الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من سجون الاحتلال الى مستشفيات السرطان

يوسف فواضلة

2012 / 1 / 9
حقوق الانسان


أمٌ تعانق قرة عينها وسط صيحات من الفرح والدموع التي لا تنم الا عن محبة صادقة.. أصدقاءٌ يتدافعون لمعانقة ذاك الحرّ..

كان ذلك حين توافد أهل ورفاق درب البطل العائد من سجون الظلم والقهر، سجون الاحتلال الاسرائيلي، الاسير المحرر غسان عباس الريماوي، حيث تعالت الزغاريد لونت السماء بالمفرقعات ابتهاجاً بعودة البطل المحرر..

غسان "الملقب بـ غضب" الذي طال انتظاره، كان هناك على شرفة منزله يسرق نظراته المشتاقة لأخوته ويدير عيناه نحو أزقة وزوايا المنزل المسقوف بالطين القديم وحجارته البارزة على جدران ذلك البيت التي صمدت سنين طوال.

الحلوى توزع والقهوة تصب للضيوف، القادمين لمباركة الافراج، مجموعة تدخل توحي البطل وتتداول معه أمور الاسرى وعن اي سجن قد امضى محكوميته فيه "مدة سجنه 7 أشهر" ، وأخرون يسألونه عن حال من يتعطشون لرؤيته خلف تلك القضبان الحديدية.

مرت صورته في مخيلتي للوهلة الاولى مروراً غريباً، فقد كانت صورته المرسومة في مخيلتي: غسان ذو الوجه القمحي ويميل الى السمرة، لكن وجهه كان أجمل، لم يكن ذلك البياض الذي ادركته للوهلة الاولى، لقد كان وجهه محاط بالصفار ويكاد يفقده ملامح وجهه البريء من شمس السنين الحارقة. وأي شمس هي التي تكون تحت سقف الزنازين!

الحكاية تبدأ منذ أن شعر من يعرفوه انه ليس على حال مطمئن، فأرسلوه الى الطبيب وأظهر فحصه أنه يعاني من نقص حاد في الدم، حتى أن نسبة دمه لا تقويه على الحراك ومع ذلك فأنه كان ثابت القدمين قوي العزيمة.. وقد أجرو له الفحوصات الطبية المعمقة ليتبين انه مصاب بسرطان الدم.


وتبداء رحلة البحث عن حياة..


كان غسان على دراية تامة بأن شيء ما قد أصابه، حيث أن تكرار حالات الدوخة والارهاق الشديد الذي اصابه ولم يبارحه لم يكن بلا سبب. غسان الذي قضي محكوميته "7 اشهر" في سجن عوفر بالقرب من مدينة رام الله، هناك بالتحديد بدء التعب والارهاق يلازمه بالاضافة الى عدم اتزانه في المشي ما كان يؤدي الى سقوطه ارضاً.

بدء يدور في ذهنه أشياء كثيرة وكان من بينها انه مصاب بمرض السرطان، حيث كان وصديقه بلال جالسين في ساحة المعتقل، ليبداء غسان بالقول: "راح اموت مش مطول حاسس حالى معى سرطان ولما أرجع عالبيت راح أنبسط وأعمل كل اشي في بالي لأني مش مطول.."

لم يستطع غسان اخفاء مرضه على أصدقاءه وأهله، فالكل أحس بأن حالته ليست على ما يرام وأن شيء ما قد أصابه، وجهه المائل الى الصفار وجسمه المرهق يخفيان قصة وراءهما بكل تأكيد! أصرت والدة غسان على ذهابه الى المختبر واجراء الفحوصات الازمة لعلهم يطمأنون عليه، وبعد اصرار والدته ذهب غسان مع ابن خالته للطبيب المقيم في بلدته"بيت ريما". أطلع غسان الطبيب على ما كان يحدث معه في السجن، فبعد ذلك قرر الطبيب اخذ عينة من دمه وأختبارها. عشر دقائق طويلة كانت بالنسبة لغسان ليعرف سبب كل ما حصل معه ومازال يحصل، فبعد خروج النتيجة قال الطبيب : مستحيل، 4 وحدات قوة دمك، ما بتقدر تمشي ولا حتى بتعيش، لازم أعيد الفحص. أعاد الطبيب الفحص 3 مرات لتبقى النتيجة على حالها وحالة الذهول تصيب الطبيب، ليطلب من غسان وعلى الفور الذهاب الى المستشفى واعادة الفحص، لان ماكنته على ما يبدو انها معطلة!

على الرغم من تأخر الوقت وحلول الظلام، الا أن الطبيب قد أصر على غسان بالذهاب الى المستشفى، ما جعل غسان يذهب على الفور الى مستشفى رام الله الحكومي لاجراء الفحوصات اللازمة، وبعد اجراء الفحص والتأكد من أن نسبة دمه 4 وحدات فقط، ألزمه الاطباء ملازمة المشفى لمعرفة سبب ذلك. وعلى الفور بدء الاصدقاء والرفاق بالتسابق لتبرع بالدم لرفيقهم الغالي غسان الريماوي، مع ان زمرة دمه نادرة جداً ( -° ) الا ان حبهم له وخوفهم عليه جعلهم يحضرون له الكمية المطلوبة للعلاج واكثر من ذلك.

مرّت الأيام تحت سقف المستشفى ببطئ شديد، ولم يستطع خلالها الاطباء تشخيص المرض ووضع حد لمخيلته التي ذهبت بعيداً..

نقل غسان الى مستشفى السرطان في بيت جالا وذلك لشكهم بعض الشيء بأنه مصاب بسرطان الدم "مرض لوكيميا الدم"، وبعد تشخيص المرض والتأكد من اصابته بمرض السرطان "لوكيميا الدم". أرسل غسان على الفور الى مستشفيات علاج السـرطان بالأردن "مركز الحسيني للسرطان"، لان العلاج هنا صفته متواضعة لا يستطيع علاج ذلك الجسم المحتاج في باطنه، لكنه في ظاهرة قوي جداً. وقد بدأت فعلاً رحلة البحث عن حياة.

أرسل غسان الى مستشفى الحسيني للسرطان في الاردن، وقد انهى جلساته العلاجية الاولى وهي جلسات كيماوي"10 جلسات" استغرقت شهر ونصف من الوقت. وبعد الأنتهاء من جلسات الكيماوي، قرر الاطباء في المرحلة الثانية اجراء عملية "زرع نخاع" سيتبرع بها أخيه الاصغر"18عاماً" محمد عباس الريماوي، سيبقى غسان جراء هذه العملية "زرع نخاع" ست اشهر في المستشفى، ثلاث اشهر سيبقى في العناية المكثفة حيث كثير من أجهزته تتوقف عن العمل ويتم تشغيلها صناعياً، مثل الكلى و وضع لعاب أصطناعي في فمه و دموع في عينه وغيرها، والثلاث اشهر المتبقية يبقى في المستشفى لأكمال العلاج و مراقبته من قبل الاطباء، مع العلم أن نسبة نجاح العملية من 40%_50% حسب قول الاطباء.

"الارادة تصنع المستحيل"
رددها غسان كثيراً حين كنت في حضرته زائراً، غسان شاب طموح وطني لاقصى الحدود حيث لا كلمات تستطيع وصف حبه لوطنه فلسطين، فكلمة الارادة قد تختلف من شخص لأخر، أما بالنسبة لغسان فهي كل شيء في الحياة، فارادته الفولاذية التي رافقته اثناء تعذيب السجان له ومحاولة اذلاله في المعتقل كانت الدافع الاول وراء صموده البطولي الذي أختتمه للمرة الثالثة بنجاح. وعند تشخيص الاطباء مرضه، اكتفى بالقول: "الارادة تصنع المستحيل، أنا شخص أمتلك ما لا يمتلكه غيري، أمتلك ارادة احسد عليها، فكما أعتدت ان أنتصر في النهاية، فأنا على يقين حتمي بأن ارادتي وحبي للوطن والحياة هما من سيجعلانني أتغلب على هذا المرض الوحشي.."

وبعد مرور ما يقارب السنة من العلاج وأجراء عملية زرع نخاع لغسان في المستشفى الأردني للسرطان، تعافى غسان من المِرض و بقي الى حد اليوم يسافر الى الأردن كل ثلاث أشهر ذاهباً الى المستشفى لإجراء بعض المراجعات الطبية للاطمئنان الأطباء على حالته الصحية، ولكن استطاع غسان ممارسة حياته الطبيعية كما كانت قبل المرض حيث عاد من جديد يدرس ليقدم أمتحانات الثانوية العامة التي لم يستطيع تقديمها بسبب ظروف مرضه، ليتمكن من الألتحاق بالجامعة.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرارة الجو ..أزمة جديدة تفاقم معاناة النازحين بغزة| #مراسلو_


.. ميقاتي: نرفض أن يتحول لبنان إلى وطن بديل ونطالب بمعالجة ملف




.. شاهد: اشتباكات واعتقالات.. الشرطة تحتشد قرب مخيم احتجاج مؤيد


.. رغم أوامر الفض والاعتقالات.. اتساع رقعة احتجاجات الجامعات ال




.. بريطانيا تبدأ احتجاز المهاجرين تمهيداً لترحيلهم إلى رواندا