الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فراغات الانسحابات الأجنبية من المنطقة

محمد سيد رصاص

2012 / 1 / 10
مواضيع وابحاث سياسية



في يوم 13أوكتوبر1951قدمت الحكومتان الأميركية والبريطانية مشروعاً يحمل اسم:"دفاع الشرق الأوسط MEC".بالترافق مع هذا أرسلت لندن مذكرة إلى حكومة رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس باشا تشترط موافقة لندن على انسحاب القوات البريطانية من منطقة قناة السويس بموافقة الحكومة المصرية على المشروع.
أوحى هذا وذاك بأن فراغات الانسحابات يراد ملئها من خلال أنظمة أمنية اقليمية جديدة،تتزعمها القوى العظمى الجديدة(واشنطن)بعد أن شاخت القديمة(لندن)،وتكون مرتبطة أوهي تشكل امتدادات شرق أوسطية لحلف الأطلسي(الناتو)،الذي انضمت تركية إلى عضويته قبيل ثلاثة أسابيع من عرض ذلك المشروع الأميركي- البريطاني.
تكررت تلك المحاولة مع الحكام العسكريين الجدد للقاهرة منذ يوم 23يوليو1952،بعد أن فشلت مع النحاس باشا،الذي أسقطت حكومته ،بالتعاون مع الملك،من خلال حريق القاهرة في 26يناير1952:كان المفتاح الجديد لمحادثات الجلاء عن السويس هو تخلي القاهرة في اتفاق لندن ( 12فبراير1953 ) عن اتفاقية عام1899للحكم الثنائي البريطاني- المصري للسودان وقبولها ب"حق السودانيين في تقرير المصير".خلال عامي1953و1954 طرح وزير الخارجية الأميركية الجديد جون فوستر دالاس مشروع"الجدار الشمالي"،الممتد من الحدود الهندية الباكستانية إلى الحدود التركية البلغارية،لمواجهة الكتلة السوفياتية عبر منظومة أمنية شرق أوسطية. لعب عسكر القاهرة،حتى يوم توقيع اتفاقية جلاء البريطانيين عن منطقة القناة في 19أوكتوبر1954،بورقة الغموض تجاه المشروع الأميركي،الذي كان واضحاً أنه يحاول ملء فراغ غروب القوة البريطانية في المنطقة.لهذا،فإن رفض عبدالناصر المشاركة في (حلف بغداد)،المعلن بين تركية والعراق في24فبراير1955ثم المنضمة لندن لعضويته بعد شهرين ومن بعدها واشنطن كعضو مراقب،كان مؤدياً إلى بدء صدامه مع واشنطن وإلى اتجاهه إلى (مؤتمر باندونغ لعدم الانحياز) في إبريل وللكتلة السوفياتية في سبتمبر من خلال صفقة الأسلحة التشيكية،وعملياً فإن تأميمه للشركة العالمية لقناة السويس في26يوليو1956،وماأدت إليه من حرب 1956،كان رد فعل مباشر على السحب الأميركي لتمويل السد العالي قبل سبعة أيام من التأميم.
في هذا الإطار،يجب فهم مغازي تقديم الرئيس الأميركي أيزنهاور في 5يناير1957ل"مشروع ملء الفراغ" إثر الفشل البريطاني – الفرنسي في السويس قبل شهرين من ذلك التاريخ:في مرحلة (مابعد السويس)لم تعد تتلطى الزعامة الأميركية من وراء بريطانية في المشاريع الأمنية الشرق أوسطية،كمافي عامي1951و1955،وإنما أصبحت تشتغل مباشرة للحلول في النفوذ وتسيير الأمور محل لندن ،تماماً كماجرى في ايران مابعد انقلاب شهر أوغسطس1953على رئيس الوزراءمحمد مصدق،أولاستخدام وكلاء محليين مثل شاه ايران الذي اعتبره هنري كيسنجر "شرطياً للخليج"في أعقاب الانسحاب البريطاني من منطقة شرق السويس بدءاً من عدن(30نوفمبر1967)مروراً بالبحرين(14أوغسطس1971)وقطر(1سبتمبر1971)ووصولاً إلى الإمارات السبع(2ديسمبر1971).وقد كان سقوط حكم الشاه في 11فبراير1979مؤدياً إلى تشتت القوة الأميركية الشرق أوسطية،وهومالم يستطع أحد استثماره بفعل الانشغال الاقليمي في الحرب العراقية- الايرانية (22سبتمبر1980-8أوغسطس1988)،و بحكم عامل انشغال السوفيات في المستنقع الأفغاني (منذ يوم27ديسمبر1979)الذي قيل يومها بأن أحد عوامل تفكير ليونيد بريجنيف في غزو بلاد الأفغان هو محاولة الوصول عبر المعبر الأفغاني للمياه الدافئة في لحظة ضعف أميركي كبرى أعقبت"ضربة طهران".كان العامل الأفغاني طريقاً إلى تعجيل السقوط السوفياتي،ليس فقط كقوة عالمية عظمى(مؤتمر قمة واشنطن بين ريغان وغورباتشوف في ديسمبر1987)،وإنما أيضاً كمنظومة أوروبية شرقية ووسطى(1989)،ثم كدولة سوفياتية(1991).
عندما أصبحت واشنطن هي القطب الأوحد للعالم‘في تسعينيات القرن العشرين،كان أكثر ماركزت على منطقة الشرق الأوسط،بالقياس إلى كل المناطق الأخرى من العالم : يمكن تلمس هذا من محطات حرب1991،ثم من مسارات تسوية مؤتمر مدريد الممتدة من العاصمة الاسبانية في أوكتوبر1991وحتى فشل مؤتمر كمب دافيد الثلاثي في يوليو2000بين كلينتون وباراك وعرفات.وقد اعتبر بعض المعلقين الغربيين بأن دخول القوات الأميركية واحتلالها لبغداد في يوم9نيسان2003يمثل ذروة التحقق ل(مشروع أيزنهاور)في ملء الفراغ البريطاني بالشرق الأوسط،واتجاهاً أميركياً للتولي المباشر لشؤون الشرق الأوسط بعيداً عن وكالات محلية كالتي كانت للشاه في السبعينيات أولاسرائيل في حربي1967و1982.
هنا،كان اتجاه واشنطن إلى تعويم الدور التركي الاقليمي منذ عام2007تعبيراً ليس فقط عن فشلها كمحتل للعراق وإنما كذلك عن فشلها في "محاولة إعادة صياغة المنطقة"انطلاقاً من تلك البوابة البغدادية،وهو ماتجسد بالذات في لبنان2005ثم في استخدامها لذلك الوكيل الاسرائيلي في حرب2006التي قالت عنها وزيرة الخارجية الأميركية كوندويسا رايس بعد أيام من نشوبها بأنها"آلام مخاض ضرورية لولادة الشرق أوسط الجديد". حيث قاد ذلك الفشل الأميركي،عراقياً وشرق أوسطياً،إلى فراغات احتلتها طهران،أولاً في عراق مابعد صدام حسين من خلال قوى عراقية محلية كانت هي عملياً الممسكة بزمام الأمور منذ مايو2006،ثم في المنطقة الممتدة بين كابول والضاحية الجنوبية لبيروت وفي غزة مابعد14يونيو2007وفي صعدة التمرد الحوثي منذ عام2004.بالمقابل كان التعويم الأميركي للقوة التركية محاولة لموازاة ذلك المد الايراني ولصده من خلال قوة اقليمية،ولكنه أيضاً لم يحجب واقع أن سد أنقرة لفراغات القوة الأميركية كان تعبيراً عن عجز واشنطن عن إدارة اقليم الشرق الأوسط وهو الهدف الرئيسي لغزو واحتلال العراق،ولم يمنع بروز القوة التركية إلى حدود كادت تصل إلى شاطىء الابتعاد عن العاصمة الأميركية.
من محصلة هذا الوضع،أطلق الرئيس الايراني أحمدي نجاد،وفي أثناء زيارة لاسطنبول في خريف2009،تصريحاً اعتبر فيه أن "القوتين الوحيدتين لملء فراغ مابعد الانسحاب الأميركي من العراق"هما ايران وتركية:كانت مؤشرات الضعف الأميركي كثيرة آنذاك في الشرق الأوسط،وربما كان توقيع الاتفاق الثلاثي الايراني- التركي- البرازيلي (17مايو2010)حول الملف النووي الايراني هو ذروة علامات ذلك الضعف الأميركي،ماأدى إلى ذلك الإغماض لعيون واشنطن عن الهجوم الاسرائيلي على سفن المساعدات التركية لغزة بعد أسبوعين من ذلك الاتفاق،وهي رسالة أريد من خلالها افهام رئيس الوزراء التركي بمخاطر تجاوز الخطوط الحمر الأميركية.
في عام2011،الذي اكتمل بأواخر أيامه الانسحاب العسكري الأميركي من العراق،لم تتحقق نبوءة أحمدي نجاد:ازداد التباعد الايراني- التركي بفعل مفاعلات"الربيع العربي"،وازداد التقارب الأميركي- التركي بفعل ذلك"الربيع"،الذي من الواضح من خلال أمثلة تونس والقاهرة وطرابلس الغرب أنه يسير نحو تعميم عربي(ولومع تعثرات في المسار)للنموذج الاسلامي السُني الذي قدمه رجب طيب أردوغان في أنقرة برضا ومباركة أميركيتين،وهو مايوحي بأن الفشل الأميركي في العراق،وفي شرق أوسط2005-2010،يمكن أن يجري تعويضه عبر نفوذ وتلاقي مصالح لواشنطن مع قوى داخلية كماجرى في أعقاب ثورات أتت محصلتها لصالح الأميركان سواء الثورات التي جرت ضد حكام موالين لواشنطن مثل فرديناند ماركوس في الفليبين(فبراير1986)أوضد حكام كانوا موالين للسوفيات(دول منظومة حلف وارسو في أعقاب ثورات خريف1989).
بالتأكيد،فإن القبول التركي في أوكتوبر الماضي لنشر منظومة الدرع الصاروخي الأميركية في اقليم الأناضول هو تعبير عن ماسبق،سواء تجاه طهران التي أصبحت اقليمياً في عام2011أضعف من وضع2006-2010،وكذلك من حيث تعبيره عن التقارب التركي- الأميركي،ولكنه أيضاً يعبر عن موازين شرق أوسط (مابعد الربيع العربي)،الذي تجاوزت فيه واشنطن حالة الضعف التي كانتها في مرحلة 2006-2010،وهو ماسيجعل انسحابها العسكري من العراق ليس بمفاعيل مماثلة كالتي كانتها عند لندن عقب الانسحاب البريطاني من المنطقة مابين عامي1954-1971.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلم الدولة الكردية.. بين واقعٍ معقّد ووعود لم تتحقق


.. ا?لعاب ا?ولمبية باريس 2024: سباح فلسطيني يمثل ب?ده ويأمل في




.. منيرة الصلح تمثل لبنان في بينالي البندقية مع -رقصة من حكايته


.. البحث عن الجذور بأي ثمن.. برازيليون يبحثون عن أصولهم الأفريق




.. إجلاء اثنين من الحيتان البيضاء من منطقة حرب في أوكرانيا إلى