الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إكليل بلير

أوري أفنيري

2005 / 1 / 1
القضية الفلسطينية


"يكمن حل اللغز في نباح الكلب" هذا ما قاله شارلوك هولمز.

"لكن الكلب لم ينبح أبدا!" أجابه الدكتور ووطسون.

"هذا هو صلب الموضوع!" أجاب شارلوك.

لغز هذا الأسبوع متعلق بإكليل طوني بلير. الإكليل الذي وضعه على ضريح ياسر عرفات. هذا هو صلب الموضوع، دكتور ووطسون.

لقد وصل بلير بالفعل إلى الضريح، إلا أنه امتنع عن فعل أبسط الأشياء المتعارف عليها: وضع إكليل على الضريح. إنه لم ينحن أيضا. لقد طأطأ رأسه بعدة سنتيمترات فقط وأسرع مغادرا المكان.

أسمع في ذهني التشاور المكثف الذي سبق الحدث. لقد تناقش مستشارو بلير فيما بينهم: هل يتوجب وضع إكليل؟ لا سمح الله، هذا سيغضب الرئيس بوش. أيجب الانحناء؟ هذا لن يعجب أرئيل شارون. إذن طأطأة رأس خفيفة. حسن. هذا يمكنه أن يكفي الفلسطينيين الـ ...

ولكن السؤال هو كم سنتيمترا؟ عشرة سنتيمترات؟ هذا أكثر مما يجب. سنتيمتران؟ إنها غير كافية. إذن خمسة سنتيمترات. اتفقنا.

أرى في مخيلتي أيضا بلير وهو يحاول التدرب على ذلك كما يجب. وبالفعل فقد نجح ذلك تماما كما هو مخطط بدقة وصلت إلى مليمترات.

قبل ذلك بأربع وعشرين ساعة، وقفت في المكان ذاته، في اليوم الـ 40 من الحداد، والذي له معنى خاص في التقاليد الإسلامية، قادة السلطة الفلسطينية وضيوف كثيرون، ومن بينهم ممثلين عن الرئيس المصري والملك الأردني، اجتمعوا في قاعة المناسبات في المقاطعة واكتظ عشرات الآلاف في الساحة. وقد تم تحديد أماكن محجوزة لمجموعة نشطاء "كتلة السلام" وهو الوفد الإسرائيلي الوحيد الذي شارك في المناسبة. بعد إلقاء الخطابات، توجهنا إلى الضريح الذي تراكمت عليه عشرات الأكاليل. لقد مر الفلسطينيون أمام الضريح ووقفوا صامتين لبرهة ثم تلوا صلاة قصيرة. كانت هناك أعين دامعة كثيرة. لقد أصبح هذا الموقع، الموقع الوطني الرئيسي للشعب الفلسطيني بعد المسجد الأقصى وقبة الصخرة.

قال لي أحد الشباب المتواجدين في المكان "كل فلسطيني يحب عرفات، وكل منا يحبه بأسلوبة الخاص".

كان بلير يعتقد بالتأكيد أنه يقدم حسنة كبيرة للفلسطينيين بمجرد اقترابه من الضريح. إلا أن تصرفه هذا، كشخص يتصرف من منطلق الواجب فقط، كان تصرفا خاطئا جدا. إن التعاطف، في الثقافة العربية، أهم بكثير من الكلمات. لقد كان عدم وضع الإكليل بمثابة إهانة لذكرى أبي الأمة الفلسطينية. ومقارنة بعرفات فإن بلير هو قزم سياسي.



إذن لماذا جاء أصلا؟

لقد انتشرت في العالم إشاعة بأن هناك "نافذة من الفرص" فيما يتعلق بالنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني. بدأ زعماء العالم ينقضون على هذه الفرصة كطيور حطت من السماء، ابتداء من بلير ذاته وانتهاء بوزير الخارجية الإيطالي الفاشي السابق. كلهم يريدون اختطاف وجبة من المجد "كصانعي سلام". هذا أمر مقرف للغاية ومثير للسخرية أيضا، لأنه من الناحية العملية لا توجد نافذة ولا توجد فرص، طالما شارون ما زال في السلطة.

لدى بلير سبب آخر خاص به. لقد جر بريطانيا إلى الحرب في العراق، خلافا لإرادة جزء كبر من شعبه. وكما توقع الكثيرون مسبقا، فقد تحولت هذه الحرب إلى كارثة، تتفاقم يوما بعد يوم. إذن ما هو الشيء الأفضل من امتطاء صهوة القضية الفلسطينية لتمويه الرأي العام عن العار العراقي؟ وبهدف التحرر من يافطة "كلب البودل الخاص ببوش"، على بلير أن يثبت أيضا أنه قادر على النهوض بمبادرة مستقلة، وجر بوش خلفه، من منطلق التغيير فقط.

هكذا ولدت الفكرة: مؤتمر سلام دولي كبير ينعقد في لندن، ويتم التوصل فيه إلى السلام المرجو بين إسرائيل وفلسطين. نجاح باهر. بريطانيا تعود إلى ذروتها. من المؤكد أن جائزة نوبل ستكون من نصيب بلير.

إلا أنه عندما أسرع إلى أريئيل شارون، كان ينتظره حمام بارد. شارون واثق من نفسه، وهو أقرب إلى بوش منه إلى بلير أكثر من أي وقت مضى. عندما اقترح عليه بلير مؤتمر السلام، قال له شارون ما معناه، "أنت تعرف أين يمكنك حشوه".

لقد ترجّل بلير عن صهوة الحصان بنفس السرعة التي امتطاها فيها. حسنا، إذن لن يكون هناك مؤتمر سلام. السلام "آوط" وممنوع ذكره بتاتا. سيكون هناك مجرد مؤتمر، بدون سلام، ولن تشارك فيه إسرائيل على الإطلاق. إذن ما الهدف من المؤتمر؟ إنه يهدف إلى تعليم الفلسطينيين كيفية الاستعداد إلى السلام. كيف يحاربون الإرهاب وكيف يقيمون الديمقراطية وكيف ينفذون الإصلاحات. بريطانيا المليئة الآن بفضائح الجنس والرشاوى ستعلم الفلسطينيين كيف يتصرفون.

لقد حاول بلير أيضا أن ينفخ ببوق السلام الإسرائيلي الفلسطيني إلا أنه سرعان ما تخلى عن ذلك أيضا. بوش لا يريد سلاما إسرائيليا-سوريا، وشارون لا يريد بذلك أكثر منه. بوش يرغب في الحفاظ على خيار الهجوم على سوريا عندما يتحسن الوضع في العراق. (ما زال يحلم بذلك في الليل). أما شارون فهو لا يريد أي سلام ينجم عنه تفكيك المستوطنات وإرجاع الجولان، لا سمح الله.

ما تبقى هو إذن القضية الفلسطينية فقط. بينما كان يقف إلى جانب شارون، ووجهه مفعم بالإعجاب، أعلن بلير أن أية عملية سلام لن تكون ممكنة حتى يقضي الفلسطينيون على الإرهاب. والترجمة بتصرف: إلى أن تنتهي مقاومة الاحتلال، لن يكون بالإمكان الحديث عن إنهاء الاحتلال. ولأن أي زعامة فلسطينية لن تنجح في "القضاء على الإرهاب" في وقت لا يوجد فيه بصيص من الأمل في إنهاء الاحتلال وحل النزاع، هذا يعني: لن تكون هناك عملية سلام.

حتى قبل 44 يوما كانت لذلك ذريعة بسيطة: ياسر عرفات الشرير هو العائق أمام السلام. أما الآن وقد ذهب عرفات، فقد استلّ شارون ذريعته الأخرى على الفور: عليه أولا القضاء على الإرهاب. بما معناه: حتى تثمر النخلة زيتونا. لقد تقبل بلير ذلك بلهفة.

لقد جاء إلى رام الله مع هذه الحمولة الثقيلة لكي يقترح على أبي مازن مؤتمرا في لندن كأداة لتثقيف الشعب الفلسطيني. بلير يؤمن، على ما يبدو، أن الشعب الفلسطيني، وهو يعاني من ضائقته الصعبة، سيتشبث بقشة أيضا.

لقد عبر رئيس الحكومة أبو علاء، غداة ذلك اليوم، عن الغضب الذي أثاره بلير لدى الفلسطينيين إذ هاجم مبادرته بشدة. إلا أن الزعامة الفلسطينية لا يمكنها أن تسمح لنفسها رفض الدعوة لحضور المؤتمر، وخاصة إذا طلب بوش ذلك. إذن سيكون هنالك مؤتمر آخر عقيم، يتناول "القضية الفلسطينية" وسيكون المؤتمر المائة والواحد (لا أحد يعد).

آمل في ألا يضع أبو مازن أي إكليل في لندن، وأن يقصد ضريح تشرشل وأن يطأطئ رأسه خمسة سنتيمترات بالتمام والكمال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من ساحة الحرب إلى حلبة السباقات..مواجهة روسية أوكرانية مرتقب


.. محمود ماهر يطالب جلال عمارة بالقيام بمقلب بوالدته ????




.. ملاحقات قضائية وضغوط وتهديدات.. هل الصحافيون أحرار في عملهم؟


.. الانتخابات الأوروبية: نقص المعلومات بشأنها يفاقم من قلة وعي




.. كيف ولدت المدرسة الإنطباعية وكيف غيرت مسار تاريخ الفن ؟ • فر