيمن البغدادي ( 2012 / 1 / 10 - 10:48 )
ليسمح لي الأخ الكاتب باضافة بعض الفوارق الأخرى التي أوردها والتي اغفلها أو تغافل عنها وأنا اذ أذكرها فليس دفاعآ عن أي نظام ديكتاتوري أو ديمو خراطي (الخاء مقصوده)
ففي مجال حرية الرأي التي يشهدها عراقنا الديوخراطي شهدنا وسنشهد استهداف العديد من الصحفيين ووسائل الاعلام المنتقده للعملية السياسيه فهذا الصحفي الشهيد هادي المهدي وهذه قناة البغداديه مثال
وفي موضوع طرد الالوف من بلدهم في ذلك الوقت فالحمد لله على نعمه أنشهدنا الآن تههجير الالوف وتصفية الالوف الأخرى وفق الطائفية المقيته التي جلبها لنا الأمريكان وأعوانهم
وفي موضوع البرلمان فأنا أؤيدك تأييدآ كبيرآ وأضيف لما قلته كلامآ قد يعجبك أو لا وبالتأكيد لا...فمن نعم الاحتلال أننا شهدنا برلمانآ متصارغعآ وتقاتلآ فيما بين أعضائه وغير منسجمآ والأدهى والأمر أنهم كلهم ارهابيون وباعترافهم هم فهذا ارهابي قولآ وفعلآ وذاك متسترآ على ملفات ارهابيه وآخر يأوي الارهاب والارهابيون ؟؟؟؟
فأية فوارق أيها السيد العزيز تتحدث عنها ؟؟ ثم أية انتخابات تلك التي تطالب بها وأنت ليس لديك قأنونآ للأحزاب يحدد هوية الأحزاب التي تشارك في الانتخابات ومصادر تمويلها

اخر الافلام

.. هدنة غزة وصفقة تبادل.. تعثر قد ينذر بانفجار| #غرفة_الأخبار


.. إيران والمنطقة.. الاختيار بين الاندماج أو العزلة| #غرفة_الأخ




.. نتنياهو: اجتياح رفح سيتم قريبا سواء تم التوصل لاتفاق أم لا


.. بلينكن يعلن موعد جاهزية -الرصيف العائم- في غزة




.. بن غفير: نتنياهو وعدني بأن إسرائيل ستدخل رفح وأن الحرب لن تن