الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة سريعة ومقتضبة في الثورات العربية

جمال القرى

2012 / 1 / 9
مواضيع وابحاث سياسية



ان الاستناد في قراءة الثورات العربية إلى مفهوم علمي للتاريخ ، اي الى اعتبار أن التاريخ ليس حدثياً، أو مجموعة أحداث متتالية، بل بما هو علاقة بُنى اجتماعية محدّدة تتوّلد بها الأحداث. وأن هذه العلاقة بالذات، وفي حركة تكوُّنها وترابطها وتفكُّكها وتحوّلها المؤدية إلى التغييرالاقتصادي والسياسي، تكمن اعادة صياغة كل الادوار، ورسم شكل جديد من الصراع الاجتماعي. ان تغييب الصراع الطبقي، عن مفهوم هذه الثورات، اي تغييب التناقض السياسي لصالح الصراع الاقتصادي، او العكس، وعدم رؤيتها كأزمة عامة، يؤدي الى نوع من تبسيط ما يحدث، او الى اعتباره مؤامرة، مما يؤدي إلى فشلها.
ما يحدث، يستدعي التوقّف عنده ملياً، فالفشل ان حصل، سيطيل أمد الأزمة، وسيؤجّل حلولها، لذلك يتحمّل المسؤولية الكبرى من يقف الى جانب استمرار انظمة الاستبداد في سلطتها، تحت حجة ان ما يحصل هو مؤامرة غربية واميركية تجب مواجهتها. ان هذه الانظمة بالذات، والتي سوّقت اقتصاد السوق المعولم بشقّه الاستغلالي ضد شعوبها من اجل ضمان استمرارها هي في أزمة، ولا يجوز تعويمها بأي شكل من الاشكال، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يتبيّن ان مهندسي اقتصاد السوق هذا يعمدون الى خلق سلطة جديدة بديلة تضمن استمرار مصالح ليس دولهم، بل مصالح القابضين على مفاصل هذه السوق. من هنا وجوب الوقوف ودعم كل البنى الاجتماعية المنضوية في هذه الثورات من اجل نيل الحرية، الضرورية لرسم صورة شعوبها، وتحصيل حقوقهم، واسهامهم في بناء اقتصاد وطني، ونظام سياسي يأخذ في الاعتبار مكوّناته الثقافية، وتعدّديته، وجعل تقبّلها لأي تغيير ديموقراطي ينبع من خصوصيتّها، وكي تُقطع الطريق امام المساومين المحليّين الجدد، الذين لا همّ لهم سوى بناء سلطة جديدة تُدخل دولها في تحالفات متينة مع الراعي الاقوى، وتعود الأزمة الى الاستمرار. ما أود قوله، هو ان هذه المرحلة هي بالغعل مرحلة تاريخية بكل معنى الكلمة، والمعطيات، فإما ان نساهم بالدخول في مرحلة تاريخية جديدة اكثر تطوراً، واما علينا الانتظار كي تعود تللك الظروف الى النضوج مجدداً بعد أمد سيكون بعيداً. عندها فقط يمكن ترسيم هوّية وطنية تستطيع تقطيع أوصال العلاقات الما قبل دولتية، اي القبلية بكل تنوّعاتها وتبني وطناً، إذا بقي هناك من مكان لبنائه.

و,انطلاقاّ من النقاشات الدائرة، ألاحظ على ان الفروقات بين الافكار التي طرحها الجميع، تصبّ في همّ وهدف ليسا بعيدين في محتويهما، وان اختلفت المقاربات النظرية والعملية، او بعض الاولويات او التحليلات لهما، وصولاً الى التسميات. الكل مجمع على ان تغييراً جذرياً قد بدأ في مجتمعاتنا، ولا بدّ من مواكبته، وآمل ان تتوسع هذه النقاشات وتتشعّب، لتطال اكثر النقاط الخلافية، وتتوسّع الصدور لها لاستيعابها ، من اجل التوصّل الى ما يمكن ان يفيد مجتمعاتنا.
سأحاول ان أتوسع في نقطة وآمل نقدها وتصويبها.
أزعم ان الماركسية، كنظرية علمية، هي من أهم من شرّح النظام الرأسمالي بكافة مكوناته، ودرس تناقضاته، ، ولكن هذا لا يعني انها قادرة ، كمنظومة فكرية غير ثابتة، على تشريح النظام العالمي الجديد، بل هي خاضعة للتطور الفكري العام، انطلاقاً من التغيير والتطور العلمي، على صعيد الاجتماع والسياسة والاقتصاد، لا بل على صعيد بروز قطاعات معرفية جديدة، نتيجة التطورات العلمية. لذلك هي عرضة للنقد من اجل تطويرها، لمن يشاء، لإستيلاد منظومة افكار جديدة تعكس عملية التطور الحاصلة في شتّى الميادين.
هذه المقدمة، هي للقول بأن اي عملية تغييرية، لا بدّ ان يكون لها تفسيراً نظرياً، قائماً على دراسة التناقضات التي أدّت الى ضرورة تغيير الواقع، وبالتالي، فإن عملية تحليل الواقع العربي بثوراته، وما يجري فيه، بحاجة الى اعادة قراءة بمنهج وبأدوات علمية متطورة، لفهمه، وتحديد الموقف منه. والسؤال الكبير المطروح، هو استنباط القوانين التي تحكمه بشكله التاريخي الحالي، وبتناقضاته الداخلية التي تشكّل وتفرز كل قواه المجتمعية، وكذلك بعلاقتها مع القوانين التي تحكم الشكل التاريخي الحالي للتطوّر العالمي العام، والذي هو زمن العولمة واقتصاد السوق، وبروز ما يسمّى العلم العلمي او المعرفي وما ينتجه، الخ....
اذن، وانطلاقاً من هنا، أفترض ان الأزمة الكبرى، والتي لم يُنتج اختصاصيّو الاقتصاد والاجتماع ما يكفي لدراستها واستيعابها، للبناء عليه، هو هذا التفاوت الكبير، أو الهوّة السحيقة بين المستوى العالمي العام للتطور، وتناغمه مع كل المستويات في المجتمعات المتطورة ( الاجتماعية والاقتصادية)، وبين مستوى تطور دول العالم الثالث ( ونحن منهم) في الاجتماع والاقتصاد، ناهيك عن السياسة. هذا الافتراق الكبير الذي يفصل بين وعييّن ( وعي مجتمعات متطورة، ومجتمعات لا تزال علاقاتها بدائية، او ما قبل دولتية)، على مستوى طبيعة العلاقات الاجتماعية والانتاجية والاقتصادية، يبيّن ان في المجتمعات المتطورة، هناك تلازم بين تطورها الاجتماعي وبين ذاك الاقتصادي الانتاجي بكل تفرعاته وجديده، وصولاً الى تشكّل ما يسمى، وهو تطورها الارقى، "اقتصاد السوق". اما في بلداننا، فإن تطور الوعي والعلاقات الاجتماعية، يشير الى بطءٍ شديد يتوازى مع مع بطء تطور الانتاجية الاقتصادية، والتي يحوّلها تفوّق اقتصاد السوق على كل الاصعدة، الى سوق استهلاكية واسعة، فهي إذن، تابعة وتتعرّض للهيمنة، ولكن بأشكال جديدة غير كلاسيكية.
مناسبة هذا الكلام، هو اننا في خضمّ ما يحدث عندنا من ثورات وتحوّلات، وما يجري من تقييم سلبي او ايجابي له، وفي محاولة لإستقراء عما سيؤول اليه المستقبل القريب او البعيد، ومن هو المستفيد الاول، وكيف استطاعت القوى الاسلامية المختلفة من الوصول الى البرلمانات اثر انتخابات هي ديموقراطية؟ ما هي العوائق التي تقف بوجه نجاح هذه الثورات، من يستغلها ولماذا، ما دور النخب والمفكريين في تصويب مسارها، من هي القوى صاحبة المصلحة في التغيير، هل هناك من حاجة لنظرية واضحة تواكبها، فيما تختلف عن غيرها من الثورات الاخرى، هل هي كلاسيكية، ام ان هناك شكلاً آخر من الثورات بدأ بالتشكّل، الى كثير كثير من الاسئلة المشروعة. اذن الحاجة ملّحة وملحّة جداً، من اجل اعادة تقييم هذه المجتمعات على ضوء منهجِ علمي جديد، يرتكز على نقد المنهج السابق لتطويره، ومن دون الغائه، من اجل كشف جوهر التناقضات المجتمعية المتغيّرة، وانتاج اطار مفاهيم يمكننا من خلاله تجاوز معضلاتنا وأزماتنا، بأقل خسائر ممكنة، ويمكنّنا ايضاً، ولو نظرياً تأسيس فكرة حول كيفية مواجهة اقتصاد السوق، والتي تقع في اساس اي نجاح في اي عملية تغيير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. مصادرنا: استهداف مسيرة إسرائيلية لسيارة في بنت جبيل جنوبي لب




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. مصادر عربية متفائلة بمحادثات القاهرة.. وتل أبيب تقول إنها لم




.. بروفايل | وفاة الداعية والمفكر والسياسي السوري عصام العطار